ملخص لورقة قدمها فؤاد حمدان، مؤسس “غرينبيس لبنان” والمدير السابق لـ “أصدقاء الأرض”، في مؤتمر بعنوان “حروب خضراء؟ البيئة بين النزاع والتعاون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، نظمته “مؤسسة هاينرتش بويل” في 3 تشرين الثاني 2007 في بيروت
*
يتميز أسلوب العمل الحالي للاقتصاد العالمي المعتمد على الطاقة بالبعد التام عن الاستدامة، فهو يقوم على الحرق الهائل للوقود الأحفوري، مثل النفط والغاز والفحم. وتتمثل النتيجة في زيادة كبرى في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المضرة بالبيئة. وسيكون لنتائج التغير المناخي تأثير كبير في الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط. فمعظم القادة العرب يتعامون عن قضية التغير المناخي، على الرغم من أن الإنكار سيجعل مجتمعاتهم تدفع ثمناً مرتفعاً في المستقبل. وسيتمثل هذا الثمن بمال كثير وبأرواح بشرية كثيرة.
ويُرجح كثيراً أن تؤدي النتائج الاجتماعية للتغير المناخي إلى اضطراب سياسي في المنطقة عن طريق إطلاق موجات من اللاجئين البيئيين من بلدان مثل مصر، على غرار ما حصل في مأساة دارفور في السودان. ويمكن للنتائج على صعيد الاقتصاد والمناطق السكنية حيث يعيش ملايين الناس في الشرق الأوسط أن تؤدي إلى نتائج سياسية جذرية. لذلك فإن التغير المناخي قضية من قضايا السلام والأمن أيضاَ.
مبادرات إيجابية
تقبّل عدد قليل جداً من القادة العرب الإثبات العلمي للتغير المناخي أُثبت. ففي العام 2006، تبنّت أبو ظبي تقنيات الطاقة المتجددة والمستدامة. وبما أنها أولى الكيانات السياسية الرئيسية المنتجة للنفط التي تتخذ خطوة من هذا النوع، أطلقت “مصدر”، وهي مبادرة إستراتيجية يتمثل هدفها الأساسي في جعل الإمارة مركزاً دولياً للبحث والتطوير في مجال تقنيات الطاقة المتجددة. وبحلول العام 2009، ستكتمل المرحلة الأولى من مدينة مصدر، التي تُعتبر أول مشروع للتنمية المدينية لا يُنتج أي كربون أو نفايات.
وفي مصر، عالجت الحكومة موضوعاً حساساً سياسياً عن طريق وضع سياسة جدة للتسعير تقضي بالتخلص التدريجي من الدعم الحكومي للغاز والكهرباء للقطاعات المعتمدة بشدة على الطاقة، لأن خفض الدعم الحكومي للطاقة شرط من شروط الحفاظ عليها.
وبدأ تغيير حقيقي يحصل في قبرص وإسرائيل. ففي آب 2007، أعلنت كنيسة الروم الأرثوذكس في قبرص خططاً لاستثمار 234 مليون دولار في مصنع لإنتاج الألواح الشمسية. فقبرص وإسرائيل تتشاركان الاهتمام باستخدام السخانات الشمسية، لكن ذلك لا ينطبق على العالم العربي. وتُعتبر هذه السخانات أجهزة بسيطة جداً تجمع الطاقة الشمسية وتحولها إلى حرارة لتسخين المياه. ويملك أكثر من 90 بالمائة من المنازل في قبرص وإسرائيل سخانات شمسية للمياه. فالقانون يفرض ذلك.
وفي كاليفورنيا، بنت شركة إسرائيلية في العام 1990 أكبر معمل في العالم للطاقة الحرارية الشمسية المركزة. ويُتوقع في هذه الأثناء أن تبني إسرائيل معملاً أكبر من هذا النوع في صحراء النقب. وسيؤمّن المعمل الجديد 100 ميغاوات من الطاقة، على أن يزيد الإنتاج إلى 500 ميغاوات، أي خمس الطاقة الإنتاجية الكهربائية في البلاد تقريباً. ويمكن لـ 20 معملاً من هذا النوع أن تغني إسرائيل عن استيراد الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء. ويمكن نظرياً لمعامل الطاقة الشمسية في النقب أن تولّد كل ما تحتاجه إسرائيل من الكهرباء على مساحة 225 كيلومتراً مربعاً من الأرض المناسبة.
سبل خاطئة
يجب أن يعي القادة العرب أن بعض الحكومات والشركات في الدول النامية يروج لتقنيات قديمة أو خطرة أو مثيرة جداً للجدل كحلول للتغير المناخي. وتشمل هذه التقنيات الطاقة النووية و”الفحم النظيف” (أو التقاط الكربون وخزنه).
