بعد أربع سنوات عن العمليات الإرهابية التي حدثت بالدار البيضاء ليلة 16 مايو 2003 ، ورغم تزايد أخطار الإرهاب وكثرة خلاياه النشطة والنائمة ، ظلت المجالس العلمية خارج حركية الواقع ودون تطلعات المجتمع . ذلك أن الجماعات الإرهابية تتغذى أساسا على فقه الغلو والتشدد لتحوله إلى عقائد تحرض على التكفير والقتل والتدمير . وعلى امتداد هذه الفترة الطويلة لم تتصد ، هذه المجالس ، للغزو الفقهي والمذهبي الذي ينخر المجتمع ويفسد عقيدة أبنائه ، كما لم تجعل مهمة تحصين وحدة المذهب وإشاعة سماحة الإسلام من أولى المهام وأعظم المسئوليات .
ولم يُكتَب للمجالس إياها التململ إلا مؤخرا عقب التفجيرات الإرهابية التي حدثت يومي 10 و 14 أبريل الماضي . وهكذا قرر المجلس العلمي الأعلى تنظيم ندوة يوم 19 مايو المنصرم في موضوع “حكم الشرع في دعاوى الإرهاب” . ورغم القرارات والمبادرات الهامة التي اتخذها جلالة الملك ، باعتباره رئيس المجلس العلمي الأعلى ، فإن العلماء أعضاء هذا المجلس وفروعه لم يتفاعلوا بالشكل المطلوب مع توجهات الملك ومبادراته التي يمكن التذكير ببعضها كالتالي :
أ ـ تأطير المواطنين وتحصين عقيدتهم كما نص الخطاب الملكي بمناسبة تنصيب المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية في 15 دجنبر 2000 ) إذ جاء فيه (إننا نريد من مجالسنا العلمية أن تكون مجالا رحبا يتيح للعلماء أن يؤدوا رسالتهم الدينية والوطنية بدءا بتأطير المواطنين والمواطنات أينما كانوا لتحصين عقيدتهم وحماية فكرهم وإنارة عقولهم وقلوبهم بما يجعلهم مؤمنين بدينهم ومقدساتهم غير مهددين بتيارات التشويه والتحريف). لهذه الغاية ، حدد الملك أهداف المجالس والأسس التي على وزير الأوقاف مراعاتها عند تنصيب أعضائها (لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني، بتدبير الشأن الديني عن قرب، وذلك بتشكيلها من علماء، مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها، والجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر، حاثين إياهم على الإصغاء إلى المواطنين، ولاسيما الشباب منهم، بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين المضلين )( خطاب 30 أبريل 2004
) . ب ـ التصدي لتيارات التطرف التي تنشر فقه القتل وفتاوى التكفير قصد إشاعة الفتنة والزج بالمجتمع في دوامة العنف والتشرذم المذهبي . وهذه أولوية حيوية ومستعجلة كما حددها الخطاب الملكي( فهل يقبل المغاربة ، المتشبثون بهذه المقومات الحضارية والدستورية الراسخة ، أن تأتي شرذمة من الخوارج عن الشرع والقانون لتضليلهم باسم الدين . كلا بل أقول بلسانك ، شعبي العزيز ، إننا لن نقبل أبدا اتخاذ الإسلام مطية للزعامة باسم الدين ، أو القيام بأعمال الإرهاب ، وتمزيق الوحدة المذهبية للأمة ، والتكفير وسفك الدماء ) .
ج ـ تفعيل الاجتهاد الديني ( وإنـنـا لنـنـتـظـر مـنـكـم ، أن تـجـعـلـوا مـن هـيـئـة الـفـتـوى ، آلـيـة لـتـفـعـيـل الاجـتـهـاد الـديـنـي، الـذي تـمـيـز بـه الـمـغـرب عـلـى مـر الـعـصـور، فـي اعـتـمـاده عـلـى أصـول الـمـذهـب الـمـالـكـي، ولاسـيـمـا قـاعـدة المـصـالـح المـرسـلـة، وقـيـامـه عـلـى المـزاوجـة الخـلاقـة، بـيـن الأنظـار الفـقـهـيـة والخـبـرة المـيـدانـيـة. وبـذلـكـم نـقـوم بـتـحـصـيـن الـفـتـوى، الـتـي هـي أحـد مـقـومـات الـشـأن الـديـنـي، بـجـعـلـهـا عـمـلا مـؤسـسـيـا، واجـتـهـادا جـمـاعـيـا، لا مـجـال فـيـه لأدعـيـاء الـمـعـرفـة بـالـديـن، ولـتـطـاول الـسـفـهـاء والمـشـعـوذيـن ، ولا للـمـزاعـم الافـتـرائـيـة الـفـرديـة) .
