يرتكز هذا السؤال إلى رؤية عالم الاجتماع الإيراني والأستاذ في جامعة “آزاد إسلامي” في طهران “حسن محدثي”، حول تديّن المجتمع الإيراني راهنا، بعد أكثر من 43 عاما من اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، والتي كان أحد أهدافها الرئيسية تديينُ الشعب والسير بأفراده ومؤسساته نحو تبني الرؤية الشيعية الفقهية المطلقة في الحياة وإنجاح مشروع الإسلام السياسي إقليميا وعالميا.
حسب الإحصاءات الرسمية الإيرانية، مقارنة بما هو قبل الثورة الإسلامية، كما يشير “محدثي” في لقاء متلفز، تراجعت مصداقية رجال الدين والمثقفين الدينيين في إيران بشكل كبير، وزادت احتمالات أن يصبح المتدينون غير متدينين.
يؤكد محدثي أن المجتمع الإيراني دخل عصر ما بعد الدين والتديّن. فما يحدث في إيران الآن يشير إلى ارتفاع احتمالات أن يصبح الشخص المتدين غير متدين أو مناهض للدين، في حين كان تغيير الدين في الماضي أمرا نادرا، وإذا غيّر أحدهم دينه فإنه يخفي ذلك. أما الآن، فقد أصبح التديّن ضعيفا في المجتمع، وازداد عدد الأشخاص غير المتدينين أو الذين هم ضد الدين.
ويشير “محدثي” كذلك إلى تراجع مصداقية القائمين على الدين، كرجال الدين أو المثقفين الدينيين، بشكل كبير في إيران. وإلى فقدان الفقه، وعلم الكلام الشيعي، والتاريخ الإسلامي، والفلسفة الإسلامية، والتصوف الإسلامي وعلوم أخرى مثل علم الحديث، مصداقيتها.
●استطلاع
يأتي كلام محدثي متناغما مع استطلاعات عديدة جرت خلال السنين الأخيرة لقياس مكانة الدين في المجتمع الإيراني وكذلك قياس مستوى تديّن الإيرانيين.
وقد أشارت نتائج أحد الاستطلاعات، وأجراه مركز “كمان” الإيراني المتخصص، في يونيو 2020 وشمل أكثر من 50 ألف مشارك، 90 في المئة منهم مقيمون في إيران، حول نظرة الإيرانيين تجاه الدين، أن 60 في المئة من سكان إيران لا يصلّون، وأن 73 في المئة منهم يعارضون فرض الحجاب.
كما ذكر حوالي 40 في المئة منهم أنهم يصلون على فترات مختلفة، ومن هذا المعدل، أعلن أكثر من 27 في المئة من السكان أنهم يصلون خمس مرات في اليوم. ويعتقد 71 في المئة من السكان أن المؤسسات الدينية يجب أن تؤمن نفقاتها بنفسها في وقت أكد حوالى 12 في المئة ضرورة ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، ولا يؤمن 58 في المئة من السكان بالحجاب على الإطلاق.
وعلى رغم القيود المفروضة في البلاد، يشرب نحو 37 في المئة من الإيرانيين الكحول بانتظام أو بين الحين والآخر؛ وذكر 55 في المئة من السكان أنهم لا يشربون الكحول، ولا يستهلك حوالى 8 في المئة من السكان الكحول بسبب استحالة شرائه (عدم إمكانية الوصول إليه أو التكلفة).
وقال بويان تميمي عرب، وهو أحد منظمي الاستطلاع: “يصبح السؤال وجوديا. تريد الدولة منك أن تكون ما لا تريد أن تكونه. وقد تحولت خيبة الأمل السياسية إلى خيبة أمل دينية.. ابتعد الإيرانيون عن الدين المؤسسي على نطاق غير مسبوق”.
وقال جيمس دورسي، وهو خبير في قضايا الشرق الأوسط والأدنى: “مع أن تراجع الأفكار المتشددة سمة مشتركة بين دول الشرق الأوسط، إلا أن الإيرانيين هم الأكثر تمردا على الأفكار الرسمية”.
