قرأت ذات مرة عن أمير أمضى عشرين عاما، في سجن الباستيل الفرنسي، وحين اقتحم الثائرون السجن المذكور خلال الثورة الفرنسية، قاموا بإطلاق سراح السجناء، بمن فيهم الأمير الذي لم يكن سعيدا بحريته، فقام باستئجار غرفة في دار للمسنين، وأحكم إغلاق النوافذ والستائر، وقبع في الظلمة طيلة وقته، وعندما كان يدخل الخادم بالطعام له، كان يصرخ بوجهه، ويطلب منه عدم إزعاجه في ظلمته التي يستمتع بها.
ما أكثر ما يجمع بيننا وبين ذلك الرجل، وكم هو شبيه حاله بحالنا اليوم. فإذا كانت ظلمة عشرين عاما قد فعلت فعلها بذلك المسكين، فماذا ستفعل بنا قرون من العتمة والتحجر والتكلس؟
نصاب بين الحين والآخر بصحوة ضميرية وإنسانية، تحاول انتشالنا من الظلمة، لكنها تبوء بالفشل، لأن خفافيش الظلام تقف بالمرصاد لأي ضوء يعكّر انس وصفاء العتمة. فقبل فترة ليست بالقصيرة، حاولت الحكومة الأردنية، وبدافع من وعي إنساني، إلغاء مادة في قانون العقوبات، تلك المادة التي تمنح عذرا مخففا لمن يقتل دفاعا عن الشرف، فقوبل التوجه الحكومي برفض شديد من مجلس النواب والقوى العشائرية، والإسلامية المحافظة، التي رأت أن إلغاء مادة العذر المخفف، من شأنه أن يؤدي إلى شيوع الرذيلة في المجتمع!! وحجتهم أن أفعال المتهمين، كانت تحت وطأة الغضب الشديد، نتيجة عمل غير محق وغير أخلاقي، وقد سبب العار والمهانة للمتهمين!
ولا ندري كيف تكرّس العيب والعار في أفعال المرأة فقط، وليس في أفعال الرجل! ولا ندري كيف تلحق المرأة العار بالرجل، ولا يلحق الرجل العار بالمرأة!!
ومنذ أسابيع قليلة، وفي مصر، وعلى أثر صحوة المجلس القومي للأمومة والطفولة، الذي استشعر بمخاطر معاملة الطفولة، فتقدم بمشروع قانون الطفل ويتضمن بندا يجرم الآباء الذين يضربون أبناءهم، ويعاقبهم بالسجن ستة أشهر. نتقدم بعميق الشكر الى المجلس الموقّر، الذي ابتدع قضية تنفي التهمة “بأن العرب اتفقوا على أن لا يتفقوا”. فقد أجمعت واتفقت الأطياف السياسية المختلفة، من الحزب الوطني الحاكم، إلى الإخوان المسلمين والمستقلين، على إفشال إدراج هذا البند ضمن القانون، معتبرين أن هجمة العولمة، هدفها صبغ مجتمعنا بصبغة غربية، وبرأي الإسلاميين أن “الإسلام أعطى للوالدين الحق بتأديب الأبناء، وتعنيفهم وضربهم بغية مصلحتهم وصلاحهم”. وحذروا من الضرب المبرح، الذي يفقد الطفل أحد أعضائه، أو يحدث فيه عاهة دائمة، أو يترك فيه أثرا يحتاج الى علاج!! غافلين أو متغافلين، بأنه اذا كان بالامكان علاج الأذى الجسدي، فكيف يمكن علاج الأذى النفسي، في مجتمع لا يعترف بالعلاج النفسي، الا في حالة الجنون المطلق!
وفي فترة الثمانينات من القرن الماضي، وفي لبنان، تقدمت أحد الأحزاب العلمانية، بمشروع إقرار الزواج المدني في لبنان وجعله اختياريا، من منطلق ان الذين يختارون هذا النوع من الزواج المدني يضطرون الى السفر الى قبرص لإتمامه. وفي حال الخلاف بين الزوجين، فان المحاكم المدنية اللبنانية، مكلّفة بتنفيذ قرار الطلاق، وإعطاء كل طرف حقه، لذا فانه لا مبرر لعدم اجراء مراسيم الزواج في لبنان. قوبل هذا المشروع بالرفض والاستنكار من قبل بعض الفئات، وامتلأت شوارع بيروت، لا سيما منطقة الحمراء باليافطات والملصقات التي تندد بهذا القرار، وإطلاق تهم من عيار”انها محاولة لتعهير النساء وتفكيك الأسرة، وهدر الأخلاق و..” … وآنطوى الملف الى أجل غير مسمى.
ونبقى في لبنان أيضا، ومع مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، الخاص بالمسلمين، بما يضمن المزيد من الحقوق للمرأة، وتسوية وضعها الأسري والاجتماعي، بما يتماشى مع متطلبات العصر وحقوق الإنسان. لكن المشروع بقي طي الأدراج بسبب سدنة الظلام…
عمليّا، لم تعرف مجتمعاتنا، خاصة في الطبقات الاجتماعية المتواضعة، ثقافة الطفولة، وربما خير ما يعبر عن ذلك ، تلك التسميات التي تطلق على الأطفال، من مثل “الجهال” من الجهل، أو “البذور”، غير دارين ، بأن التعامل السيئ مع البذور، سوف ينبت ثمرا فاسدا.
