لاحظت، كما قد يلاحظ غيري، أمرا غريبا لدى بعض الكتاب والمتحدثين العرب، وهم يتناولون السؤال الكبير الذي طرح على العرب والمسلمين، وللدقة أعيد طرحه مجددا. وهو سؤال الهوية، ومن نحن، ومتفرعات السؤال، مثل: لماذا خرج منا الارهابيون، وأين تكمن جذور المشكلة؟ هذا الأمر الذي لاحظته هو أنه، ومع استمرار التناول النقدي، وحدوث بعض «الطلعات» النقدية على الأجواء الكثيفة والملبدة بسحب رصاصية عصية على الاختراق، يحدث لدى البعض نوع من القلق والإحجام و«الحرون»، تحت حجة الخوف من الإيغال في «جلد الذات» كما يقولون، أو كراهية النفس، كما يقولون أيضا، وأن كل ذلك يندرج تحت مرض معروف وشهير، هو مرض «التطرف المضاد»، حسب اللغو المكرر عن القانون الفيزيائي الشهير: لكل فعل ردة فعل معاكسة له في الاتجاه …. الخ .
هذا التوجه لـ«نقد النقد» يساق بذريعة أن «للصبر حدودا» وأنه إلى هنا وفقط، مع أننا لا ندري على أي أساس حددت نقطة الوقوف هذه، وبأي معيار؟ وهل تم فحص أثر الجرعات النقدية على الجسد المحتاج، واستخلص أن هذا الجسد لا يحتمل مزيدا من النقد؟! أم هي مجرد انطباعات ومشاعر نفسية خاصة لدى من يطالب بالتوقف النقدي إلى هذا الحد، وتحويل الوجوه صوب قبلة نقدية أخرى في السماء… لا ندري. لنكن اكثر تحديدا وضربا للأمثلة، مع أنها مجرد أمثلة تشير ولا تستوعب الأمر، وتساعد على تأطير «الحكي» أكثر من كونها تستغرق جزئيات الموضوع. سأتوقف عند نماذج سعودية فقط، وعذري هو حيوية الساحة السعودية، ووجود أمثلة دالة على الفكرة التي وردت في مقدمة المقال. في الأسابيع الأخيرة خرجت فتوى من الشيخ صالح الفوزان، احد أبرز رجالات المؤسسة الدينية التقليدية، خلاصتها أن من يقول بالليبرالية، حسب المواصفات التي حددها صائغ السؤال «الفخ»، هو إنسان خارج عن الإسلام ومرتكب لنواقض كفرية. الفتوى أحدثت ضجة في الصحافة السعودية، وهذا شيء طبيعي، لأن القتل المعنوي بالتكفير، هو مقدمة للقتل المادي بالاغتيال أو التفجير، هذه الضجة جعلت الشيخ الفوزان يصدر بيانا توضيحيا، نشر في جريدة «الجزيرة» السعودية (26 يونيو الماضي) خلاصته أيضا انه أجاب حسب السؤال وانه لا يكفر أحدا بعينه، وانه ضد مذهب الخوارج، وأنه ضد استغلال فتواه. من التعليقات التي استوقفتني على هذه الحكاية، تعليق للكاتب السعودي، المعروف، داود الشريان، نشر في جريدة «الحياة» (10 يوليو الحالي) بعنوان «الإرهاب الليبرالي». الكاتب لخص قصة الفتوى، وكان من رأيه أن توضيح الشيخ الفوزان لفتواه لم يكن ضروريا لولا أن :«الساحة العربية والإسلامية أصبحت تواجه إرهاباً ليبرالياً لا يقل تشدداً وشراسة ورفضاً للرأي الآخر عن ذلك الإرهاب الفكري المتشح بالدين». والحق أنني لا أدري عن أي «إرهاب ليبرالي» يتحدث كاتبنا؟! هل إجراء عملية نقد «محدودة»، للخطاب الديني السائد، وبعض تجلياته، مثل فتوى تكفير الليبراليين، يعتبر إرهابا؟! أين يمكن الإشارة إلى الإرهاب الحقيقي، والمادي، في العالم الإسلامي اليوم؟! أليس إلى إرهاب تنظيمات