د ـ دعم مشاريع الإصلاح ببلورة اجتهادات منفتحة على الواقع ومتشبعة بثقافة العصر ومتصالحة مع القيم الإنسانية والمكتسبات الحضارية . لهذه الغاية كانت توجيهات الملك صريحة وواضحة خلال افتتاح الدورة الأولى لأعمال المجلس العلمي الأعلى بفاس يوم 08/07/2005 كالتالي( فـإنـنـا نـدعـوكـم وكـافـة العـلـمـاء المـسـتـنـيـريـن، رجـالا ونـسـاء عـلـى حـد سـواء، إلـى الـنـهـوض بـالـمـسـؤولـيـات الـجـسـيـمـة الـمـلـقـاة عـلـى عاتـقـكـم، والانـخـراط فـي حـركـة الإصـلاح الـشـامـل الـذي نـقـوده.وإنـنـا لـنـعـول عـلـيـكـم فـي الإسـهـام الـفـاعـل، لتـجـسـيـد المـواطـنـة الإيجـابـيـة، بالاجـتـهـاد المـنـفتـح عـلـى الـتـطـور والـتـقـدم) .
هـ ـ تصحيح صورة الإسلام التي شوهها شيوخ التطرف وأمراء الدم حين جمعوا بين القرآن والسيف والقنبلة فأحلوا دماء الأبرياء وأعراضهم . لذا فواجب العلماء ، كما جاء في الخطاب الملكي ( ليس فقط تمكين بلادنا من إستراتيجية متناسقة ، كفيلة بتأهيلها لرفع كل التحديات ، في مجال الحقل الديني ، بقيادة إمارة المؤمنين ، باعتبارها موحدة للأمة ورائدة لتقدمها ، بل أيضا بالإسهام العقلاني الهادف لتصحيح صورة الإسلام ، مما لحقها من تشويه مغرض وحملات شرسة ، بفعل تطرف الأوغاد الضالين وإرهاب المعتدين ، الذي لا وطن ولا دين له ) خطاب 30 أبريل 2004 .
إن القصد ، من هذه المقالة ، هو تذكير كل الهيئات العلمية الموقرة بواجبات العلماء الأفاضل الدينية والوطنية . وهذه الواجبات هي كل لا يتجزأ . وإذا كانت الأجهزة الأمنية أثبتت فعلا نجاعتها وتحملها لمسئولية حماية أمن الوطن وسلامة المواطنين ، فإن مواجهة التطرف والإرهاب تقتضي التصدي لجذورهما الفكرية والعقائدية التي يتم على أساسها التأثير على عقول الشباب وتجنيدهم ضد الوطن والمجتمع . ومن ثم ، فإن المهمة الأساس التي ينبغي أن يضطلع بها العلماء ، كما أوضحها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في مداخلته أثناء الندوة ( إن الذي يسهر عليه العلماء بحكم عقيدتهم، هو سلامة جسم الأمة، بمعنى مناعة جسم الأمة، بمعنى أن يعلموا للأمة ما يجعلها في اطمئنان، قادرة على مواجهة كل تخويفات المخوفين، وإرهاب المرهبين. وإلا في عالمنا هذا، هنالك برامج كثيرة، لزرع أمور كثيرة، تُقضى فيها أغراض كثيرة لا يعلمها كثير من الناس. المقصود هو أن يحمي العلماء هذا الجسد بإعطائه المناعة الضرورية ) . فهل فعلا قام العلماء بواجبهم الديني والوطني وأكسبوا المجتمع المناعة الضرورية ؟ سؤال تعالجه المقالة القادمة بحول الله .
مواجهة الإرهاب قضية خارج دائرة اهتمام المجالس العلمية
لقد دأب أخونا سعيد لكحل على اتحافنا بمقالاته المتنورة ,التي نراها ضرورية لدعم اصالة المغاربة و لتثبيت الفهم الصحيح لإسلام شعبي مبني على التسامح و نبذ التطرف وكل أشكال الغلو في الدين , واننا نشد على أيدي الأخ سعيد لكحل ونشجعه على الإستمرار في التصدي للخوارج الجدد عبر الكلمة والحجة المبنيتين على خصوصيتنا المغربية , ونطلب من الله أن يحفظك ويرعاك .