إن تاريخ العصر النووي مليء بالأحداث المؤلمة. وحتى خلال العمل الطبيعي، تتسرّب الإشعاعات إلى الهواء والمياه. ويُعتبر ما يُسمى الجيل الجديد من الطاقة النووية بعيداً عن الأمان. ولم يُعثر بعد على حل يسمح بالخزن والمعالجة الطويلي الأمد للنفايات المشعة.
وتعلن للأسف دول عربية كثيرة اهتمامها بسلوك السبيل النووي، ومنها مصر والجزائر والمغرب، على الرغم من أن الاستثمار في الطاقة النووية عبارة عن خسارة كبرى للمال. وتُقدر كلفة بناء معمل للطاقة الحرارية الشمسية المركزة بطاقة 140 ميغاوات في مصر بـ 140 مليون دولار، أي مليون دولار للميغاوات الواحد. في المقابل، تبلغ كلفة بناء معمل للطاقة النووية 1.5 بليون دولار على الأقل لكل ألف ميغاوات، أي 1.5 مليون دولار للميغاوات الواحد. لذلك ليس الخيار النووي خطراً فحسب بل غير متعقل اقتصادياً لأن كلفته تبلغ 1.5 ضعف كلفة خيار الطاقة الحرارية الشمسية المركزة.
ولا تزال تقنية التقاط الكربون وخزنه حلماً، وستعني في حال تحققت ضخ ثاني أكسيد الكربون في البحار أو باطن الأرض – مع الأمل بألا تنتج أضرار عن ذلك أو يحصل تسرب. وفي مطلق الأحوال، يذكرني كثيراً خزن ثاني أكسيد الكربون في باطن الأرض بالمشاكل التي نواجهها حالياً مع النفايات النووية في بلدان كثيرة. فما من أحد يعرف أين يخزنها بأمان لآلاف السنوات. وإن تمكننا من إخفاء ثاني أكسيد الكربون في منجم يُزعم أنه آمن، فلا ضمانة لعدم تسربه يوماً ما. والواقع أن خزن ثاني أكسيد الكربون والنفايات النووية في باطن الأرض يعني إلقاء مشاكل كبرى على عاتق الأجيال المقبلة.
الثورة الشمسية
أمام العالم العربي بضعة عقود فقط قبل أن تنفد الاحتياطات النفطية. ويعني الاستثمار المقتصر على استكشاف النفط والغاز أن المجتمعات العربية ستواجه مشاكل شائكة يوماً ما. فالمطلوب الانتقال إلى استثمارات كبرى في وسائل موفرة للطاقة وتقنيات صديقة للبيئة. والخلاصة أن على العرب أن ينوعوا اقتصاداتهم لأن العيش مع النكران سيؤدي إلى كارثة اقتصادية واجتماعية.
أما أنا فأؤمن بأن المستقبل الاقتصادي للعالم العربي يتمثل في الطاقة الشمسية. وهكذا تتلخص المسألة أساساً في تحقيق إرادة سياسية بتحويل ضوء الشمس إلى حرارة وكهرباء تكون فاعلة ومستدامة ورخيصة ما أمكن.
فلنتخيل في العالم العربي كله ملايين الكيلومترات المربعة من الألواح الشمسية أو معامل الطاقة الحرارية الشمسية المركزة التي تنتج الكهرباء أو الهيدروجين. إن إنتاج الهيدروجين طريقة مستدامة لتحقيق اقتصاد نظيف تُخزن فيه الطاقة أو تُنقل في خطوط أنابيب أو صهاريج. فحين يُحرق الهيدروجين في أنظمة التسخين ومعامل الطاقة والمركبات والطائرات، لا ينبعث في الجو غير الماء.
ولا يمكن للرؤية المتضمنة تحويل الدول العربية إلى مصدّر للكهرباء النظيفة والهيدروجين أن تتحقق إن لم تستثمر الحكومات والقطاع الخاص بكثافة في هذه التقنية وفي بنية تحتية عالمية جديدة خلال عقود عديدة. وفي ضوء هذه الإستراتيجية، تقلص الدول النفطية تدريجياً إنتاجها النفطي فيما تزيد صادراتها من الكهرباء النظيفة والهيدروجين. وستدوم مخزونات النفط لقرون، وستستفيد الأجيال العربية المقبلة منها. وليس إنتاج الهيدروجين على صعيد صناعي في العالم العربي حلماً لأن التقنية موجودة. ومن المغرب إلى العراق ومن سوريا إلى اليمن، ثمة مناطق صحراوية غير مأهولة يمكن أن تُستخدم لإنتاج الكهرباء والهيدروجين من الطاقة الشمسية. وسينقذ ذلك مناخنا ويضمن البقاء الاقتصادي للعالم العربي في عصر ما بعد النفط.