وهنا يمكن أن نضيف نقطة في غاية الأهمّية: وهي قمع الأطفال واستباحتهم جنسيا، سيما البنات منهم. وتطالعنا الصحف بالعديد من تلك الانتهاكات، رغم التكتّم عليها، كونها من الموضوعات المحرّم الاقتراب منها او ملامستها، ليستمر”الفحول” في انتهاك أعراضهم التي “يغارون” عليها، ويثأرون من ضحاياهم بحجة الغيرة على الشرف.
قال أحدهم ذات مرة بأن الذين يولدون ويترعرعون في العبودية، يطربون على جلجلة أغلالهم. ونضيف بأن مجتمعا يطور حياته عبر نواميس قرون خلت، وعبر النبش في الماضي واستعادته بكل التفاصيل واجترار نصوصه، في عصر المتغيرات التكنولوجية، وبناء أنساق من الحياة تتماشى مع متطلبات العصر، لا يبقى لهؤلاء سوى العيش في أعماق الظلمات. وان أي تغيير في هذا الوضع، يواجه بالاتهام الأحمق… انه هجمة العلمانية لتغريب مجتمعاتنا، وتدمير بناء أسرنا، وإفساد أبنائنا… ولا يفهم من وجهة نظر البعد الإنساني والأخلاقي. فقد عانت المرأة والطفولة من الظلم في المجتمعات الغربية، قبل أن تنهض من كبوتها وتنجح في بناء نسق ثقافي انساني يتعامل مع المرأة كانسان ويعتني بالطفل لضمان المستقبل الأفضل.
يقول العرب بأن الأمور تكون بخواتيمها، أي بنهاياتها ونتائجها. وعلى هذا الأساس، فلننظر الى الغرب بأسره المفككة، وانحداره الأخلاقي، وقيمه المنحطة والمرفوضة، كيف استطاع انجاز التقدم الحضاري، والتكنولوجي، وغزو الفضاء، ورفع أعلامه فوق صخور كواكب، ما زالت عندنا رمزا رومانسيا. ولننظر الى مجتمعاتنا بقيمها الأخلاقية العالية، ومثلها الفضلى، وأسرها المترابطة المتكافلة، وأطفالنا الذين نؤدبهم بالعصا، وكيف اننا على الرغم من ذلك لم نقدم اسهامات ولو بحدها الأدنى، في أي مجال عمراني، بل كنا وما زلنا سوقا استهلاكيا لكل ما ينتجه الغرب من أبسط الصناعات حتى أكبرها مرورا بالانترنت الذي هو وسيلتنا لشتم ولعن الغرب المتآمر على مجتمعنا. دون التمييز بين الغرب السياسي والغرب الثقافي الحضاري. وكيف سيكون حالنا لو اننا رفضنا كل ما يأتينا من الغرب!
albakir8@hotmail.com
حنان بكير روائية فلسطينية من لبنان تقيم في أوسلو – النرويج
خفافيش الظلام والكفاح السلمي من أجل الطفل والمرأةان مشكلة العالم الاسلامي وقع بين فكرين وكلاهما لم يعالج المشكلة بشكلها الموضوعي فاما من جهة بعض التيارات الاسلامية خصوصا السلفية نتيجة للفهم الحرفي للنص لهم فهم سيء لجملة من الامور لذلك يحاولوا ان يرفضوا كثير من الامور بينما قد تكون لها كثير من الفوائد كما في حالة تعرض الابناء الى الضرب والتعذيب من قبل الاباء ومن جهة اخر الفكر الحداثتي يحاول ان يظهر نفسه انه صاحب الحل والذي يستطع وضع الحلول في مكانها الا ان هذا الفكر لا يقل تخلفا عن الفكر الاخر من خلال الاعتماد على اسلوب تقليد الغرب بكل شيء… قراءة المزيد ..
خفافيش الظلام والكفاح السلمي من أجل الطفل والمرأةالمقالة جيدة رغم أنه لا جديد فيها، و ما لفت انتباهي هذه الظاهرة التي لا وجود لها إلا في الثقافة العربية، وهي ظاهرة المجاملات الشخصية، وتصنيف الكتاب على مقاسات,,فإذا كانت هذه الكاتبة ( كبيرة ) حسب التعليق السابق، فهل هذا يعني أن هناك كاتب ( متوسط ) و كاتب ( صغير )..وقياسا على ذلك ما هو مقاس كاتبات مثل نوال السعداوي وعائشة تيمور وفريدة النقاش وغيرهن من المشهورات، هل نستطيع القول ( كالتبة سوبر كبيرة )…وهذا يتم استعماله بين الشعراء أيضا فنقول الشاعر الكبير…وهكذا فهذه ظاهرة حسب إطلاعي لا يستعملها سوى الكتاب العرب… قراءة المزيد ..
خفافيش الظلام والكفاح السلمي من أجل الطفل والمرأة عندما كتب طه حسين (في الشعر الجاهلي) أثار ضجة كبيرة وخرج المتظاهرون بجلابياتهم وعمائمهم يصرخون ضد طه حسين. فخرج اليهم طه حسين من الشرفة وخطب بهم قائلا: أحمد الله أنه خلقني أعمى كي لا أرى وجوهكم. أيجروء الآن أن يقف حرّ يواجه مظاهرة تعترض عليه؟ لقد شاهدنا خلال السنوات العشرين الماضية كيف تتحول المظاهرات ضد حرية التعبير الى دم وقنابل انتحارية وهستيريا ضد النفس وجنون وووو … فحتى معارضة المختلف صارت دموية. نعم. فالمقال يعبّر عن ملاحظة جيدة من الكاتبة الحرّة حنان بكير. فمنذ بدايات القرن الماضي كان الأحرار والمصلحين يكافحون من… قراءة المزيد ..