سيغورد شيربك Sigurd Skirbekk بروفسور في جامعة أوسلو في النرويج ومن الكتاب المتميّزين في الإدلاء بوجهات نظرهم الحرّة رغم ما واجهه من إتهامات ونقد واستبعاد. لكنه ينظر اليه على أنه من العلماء الأجتماعيين الجدّين. وهو النرويجي الوحيد من المهتميّن بدراسة الحضارات ونقدها، وعلى هذا الأساس فقد مثّل الوسط الأكاديمي النرويجي في مؤتمرات عالمية أقيمت حتى في الصين و العالم العربي. وهو من كتّاب” الجزيرة نت”. وكان شيربك من أوّل المبادرين في الأعتراض على أنشاء مركز الهولوكوست لكي لا يساء أستخدامه في دعم أسرائيل أوبالتغطية على ابادات جماعية كبرى ضد أقوام غير اليهود. وشيربك من أبرز ناقدي الغرب والمشاريع الأمريكية. وهذا المقال نشر في جريدة الأفتنبوسطن بتاريخ 28 \ 7\2007 وهو يتناول نقد مشروع امريكا في نشر الديمقراطية في العالم ابتداءً بالعراق. ويتناول بنقده أيضا الديمقراطية السائبة التي لا تضبطها أرادة الناس في تحديد الأنفجار السكاني في أوروبا بين المهاجرين والمسلمين وكذلك التأثير الصناعي المسبب لتلوث البيئة.
*
ثوابت غير قابلة للنقاش: بينما صار الحديث عن الحرب العالمية الثانية وانشاء الأمم المتحدة متداولا في الغرب بشكل مستمر حتى صار تطوّر الديمقراطية يحمل معنى انتصار الخير على الشر، وأصبح طرح أي علامة استفهام حول الديمقراطية كشكل للحكم أقرب الى المحرّمات في عالمنا الغربي.
تحدي الديمقراطية : العمليات العسكرية بين الفلسطينيين في غزة وضعت أطرافا عدة في ورطة محزنة. ولا يتعلق هذا ألأمر بالأطراف المتنازعة فقط ، و لكن يتعلق الامر أيضا بالمعلقين الذين يمكنهم تقديم نصائح مفيدة للسياسيين. ذلك أنهم من ناحية يفضّلون الأطراف التي لديها برامج يحتمل أن تقدم حلولا سلمية. ومن ناحية أخرى فأنهم يشعرون بالإلتزام في دعم الأطراف التي تمّ انتخابها بطريقة الأكثرية الديمقراطية. وليس من السهل التوحيد بين وجهتي النظر تلك، سيما اذا ما تعلقت بتنظيم مثل “حماس” التي حصلت على موافقة و استحسان الأكثرية في الأنتخابات.
هذا المأزق الذي يأخذ بعين الاعتبار التوجه نحو السلام. ومن جانب آخر الإلتزام بالتوجه الديمقرا طي لا نجده فقط في الشرق الأوسط. فان نتائج الأنتخابات الجزائرية قبل عدة سنوات وضعت الكثيرين في ذات المأزق. وكان الإعتراف المحبط بأن نتائج ألأنتخابات الديمقراطية لا تخدم السلام دوما.
إنتصار الخير: الديمقراطية تُفهم بأنها قيمة كونيّة أكثر من كونها نموذجا سياسيا مثاليا له عدّة شروط. وفي حال عدم توفر تلك الشروط، فان من الصواب البحث عن ادارة حكم أخرى. كون هذا النموذج الديمقراطي لا يؤدي مهامه المرجوة. والشرق الأوسط هو المنطقة التي تحتاج الى الحل الثاني .
ويفترض انّ هذا الامر من وجهة نظر علماء الإجتماع لا يشكّل مشكلة ما‘ ولكنه يشكّل مشكله في الحوارالسياسي. ومن جوانب عدّة، كانت مناقشة الحلول الأخرى من التابوات المحرّمة مثلما صار طرح نسبية الديمقراطية كحل محرّما أخر.
