في نهاية فقرة الإسلام وحقوق الإنسان أكد التقرير الأول (وأنا اتفق مع ما جاء فيه) للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية، على مسؤولية الدولة في هذا المجال حيث ذكر ”ويبقى على عاتق الحكومة إيجاد الوسائل الفعالة لحماية هذه الحقوق، بما في ذلك تشجيع قيام الجمعيات والهيئات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان والسعي إلى توضيح وتحديد الإطار الشرعي لهذه الحقوق. وانبثاقاً من كون مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقرت حقوق الإنسان هي مبادئ دستورية بالمعنى القانوني للكلمة في المملكة، فإنها ستكون بالتالي أكثر حفظاً واحتراماً في ظل وجود محكمة عليا يناط بها رقابة تطبيق هذه الحقوق في البلاد”.
وفي هذا الصدد لابد من التنويه بصدور نظامي القضاء وديوان المظالم في مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي والذي تضمن لأول مرة تشكيل المحكمة العليا، باعتباره خطوة مهمة على صعيد تطوير القضاء وتعزيز صلاحياته واستقلاليته عن السلطة التنفيذية، وعن التأثيرات والتدخلات المباشرة من قبل بعض أجهزتها الإدارية، والتي أكدت عليها مواد النظام القضائي الجديد المفترض أن يدخل حيز التنفيذ قريبا حيث تضمنت المادة الأولى: القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في القضاء. المادة الثانية القضاة غير قابلين للعزل إلا في الحالات المبينة في هذا النظام.
كما نص نظام القضاء الجديد على إنشاء ”المجلس الأعلى للقضاء” حيث أصبح يتولى جميع الاختصاصات الإدارية لجهاز القضاء، وهو ما من شأنه تعزيز سلطة القضاء واستقلاله، ومن بينها- الإشراف على المحاكم والقضاة وأعمالهم التي كانت تتولاها سابقا وزارة العدل. وتضمن نظام القضاء الجديد، ترتيبا جديدا متقدما للمحاكم تتضمن المحكمة العليا، ومحاكم الاستئناف، ومحاكم الدرجة الأولى التي تشمل المحاكم العامة، المحاكم الجزائية، محاكم الأحوال الشخصية، المحاكم التجارية، المحاكم العمالية.
كما نص النظام على استحداث محاكم الاستئناف في كل منطقة، وأهمية هذا التقسيم الجديد تتمثل في وجود درجة ثانية (لم تكن موجودة سابقا) للتقاضي قبل أن تبت ”المحكمة العليا ”بالحكم، حيث أصبح لها جميع الاختصاصات والصلاحيات لمحاكم التمييز السابقة التي لا يتاح التقاضي أمامها بل يقتصر دورها على تمييز الحكم من الناحية الموضوعية أو الشكلية والتي غالبا تأتي قراراتها مصادقة للحكم الأولي. وقد تضمن النظام الجديد لديوان المظالم على التأكيد بأنه هيئة قضاء إداري مستقل. ويتمتع قضاء الديوان وقضاته بالضمانات المنصوص عليها في نظام القضاء ويلتزمون بالواجبات المنصوص عليها فيه. لا شك أن هذا النظام يمثل خطوة متقدمة إلى الأمام مقارنة بالسابق، على صعيد صيانة مبادئ العدالة، وضمان حقوق المواطنين في التقاضي العادل.
غير انه مازال هناك الكثير مما يتعين عمله على هذا الصعيد في مقدمتها ضرورة وضع مسطرة أو مدونة موحدة لتقنين الأحكام العامة، وأحكام التعزير، تكون بمثابة دليل ومرشد وعاصم للقاضي من الوقوع في الزلل والخطأ والمحاباة والتجاوز والانتقائية، وتمنع التباينات الحادة في الأحكام التي يصدرها القضاة إزاء قضايا متماثلة، وفي هذا الصدد لم يعد مقنعا أن تستند الممانعة على هذا الصعيد بوجود الكتاب والسنة. وفي الواقع هناك الكثير من الأنظمة الصادرة تعد بمثابة قوانين ملزمة (رغم التحاشي المقصود لمسمى قوانين) يجر الالتزام بها والعمل بمقتضاها، مثل النظام الأساسي للحكم وهو بمثابة الدستور (رغم أن النص فيه على مرجعية الإسلام والكتاب والسنة) ونظام مجلس الشورى، ونظام المقاطعات (الصادرة في مارس/آذار 1992)، الى جانب انظمة ديوان الخدمة المدنية، المرور والإقامة والجوازات والقضاء التجاري (مرجعيته نظام الأوراق المالية) والقضاء العمالي (مرجعيته نظام العمل والعمال ) وقوانين الاستثمار، وأنظمة الشركات والمؤسسات والتأمين، وغيرها العشرات من التنظيمات.
في الواقع فإن السعودية هي البلد الوحيد في العالمين العربي والإسلامي التي لا توجد في أنظمتها القضائية والعدلية حتى الآن مدونة ومسطرة واضحة وملزمة للإحكام ناهيك عن غياب قوانين للأحوال الشخصية والأسرة. وهناك أمر آخر يتعلق بحقوق المكونات المذهبية الأخرى في السعودية إذ يتعين عدم تجاهل وجود مذاهب وفرق سنية (مالكية وشوافع) وشيعة وإسماعيلية وزيدية وهي لا تتوافق بالضرورة مع المذهب الرسمي (الحنبلي) السائد في الدولة، وبالتالي هناك حاجة لمنتسبيها (المذاهب الأخرى) في التقاضي وفقا لمذاهبها، وخصوصا في مجالات الأحوال الشخصية والمواريث والأوقاف والبيوع وإصدار الصكوك والإفراغ، مادام الطريق غير معبد بعد للتوصل إلى تشكيل قضاء غير مذهبي، يعبر عن الأحكام العامة للدين، والمشتركات الأساسية للجميع، إلى جانب القوانين والأنظمة الوضعية المستجدة. ونشير هنا إلى استقالة قضاة المحكمة الجعفرية في كل من القطيف والاحتساء احتجاجا على مصادرة وتقليص صلاحياتهما من قبل وزارة العدل. ونأمل في ظل النظام الجديد للقضاء أن تحل هذه الأزمة سريعا، منعا لإفرازاتها السلبية على الوحدة الوطنية والوئام الأهلي والاستقرار والسلم الاجتماعي. نظامي القضاء وديوان المظالم جاءا استكمالا لصدور عدة أنظمة عدلية في السعودية في السنوات السبع الأخيرة نذكر منها نظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعات الشرعية (2000) ونظام المحاماة (2000) والتنظيمات والقواعد الجديدة لعمل ”هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وغيرها من التنظيمات الصادرة.
na.khonaizi@hotmail.com
* كاتب سعودي
صحيفة الوقت البحرينية