البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية السعودية في 27 ابريل/ نيسان الماضي تضمن نجاح الأجهزة الأمنية في تفكيك سبع خلايا إرهابية تضم 172 عنصرا معظمهم من السعوديين، كما شمل على تحديد أساليب عملهم، ومصادرهم التمويلية، واستهدافاتهم.
وإذ نشد على أيدي رجال الأمن ونحيي جهودهم وتضحياتهم في إحباط هذا المخطط الإجرامي الواسع، وغيرها من المخططات السابقة، والتي لم تكن تستهدف مقدرات وأمن ومصالح الوطن والمجتمع فقط، بل إن تداعياته وأثاره المدمرة – لو نجح – ستمتد إلى دول الجوار وعموم دول المنطقة والعالم.
غير أن هذا الحدث أصاب الجميع بالصدمة، سواء لحجم المجموعة الإرهابية، وقدراتها التسبيحية واللوجستية والتمويلية، وشبكة علاقاتها وصلاتها المحلية والخارجية، واستهدافتها المدرجة داخليا وخارجيا، ولكون غالبية المنخرطين في هذه المجموعة هم من السعوديين الشباب وصغار السن، وممن لم يكونوا معروفين من قبل بصلاتهم مع الأماكن التقليدية ‘’للجهاد’’ وهم بذالك يختلفون من نواح كثيرة عن الجيل (العائدين من أفغانستان) السابق.
إنهم جيل تربى وتشكل وتأطر في الداخل، وعلى وقع ما يجري في العراق من فوضى وفلتان واقتتال وعنف، وإرهاب دموي تحت شعارات طائفية في الغالب، إلى جانب وجود بؤر عسكرية مقاومة للاحتلال الأميركي للعراق، والذي انخرط فيه (بدوافع مختلفة) الآلاف من السعوديين. في إطار هذا المزيج من الإرهاب والمقاومة تشكل ما يمكن تسميته بالجيل الثاني (العائدين من العراق) للعنف والتكفير والإرهاب في السعودية، والذي هو أكثر خطرا بمراحل من الجيل السابق، نظرا لأنه ترعرع وتدرب في بيئة مشابهة لأوضاع السعودية ودول المنطقة، حيث يطغى أسلوب حرب المدن والمناطق المكشوفة، كما تستخدم فيها الأسلحة الفتاكة وكل أدوات الدمار (في ظل التأجيج والاحتقان الطائفي والاثني من جميع الأطراف) ومن دون تميز في الغالب ضد الأهداف والمكونات والجماعات المدنية والأهلية، أو المرتكزات الأمنية والاقتصادية والخدماتية، إلى جانب إفرازات وتداعيات استمرار الاحتلال الأميركي وممارساته القمعية، ومن أخطائه الفادحة ليس في العراق فقط، وإنما على صعيد السياسة الأميركية وتعاملها مع القضايا المتفجرة في عموم المنطقة، وفي ظل عجز الحكومة العراقية وفشلها في تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بين كافة مكونات المجتمع العراقي وتحقيق الأمن والاستقرار وتأمين الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين.
اذا كان صحيحا أن العراق تحول إلى مركز جذب رئيس للآلاف من المقاتلين (وجزء كبير من السعوديين والإرهابيين)، من خارج الحدود باعتباره ساحة أمامية للمنازلة والجهاد ضد القوات الأميركية و’’الكفار’’ أو ‘’الروافض’’ وتصوير الولايات المتحدة على إنها سبب البلاء ومنبع الشر لدى بعضهم و’’رأس الكفر والشرك والصليبية’’ لدى البعض الأخر. السؤال المهم الذي يطرح هنا هو: لماذا هذا الحضور والتواجد الكثيف للسعوديين في مختلف ساحات المواجهة والمقاومة، وفي العمليات الإرهابية على حد سواء. أكان ذالك في أفغانستان والبوسنة والهرسك والشيشان، أو في أحداث 11سبتمبر/أيلول الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة وما سبقها وتلاها من أعمال إرهابية في كثير من البلدان العربية والإسلامية وغيرها من بلدان العالم؟ لقد أصبحت القاعدة التي يتزعمها أسامة بن لادن بمثابة هيئة أركان لإطار وتشكيل أممي يمثل المركز التنظيمي والملهم الأيديولوجي والروحي والإطار العام الجامع والموجه لمعظم حركات الإرهاب في العالم. وبالتأكيد فإن القاعدة وقيادتها ومنظروها لهم أهداف سياسية مباشرة وأخرى بعيدة المدى، وقد تتعارض مع ما يطرحه الاتجاه السلفي التقليدي في المملكة، غير أن جذرهما الفكري واحد، من حيث المرجعية والمنطلق والاستناد إلى لون محدد وأحادي لخطاب فكري (أيدلوجي) اجتماعي مشترك يتسم بالتشدد والتزمت وتكفير الأخر، استطاع ضمن ظروف وملابسات معينة، وعلى امتداد عقود عدة أن يسود، ونجح إلى حد كبير في اختطاف المجتمع وخصوصا فئات الشباب منهم، من خلال سيطرته على قنوات التأثير والاتصال المباشر وغير المباشر، مثل الإعلام، والتعليم، والمساجد، والجمعيات الخيرية، والدعوية كما سعى وخصوصا في أعقاب فشل تمرد حركة جهيمان في مكة المكرمة نهاية العام ,1979 إلى فرض تفسير وقراءة مبتسرة، وأحادية لبعض رجال الدين والفقهاء والمفسرين (السلفيين) القدماء، وتحويلها إلى نصوص مقدسة وبديلا على حساب الكتاب والسنة، كما استندوا إلى تأويلات وإسقاطات صادرة من عدد من المنظرين والدعاة (الصحويين الاسلامويين) المعاصرين، وهي في مجموعها (صادرة عن بشر يصيبون ويخطئون) تفتقد البعد التاريخي، والمتعين الموضوعي والواقعي من حيث الزمان والمكان، ويتجلى ذلك في الفهم المتحجر والمغلق، والتعاطي المتزمت والمتشدد مع موضوعات خطيرة، مثل الولاء والبراء، ودار الحرب ودار الإسلام، ومفهوم الجهاد (جهاد الدفع والطلب) والتي أفرزت العداء والرفض لفكرة الدولة الوطنية المدنية، واحتقار مبادئ القانون الدولي، ونبذ التعايش وتبادل المصالح بين البلدان والشعوب في العالم، ما أدى في مرحلة لاحقة إلى تكفير الحكومات وغالبية المجتمعات الإسلامية، وإعلان الحرب المفتوحة (حرب الفسطاطين) على المشركين والكفار، في الداخل والخارج في الآن معا. وتواكب مع هذا التوجه التركيز على المظاهر الشكلية مثل الزي (تقصير الملابس للرجال وتحجيب المرأة بالكامل) والهيئة (إطلاق اللحى وتقصير الشارب) والتشديد في إقامة الحدود والتعزير من خلال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أخذت تحارب كل مظاهر الحداثة، والتقدم الاجتماعي، والانفتاح والقبول بالأخر، والتعددية والاجتهاد. لقد أثبتت التجارب والدروس المستخلصة في مواجهة الإرهاب أن المواجهة الأمنية (على أهميتها) وحدها، غير قادرة على استئصال جذور الإرهاب، لذا يجب أن يوضع الفأس عند الجذر لتجفيف منابع الإرهاب، ومحاضنه الفكرية والاجتماعية، من خلال مواجهة وطنية شاملة وترسيخ القناعة (الرسمية والأهلية) لدى الجميع بضرورة استنهاض كل طاقات المجتمع، ومؤسساته المدنية المستقلة، ومعالجة أوجه الخلل والقصور على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال تعميق وتطوير المشاركة الشعبية، والإصلاح الجذري الشامل في جميع المجالات، والتنمية المستدامة، ووضع حد للمشكلات الاجتماعية، مثل الفقر والبطالة وتدني الخدمات (صحة وتعليم) والأجور، والارتقاء بالمواجهة الفكرية الشاملة لتفكيك بنية الخطاب التكفيري، دينيا واجتماعيا، وعلميا، ومعرفيا من خلال الإصلاح الديني (فكرا ومؤسسات)، واستحداث خطابات دينية وإعلامية وتربوية بديلة، وسن القوانين والتشريعات التي تحرم التكفير وتعاقب المحرضين على العنف والإرهاب، ومن الأهمية بمكان تطوير التعليم والتربية، والمناهج وطرق التدريس، باتجاه ترسيخ قيم التسامح والتعددية، والقبول بالأخر (المحلي والأجنبي) المختلف، والانفتاح على المكونات الاجتماعية والسياسية والثقافية والمذهبية والطائفية كافة التي يتشكل منها النسيج الوطني.
صحيفة الوقت البحرينية