وليد شقير الحياة
تكشف استعادة شريط الاتصالات والمفاوضات الإيرانية – السعودية في شأن إيجاد مخرج للمأزق اللبناني، مجموعة من الثوابت في موقفي طهران والرياض، توصلتا إليها منذ بداية التفاوض بينهما قبيل منتصف الشهر الماضي هي التي تبقي على التواصل قائماً بين الدولتين على رغم تأخر تنفيذ الحلول التي اتفقتا عليها والصعوبات التي تعترض هذه الحلول.
وأبرز هذه الثوابت التي تتحكم بموقف الفريقين، بحسب مصادر اطلعت على جانب من المحادثات، يمكن تلخيصها بالآتي:
1- تأكُّد طهران من ان الرياض ليست في وارد الاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية ضدها في سياق المواجهة القائمة بينهما حول الملف النووي الإيراني وغيره اذ ان المسؤولين الإيرانيين كانوا يرددون ذلك في محافل عدة، في شكل أغضب المسؤولين السعوديين الذين ما انفكوا يكررون نصائحهم لدول الغرب وأميركا بالسعي الى حل سياسي للمشكلة الإيرانية، لأن المواجهة العسكرية كارثية. وحين زار منسق المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الرياض في 13 كانون الثاني (يناير) فاتحه المسؤولون فيها بذلك معاتبين على هذا الكلام وغيره، وأدى توضيح الأمر الى انطلاق بحث جدي حول أوضاع المنطقة.
2- ان ايران جدية وحازمة في موقفها رفض تنامي الحساسية الشيعية السنية في المنطقة وهي تخوض المواجهة مع المجتمع الدولي حول ملفها النووي، ووجدت الرياض في هذه الجدية فرصة مهمة لسعي مشترك من اجل معالجة هذا الأمر الذي أخذ يقلقها من باب خشيتها من توسع الدور الإيراني في المنطقة. وهذا ما اتاح البحث في وضع العراق والتوسع في شأنه نحو لبنان اذ ان ايران لم تكن مرتاحة الى رد الفعل السني على اعتصام حلفائها في المعارضة في وسط بيروت، والذي تجلى في مناطق لبنانية عدة.
3- ان الرياض اعتبرت موضوع لبنان اساسياً ومهماً وأظهرت لطهران مدى جديتها في مسألة إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وسائر الجرائم المرتبطة بها وحرصها على عدم استهداف «حزب الله» عبر هذه المحكمة، وشرح الجانب السعودي الجهود التي بذلها على الصعيد الدولي لهذا الغرض، لكنه أكد ان إقرار المحكمة خط أحمر بالنسبة إليها لا يمكنها التراجع عنه في الموضوع اللبناني وأن قضايا الأزمة اللبنانية تحتمل وجود خط أصفر أو ما شابه، باستثناء المحكمة.
وبدا لطهران ان الموقف السعودي يقدم جواباً واضحاً على حرصها على حفظ «حزب الله» بعيداً من أي ضغوط عليه عبر المحكمة.
4- ان البحث في الموضوع اللبناني والذي كان موضوع إقرار المحكمة الجزء الأهم منه افضى الى ورقة وصفها لاريجاني سميت «ورقة لاريجاني» او «الاقتراح الإيراني»، ما زالت على ما يبدو المرجع الذي تعود إليه الاتصالات السعودية – الإيرانية في البحث المستمر عن حل لبناني.
ورقة لاريجاني
ماذا تتضمن ورقة لاريجاني التي تؤكد طهران استمرارها في السعي لتسهيل تحقيقها كلما تعقدت المساعي المشتركة مع الرياض؟
مصادر واكبت الاتصالات الجارية أوضحت لـ «الحياة» انها تشمل الآتي:
1- يتم الاتفاق على المحكمة الدولية.
2- ضمان آليات إقرارها قانونياً.
3- قيام حكومة وحدة وطنية إما على اساس 19-10-1 او على اساس 19-11 وقد نوقش هذا البند كثيراً بين الجانبين السعودي والإيراني حيث اتفق على ان اعتماد صيغة 19-10-1 يؤدي على الأقل ظاهرياً الى ترجيح الربح لمصلحة فريق واحد هو 14 آذار، وإذا اعتمدت صيغة 19-11 يؤدي هذا الى رجحان كفة المعارضة. وذهب الجانب الإيراني الى حد القول ان اعتماد صيغة 19-10-1 ستضع لبنان بين حالتين، اما التصعيد واستمرار الاعتصام أو تنفيذ التزامات السيد حسن نصر الله بصيغة 19-11.
واتُفق على اعتماد صيغة مركبة تقضي بأن يعلن الاتفاق على اساس حكومة من 19-11 لكن ضمناً الالتزام عند التنفيذ بالورقة التي تنص على 19-10-1، وعلى ان يتم الاتفاق بين فريقي المعارضة والأكثرية على الوزير الـ 11، وأن هذه الصيغة تحفظ للمعارضة ونصر الله كسباً معنوياً وتراعي مخاوف الأكثرية من الثلث المعطل وتسمح بإتمام التسوية.
