بعض مدعي اللغة والثقافة والأدب والفكر يشبهون العجوز التسعيني الذي هرع لعيادة الطبيب فرحا ، لا تسع الدنيا سعادته.
– ايها الطبيب…
قال لاهثا ، ناسيا ان يلقي السلام .
رأى الطبيب تهدجه الشديد ، وتوتره غير المخفي ، وكأنه خلق شابا من جديد، رغم عجزه عن الوقوف منتصب القامة . وبعد ان التقط انفاسه واصل العجوز قوله وهو يتهالك جالسا على مقعد :
– زوجتي حامل … وتنتظر مولودا …
لم يستوعب الطبيب للوهلة الأولى ما يقوله العجوز التسعيني المتهافت . تأمله محتارا وقرر ان يأخذه على قدر عقله .. متوقعا ان يكون الخرف قد أتى على كامل وعي العجوز واتزانه .
– وكم عمر زوجتك ؟
سأله الطبيب متوقعا جوابا يفيد انها بمثل عمره أو أصغر قليلا. أجاب العجوز بحماس:
– زوجتي بالعشرين من عمرها فقط .. وننتظر مولودا.
فوجئ الطبيب بجواب العجوز الذي يبدو له خرفا ، وقال لنفسه ” لعل العجوز يعيش وهما عابرا ، دعه بفرحه ” وبعد تأمل ، قرر ان يختبر ذكاء العجوز :
– اريد ان أحكي لك حكاية ..
قال الطبيب مفكرا …وأضاف :
– خرج أحد الصيادين للصيد ، وبدل ان يأخذ معه بندقيته ، أخذ بالخطأ شمسيته .ولم ينتبه لخطأه وهو يبحث عن صيد مناسب ، وفجأه هاجمه دب ضخم ، فصوب الصياد شمسيته نحو الدب وأطلق النار عليه وقتله . انتهت القصة .
فكر العجوز بالحكاية ، واعاد تفاصيلها لنفسه ، وبعد قليل برقت عيناه وابتسم :
– ولكن الصياد لم يكن يحمل بندقية ليطلق النار على الدب ويقتله ، بالتأكيد صياد آخر أطلق النار من بندقيته وقتله ..؟
– بالضبط .. صياد آخر … هذا ما أقصده … شخصا آخر ، مسلح ببندقية حقيقية .. فعل ذلك !!
هذه الحكاية الرمزية تشبه السؤال الفلسفي الأساسي عن السبب الأول للحياة ، للكون ، للزمان ، للمكان ، للفضاء ولكل سؤال مصيري يخطر على البال ..
الزوجة حامل !!
هذه هي الحقيقة الوحيدة المؤكدة . المجهول هو مطلق النار في الحالتين ،على الدب وعلى الزوجة … ولكن المؤكد أيضا ان هناك من أطلق النار، رغم انه غير معروف وغير محدد الهوية . . كما انه لا موت للدب بلا رصاصة ، اذن هناك مجهول أطلق الرصاص.. ُقتل الدب … َوَحملت الزوجة ، وبالتأكيد لم تحمل من اطلاق الرصاص على الدب ، وهذه أتركها لذكاء ابو العلاء الذي سيأتي ذكره بعد الانتهاء من حادثة قتل الدب.
وأيضا في قضايا اللغة . هناك دائما اشياء نجهلها ، أو تفاصيل غير كاملة حولها ، وكل وضوح جديد يقود الى المزيد من الأسئلة الأكثر تعقيدا ، والمزيد من المعرفة ، ولكن المعرفة أيضا لا تتوقف بل تطرح تحديات معرفية أكثر صعوبة .. ودواليك .. ومن هنا جاءت الفلسفة لتعطينا أدوات بالغة الدقة الفكرية للتعمق المعرفي والعلمي والتطبيقي.
يقول فيلسوف الثورة العلمية والحضارية الحديثة ، الفرنسي رينيه ديكارت :”لأن يحيى المرء بدون تفلسف هو حقا كمن يظل مغمضا عينيه لا يحاول أن يفتحهما، والتلذذ برؤية كل ما سيكشفه البصر لا يمكن أن يقارن بالرضى الذي ينال من معرفة الأشياء التي تنكشف لنا بالفلسفة”.
الا شخصا جديدا خرج علينا من “القرون الصحراوية ( بدل الحجرية ) الحديثة” بفكره ولغته وعقليته . يسمي نفسه ابو علاء عبد عبد الله ، قد يكون نكرة أيضا لأني لم أجد هذا الأسم ، ولا صورته المغرية ، كصور مهند مثلا ..ولكني سأتعامل معه كعنصر مادي وبغض النظر عن باقي التفاصيل التي تقيم الفاصل بين المادة في طبيعتها البدائية الأولى ، والمادة بأسمى أشكالها ، والتي تطورت منها الحياة !!