وليس من الصعب فهم لماذا أصبح الوضع هكذا. فالحرب العالمية الثانية وانشاء الأمم المتحدة قد أصبح هنا في الغرب قيمة ثابتة، و تم تكرار الحديث عنها بطريقة أصبح فهم الديموقراطية ونموها يفهم على أنه انتصار الخير على الشر، و أن بديل الديموقراطية يوصف على أنه الأعراف التقليدية و الفاشية والشيوعية والدكتاتورية. ولكنّ هذه الحكاية تواجة اعتراضا في أوروبا الشرقية، حيث أشار العديدون الى أن الدكتاتورية النازية قد رفضَتْ من قبل نظام بعيد عن الديموقراطية.
الشعب اختار هتلر
لكن أيضا أنطلاقا من تجربة الغرب، فان لدينا سبباً لنقد التصور بأن الديموقراطية هي البديل الأفضل. فتجربة انهاء استعمار افريقية توضح ذلك. هنا كان برنامج الدمقرطة السريع وفي كثير من الحالات قد أوصل الى السلطة متسلطين فاسدين وغير محترفين رغم انهم كانوا في مراحل معينة يمتلكون شعبية واختارتهم الاغلبية. وفي الهند قد تلتقي بأناس يأسفون لأن الديموقراطية قد استوردت بعد وقت قصير من الإستقلال.
ولا نحتاج ان نذهب خارج أوروبا لنجد الأمثلة على السياسة غير المسؤولة في الإستيراد المبكر للديموقراطية. والمثال المرعب هو وصول هتلر الى سدة السلطة بعد انتخابات 1932 في بلد دستوره ديمقراطي أصيل أكره الألمان على قبوله عام 1919 . فهذا القانون لم يضع ايّ ممانع للعملية التي أوصلت النازيين الى السلطة.
ونستطيع أن نأخذ النرويج ايضا كمثال لمجتمع احتاج الى وقت طويل قبل أن ينجز حكم الأكثرية. فالتقدم الديموقراطي في النرويج لم يحدث لأن آباءنا قد اجتمعوا في مؤتمرهم في هافرسفيورد و أعلنوا بأن أجزاء بلاد الفايكنج و النورفيكن قد شكلوا أمة واحدة، و على الجميع في هذه الأمة أن يعيشوا متساوين أحرارا. ان التاريخ يخبرنا بأن البلد قد توحد بقوة السيف بقيادة الملوك الذين أقرّوا القانون الشرعي الذي وبالتدريج خفف من قبل سلطة الكنيسة والأطراف الدنيوية.
اذا كانت الديموقراطية تفهم فقط على أنها التحرّر، فان التاريخ قبل ان يعرف حكم الشعب قد أنجز التحرر من البعض الذي وقف في وجه الديموقراطية. و لفهم أكثر واقعية، لننظر الى التاريخ من مؤتمر هافرسفيورد الى انجاز النظام البرلماني والذي تم عبر مسيرة طويلة من التنظيم و الضبط و تطوير فكرة ان الشعب من مختلف البيئات الأجتماعية ومن الشمال الى الجنوب سوف يعترف و يندمج بروابط أخلاقية مشتركة. ألف سنة استغرقتها عملية بناء المجتمع المشترك في النرويج. كان يمكن للعملية أن تتم بسرعة أكبر مع تحديات أقل في ظل قيادات تتمتع بنزعة لعمل الخير. لكن الإعتقاد بأن هذا العمل كان يمكن أن يتم خلال جيلين، أو الإعتقاد بأن هذا يمكن وصفه باستمرار أنه مراحل للتحرر فانه ضرب من الهلوسة. وعلى الرغم من أنه في السنوات العشر الأخيرة من تقدم العملية قد طبعت بمزيج محظوظ من اللوثرية الخالية من الفساد ومع حركة تنوير وتنظيمات شعبية مسؤولة، فانه يمكن الإشارة الى أنها كانت مرحلة تحرر تدريجي.
التاريخ النرويجي من عدة جوانب يوضح ذلك الذي يحاجج به منظروا الديمقراطية بشكل مجرّد. و هنا لدينا مادة تاريخية توضح كم نحتاج لتطوير هوية مشتركة لشعب واحد، و أن عليهم الأعتراف بأنهم جزء من وحدة أخلاقية ملزمة، وعندهم الثقة بممثليهم في السلطة رغم عدم معرفتهم الشخصية بهم. فبالاضافة الى الوحدة الثقافية، كان علينا ايضا تطويرقوانين الحقوق، والمعرفة والمهارات الضرورية لإدارة مجتمع عصري حديث.
