تحل الذكرى السادسة لحوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أو ما يعرف بالثلثاء الدامي، والمتمثل في الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأميركية، حين استُهدف برجا مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مما أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين، إلى جانب الخسائر الجسيمة التي قدرت بمئات المليارات، ناهيك عن الصدمة النفسية والمعنوية الهائلة التي طالت الشعب الأميركي في ما يعتبر سابقة في تاريخ الولايات المتحدة منذ قيامها (1776)، إذا استثنينا الهجوم الانتحاري الياباني (1941) على قاعدة بيرل هاربر أثناء الحرب العالمية الثانية، والذي أدى إلى قرار الولايات المتحدة المشاركة في الحرب إلى جانب الحلفاء.
في المقابل نجم عن هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول تغيير جذري في مجرى الاستراتيجية الأميركية التي رفعت شعار الحرب ضد الإرهاب، شاملة في ذلك القوى والجماعات الإرهابية والدول الداعمة والمحتضنة لها، وكذلك البيئات والمجتمعات والدول العربية والإسلامية التي تعتبرها مفرخة وداعمة للإرهاب بشكل مباشر وغير مباشر من خلال تبنيها ودعمها للمحاضن الفكرية التكفيرية ومساعداتها المختلفة للجماعات الأصولية المتطرفة متصورة وواهمة إن ذلك يصب في اتجاه ديمومة احتكارها لمصادر السلطة والثروة والقوة.
لقد سارعت الإدارة الأميركية ومراكز الضغط والرأي العام الأميركي إلى توجيه أصابع الاتهام للعرب والمسلمين على وجه التحديد، استنادا إلى كون منفذي الهجوم ينتمون لدول عربية وإسلامية وبعضها يعتبر حليفا تقليديا قديما للولايات المتحدة الأميركية. وفي الواقع إن انبثاق وتشكل القاعدة والمنظمات الأصولية المماثلة لا يمكن أن نفصله عن دور الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة إبان الحرب الباردة.
الرئيس الأميركي جورج بوش اعتبر حربه على الإرهاب بمثابة حرب صليبية (اعتبرت لاحقا زلة لسان) جديدة، غير انه عاد فوصم الإسلام بالفاشية، وهو ما يعكس تجذر هذا المفهوم الأيدلوجي لدى المحافظين الجدد المهيمنين في الإدارة الأميركية، وفي مراكز التأثير على اتخاذ القرار في البيت الأبيض، وقد ترافق مع هذا الهوس الأيدلوجي، طرح التساؤل التالي لماذا يكرهوننا؟ وبدلا من البحث عن حقيقة هذا الكره وأسبابه في السياسات الأميركية المعادية للمصالح العربية والمنحازة لإسرائيل على طول الخط، كانت الإجابة الأيدلوجية. لأنهم ‘’يكرهون حضارتنا وقيم الحرية والديمقراطية التي نتبناها’’ وفي الواقع إن الأصولية المتشددة والممارسات الإرهابية التي تتبناها منظمة القاعدة وشركاؤها لم تصبح (وفقا لاستهدافاتها الجديدة) معادية أو خطرا على الولايات المتحدة الأميركية والغرب فقط، بل هي
على نفس المستوى من العداء والخطورة بالنسبة للدول والحكومات العربية والإسلامية.
اللافت هنا أن أصولية وخطورة القاعدة التي تبرر أعمالها الإرهابية تحت شعارات ديماغوجية زائفة مثل حرب الفسطاطين، والولاء والبراء، وجهاد الدفع وجهاد الطلب، حفزت تبلور وظهور أصولية أميركية على الجانب المقابل، كانت مستترة ومقنعة استغلت أحداث سبتمبر لتكشف عن وجهها وخططها المبيتة ومن خلال شعارات تكاد تكون متماثلة مع ما ترفعه القاعدة مثل العناية الإلهية التي تحفظ أميركا وتدفعها لقيادة العالم، وتقسيم العالم إلى معسكر الخير الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ومعسكر الشر الذي يضيق ويتسع وفقا للأجندة والمصالح والاستهدافات الأميركية، كما يندرج ضمنه الشعار الموجه للعالم بأسره الذي طرحه الرئيس بوش ‘’من ليس معنا (ضد الإرهاب) فهو ضدنا’’.