4- تنجز الحكومة الجديدة برئاسة فؤاد السنيورة قانون انتخاب جديداً خلال شهرين.
5- إجراء انتخابات رئاسية (من دون تحديد اذا كانت مبكرة أو في موعدها).
6- الانتخابات النيابية: إذا حصلت انتخابات رئاسية مبكرة تجرى انتخابات نيابية مبكرة، وإذا حصلت الانتخابات الرئاسية في موعدها مع نهاية ولاية الرئيس اميل لحود، تجرى الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، (أي عام 2009).
7- فور إعلان هذا الاتفاق يجري فك الاعتصام من جانب المعارضة ووقف كل التحركات في الشارع.
شكلت الورقة بعد التعديلات التي أُدخلت عليها اساساً للتفاؤل بإمكان الوصول الى حل وضعت له آلية في اتصالات أُجريت في بيروت تولاها السفير السعودي عبدالعزيز خوجة مع الفريقين، وواكبها السفير الإيراني محمد علي شيباني، كادت تصل الى خواتيمها بالتوقيع عليها وإعلانها في المجلس النيابي (نشرت «الحياة» جانباً من هذه الاتصالات في عددها بتاريخ 24-1-2007) وجرت الأمور بسرعة فائقة: وافق الرئيس بري على مشروع الحل استناداً الى هذه الورقة الثلثاء 16 كانون الثاني وأجّل «حزب الله» جوابه الى اليوم التالي ثم الى الذي يليه، بحجة العمل على تليين موقف حليفه العماد ميشال عون المصر على انتخابات نيابية مبكرة، ثم أبلغ خوجة (يوم الخميس 18 كانون الثاني) ان الأمور تعقدت بسبب الإصرار على انتخابات نيابية مبكرة وأعلن السيد حسن نصر الله الجمعة عن التحرك في الشارع وأصدرت المعارضة بياناً بهذا المعنى السبت في 20 الشهر نفسه، فاستفسرت الرياض من طهران عما يجري وأكدت الأخيرة استمرار التزامها الورقة وانتقل لاريجاني الأحد 21-1 الى دمشق، حيث التقى قيادة الحزب والقيادة السورية، ثم الاثنين (22-1) الى الرياض التي اقترحت، بعد ان نقل إليها المسؤول الإيراني إصرار دمشق على بحث المحكمة بعد انتهاء التحقيق الدولي وإصرارها على حكومة من 19-11، ان يتم اعتماد صيغة مرنة للمحكمة: إقرارها الآن وتشكيلها بعد انتهاء التحقيق، إذا كانت دمشق تقترح ما تقترح. وغادر لاريجاني الى طهران مستمهلاً للإجابة ثم حصل تحرك المعارضة في اليوم التالي (الثلثاء 23-1) الذي ادى الى قطع الطرقات وإحراق الدواليب، وأنذر بمواجهات عنيفة في لبنان، اقترح لاريجاني إرسال موفد سعودي الى ايران للبحث في جواب طهران، وتولى سكرتير مجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز الذي كان شارك في المفاوضات مع لاريجاني المهمة وزار طهران الأربعاء في 24-1. في تلك الزيارة قال المفاوض الإيراني انه «بصراحة» يصعب تمرير المحكمة بسبب الرفض السوري (خلافاً للتاريخ الذي ورد في «الحياة» امس نتيجة خطأ غير مقصود عن تبلغ السعودية هذا الموقف من لاريجاني). وجرى نقاش لم يغب عنه التشدد بين الجانبين اكد فيه الأمير بندر موقف بلاده باعتبار المحكمة خطاً أحمر، وأن هذا الموقف من المحكمة يتناقض مع رغبة طهران نزع فتيل الأزمة الشيعية – السنية… وانتهى البحث الى تجديد اقتراح إقرار المحكمة ثم تأجيل تشكيلها الى ما بعد التحقيق واستمهلت طهران مرة اخرى للإجابة، وبعثت الرياض بمساعد الأمير بندر لاستكمال البحث بملفات اقليمية أخرى، من دون الحصول على جواب على الموضوع اللبناني. وفي 13 الجاري زار لاريجاني الرياض، وقالت مصادر اطلعت على نتيجة الزيارة انها لم تحقق نتائج، وما زالت الرياض تنتظر جواب طهران على اقتراحها، بعد ان كانت الأخيرة استقبلت الرئيس بشار الأسد في 17 و 18 الجاري، إلا ان المسؤولين الإيرانيين اكدوا ان تأخيرها جوابها لم يكن مرتبطاً بالزيارة وأنهم ما زالوا ملتزمين الورقة الأولى التي كان الجانبان اتفقا عليها الشهر الماضي.