القليل من الفخر لا يضير: الى حد ما، فانه بالنسبة للنرويجيين أمر جيد في النهاية , فنحن لدينا تاريخ سعيد يمكن أن نحدّث عنه الأخرين. ويمكن أن نتفاخر به قليلا أذا ما اشاد به آخرون مثل الباحث الإجتماعي الأمريكي راوول نارول (ٌRaoul Naroll) في كتابه (النظام الأخلاقي ) الصادر عام 1983 حيث قال بأن النرويج بلد نموذجي.
من الواضح أنه يمكننا أن نقدم شيئاً كثيراً لفهم واقع السياسة الدولية أذا ما نظّمنا خبراتنا عن تحقق الشروط الديمقراطية بدلا من القفز بأي موقف يصفه البعض بأنه ديمقراطي.
في أيامنا
وسوف ينتقد الأوروبيون في أيامنا هذه الأمريكيين في سياستهم الساذجة في نشر الديمقراطية في كل العالم. إسقاط ديكتاتور غير كاف لجعل السكان في بلد ما أن يعترفوا بأنهم شعب واحد وعليهم مسؤوليات مشتركة.
إضعاف الأمّة: لكن أيضا النخب الأوروبية أظهرت سذاجة فيما يتعلق بافتراضاتها بأن الناس في بلد ما سوف يعترفون بأنهم جزء من المنظومة الأخلاقية المشتركة. وعلى هذا الأساس يمكن نقد هؤلاء الباحثين الأوروبيين المهتمين بموضوع الإندماج والتكيّف. إن مساواة متسامحة لمجموعات من ثقافات مختلفة قد تكون جذابة، و لكن ليس بالضرورة أن تكون نقطة انطلاق لتطوير نموذج لمجتمع مشترك كما هو الحال في دول الرفاهية. الإنكليز بدأوا بنقاش هذا الموضوع. ان برنامجا متعدد الثقافات، مع روابط اجتماعية مشتركة، قد تطور نفسها، نوعا ما، في طريق بناء ما يسمى المجتمع المتوازي. الألمان صاروا يناقشون هذا الأمر أيضا. و في حال وجود مجموعات اثنية تفهم كلّ منها الصراع بينها بشكل مختلف فانه من الصعب تخفيف شدّة تلك الصراعات. الفرنسيون يناقشون هذا الأمر أيضا . و نحن نجد اليوم على الإنترنيت ستة ملايين مقال على شبكة الجوجول تحت عنوان “فشل الإندماج والتكيّف”.
الديمقراطية مجروحة
و في هذا الميدان يمكن للناس ممن يمتلك نظرة واقعية لشروط الديمقراطية تقديم مساهمة في هذا الموضوع. فطابع عصرنا المتميّز يجعل أن القلّة من أعداء الديمقراطية هم من يصرّحون. مع ذلك، فإن الديمقراطية شكل للحكم سريع الحسّاسية. وهنا علينا ألا نفكر بالإرهابيين أو غير الأوفياء للمجتمع. فنحن نقف بأي حال أمام تحديات تختلف طبيعتها عن تلك التي تجيب عليها الديمقراطية. . مثال ذلك السؤال المفتوح عن هل ان الديمقراطية تقدم الإطارات الأفضل للجواب على التحديات في المدى الطويل بشأن تلوث البيئة والتطور الديمغرافي.
هناك العديدون الذين لديهم نظرة متشائمة بشأن النصيحة التي يمكن تقديمها لشعب في ديمقراطية شعبية الطابع. فهؤلاء يرغبون بقيادة تتخذ من العلم اساسا ولها امكانية وضع حدود رسمية. وعندما يرغب فريق في تحديد الديموقراطية في الوحدة الاوروبية فهذا واحد من الأسباب. وآخرون ممن يتذكرون الحرب العالمية الثانية، يملكون نظرة أكثر تفاؤلا تجاه ارادة وقدرة الشعب في تغيير جذري عند الحاجة.
ترجمة حنان بكيّر – كاتبة وروائيّة فلسطينية مقيمة في النرويج
مراجعة وليد الكبيسي – مؤلف عراقي مقيم في النرويج
alwalid@online.no