وأظهر جزء غير منشور من الاستطلاع أن التغيير في التديّن يظهر من خلال تزايد عدد الإيرانيين الذين لا يسمّون أطفالهم بأسماء شخصيات دينية.
●طهران الأقل تدينا في الشرق الأوسط
وكتب الصحافي نيكولاس بيلهام، مستندا إلى زيارته إلى إيران في 2019: “قد تكون طهران العاصمة الأقل تديّنا في الشرق الأوسط. يهيمن رجال الدين على عناوين الأخبار ويلعبون دور شيوخ المجتمع في المسلسلات، لكنني لم أرهم أبدا في الشارع، إلا على اللوحات الإعلانية. وعلى عكس معظم البلدان الإسلامية، يكاد الأذان يكون غير مسموع. ويُحظر استهلاك الكحول ولكن توصيلها إلى المنزل أسرع من البيتزا“.
يشير الباحث في الشؤون الإسلامية “محمد العطية” أن لجوء النظام في إيران إلى الدين لتبرير تراجع أحوال البلاد اقتصادياٍ وسياسيا، وقمع المعارضة، وتشكيل ديكتاتورية على أسس الطاعة لولي الأمر الفقيه، ساهم في ابتعاد الإيرانيين عن التدين، لافتا إلى أن أجهزة النظام الإيراني، باتت تدخل في أدق تفاصيل حياة الشعب الخاصة، باسم فرض الدين والتدين.
أما المحلل السياسي “ابراهيم الأشقر” فيربط ابتعاد الإيرانيين عن الدين، بنظرتهم للدين على أنه السبب في ما يحل ببلادهم، خاصة وأن النظام بكامل سلطاته العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ارتبط برجال الدين، الذين أصدروا آلاف الفتاوى المؤيدة للنظام والمحرمة لأي انتفاضة ضده. لافتا إلى أن ارتفاع نسبة الإلحاد بين السيدات في إيران مردّه القيود التي تفرضها القوانين الإيرانية، والتي تحرمها من ارتداء الألبسة سوى السوداء منها وتمنعها من حضور المباريات أو استخدام أدوات التجميل، كما تضعها تحت سلطة ذكورية مطلقة.
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أشار في نوفمبر الماضي إلى وجود “هجمة شرسة” ضد الإسلاميين وضد رجال الدين (المعممين) وحملة خلع العفة والحجاب في إيران، محذّرا من انتقالها لتعمّ باقي الدول.
وشدد من أنه “صار لزاما على (العالم) أن يظهر علمه أمام هذه التحديات التي يواجهها (الدين) بصورة عامة والإسلام بصورة خاصة. فإنني، وحسب فهمي، أجد أن الهجمة المعادية تتصاعد يوما بعد يوم في كافة أصقاع العالم”.
●ثورة ثقافية
ما يحدث في إيران من ابتعاد عن الدين، حسب “الفضل شلق”، هو ثورة ثقافية ضد نمط حياة فرضته المؤسسات الدينية منذ جاء مرشد الثورة الأول الإمام الخميني الى السلطة.
وكانت الاحتجاجات الأخيرة التي عمّت إيران واستمرت لأكثر من ستة أشهر وما زالت تبعاتها مستمرة ورفعت شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، استهدفت تغيير نمط حياة المواطن الإيراني، وكانت المرأة ولا تزال بطلتها.
يتساءل شلق: “هل تشير (الاحتجاجات الأخيرة في إيران) الى بداية تحوّل المجتمعات الإسلامية كلها، وإلى وهن هذه السلطة في فرض قبضتها على المجتمع كله؟”.
