قلة قليلة اعتقدت أن المملكة الهاشمية لإمارة شرق الأردن ستصمد عندما تمّ إنشاؤها في عام 1946. وعند تأسيسها، كانت المملكة تضمّ 250 ألف نسمة فقط معظمهم من البدو، وتمتلك القليل من الموارد الطبيعية التي يمكن الحديث عنها. وبعد فترة وجيزة، في عام 1948، تورطت المملكة في حرب مع دولة إسرائيل الناشئة، ووفرت ملجأ لنحو 650 ألف لاجئ فلسطيني، واكتسبت مساحة إضافية بلغت 5600 كيلومتر مربع غرب نهر الأردن. ثم، بعد أقل من ثلاث سنوات، اغتيل الملك برصاصة أردته قتيلاً، تاركاً المملكة الصحراوية الناشئة في عهدة ملك يبلغ من العمر 17 عاماً وسط انقلابات هزت دولتين مجاورتين.
وكانت تلك الأعوام الخمسة الأولى فقط. وخلال العقود اللاحقة، استمرت سلسلة من التحديات الاقتصادية السياسية والعسكرية بلا هوادة. ففي عام 1958، على سبيل المثال، طلب القصر الملكي الدعم العسكري من بريطانيا لحماية المملكة من المخاطر التي شكّلها جمال عبد الناصر. وخلال حرب عام 1967 مع إسرائيل، دخل 250 ألف لاجئ فلسطيني إضافي إلى الأردن، وبين عامي 1970-1971، حارب الجيش الأردني آلاف المسلحين الفلسطينيين المقيمين داخل المملكة الذين حاولوا السيطرة على الدولة وانتصر عليهم. ثم أتى اللاجئون العراقيون، الذين وصلوا بمئات الآلاف في عامي 1991 و2003، ونحو 400 ألف فلسطيني كانوا قد طُردوا من الكويت في عام 1991، ووجد العديد منهم طريقه إلى المملكة.
وعلى الرغم من الصعوبات، بقيت المملكة مثابرة. فقد تحوّل الملك حسين، العاهل الأردني الشاب، إلى رجل دولة إقليمي وصانع سلام يحظى باحترام وتقدير واسع، وسفير رفع المكانة الدولية لدولته الصحراوية الصغيرة والفقيرة، مما ساهم في النهاية في استقطاب مبالغ كبيرة من المساعدات النقدية. والأهم من ذلك، أن العاهل الأردني تمكّن مع مرور الوقت من رأب صدع الخلافات العرقية العميقة بين الرعايا الفلسطينيين وأولئك من أصول قبلية. وسار نجل الملك حسين، عبدالله الثاني الذي تولى العرش في عام 2000، على خطى والده، مما ساعد في النهاية على إخراج الأردن من فلك العراق وضمّه إلى المعسكر المؤيد للغرب.
وخلال العقد والنصف الماضي، عزّز الأردن بشكل أكبر حتى تحالفاته السياسية والعسكرية مع الغرب والولايات المتحدة بوجه خاص، مما أفسح المجال أمام ازدياد التعاون الإستراتيجي والمساعدة المالية من واشنطن. وفي حين لم تحمِ العلاقات الوثيقة مع واشنطن المملكة من التحديات الإقليمية، إلا أنها ساعدت الأردن على مواجهة بعض أصعب الأزمات والعواصف السياسية التي هددت الاستقرار الداخلي في البلاد.
نهج فعال إزاء المشاكل
لم يكن التحالف مع الغرب سوى واحد من سلسلة من المقاربات الجديدة إقليمياً في وجه التحديات التي ساهمت في ضمان صمود المملكة. وتتضمن مقاربات مثمرة أخرى كانت قد ساعدت القصر الملكي على تخطي المحن ما يلي:
· التركيز على الشرعية الدينية. أشار الملك حسين على نحو متواتر إلى نسب الهاشميين – كونهم منحدرين مباشرة من سلاسة النبي محمد – لمحاولة جمع السكان المتباينين وتعزيز شرعية حكمه الذي نُقل أساساً من الحجاز في شبه الجزيرة العربية.