المدعو أبو علاء يتصرف بثقة مطلقة يحسد عليها ، تماما مثل العجوز التسعيني ، واثقا من قدراته ، يكتب بثقة منظرا ومؤللا جهالته بصيغ المعرفة، متوهما انه يملك الأدوات ( الشمسية مثلا لقتل الدب ) الفكرية واللغوية التي تجعل منه مفكرا بارعا وكاتبا عظيما . ربما لأن وزنه على القبان أكبر من وزن جميع المفكرين سوية. وبالطبع أكبر من وزن نبيل عودة ، وبالتأكيد أكبر من وزن زميل آخر تعرض لتفاهاته الفكرية واللغوية ، الاستاذ عودة بشارات.
ليعذرني الأستاذ عودة بشارات، فأنا لا أكتب للدفاع عنه ، وهو أقدر بالدفاع عن طروحاته ومواقفه من دفاع الآخرين عنها . ولا أكتب لأعرض نقاط الخلاف لأني لم أجد الا ردحا و”مجاحشة” كلامية من أبو علاء اياه – عبد عبدالله من الناصرة – نقطة .
عودة تعرض لهجوم غير متزن عقليا ولغويا من أبو علاء ابن الجني الحديث ووريث سيبوية والوصي الجديد على لسان العرب وعقلهم . وذنب عودة بشارات انه طرح مسالة لغوية حضارية بأسلوب ثقافي ممتاز بمقال عنوانه ” ولسة .. ولسة “. وبغض النظر عن قبول او رفض موقف بشارت ، لا شيء يبرر اسلوب الوصي غير العاقل أبو علاء.
المضحك ان وريث سيبوية وابن الجني ، يخطئ خطأ فاحش بعنوان مقاله أيضا ،ويكتب نصا مهينا للغة العرب ، مليء بالأخطاء والهزالة اللغوية ، والجمل غير الكاملة المفككة وغير الصالحة للنشر ، ولكن ما العمل وباب النشر صار مخترقا أمام التفاهات ، وامام التافهين وعواجيز التسعين ، فكرا ولغة وعقلا وقدرات .. ؟؟
اقرأوا عنوان مقالة ابن الجني ابوعلاء ، والرجاء عدم الضحك لأن جلده حساس : ” لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا عودة ” .. عنوان يشير الى الاستاذية والى الفهم .. للوهلة الأولى فقط!!
يبدو لي ان الأسم ” عودة” هو الذي يثير أبو علاء . حساسية ؟… لا حول ولا قوة الا بالله !! وكأن اسم أو كنية ” عودة ” هي فوطة حمراء نلوح بها ، ليس للعجوز هذه المرة … انما للثور في حلبة المصارعة الاسبانية ، أو الانترنيتية .
يقال المكتوب يقرأ من عنوانه .. هذا العنوان ونص المقال المفكك ، أثار شكوكي وانا لست لغويا أو مدعيا للمعرفة اللغوية ، وأعترف اني أكتب اعتمادا على سمعي ، وقد أخطئ ببعض القواعد ، ولا أخطي بصياغة الجملة الكاملة الواضحة المعنى. وأعرف كيف انتقل من نص سياسي فكري الى نص ثقافي ابداعي .
ارسلت مقال ابو العلاء لصديق لغوي متمكن من مهنة سيبوية الأصلي .وتلقيت توضيحا مثيرا ، دفعني لكتابة هذا النص . يقول زميلي اللغوي في توضيحه:
– ” صاحب هذا العنوان جاهل لغويا ، ونصه ضعيف وهزيل ، يخطئ في العنوان بكلمة مرتقا والصحيح مرتقى والعنوان كله أخطاء .. ونصه مليء بأكثر من عشرين خطأ لغويا ، عدا مبنى الجمل الضعيف والهزيل والذي يبدو كترجمة الكترونية من نص أجنبي ، وليس صياغة أصلية باللغة العربية. وهو يجعل القاعدة شواذا والأصل استهجانا ، ونشر هذا المقال عار ومهين ، وصاحبه تحت ادعاء التجديد يفتري على اللغة . والحال هنا تشبه المصاب باسهال شديد يجبره على التزام ” المنافع ” وتحمل المغص والأوجاع والروائح الكريهة”. ولكنا غير ملزمين بتحمل اسهال ابو علاء وروائحه .
وملاحظة أخرى أضافها صديقي اللغوي :
– مقالة عودة بشارات جيدة ويطرح موضوعا حضاريا يستحق التفكير والحوار ، وليس هذا الأسلوب من الردح ” التجاحشي ” المتخلف .
لا أكتب كما ذكرت دفاعا عن الاستاذ عودة بشارات ، الذي بيني وبينه خلافات فكرية وسياسية عميقة ، ولكن هذا لا يجعلني أتعامل معه ومع كتاباته بعداء مع سبق الأصرار والترصد .انما كصاحب موقف ، قد أقبل بعض مواقفه وقد لا أقبلها وأنقدها .
في مقاله ” ولسة .. ولسة ” يطرح مسألة حضارية بكل المقاييس ، وهو حقا لم يفكر بأن “الحمار ” يستطيع الاعتراض على رفعه أو كسره في اللغة .. الا بعد تدخل سيبويه الصحراوي المعاصر، رافضا تعذيب الحمير بالرفع أوالكسر ( ولم يقل رايه بذبحها والتهام لحومها ) بمقال هجومي غبي وتافه ومليء بالأخطاء اللغوية والعقلية. . وادعاء الاستاذية !!
– كاتب وناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com