يشكل الاستحقاق الرئاسي محطة مفصلية في الأزمة التي يعاني منها لبنان منذ 32 سنة:
– فإما أن يكون مدخلاً لاستكمال معركة الاستقلال من خلال تــــوليد سلطة وطنية جديدة تنقل البلاد من حالة التصارع بين مكوناتها الطائفية الى حالة سلام أهلي دائم، وتالياً تفتح آفاقا جديدة للخروج من نفق الحروب المتواصلة وإعادة وصل لبنان بالعالم وبناء دولة حديثة قادرة على حماية اللبنانيين وتأمين شروط العيش الكريم للجميع،
– وإما أن يأتي هذا الاستحقاق ليعيد الأوضاع الى ما كانت عليه في زمن الهيمنة السورية، فيحول الدولة مجدداً الى دولة تابعة تتحكم بها مصالح واستراتيجيات لا علاقة للبنانيين في تحديدها ولا خيار لهم سوى دفع كلفتها. وأمام اللبنانيين تجربة حديثة العمر تشكل نموذجاً لما ينتظرهم في حال نجحت سورية في منع اجراء الانتخابات، وهي تجربة حركة «حماس»، الشريك الفلسطيني في المحور السوري-الايراني، التي حوّلت غزة الى إمارة متخلفة تديرها محاكم التفتيش.
كذلك يشكل هذا الاستحقاق لحظة الحقيقة بالنسبة الى المسيحيين في لبنان:
– فإما أن يكرس خروجهم النهائي من السلطة بعدما جرت مصادرة مركز الرئاسة الأولى طيلة فترة الوصاية السورية وحتى اليوم.
– وإما أن يعيد لهم دورهم في لبنان والمنطقة: ذلك أن رئيس الجمهورية لا يرمز فقط الى المشاركة المسيحية في السلطة في لبنان، بل هو يرمز أيضاً الى حقيقة التنوع والتعدد التي يتميز بها العالم العربي، والى مشاركة المسيحيين العرب مع إخوانهم المسلمين العرب في تحديد مصيرهم المشترك.
ولا تقتصر أهمية هذا الاستحقاق فقط على لبنان. فهو يشكل في هذا الظرف بالذات محطة مهمة في التحول الجاري في العالم العربي حيث بدأت ترتسم معالم نظام إقليمي عربي جديد بعيداً من الديماغوجيا، يميز نفسه عن مشروعين كثر الحديث عنهما في الآونة الأخيرة: «الشرق الأوسط الديموقراطي» بقيادة الولايات المتحدة و»الشرق الأوسط الاسلامي الجديد» بقيادة ايران، مذكّراً بأن هذا الشرق الذي يتصارعان على هويته انما هو عربي في عنوانه الأول.
لقد كان للبنان دور مهم في هذا التحول التاريخي. فهو أعطى في الرابع عشر من آذار مثالاً حضارياً في التغيير الديموقراطي والسلمي. وكان سباقاً في التحولات التي بدأت تظهر في العالم العربي باتجاه نهضة جديدة تقوم على رفض اختزال العروبة وتحويلها الى مجرد أداة بيد العسكر تستخدمها دول عربية للتدخل في شؤون دول عربية أخرى والهيمنة عليها، واعتبار العروبة، وفق ما جاء في اعلان الرياض الذي صدر في ختام القمة العربية الأخيرة، «رابطة ثقافية» و»إطارا حضاريا مشتركا قائما على القيم الروحية والأخلاقية والانسانية، يثريه التنوع والتعدد والانفتاح على الثقافات الانسانية الأخرى ومواكبة التطورات العلمية والتقنية المتسارعة…»، مع التــــأكيد على ضرورة «نشر ثقافة الاعتدال والتسامح والحوار والانفتاح، ورفض كل أشكال الإرهاب والغلو والتطرف»، واعتماد «خيار السلام العادل والشامل باعتباره خياراً استراتيجياً للأمة العربية».
إن عدم اجراء الانتخابات الرئاسية يهدد هذا الدور اللبناني ويشكل تالياً انتكاسة خطيرة للمسعى الهادف الى استرجاع قدرة العرب على مواكبة العصر والتــــأثير في النظام العالمي الجديد الذي لا يزال قيد التأسيس.
يشكل أيضاً هذا الاستحقاق محطة مهمة بالنسبة للعالم أجمع، لأن تجـــــربة لــــبنان في العيش المشــــترك تقوم عــــــلى نقـــــيض ما تطرحه ثـــقافات الــــتطرف والإلغاء من جعل الحق والحقيقة حكراً على رؤية معينة، واعتبار الذات خيراً مطلـــــقاً والآخر المختلف شراً مطلقاً. وهي تطرح في المـــــقابل الاعتراف بالآخر في تمايزه وفرادته دون الســــعي الى الغائه او استتباعه، أو أن يُفــــرض عـــــليه انصهار يلغي خصوصيته أو توحّد يخـــــتزل شخصيته ببعد واحد من أبعادها. فثقافة العيش المشترك تنطلق من احترام الحياة في تنوعها وغناها، دون اخضاعها الى تراتبية تفقدها غناها، أكانت هذه التراتبية ثقافية، أو اجتماعية أو عددية، فتفرز الناس أقليات وأكثريات، وترسم في ما بينهم خطوط تماس سرعان ما تؤدي الى التصارع والتصادم.
ودور لبنان في هذا المجال دور مميز في مواجهة نظرية «صدام الحضارات» وتطوير الحوار الاسلامي-المسيحي، وتعميق التفكير حول رسالة الاسلام والمسيحية في العالم المعاصر، ومساهمتهما في حوار الحضارات وتفاعل الثقافات.