لقد وجد المحافظون الجدد في أحداث سبتمبر الإرهابية ضالتهم المنشودة من خلال توفر الشروط والظروف المواتية للتبشير بنموذجهم (الراديكالي) الجديد في الهيمنة الكونية وتغيير العالم وتفكيك خرائط المنطقة وإعادة صياغتها من جديد، والتي تعكس إلى حد كبير مصالح المجمع النفطي/ العسكري الاحتكاري في الولايات المتحدة الأميركية من جهة، كما تلتقي مع المصالح الاستراتيجية لإسرائيل في عموم المنطقة من جهة أخرى، وذلك من خلال النزعة الامبريالية وفرض هيمنة الإمبراطورية الأميركية، أو ما أطلق عليه الاستراتيجية الأميركية للقرن الواحد والعشرين (التي وضعت في بداية التسعينات من القرن الماضي) والذي ينبغي أن يكون أميركيا بامتياز، الأمر الذي تطلب قيام ائتلاف فضفاض لكنه قوي شمل المحافظين والمسيحيين الجدد ومراكز الضغط (اللوبيات) الصهيوني واستند هذا التحالف إلى تنظير مفكري اليمين الأميركي من أمثال هينتنغتون (صدام الحضارات) وفوكوياما (نهاية التاريخ وانتصار الليبرالية وقوى السوق) وبرنارد لويس (التناقض والصراع الحتمي بين الغرب والإسلام) والى الدراسات والتوصيات التي تصدرها مراكز الأبحاث اليمينية مثل مؤسسة ‘’راند’’ و’’مجلس السياسة الدفاعية’’.
وبدلا من وضع تعريف وتشخيص محدد للإرهاب وسبل مكافحته باعتباره مسؤولية مشتركة للمجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته المختلفة احتكرت ووضعت الإدارة الأميركية تشخيصها وتعريفها للإرهاب، وحددت الإجراءات (بشكل أحادي) -التي تراها مناسبة- لمكافحته وفقا لمصالحها وحساباتها وتوجهاتها الأيدلوجية (الإمبراطورية) وعلى طريقة رعاة البقر (الكاوبوي)، حيث نصبت نفسها قاضيا ومدعيا وجلادا في الوقت نفسه، وذلك في تحد واحتقار واضح للشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان والشعوب في العالم، ودون أي اعتبار للمصالح الحقيقية للشعب الأميركي الذي تعرض ويتعرض باستمرار إلى عملية تضليل واسع النطاق، من خلال الشحن الإعلامي والسياسي، وتشويه الحقائق وفبركة الأكاذيب على غرار ما طرحته الإدارة الأميركية من امتلاك نظام صدام حسين السابق لأسلحة دمار شامل وعلاقاته بالإرهاب وتنظيم القاعدة، بحيث بات الرئيس الأميركي الذي بالكاد فاز في انتخابات الرئاسة أمام منافسه الديمقراطي آل جور يحصل على تأييد 90% من الأميركيين إلى جانب أغلبية ساحق في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركي إزاء خطط الحرب ضد أفغانستان والعراق.
غير انه بعد مرور ست سنوات على هجمات 11سبتمبر فإن الرئيس بوش وأركان الإدارة الأميركية يكافحون من اجل البقاء ومنع التدهور المتزايد في شعبيتهم خصوصا اثر الهزيمة الواضحة للجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب في انتخابات نوفمبر الماضي.
وإزاء تعثر سياسات الإدارة الأميركية وفشل مشروعاتها حول قيام الشرق الأوسط ‘’الكبير’’ و’’الجديد’’ عبر أسلوب ومنهج ‘’الفوضى الخلاقة’’ و’’المخاض’’ وكما هو حاصل على الأرض في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، وهو ما دفع الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني إلى قرع طبول الحرب من جديد عن الإرهاب والمخاطر التي قد تتعرض لها الولايات المتحدة من قبل الإرهاب أو من دول مثل إيران، الأمر الذي من شأنه تعريض منطقة الخليج وعموم المنطقة العربية إلى مزيد من الفواجع والكوارث.
وفي المقابل فإن الدول العربية لم تستوعب حتى الآن دروس 11 سبتمبر وبالاتجاه الذي يدفعها إلى الانفتاح على شعوبها وتلبية طموحاتها في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، من خلال بناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ فكرة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وبالتالي معالجة أوجه الخلل والأزمة البنيوية العميقة التي تطال مجمل أوضاع مجتمعاتها على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تشكل البيئة والمحاضن الموضوعية المفرخة للعنف والإرهاب وعدم الاستقرار في عموم المنطقة والعالم، والذي نلحظ تجلياته في تصدر الانتماءات والهويات الفرعية (الطائفية والمذهبية والقبلية والاثنية) التقليدية التي تمثل الأرضية الملائمة لتفكيك المجتمعات العربية وبالتالي نجاح المخططات الإقليمية والدولية في تنفيذ استراتيجياتها في عموم المنطقة العربية
na.khonaizi@hotmail.com
* كاتب سعودي
جريدة الوقت البحرينية