· حوكمة أفضل نسبياً. وفقاً لمنظمة “فريدوم هاوس”، إن الأردن “ليس حراً”. لكن وفقاً للمعايير الإقليمية، يطبّق الأردن سياسة قمعية معتدلة نسبياً. فلا يلجأ حكامه إلى التعذيب بالدرجة نفسها المعتمدة في دول أخرى في المنطقة.
· عمليات قتل أقل. تُعتبر السيطرة الذكية على الحشود، السمة المميزة للشرطة الأردنية. فعند وقوع تظاهرات، لا تطلق قوات “الدرك” – الشرطة ورجال الأمن – الأردنية النار على الحشود حتى لو كان يعني ذلك تعرّض عناصر هذه القوات لإصابات.
· ساطة الصراع المجتمعي. على مرّ السنوات، كان القصر الملكي بمثابة الحكم التقليدي بين السكان من أصول قبلية الذين تقدّر نسبتهم بـ 40 في المائة وأولئك من أصول فلسطينية الذي يشكّلون 60 في المائة. ويسود استياء كبير في كلا الجانبين – على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي – لكن النظام وجد صيغة لنزع فتيل التوترات والحدّ من العنف. كما أن معدل تزاوج يناهز 30 في المائة بينهما، بما فيه الملك نفسه، يساهم في تحسين الأوضاع على الأرجح.
· السيطرة الذكية على الإسلاميين. تصرَّف القصر الملكي بحكمة في تعامله مع إسلاميي المملكة. ومن خلال مزيج من الاسترضاء والدمج تارةً والترهيب والقمع طوراً، نجحت السلطات الأردنية بمهارة في إدارة ما كان يمكن أن يشكّل تهديداً كبيراً للنظام ولتوجهات المملكة الموالية للغرب.
· جمع التمويل بشكل ممتاز. كان الأردن دولة مدينة منذ عام 1946 لكنه حصل على التمويل من دول الخليج، والعراق تحت حكم صدام حسين، والولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان. وقد ارتقى القصر الملكي بعملية جمع التمويل لتصبح فناً، فعزّز موقعه الإستراتيجي وحرص على الاعتدال واللين لانتزاع إيجارات أعلى باستمرار من الولايات المتحدة التي تساهم حالياً في نحو 10 في المائة من ميزانية الأردن السنوية.
· قبول اللاجئين. سمح الأردن لعدد أكبر من اللاجئين للفرد الواحد بالدخول إلى أراضيه ربما أكثر من أي بلد آخر. وقد شكّل أولئك اللاجئون عبئاً كبيراً على المملكة، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. لكنهم كانوا أيضاً مركزاً للربح الثابت، حيث أدخلوا عائدات ومساعدات مالية، وأحياناً رأس مال جديد إلى المملكة.
· الحظ. بحلول أواخر عام 2012، كانت المملكة تواجه تحدياً صعباً من المعارضة القبلية المعروفة باسم “الحراك” التي كانت تقترب أكثر فأكثر من جماعة «الإخوان المسلمين»، استناداً إلى تركيز مشترك على فساد القصر. وللمفارقة، فإن الحرب في سوريا والاضطرابات في مصر والفوضى في ليبيا وانهيار اليمن، شكّلت كلها عوامل مثبطة للأردنيين أثنتهم عن الاحتجاج. وعوضاً عن التظاهر، لازم الأردنيون منازلهم وفضّلوا العيش في بلد مستقر ومتسامح نسبياً.
التحديات الرئيسية
على الرغم من أن ثقافة الأردن السياسية المعتدلة، غير الإيديولوجية والتي تعزف عن الثورة هي عامل ملطّف قوي، يُعتبر خطر اندلاع اضطرابات محلية اليوم أكبر من أي وقت مضى منذ الفترة الدموية التي عرفتها البلاد بين عامي 1970-1971. ويرتبط هذا الخطر في جزء كبير منه بامتداد الحرب السورية لتطال المملكة الهاشمية. فحتى يومنا هذا، عبَرَ ما يقرب من 1.4 مليون لاجئ سوري إلى الأردن. ويطرح هؤلاء اللاجئون الذين يشكّلون نحو 13 في المائة من سكان الأردن، تحدياً فريداً من نوعه بالنسبة للقصر الملكي.
