ثمة نظريتان، حتى الآن، حول ذيوع خبر اغتيال القائد العسكري لـ»حزب الله»، عماد مغنية: الاولى للباحث المصري مجدي كامل، صاحب كتاب «عماد مغنية- الثعلب الشيعي». ويقول هذا الباحث ان مغنية «إما مات ميتة طبيعية منذ فترة، أو لا يزال على قيد الحياة». ويتابع لـ»العربية نت» أن اعلان «حزب الله» اغتيال عماد مغنية «هو استثمار حدث صغير لإغلاق ملف عماد مغنية الملاحَق من قبل دول
كبرى».
اما النظرية الثانية، فشائعة وسط بعض الصحافة غير اللبنانية، وتقول ان عماد مغنية اغتيل فعلا. ولكن توقيت تشييعه في نفس يوم الذكرى الثالثة لإستشهاد رفيق الحريري، انما هو اخراج مقصود .
يمكن إهمال النظريتين، بصرف النظر عن صحتهما من عدمها، والانصراف الى ذكرى الحريري وتشييع مغنية بصفتهما مشهدين لحدث واحد من صنع القدر… بريئَين من خبث الاخراج السياسي الشائع… فماذا نرى؟
نرى إنقساماً عظيما أصابنا ونحن في الأخذ والرد حول حصص وخروق دستورية وقانونية، ومبررات وسوالف وتكذيبات: إنقسام عميق وجدي حول المفاهيم والتصورات والآمال… يبدو في وسطه أي حياد درباً من دروب المراوغة او الترف او التأجيل… او حتى الاذعان.
ذكرى رفيق الحريري: جماهيرها الملونة بكل الالوان. الفوضوية والمتزمتة والراقصة والرافعة شعارات ورايات مختلفة. خطباء مختلفون ايضاً، ومتفاوتون حدةً وحجماً. عددهم يتجاوز الخمسة عشرة مع العرّيف الخطيب. كلٌ له لهجته ولغته ومزاجه وايحاءاته. لكن ثمة موقف مدني (بمعنى غير مسلح) واحد للغالبية العظمى من الخطباء. الدفاع عن الدولة، عن لبنان، عن المؤسسات، إغلاق الخيم الامنية وفتح ابواب البرلمان والمؤسسات، انتخاب رئيس للجمهورية… خصوصا رئيس الجمهورية.
جمهور مدني جاء لإحياء ذكرى شهيد مدني. لم يحمل مرة السيف، ولا خوّن ولا هدر دماء. استشهاده حصل تحت الضؤ، لا لبس في كيفية الاغتيال نفسه، ولا في شيوع نبئه. وجهه مألوف ومحبوب، وقتلته معروفون، محصّنون. جمهوره يتوق الى ان تكون كل مقتلة، كل تفجير، كل اغتيال… هو الأخير. خاتمة الاغتيالات، خاتمة الاستشهاد.
وهذا الجمهور لا يعرف عماد مغنية، لا يعرف وجهه. وبعضه لا يراه بطلا شهيداً. فهو بنظرهم قتل مدنيين أبرياء أثناء «مقاومته لاميركا واسرائيل»، مهما كانت جنسياتهم، وعن سابق تصور وتخطيط دقيق. وهذا بالنسبة لهم يكفي.
المشهد الثاني، الموازي: تشييع «حزب الله» لعماد مغنية. صفوف مرصوصة. لون واحد، اسود. مظلات واحدة. شعار واحد «الموت لأميركا! الموت لإسرائيل!». واتجاه واحد لأصابع الاتهام: اسرائيل؛ قبل التفكير… قبل التحقيق، قبل «ظهور نتائج التحقيق» على غرار ما كان يطالَب به اثر اغتيال رفيق الحريري.
ثم خطاب واحد، طبعا للسيد حسن نصر الله. بعد «تأمل» شخصي وسريع؛ وبالتأكيد من غير استشارة «اقرب حلفائه» المقربين، موقعي وثيقة التفاهم المشترك… فما بالك بأجهزة الدولة؟ بالجيش الوطني الواحد؟ (أين الجنرال عون؟ في هذا المشهد التاريخي؟). يصرخ بنا اذاً نصر الله: «يرون في استشهاد الحاج عماد انجازاً عظيماً، ونحن نرى فيه بشارة عظيمة بالنصر الآتي والحاسم!».