إن عدم اجراء الانتخابات الرئاسية يهدد هذا الدور اللبناني ويشكل تالياً انتكاسة خطيرة لكل الساعين الى كبح جماح العنف المستشري في العالم.
وفي مواجهة خطر التعطيل وما ينتج عنه من فراغ يهدد السلم الأهلي، ينبغي على نواب الأمة تحمل مسؤولياتهم الوطنية وانتخاب رئيس جديد لتأمين استمرارية الدولة. كذلك ينبغي عليهم عدم التوقف عند السجال الدائر حول مسألة النصاب. فهو سجال عقيم لأنه لا يوجد دستور في العالم يجيز لفريق سياسي أن يعطل قيام المؤسسات وأن يضرب مبدأ استمرارية الدولة.
ولو كان شرط النصاب قائماً دستورياً، لكان جرى استخدامه في الانتخابات الرئاسية السابقة التي شهد بعضها تنافساً حاداً بين المرشحين. غير أن الاصرار على اجراء الانتخابات لا يعني رفضاً لفكرة التوافق بين الأطراف المتصارعة، بل على عكس ذلك، فإن الحسم في هذا الموضوع هو الذي يفتح الباب أمام البحث عن تسوية بالمعنى النبيل للكلمة.
لقد دعت قوى الرابع عشر من آذار، بعد إقرار المحكمة الدولية، شركاءها في الوطن الى تسوية تاريخية شبيهة بتلك التي أنجزت لحظة الاستقلال الأول في 1943، تسوية تقوم على اقرار مشترك بأمور ثلاثة:
– إقرار بضرورة توحيد انجازين أساسيين في تاريخ لبنان الحديث، انجاز التحرير وانجاز الاستقلال، بدلاً من وضعهما، كما هي الحال اليوم، في مواجهة بعضهما البعض، مما يؤدي الى إضعافهما وتفريغهما من مضمونهما. ففي حين أن التحرير أثبت للعالم العربي أن في الإمكان استعادة الحق الوطني وتحرير الأرض من دون مساومات وتنازلات، أكد الاستقلال للعالم أجمع أن في الامكان إحداث تغيير سلمي وديموقراطي بعيداً من كل أشكال العنف.
– وإقرار باستحالة بناء لبنان عبر تهميش أو استبعاد بعض مكوناته الطائفية، واستحالة بنائه على صورة احدى طوائفه وبشروطها، وعلى حساب ميزاته الحضارية القائمة على الوحدة في التنوع.
– وإقرار باستحالة بناء الدولة على قاعدة تغليب الروابط والمصالح الاقليمية والخارجية على الشراكة الداخلية والعقد الوطني اللذين يجسدهما الدستور.
وشرط هــذه التسوية «العـــــودة الى لبــــنان». وهـــــذا يعني تحديداً العودة الى مــــعنى لبنان القائم على «العـــــيش معـــاً» متساوين في حــــقوقنا والواجـــــبات، ومختلفين في انتماءاتنا الطائفية. هذا «العيش مـــعاً» الذي يربط الطوائف بأواصر المودة والاحترام هو الذي يجعل من المــــجتمع الــــلبناني بيئة نموذجية للتـــــفاعل الانساني. وهذا في زمن بات موضوع «العيش معاً» – لا سيما في ظل المتغيرات الكبرى التي أحـــــدثتها وتحـــدثها العولمة – يــــمثل تحدياً كبيراً على صعيد الانسانية جمعاء.
غير أن هذا الشرط لم يتوفر بعد بسبب اصرار سورية على منع تحقيقه من خلال الضغط الذي تمارسه على الفريق السياسي الشيعي المعارض واقتناع البعض في هذا الفريق بأن استمرار النفوذ السوري في لبنان يشكل ضمانة لطائفته، في حين أن العلاقة مع سورية على هذا النحو، وما نجم عنها من مواقف وتحركات، هي التي عرضت الطائفة الشيعية الى خطر العزل والانعزال في الداخل، وهي التي ساهمت في استحضار «مسألة شيعية» باتت اليوم مطروحة بقوة في الواقع العربي والاسلامي.
لقد حان الوقت لاستخلاص العبر والدروس من تجربة السنتين الماضيتين والتوصل الى تســـــوية مشرفة تقوم على إعطاء الفريق الشيعي المعارض الضمانات لعدم جعل استقلال لبنان محطة لإعادة فرز اللبنانيين بين «غالــــــب» و»مغلوب»، كما حصل في مراحل تاريخية سابقة، وذلك في إطار دولة تضمن حماية الجميع دون تمييز، مقابل فك ارتباطه الإقليمي، الأمني والعسكري.
إن حل الأزمة اللبنانية، في عمق أعماقها، يحتاج الى «تواطؤ أهل البيت اللبناني» مع مصلحتهم الأكيدة.
نائب وكاتب لبناني
الحياة
حذار من تجربة غزّة… الاستحقاق الرئاسي في لبنان وأهميتهالسيد سمير فرنجيه المحترم تحيه وبعد لقد عودتنا بقلمك العروبي المنهج ، الحضاري الهدف، ان تقول كلمه حق ولو كانت عند بوابه سلطان جائر إن النظام السوري ما زال يستحضر كل أدوات مؤامرته على لبنان وما زال يحلم إما بالعوده ولو سياسيا أو بتدمير وتحطيم لبنان وكأن ثأره من الحضارة التي تمتع بها الشعب اللبناني لم ينتهي ومع صوابيه مقالك وحسن تحليلك ولكن ما تراه اليوم على الساحه اللبنانيه أعتقد ليس إلا خطوات تجريبيه لواقع جديد قد يفرضه هذا النظام مع حليفه الفارسي وأتباعه على الساحه اللبنانيه . والمطلوب اليوم المزيد من… قراءة المزيد ..