وتيارات الأصولية الإسلامية، التي ـ لمجرد التذكير فقط ـ لا تقوم بجرائمها في العراق فقط، بل في السعودية، وما زالت تقوم، وفي المغرب، الذي يتأهب هذه الأيام لهجمات قاعدية، وفي اليمن الذي يخوض حربا مع القاعديين في وادي مأرب، كل هذه ساحات خارج العراق، وأراض مسلمة وعربية، والضحايا هم من المدنيين، والتسويغ لهذا العمل يتم بخطب وتنظيرات دينية، وهناك «نصف قاعدة» من بعض الشيوخ والخطباء، تقوم بالتهوين من عملها، وصرف الأنظار إلى معارك وهمية، مثل المعركة مع العلمانيين، الذين لا يهشون ولا ينشون، حسب سخرية المهاجمين انفسهم من الاسلاميين! فكيف يستقيم الحديث عن «إرهاب ليبرالي» مزعوم ؟! في حين نرى الإرهاب الأصولي هو الذي يضرب ويعاند الجهود الدولية والعربية ضده، يضرب بالمال والكلام والسلاح ؟! مثال آخر، في سياق مختلف قليلا. في الأسابيع الأخيرة حدثت في السعودية موجة نقدية وتناول إعلامي مكثف لجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصا بعد تسجيل حالات موت بالضرب أو بالخوف، لبعض الموقوفين على يد رجالات الهيئة، وطالب كثير من المعلقين بإعادة النظر في وضع الهيئة.. وحسب علمي لم يطالب احد قط في الصحف بإلغاء جهاز الهيئة بل بإصلاحه وتقويمه، ومن الطبيعي أن ينبري كتاب آخرون للدفاع عن الهيئة باعتبارها حصنا دينيا حصينا، لأن موضوع الهيئة بطبيعته إشكالي، فيه الجانب الاجتماعي والديني والسياسي، لذلك كان أمرا متوقعا أن يندرج النقاش حولها، ضمن نقاش أوسع واكبر في السعودية حول الإصلاح الديني والاجتماعي، وهذه دلالة عافية وحركة نقدية، ومن المحال الاتفاق على رأي واحد، ولكن عملية النقاش والجدال العلني، تصل بالأمور الى منطقة سواء، أو هكذا يفترض. لكن، ومرة أخرى، كان من ضمن ما لفت انتباهي مقالة للكاتبة السعودية إيمان القويفلي، نشرت في صحيفة «الوطن» السعودية (28 يونيو المنصرم) بعنوان :«قضايا إعلامية بلا مبادئ»، وخلاصة ما فهمته من المقال وهو ما أسمته «الليبرالية الإعلامية» تصعيدها من نقدها للهيئة لأنه سمح لها، ونفذت من الفرجة التي تمطت في جدار الصمت، ولكنها (الكاتبة) انتقدت هذا الحماس في التغطية، لأنه إذا كان الغرض من قبل «الليبرالية الإعلامية» هو القول للمواطن إننا نغطي تجاوزات الهيئة بسبب أننا نهتم «بالإنسان أولا» ـ هذا شعار موقع ليبرالي سعودي على الانترنت ـ فهي، أي الليبرالية السعودية، مخطئة ولم توصل رسالتها إلى الإنسان الذي لديه قضايا أخرى غير الهيئة، مثل ـ والتلخيص ما زال عن الكاتبة ـ تناول «القضايا الكبرى» حسب وصفها، من طراز قضايا النصب والاحتيال «الكبرى» أيضا، والمخططات الوهمية… ومع أن الكاتبة هي الأخرى لامست أمثلتها، المقترحة، بشكل مبهم، إلا أننا لا نصادر هنا أهمية أي موضوع يعني الناس بالفعل، ولكن لماذا لا تصبح هذه القضية مهمة إلا إذا تم «تتفيه» او «تشويه» القضية الأخرى ؟! ولماذا الحرص على إلقاء العصي في الدواليب؟ قضايا المجتمع كثيرة ومتنوعة، وإلا لما وجد إعلام متخصص، وكتاب متخصصون بقضايا محددة، مثل المتخصصين في سوق الأسهم، أو الصحة أو التغذية أو السياسة، أو الكتاب المحليين المهتمين بقضايا مدنهم وأقاليمهم، هذا تنوع غني، لا تنافر سيئا، حسبما افهم، ناهيك من أنني لم أعرف على وجه اليقين عن أي ليبرالية إعلامية تتحدث الكاتبة، إلا إن كان كل صحافي أو كاتب أو معلق أو مدون على الانترنت تناول قضية الهيئة يعتبر من هذا الفريق الليبرالي المهيب! مع احترامي وتقديري لمن كتب عن «الظاهرة الليبرالية» أو «الإرهاب الليبرالي» أو «الليبرالية الإعلامية» إلا أنه، وحسب فهمي المتواضع، وبصرف النظر عن معنى الليبرالية أو حرب المصطلحات، أرى أن جل الرياح تعزف الأصولية، بكل درجاتها وألوانها، من اللون الأحمر في مسجد إسلام آباد إلى اللون الأخضر في كتائب حماس الغزاوية، إلى اللون الرمادي الذي يرتديه مهدي عاكف في القاهرة، وأن المزاج الشعبي يميل بشكل لافت إلى الأطروحات التي تقدمها تيارات الإسلام السياسي، وان هذه الليبرالية التي يتحدثون عنها ليست إلا أصواتا نخبوية، مختلفة فيما بينها أيضا، أصواتا تحاول أن تعيد العقلانية إلى الخطاب العربي الاجتماعي والسياسي والديني، وتروج لمفاهيم المدنية، ولكنها لم تصل بعد إلى أن تكون «ظاهرة» مؤثرة بشكل تحتي في المجتمع ، ناهيك من أنها يمكن أن «ترهب» أحدا، أو تضع أجندة عامة للإعلام العربي، فلماذا الاستقواء عليها ولأجل إرضاء من؟ هي أصوات تحاول، على الأقل، أن تحافظ على فسحة من الاختلاف، ومساحة خاصة في الزحام والضجيج، وليسمها من شاء، ما شاء.. فالمسمى يشير إلى الشيء ولا يحصره!
* نقلاً عن جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية
ليبراليات” سعودية”
لو شرح لنا كاتب المقال معنى كلمة الحرون الموظوعة بين فوسين لانها تشير بشكل واضح مع من كان يتعامل هذا المسمى كاتب وذلك ليصا الى اعادته لتلك الحظيرة
ليبراليات” سعودية”مقال رائع بحق, ولكن للاسف في الوطن العربي والاسلامي لا يوجد مايسمى كتاب لبراليون او غيره, يوجد فقط كتاب سلطة, لم يتغير الكتاب ولم تتغير السلطة , تغيرت دفة السلطة فقط فتحول الكتاب الى الجهة التي تسير عليه السلطة, عندما تاجرت السلطة بالدين كان نفس الكتاب يقفون على ابواب المساجد والمعابد يعرضون بضاعة السلطة, وعندما تاجر الحكام بالجهاد والمجاهدين وقف نفس الكتاب والمفكرين ينادون بالجنة والحور العين, وعندما قلب الحكام ظهر المجن للدين والمتدينين بعد ما تم تغيير المسمى الى الارهاب الاسلامي (ولكنهم يقولون على استحياء الارهاب ليس له دين ) بدأ ما يسمى بلعبة الليبرالية مع عدم معرفتهم… قراءة المزيد ..
ليبراليات” سعودية”
موضوع كتب على شكل أفعى قاتلة صاحبها يحاول أن يبرر التوائها على أنه رقص
على الحبال ويثني على ملمسها ويبرؤها من نفث السم فهي وإن نفثته تلعقه ولاذنب
لها إن بقي من سمها مايميت وهويدخل رأسه من نافذة تطل على الأفعى وعلى من
ترقص حولهم ويزمر لها بصافرة تفوق مقدرة الإنسان على السمع تناسب مسامع
الأفعى ,هذا هو من يسمونه بهلوان .