يُذكر أن أقل من 120 ألفاً من هؤلاء السوريين يعيشون في مخيمَين لللاجئين المتوافرَين في المملكة الهاشمية، حيث تنتشر الأغلبية الساحقة في أرجاء البلاد وتثقل كاهل الاقتصاد الضعيف بشكل دائم في الأردن، حيث يمثّل خلق فرص العمل مشكلة كبيرة. وبالفعل، فوفقاً لمكتب “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، يقبع 86 في المائة من اللاجئين الذين يعيشون خارج المخيمين تحت خط الفقر. ووفقاً للأرقام الرسمية، يناهز معدل البطالة 15 في المائة، وهو رقم أسوأ بكثير عندما يأخذ المرء في الحسبان معدّل المشاركة المنخفض في القوى العاملة البالغ 36 في المائة. ووفقاً لبعض التقارير بلغ معدل البطالة في أوساط الشباب 40 في المائة. وبالتالي، ليس من المفاجئ أن يؤدي دخول مئات الآلاف من السوريين إلى سوق العمل إلى زيادة معدل البطالة بشكل إضافي بين الأردنيين في ظل إقدام الشركات على استبدال المواطنين باليد العاملة السورية الأرخص. ووفقاً لـ “منظمة العمل الدولية”، ازداد معدل البطالة بين الأردنيين في المناطق التي تشهد تمركزاً كبيراً من اللاجئين السوريين إلى 22 في المائة.
ويمارس هؤلاء اللاجئون الضغوط على البنية التحتية في المملكة، بما فيها قطاعات المياه والكهرباء والتعليم، ويدفعون بأسعار المنازل صعوداً. ففي عام 2015، بلغت تكاليف استضافة اللاجئين 17.5 في المائة من ميزانية البلاد وكانت سبباً رئيسياً في العجز الأردني الذي بلغ ملياريْ دولار. وكانت هذه العوامل قد دفعت مؤخراً بالملك عبدالله إلى القول إن الوضع “وصل إلى حدّ الغليان …عاجلاً أو آجلاً، أعتقد أن الأمور ستخرج عن السيطرة”. ونحو نهاية عام 2015، بدأ الأردن يحد من دخول السوريين ويقتصر ذلك فقط على من هم بحاجة ماسة إلى عناية طبية.
وفي حين أن هناك تأثير كبير لللاجئين السوريين على المستوييْن الاقتصادي والاجتماعي، يمثّل الأمن مبعث قلق أكثر إلحاحاً. فوفقاً للتقديرات، يناهز عدد الأردنيين الذين يقاتلون حالياً في سوريا 2500 عنصر. وعلى الرغم من أن القوات المسلحة الأردنية تمنع بشكل فعال عمليات التسلل وتحارب المسلحين والمهربين السوريين على طول الحدود، تتزايد المؤشرات على أن بعض اللاجئين – والمواطنين الأردنيين – يخضعون لتأثير إيديولوجية الإسلام السلفي أو تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي نصّب نفسه بنفسه.
ويمكن القول إنه قبل أن يُقدم تنظيم «داعش» على قتل الطيار الأردني [معاذ الكساسبة] – الذي أُسقطت طائرته في سوريا في كانون الثاني/يناير 2015 – بإحراقه حياً، أعلن 62 في المائة فقط من الأردنيين أنهم يعتبرون تنظيم «الدولة الإسلامية» منظمة إرهابية – واعتبر نحو 31 في المائة في المائة فقط أن «جبهة النصرة» – فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا – منظمة إرهابية. ووفقاً لذلك الاستطلاع نفسه الذي أجراه “مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية” في أيلول/سبتمبر 2014، اعتَبر 44 في المائة فقط من المستطلَعين الأردنيين تنظيم «القاعدة» جماعة إرهابية.
لا شكّ في أن مقتل الطيار الأردني قد أثّر في بعض هذه الآراء. ومع ذلك، تتصاعد وتيرة الحوادث والاعتقالات المرتبطة بالإرهاب في المملكة الهاشمية. ففي مطلع آذار/مارس، أفادت “دائرة المخابرات العامة” الأردنية عن مقتل ثمانية عناصر من خلية تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» كانوا يخططون لشنّ هجمات على أهداف مدنية وعسكرية في البلاد، من خلال تبادل لإطلاق النار في إربد. وفي حزيران/يونيو، تمّ استهداف مقر للمخابرات يقع على بعد عشرين ميلاً شمالي عمّان، كما فجّر التنظيم سيارة مفخخة في مركز الركبان الحدودي شرقي الأردن، مما أسفر عن مقتل سبعة جنود.