يريد نصر الله الثار لدماء مغنية، عن طريق القتل، لا المحاكمة. الثأر الذي يتوعد به سوف يسجل في التاريخ بصفته «مرحلة بدء سقوط دولة اسرائيل». فحسب فينوغراد اسرائيل خسرت الحرب «الاولى» في لبنان، وهذا يعني انه «محكوم عليها بالسقوط وستسقط ان شاء الله!». وعلى هذا المنوال، يختم «فلتكن الحرب المفتوحة!». كل هذا والصراخ لا يهدأ، ولا الضغينة ضد 14 آذار الذين يصفهم باـ»أقزام» من موقع المارد الهادر… و»أسيادهم» في واشنطن وتل ابيب، وهو «سيد المقاومة»… والجمهور يلبّي النداء الجهادي رافعا قبضة يده وصارخاً أيضاً: «لبيك! اللهم لبيك!».
ولسان السيد لا يسعفه عندما يتطرق الى تصادف الحدثين: ذكرى الحريري وتشييع مغنية. اذ يصف الاول بـذكرى «الرئيس» رفيق الحريري (مع انه يتهم اسرائيل بقتله، لا سورية)… أما الثاني، التشييع، فكان وراء «الشهيد القائد» عماد مغنية.
إنكار الشهادة على رفيق الحريري شائعة وسط جمهور «حزب الله» والكثير من المعارضة… بالرغم من التمْتمات… كما هو الإنكار
الضمني لصفة الشهيد على عماد مغنية.
الفرق الاضافي الاساسي الآخر مع ذكرى الحريري، ان كل شيء فيه معادٍ لمنطق الدولة. والافق… الافق اذا وجد عند «حزب الله»، فهو توسيعه لـ»الساحة» اللبنانية؛ وفتحها على عالمية الموت والدمار… أفق عابر للحدود الوطنية، يرتسم معه الهلال المذهبي وملحقاته: حماس الفلسطينية شاركت في تشييع عماد مغنية، وكذلك جماعة الصدر العراقية، «جيش المهدي». اما «حزب الله» الكويتي، فأرسل بيان نعي بالفقيد الى قناة «المنار» استفز الكويتيين، حكومة واعلاما ونواباً… اذ يعتقد معظم الكويتيين ان مغنية قتل كويتيين مقابل
اطلاق سراح سجناء من حزب «الدعوة» في الثمانينات.
هذا هو الانقسام: ليس اعتباطا ان يوصف بناء عليه مشروع 14 آذار، بمشروع للحياة الممكنة. ومشروع 8 آذار بمشروع الموت المحتّم.
عتَب اقلام من 8 آذار على جمهور وخطباء 14 آذار بتجاهلهم «إستشهاد» عماد مغنية يعبّر ببلاغة عن هذا الانقسام. فمن دون الغوص في الذاكرة والرد على هذا العتب بمهرجان «الوفاء لسورية» وتقديم الهدية الحربية النادرة للعقيد المخابراتي رستم غزال، اثر اغتيال الحريري، ثم عرقلة اقامة محاكمة دولية للنيل من المجرمين… فإن الموضوع لم يعد يحتمل التكاذب. حدث 14 آذار 2008 يدفعنا الى تجاوز مرحلة العتب ورفع التعب: «تعترف لي بشهيدي، أعترف لك بشهيدك!». النقاش الآن يطال خيارات صميمية للموت والحياة. اي موت واية حياة؟ اي مستقبل مطلوب وممكن؟ الهدنة او قوافل الشهداء الابدية؟ وسلاح «حزب الله» الذي لا يجب ان يغيب عن هذا النقاش: فكل يوم يمر على ابقائه يعطي المزيد من القابلية لاعدائه ان يتماهوا معه. وهو سلاح بحاجة الى دور على «الساحة» التي اختارها ممولها وراعيها لتكون ساحة منازلة رئيسية مع العدو في «أم المعارك» الجديدة… من يتذكر «ام المعارك» الأخيرة؟
dalal.elbizri@gmail.com
* كاتبة لبنانية- القاهرة
الحياة
الانقسام حول الموت انقسام حول الحياة أيضاًوالله أصبت التحليل. لقد كنت حتى عام ٢٠٠٠ من اشد المعجبين بحزب الله. و كنت اظن انها مقاومة اسلامية صادقة. حتى إذا انسحبت إسرائيل و لم يضعوا السلاح، توجست خيفة. ثم كانت حرب عام ٢٠٠٦ فأدركت ان احساسي كان صادقا. كنت اكره ان ارى كل شئ في جنوب لبنان مصطبغ بصبغة حزب الله. هذه الاموال “الطاهرة” جاءت من ايران ليس لنصرة شعب لبنان بل لشراء محبة اهالى الجنوب. و بالتالي لشراء اصواتهم و ولائهم. تبين بعد ذلك ان هناك إضطراب في العلاقة بين سوريا و إيران اكثره لم يظهر للعيان، تجلى بعضه في حادثة… قراءة المزيد ..