إن الدولة الدينية، حسب شلق في مقال له حمل عنوان “هل بدأ أفول الدولة الدينية؟”، “لم تعد ممكنة، وهي تشبه في قبضتها ورفضها السياسة والتعبير عن الناس ووجودهم، وإصرارها على قضايا تفرضها، بحيث تجعل المجتمع صدى لما يعتقد الملالي”، مؤكدا بأن “الثورة الثقافية التي عبّر عنها مطلب رفع الحجاب هي في نهاية الأمر ثورة سياسية. تحوّل مزاج المجتمع، بالأحرى وعيه، فصار ضروريا تغيير شكل السلطة وصولا الى إلغاء القبضة الدينية الطقوسية، قبضة الملالي والمشايخ، وإلا يصل الأمر الى العنف؛ وقد وصل”.
●إله الجيل الجديد
تثار في أوساط الشباب الإيراني، في كثير من الأحيان، نقاط تمس الأساس الذي ينتشر منه الدين والأصل الذي ينطلق منه التديّن، أي تمس تعريف الإله. يقول الباحث الإيراني “علي مهجور” في هذا الإطار إن إله الجيل الجديد في إيران ليس فقط إلها مختلفا عن إله الأجيال السابقة، ولكنه إله غير مفهوم بالنسبة لنا (الجيل القديم). هو إله ليس مثل إله آبائنا وأمهاتنا الذي يجلس على العرش وينشغل في إصدار الأحكام. كذلك ليس مثل إله الفقهاء الذي يوعد مؤمنيه بالحور العين ويهدّدهم بالنار، أو يعدّ لهم الثواب والعقاب. إله الجيل الجديد ليس مثل إله الفقراء لفرانسيس بيكون، الذي كلما زاد احتياجهم إليه زادوا من جرعة العبودية نحوه، كما أنه ليس مثل إله نيتشه الميت.
ويضيف “مهجور” أن إله الجيل الجديد هو في حال تشكُّلٍ وتغيُّرٍ مستمرّين. يتحوّل إلى شكل مختلف في كل لحظة. ليست له ذات ثابتة، بحيث أن المؤمن به لا يفضّل الاستقرار.
ويؤكد “مهجور” أن ذهن الجيل الجديد، الذي يقضي كل يوم مع مئات المتغيّرات، الصوتية والصورية، لا يمكن أن يكتفي بفكرة واحدة عن الإله. يبحث، بوعي أو من دون وعي، عن إله لا يهدأ، إله له ذات جديدة. وهذه الفكرة شبيهة بعالَم هذا الجيل، حيث يتجدّد بسرعة قصوى.
ويشدد مهجور على أن فضول الجيل الجديد بات يرفض شكل التفكير القديم، وأصبح يعتبر الأفكار الدينية المعلّبة وكأنها “لا شيء”. فهو يفتح الرزم الدينية ويختار من محتوياتها ما يراه مفيدا لتسهيل حياته، ليس إلى الأبد، ولكن لفترة قصيرة من الوقت بحيث لم يتلق فيه أي معلومات جديدة. بينما كل معلومة جديدة ستحوله إلى شخصية جديدة، وهذا في نظره هو ما يريده الله.
إن دين وتديّن هذا الجيل هو دين جديد ومتغيّر.
حدث، أحياناً، أن تمرّد بعض شيعة لبنان ضد “ملاتهم”، في الضاحية والبقاع، لكن “إرهاب” الحزب الإيراني، ودولاراته، كان ينجح دائماً في إعادتهم إلى بيت الطاعة! بالمقابل، لم يجرؤ شيعة لبنان والعراق على طرح “موضوع الدين” نفسه على بساط البحث! تباهى المدعو نعيم قاسم ضاحكاً بأن عنده “خط مباشر مع الله”.. ولم يرد عليه أحد! المجتمع الايراني قد يكون أرقى من المجتمعات العربية!
Les iraniens sont nationalistes mais ceci ne signifie par qu’ils sont d’une religiosité excessive. Le Chiisme duodécimain fait partie intégrante de leur identité nationale Ils n’ont pas besoin de trop de folklore religieux pour affirmer leur identité
المجتمع الإيراني هو قومي بامتياز…. التشيّع هو من صميم الهويّة الإيرانيّة، ولكن هذا لا يعني التديّن!