ما الذي يجب أن تفعله الولايات المتحدة للمساعدة؟
أمام واشنطن دور مهم تضطلع به لمساعدة الأردن على الصمود في وجه العاصفة الإقليمية الراهنة. ففي آذار/مارس 2016، نشر كاتب هذا المقال والمدير التنفيذي لـ “معهد واشنطن” روبرت ساتلوف، دراسة مقدّمة إلى “مجلس العلاقات الخارجية” بعنوان “تزايد الضغوط على الأردن“، حثّا من خلالها الولايات المتحدة على اتخاذ الخطوات التالية للمساعدة على تخفيف الضغوط التي ترزح تحت وطأتها المملكة الهاشمية:
· زيادة المساعدة الإنسانية. في عام 2016، زوّدت الولايات المتحدة الأردن مساعدات عسكرية واقتصادية تجاوزت قيمتها 1.6 مليار دولار. وفي عام 2015، منحت واشنطن المملكة أيضاً تمويلاً إضافياً بقيمة 180 مليون دولار لمساعدة اللاجئين، أو ما يقرب من نصف المبلغ الذي منحته الولايات المتحدة للبنان. ونظراً إلى أهمية الأردن الإستراتيجية، على واشنطن بذل المزيد من الجهود. ففي عام 2015، منحت واشنطن دعماً للاجئين السوريين بقيمة 533 مليون دولار في دول شرق أوسطية أخرى. ويمكن إعادة تخصيص بعض هذا التمويل إلى الأردن. على واشنطن أن تضغط على حلفائها الأوروبيين والعرب (على سبيل المثال، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت) لإضافة عنصر دعم للميزانية السنوية بقيمة مليار دولار على مشاريع استثماراتها في البنية التحتية القائمة في المملكة والتي التزمت بها في عام 2013.
· دعم عملية توظيف اللاجئين السوريين. إن ارتفاع معدلات البطالة وعدم كفاية فرص العمل والهجرة الخاضعة للرقابة، كلها عوامل تدفع على ما يبدو على هجرة الرجال السوريين إلى أوروبا. لذلك، فمن أجل إغراء السوريين للبقاء في المنطقة، إن لم يكن في سوريا نفسها، سوف يتطلب توفير درجة معينة من الفرص الاقتصادية. يجب على واشنطن تشجيع الدول الأوروبية على الاستثمار في مبادرات لخلق فرص عمل في الأردن، حالما يوفر الأردن تصاريح عمل لعدد أكبر من اللاجئين السوريين. وقد تم تحديد عملية توفير فرص العمل المحلية للاجئين كأولوية أوروبية خلال مؤتمر المانحين لسوريا الذي انعقد في لندن في شباط/ فبراير 2016. ومقابل قروض “البنك الدولي” والهبات الأوروبية، التزم الأردن منتصف عام 20166 بالسماح للسوريين بالعمل في المملكة. ومن المهم أن تحافظ عمّان على التزامها هذا.
· زيادة التعاون في مجالي الدفاع والاستخبارات. إن تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الأمني بين واشنطن وعمّان عاملان قويان بالفعل بشكل استثنائي. ومن أجل تعزيز العلاقة وتحسين قدرات الأردن على جمع المعلومات الاستخباراتية حول جنوب سوريا، يجب على إدارة أوباما [والإدارة الأمريكية القادمة] تزويد المملكة الأردنية بقدرات متقدمة من خلال طائرات بدون طيار للمراقبة والهجوم.
· إنشاء منطقة آمنة حقيقية. على الرغم من أن الأردن قد بذل بعض الجهود بعيداً عن الأنظار لدعم المجتمعات المحلية على الجانب السوري من الحدود، إلا أن تلك الجهود تفتقر إلى الموافقة الرسمية لإنشاء منطقة آمنة إنسانية مدعومة دعماً كاملاً والحفاظ عليها، حيث تقدم قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمن للمأوى والتغذية للسوريين النازحين داخلياً. وبالتالي، فإن إنشاء مثل هذه المنطقة مع الشركاء في التحالف الذي يكافح تنظيم «الدولة الإسلامية» سيخدم كل من المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في الحفاظ على الأردن ومصادر القلق الإنسانية من خلال حماية المدنيين.