سياسات وقف التغير المناخي
وضعت “غرينبيس” في العام 2007 تقريراً يبرز منافع انتهاج سبيل الطاقة المستدامة في الشرق الأوسط. وتشمل المنطقة، وفقاً للتقرير، إيران والعراق وإسرائيل والأردن ولبنان وسوريا ودول الخليج. ويُتوقع أن يبلغ عدد سكان هذه الدول 350 مليون شخص في العام 2050. ولتلبية حاجات هؤلاء، ستؤدي التنمية الاقتصادية وفقاً لما هو متبع اليوم إلى زيادة هائلة في إنتاج الطاقة المضرة بالمناخ والملوثة له واستهلاكها. يقول التقرير: “إنه سبيل إلى الدمار البيئي والاقتصادي ويهدد الأمن العالمي والإقليمي”.
ويتلخص الاستنتاج الأبرز في السيناريو الذي وضعته “غرينبيس” بالتالي: “إن تلبية الطلب على الطاقة باستخدام تقنيات الطاقة المتجددة وبرامج فاعلية الطاقة والأنظمة اللامركزية للطاقة يمكن أن تتحقق مع الحفاظ على النمو الاقتصادي. ولا يعني ذلك العودة إلى نموذج اقتصادي سابق للتصنيع، بل يعني أن الدول النامية كدول الشرق الأوسط، يمكنها أن تحقق المستوى والنوعية العاليين للحياة اللذين تتمتع بهما الدول المسماة ’متقدمة‘ من دون تدمير البيئة. ويتحقق ذلك بالفصل بين النمو الاقتصادي واستهلاك الطاقة. فمع استخدام تقنيات الطاقة المتجددة وبرامج تفعيل الطاقة والحفاظ عليها، يمكن للنمو الاقتصادي أن يستمر من دون زيادة هائلة في استخدام الطاقة وبالتالي في التلوث”.
لا أحد يقول بعدم المساس بالنفط والغاز في باطن الأرض. لكن للمساعدة في تجنب التغير المناخي، يجب أن يترافق خفض عالمي في انبعاثات غازات الدفيئة مع خفض في الكمية المحروقة من النفط والغاز والفحم. ولا يعني هذا بالضرورة كارثة اقتصادية للدول العربية المنتجة للنفط، بل على العكس، يمكن أن يمثّل فرصة تاريخية، وهذه الفرصة هي الطاقة الشمسية، التي تنتجها الألواح الشمسية أو معامل الطاقة الحرارية الشمسية المركزة.
قال وزير النفط السعودي السابق الشيخ أحمد زكي اليماني يوماً: “سينتهي عصر النفط قبل مدة طويلة من نفاد النفط في العالم”. وتتلخص المسأٍلة الآن في مدى مواجهة القادة العرب للتحدي المتمثل في تحقيق تنمية اقتصادية أقل اعتماداً بكثير على النفط وبالتالي التنويع بطريقة مستدامة. إن الوقت يدهمنا.
fouadhamdan59@yahoo.de
مواضيع ذات صلة:
Le Sahara générateur d’électricité ?
Hervé Kempf
**
نشأ فؤاد حمدان في بيروت حيث التحق بـ”الليسيه الفرنسية – اللبنانية”* و”المدرسة الألمانية” حتى العام 1981. وهو مولود لأم ألمانية وأب لبناني. نال الماجستير في العلوم السياسية من “جامعة هامبورغ” في العام 1986، ثم التحق بـ”وكالة الصحافة الألمانية” صحافياً ومراسلاً في ألمانيا ومصر والخليج بين العامين 1987 و1992.
بدأ العمل في “غرينبيس” في لبنان بين العامين 1994 و1999 حيث قاد حملات ضد النفايات السامة المستوردة ومكبات النفايات ومحارقها والتلوث الصناعي. وانتخب “رجل العام” في بيروت في العام 1999. عمل بين العامين 1999 و2004 مديراً للاتصالات في”غرينبيس ألمانيا”، وتولى في العام 2005 مسؤولية العلاقات العامة في الشركة العالمية للوجستيات “دويتش وورلد وورلد نت” التي تملك شركة “دي إتش إل”.
وبين العام 2006 وتموز 2007، عمل مديراً لـ “أصدقاء الأرض” في بروكسيل، وهي مجموعة ضغط على صعيد الاتحاد الأوروبي في مجال القضايا البيئية، مثل التغير المناخي.
ويُعتبر مطلعاً على السياسات البيئية العالمية، وكذلك على السياسة والاقتصاد والثقافة في العالم العربي. ويهتم بشكل خاص بتمتين المجتمع المدني.