الفونس ديب
أكد رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود ان خطورة الازمة السياسية الحاصلة في البلاد لم تعد محصورة بالاقتصاد، وقال “ان هذه الخطورة باتت ثانوية امام ما تشكله على بقاء اللبناني على ارض لبنان”، مشبها الوضع الحالي “بالنزف المستمر”.
ولفت الى ان الصناعة رغم الظروف الصعبة حققت نموا ملحوظا في صادراتها، مشيرا الى انجازات حققتها الصناعات اللبنانية في الاسواق والمعارض العالمية خلال 2007.
وأوضح عبود “ان كل الدول العربية التي وقعنا معها اتفاقيات تجارة حرة من دون استثناء تدعم الصناعة بشكل مباشر او غير مباشر، مخالفة شروط التجارة العالمية، لذا لا يمكن القول ان هناك قطاعا صناعيا سينمو وحده في لبنان من دون رعاية الدولة وحمايتها، ضمن ما هو متاح في الاتفاقات التي وقعها لبنان”.
وكشف عبود ان جمعية الصناعيين وجهت كتابا الى وزير العمل بالوكالة نبهت فيه الى “ان منع استيراد العمال الاجانب في ظل ازدياد هجرة اليد العاملة اللبنانية، التي تصل الى نحو 10 آلاف عامل شهريا، امر سيئ جدا على الاقتصاد الوطني، ويشكل خطورة حقيقية على مستقبل الصناعة في لبنان”.
ووضع عبود ثلاثة خطوط عريضة “المطلوب تنفيذها من العهد الجديد لمعالجة وضع القطاع: اعادة التعريف بموقع لبنان الاقتصادي وهامش الليبرالية الاقتصادية في لبنان، اعادة الاعتبار لوزارة الصناعة، محاربة الفساد من خلال اطلاق ورشة لتطبيق باريس 3″.
**
وفي حديث الى”المستقبل” عن أثر الازمة السياسية في القطاع الصناعي، والنتائج التي حققها في 2007، والاجراءات المطلوبة من العهد الجديد، أكد عبود ان خطورة التأزم السياسي الحاصل في البلاد، لم يعد محصورا بالاقتصاد، وباتت هذه الخطورة ثانوية على الاقتصاد امام الخطورة التي تشكلها على بقاء اللبناني على ارض لبنان، مشبها الوضع الحالي “بالنزف المستمر”.
وقال عبود “رغم الظروف الصعبة حققت الصناعة نموا ملحوظا ولاسيما على مستوى النتائج التي حققتها الصادرات، وهذا ما يؤكد ان الصناعة هي عصب الاقتصاد، وخصوصا انه في الاحوال الامنية والسياسية غير المستقرة التي يمر فيها اي بلد من البلدان تتمكن القطاعات الانتاجية على الصمود اكثر من القطاعات الاخرى. لذا اذا قارنا اداء القطاعات الاقتصادية لوجدنا ان قطاعي الصناعة والزراعة اثبتا قدرتهما على التكيف مع الاوضاع السياسية والامنية غير المستقرة التي يمر فيها لبنان”.
وأضاف “ان لبنان من خلال ازمته المستمرة واستحقاق رئاسة الجمهورية تمكن من الدخول الى المسرح العالمي من باب عدم قدرة لبنان واللبنانيين من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، رغم تدخل اوروبا واميركا وروسيا وكل الدول العربية، وهذا ما جعلنا لسوء الحظ الدخول الى المسرح العالمي من خلال سياسة الضعفاء، في حين انه من خلال الصناعة دخلنا اقوياء حاملين نحو سبعة آلاف سنة من الحضارة”.
واشار عبود الى ان “احدى شركات النبيذ الناشئة نالت سبع جوائز في اوروبا لجُودة انتاجها. كذلك تمكن احد الصناعيين اللبنانيين من ابتكار آلة لصناعة الاسيجة الحديدية، ونال على هذا الاختراع ميدالية فضية في اهم معرض للصناعات المماثلة. وقد تبنت شركات عالمية هذا الاختراع. كما لدينا اكثر من عشر شركات حصلت على شهادة ايزو 22000 التي يتم الحصول عليها بناء لمطابقات المواصفات والنوعية للمواصفات العالمية”.
وتابع عبود “انطلاقا من ذلك نقول انه من المؤسف ان القيادات السياسية غير قادرة على انتخاب رئيس للجمهورية في حين ان الصناعة تدخل المسرح العالمي بمنجزات سيذكرها التاريخ. وهذا يثبت ان اللبناني قادر على ممارسة دور رائد على المستوى العالمي”.
وبالنسبة للاستثمارات في هذا القطاع، اوضح عبود ان الاستثمارات في الـ2007 اقل من الـ2006، ولا يمكن ان ننظر الى هذا الموضوع خارج اطار الاوضاع المسيطرة على البلد وتكلفة الانتاج المرتفعة والجدوى الاقتصادية لأي نوع من الاستثمارات، لذا، فإن الجدوى الاقتصادية للصناعات التي تستخدم طاقة مكثفة او تلك التي تتعامل مع هذه الصناعات، منخفضة جدا في لبنان”.
وقال “لذلك اما ان يكون هناك قاعدة صناعية قادرة على توفير عناصر الانتاج لكل الصناعات اللبنانية والصناعات الداعمة لها والتوضيب باسعار مقبولة، او سيكون هناك مشكلة لدى كل الصناعات المحلية ولاسيما اننا لسنا في وحدة اقتصادية مع الدول العربية، وخصوصا ان كل بلد لا يترك صناعته تنمو نموا طبيعيا في منطقة التجارة الحرة العربية”. وأضاف “كل الدول العربية التي وقعنا معها اتفاقيات تجارة حرة من دون استثناء تدعم الصناعة مباشرة او بطريقة غير مباشرة، مخالفة شروط التجارة العالمية ان بالنسبة لدعم الطاقة او الارض الصناعية او الصادرات او بيع المواد الخام المنتجة محليا باسعار تشجيعية للصناعات المحلية”.