المساعدات الأمريكية في الحوكمة والسيطرة على الأراضي والتنمية البشرية
في حين أن نظام الحكومة في الأردن أكثر تسامحاً وتعددية مقارنةً بالدول الأخرى في المنطقة، أظهرت منظمة “فريدوم هاوس” أن المملكة “ليست حرة” خلال السنوات القليلة الماضية، من حيث الحقوق السياسية والحريات المدنية. فقبل انتفاضات عام 2011، كان الإصلاح السياسي مكوّناً مهماً في أجندة الولايات المتحدة الخاصة بالأردن. وربما ليس من المفاجئ أن أولوية الإصلاح تراجعت – بالنسبة لواشنطن والأردنيين على حد سواء – نظراً إلى التطورات الإقليمية. ومع ذلك، تساعد الولايات المتحدة حالياً على دعم مشروع لامركزية أساسي في المملكة من شأنه، في حال نجاحه، أن يعزّز الإصلاح السياسي. وفي الوقت نفسه، أطلق الأردن في عام 2015 قانوناً انتخابياً جديداً يبدو أنه يشجّع على تطوير الأحزاب السياسية، وهو عنصر أساسي في ذلك النوع من الإصلاح السياسي الذي ينادي به الغرب.
ويكتسي التطوير الإنساني أهمية بالغة أيضاً من أجل تعزيز استقرار المملكة على المدى الطويل. غير أنه كما هو الحال مع العديد من دول المنطقة، أثبتت هذه الخطوة حتى الآن أنها تشكّل تحدياً كبيراً بالنسبة للأردن. ورغم تفاؤل كل من “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي” إزاء الآفاق الاقتصادية في الأردن، إلا أنه وفقاً لاستطلاع أجراه “مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية” ومقرّه عمّان الصيف الماضي، يَعتبر 57 في المائة من الأردنيين أن الاقتصاد “سيئ” أو “سيئ للغاية”. ويشكّل استحداث فرص العمل سبباً رئيسياً، لا سيما نظراً إلى العدد الهائل من خرّيجي الجامعات الأردنيين الذين لا تتاح أمامهم فرص كبيرة للحصول على وظيفة تلائم مستواهم العلمي. وكانت عمّان قد أعلنت عن خطط للمساعدة على استحداث 180 ألف وظيفة جديدة بحلول عام 2025. وفي حين سيمثّل هذا العدد بداية جيدة، إلا أنه قد لا يكون كافياً. ففي عام 2013، قدّر “صندوق النقد الدولي” عدد الوظائف الجديدة التي من الضروري توافرها بحلول عام 2020 بحوالي 400 ألف وظيفة. يُذكر أن واشنطن خصصت ملايين [الدولارات] لمساعدات إنمائية للأردن لمعالجة هذه المسألة، لكن تأثيرها لم يكن كبيراً.
ولحسن الحظ، لا يزال حفظ الأمن، نسبياً، من السمات الأساسية للحكومة الأردنية. فأداء كل من الجيش و”دائرة المخابرات العامة” لا يزال يرتقي إلى مستوى رفيع إقليمياً. وفي حين يخطط تنظيم «الدولة الإسلامية» وجماعات مسلحة أخرى لشنّ هجمات في المملكة – ستستهدف في النهاية الحكومة أو المدنيين أو السياح على الأرجح – تعتمد عمّان إستراتيجية استباقية على صعيد أمن حدودها ودفاعها المحلي. غير أن المشكلة الفعلية تكمن في أن هذه الإيديولوجية تتجاوز الحدود. فكلما استمرت الحرب في سوريا لفترة أطول، تنامى خطر الإرهاب الموجّه ضد المملكة. أما بالنسبة لواشنطن، فهذا يعني أن مفتاح الاستقرار الطويل الأمد في الأردن يتمثّل بالمساعدة على إنهاء القتال الدائر في سوريا المجاورة في أسرع وقت ممكن.
ديفيد شينكر هو زميل “أوفزين” ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.