وتساءل “هل يمكن ان نكون في اطار اتفاقية تجارة حرة عربية تقوم فيها دولة ببيع الكهرباء بسانت ودولة اخرى تبيعها بـ30 سانتا، ودولة تسلم طن المازوت بـ50 دولارا ودولة اخرى بـ800 دولار. لذا لا يمكن القول ان هناك قطاعا صناعيا سينمو وحده في لبنان من دون رعاية الدولة وحمايتها ضمن ما هو متاح في الاتفاقات التي وقعها لبنان”.
وعن المطالب التي تم تحقيقها في العام الماضي اشار الى ان ابرز ما تم تحقيقه هو موضوع تعرفة الكهرباء المخفضة في الليل. وقال “لكن الموضوع لم يتم الاستفادة منه كما كان متوقعا”، لافتا الى ان عدد الصناعات المستفيدة من تعرفة الكهرباء الليلية (50 ليرة كل كيلو) لا تشكل سوى 2 في المئة من المصانع اللبنانية، “لان كل خطوط الانتاج في الصناعة المكثفة لا يمكنها ان تتعايش مع تيار كهربائي ينقطع اكثر من ست مرات في اليوم، خصوصا ان اعادة تشغيل المكنات بعد كل مرة من انقطاع التيار يتطلب اكثر من نصف ساعة، ناهيك عن البضائع التي تتلف في هذا الاطار”.
واستغرب عبود السياسة المتبعة والتي تمنع المصانع اللبنانية من استخدام اليد العاملة الاجنبية، في حين ان كل دول العالم تسلبنا اليد العاملة والماهرة من خلال الرواتب المرتفعة التي تدفع لها، ولا نستطيع الحصول عليها في لبنان.
وإذ اكد عبود ان الخطورة كبيرة جدا في هذا الاطار، اشار الى ان جمعية الصناعيين وجهت كتابا الى وزير العمل بالوكالة نبهت فيه الى “ان منع استيراد العمال الاجانب في ظل ازدياد هجرة اليد العاملة اللبنانية التي تصل الى نحو 10 آلاف عامل شهريا، امر سيئ جدا على الاقتصاد الوطني، ويشكل خطورة حقيقية على مستقبل الصناعة في لبنان”.
وبالنسبة لمطالب الصناعيين من العهد الجديد، قال “اليوم البكاء على الاطلال لن يفيد خصوصا في ظل الاوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد منذ اغتيال الرئيس الحريري. لذلك سنتحدث عن المستقبل، وهنا نرى ان المطلوب تحقيق رزمة من الامور ابرزها:
ـ اعادة التعريف بموقع لبنان الاقتصادي وهامش الليبرالية الاقتصادية في لبنان، اي من اين تبدأ وأين تنتهي، خصوصا اننا وسط سياسة ليبرالية حرة مبنية على التنافس وفي الوقت نفسه نتعامل مع احتكارات عديدة ومنتشرة في كل مكان في اقتصادنا لاسيما المرفأ المواصلات الكهرباء المياه ونقابات المهن الحرة، فضلا عن الفساد المستشري والروتين الاداري المعقد الذي يفرض عشرات المراحل لانجاز اي معاملة في دوائر الدولة. كما انه لا يمكن لبلد يحمي قطاعه التجاري وقطاعه المصرفي وقطاع التأمين، ان يترك قطاعه الصناعي عرضة لكل انواع المنافسة غير المشروعة، خصوصا اننا نسمح استيراد بضائع من دول عربية شقيقة معفية من كل الرسوم وهي مصنعة 100 في المئة بأيد اجنبية وممولة بتمويل اجنبي وليس لها علاقة بالعرب الا كونها موجودة في ارضهم.
ـ الموضوع الثاني المطلوب من العهد الجديد اعادة الاعتبار لوزارة الصناعة، فالوزارة اليوم اسم لغير مسمى، خصوصا ان لا صلاحيات لديها تذكر لتنمية الصناعة في لبنان لاسيما خفض تكاليف الانتاج، والاجراءات الوقائية، اذ لا تستطيع ان تخفض التكاليف ولا تستطيع ان تحمي، كما انه لا دور لها بالتجارة الخارجية لا من بعيد ولامن قريب، بعكس كل دول العالم خصوصا ان الصناعة مربوطة بالتجارة الخارجية، لذلك فان اول مبدأ هو ضرورة ان تسمى وزارة الصناعة والتجارة الخارجية لانه من المفترض ان يكون موضوع التصدير محصورا بوزارةالصناعة، كذلك من الضروري حصر كل انواع التراخيص بوزارة الصناعة، وحصر كل الامور المتعلقة بالصناعة بوزارةالصناعة ليتمكن الوزير من الانتاج.
ـ الموضوع الثالث هو محاربة الفساد بكل ما للكلمة من معنى. فالفساد متفش كثيرا، ومعالجته تبدأ بإطلاق ورشة لتطبيق باريس 3، وإطلاق مجلس التنافسية الذي يجب ان يكون سيد نفسه ولا يتبع لاي جهة ليتمكن من بناء اسس لاعادة التنافسية والقضاء على الفساد، وأبرز عناوين ذلك التخلص من التعقيدات في المعاملات.
وقدر عبود حجم الفساد في المعاملات الاجرائية اليومية باكثر من مليار دولار سنويا.
(المستقبل)