ترجمة وتحرير: مصطفى إسماعيل
كتب الصحافي التركي “راسان رمزي” الذي يعيش في أربيل (إقليم كردستان العراق) متابعاته لصحيفة Posta, ويتحدث الصحافي رمزي هنا عن العامل القَطَري في المواجهات المسلحة التي شهدتها أطراف مدينة كركوك بين الدولة الإسلامية في العراق والشام والبيشمركة الكردية قبل ثلاثة أيام.
بحثاً عن نبض الحرب
الجبهة الأمامية هي المحطةُ الأمثل التي يمكن فيها القبض على نبض الحرب. وتعدُّ قرية “بشير” التابعة لمنطقة طوز خورماتو ( 15 كم جنوب كركوك) أكثر نقاط الجبهة التي تشهد كثافة قتالية. ولكي نعيش نبض المعارك، فقد توجهنا في الثامنة والنصف صباحاً من هولير إلى كركوك ومنها إلى قرية بشير. عندما وصلنا إلى كركوك لاحظنا استمرار الحياة اليومية العادية بوضوح. غالباً ما يُرى في مدينة كركوك وبشكلٍ بارز تنقلات القوافل العسكرية للبيشمركة.
قبل الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة بتوسع داعش فيها، فإن كركوك ومناطقها ونواحيها كانت تُدار وفقاً لنص المادة 140 من الدستور العراقي بشكل مشتركٍ من قبل الجيش العراقي وقوات الأمن الكردية (الأسايش) وإدارات الشرطة في تلك المناطق والنواحي. وكانت قوات البيشمركة تنتظر في مواقعها بين أربيل وكركوك. لكن، بعد سيطرة داعش على الموصل ومسيره باتجاه كركوك، فإن الجيش العراقي انسحب من كركوك أيضاً كما فعل في العديد من المناطق الأخرى التي غادرها بدون قتال. ولم تتأخر قوات البيشمركة، إذ سرعان ما انتشرت في المواقع التي تركها الجيش العراقي.
تراجع في منسوب العمليات الانتحارية
سكان كركوك راضون عن تدخل البيشمركة بشكل عام، أقلَّه بسبب تراجع العمليات الانتحارية شبه اليومية في المدينة، وعدم إمكان استخدام السيارات المفخخة فيها. وقد تراجع ذلك إلى حد الانعدام تقريباً، لكن الملفت أن الشيعة العرب والتركمان في كركوك منزعجون من تدخل البيشمركة.
دخلنا مطار كركوك العسكري, وتمَّ استقبالنا من قبل قوات البيشمركة. هذا المطار تم استخدامه من قبل الأمريكيين بعد تحرير العراق من نظام صدام حسين كمطار للشحن العسكري، وقد جرى تسليمه للحكومة العراقية بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق. واليوم يدار من قبل البيشمركة، ويتجاوز تعداد البيشمركة في مدينة كركوك 20 ألف مقاتل، يتواجد نصفهم في الجبهة الأمامية. ويتلقون تعليماتهم من رئيس الإقليم مسعود البارزاني ونائبه كوسرت رسول ووزارة البيشمركة، ومعهم أيضاً بيشمركة متطوعون.
القوة العسكرية لإقليم كردستان العراق
إلقاء نظرة على القوى العسكرية لإقليم كردستان العراق قد يكون مفيداً.
تُدار قوة “زيرفاني” من قبل عزيز ويسي باني. تتألف قوة الزيرفاني من ما مجموعه 150 ألف عنصر جندرمة مدرب, ولديهم 120 دبابة، وهناك أيضاً قوات البيشمركة يقودها وزير البيشمركة في حكومة إقليم كردستان العراق جعفر محمد علي. تعدادها 250 ألف عنصر مدرب. لدى قوات البيشمركة نحو 240 دبابة و 40 حوامة عسكرية، ويندرج في عداد قوى إقليم كردستان العراق قوة بيشمركة مكافحة الإرهاب ويبلغ تعدادها 5 آلاف، عنصر وهم مدربون من قبل الأمريكيين, وقوة خاصة (swat) مؤلفة من 3 آلاف عنصر, ولم أدرج في إطار ما تقدم (الأسايش, والشرطة, والاستخبارات). وجدير بالذكر أن رئيس هيئة الأركان في إقليم كردستان العراق هو مسعود البارزاني.
خارج ما تقدم، يتواجد المئات من البيشمركة المتطوعين في جبهتي القتال الأولى والثانية، وتتصاعد أعدادهم يوماً بعد يوم. وهذا يعني أن هناك قرابة 450 – 500 ألف بيشمركة مدرب لمحاربة داعش. لا يلاحظ أدنى قلق لدى البيشمركة من الحرب، ويكاد البيشمركة المتطوعون يتسابقون على التوجه إلى الجبهة الأمامية.
كاروان حمه تاتا ( 27 سنة) قدم مع أصدقائه من السليمانية وانضم إلى البيشمركة. ينتمي كاروان إلى عائلة غنية وهو مخطوب منذ مدة وجيزة، لكنه خلف كل شيء وراءه وتقدم للانضمام إلى البيشمركة، وهو متشوق للذهاب إلى الجبهة الأمامية.
جبهة الحرب
ولكن هل المعنويات على جبهة الحرب مرتفعة إلى هذا الحد؟ نعلم ذلك في قرية بشير، لأن الأوضاع في بشيرمختلفة. فهي نقطة التواجد الأخيرة للبيشمركة. قبل أن نغادر إلى قرية بشير، تم تحذيرنا من المخاطر هناك. حين خرجنا من كركوك، صادفنا كثافة في قوافل البيشمركة. دخلنا بداية إلى طوز خرماتو. كانت درجة الحرارة 45، كان الطيران الحربي العراقي قد قصف هذه المنطقة يوم الأربعاء ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص مدنيين. وقد أوضح التصريح الصادر عن القوات الجوية العراقية أن الحادث وقع بنتيجة الخطأ، وأن ذلك لن يتكرر. غالبية سكان هذه المنطقة من التركمان، لكن بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة فإن غالبيتهم قد غادروها ليستقروا في مناطق ونواحي آمنة بداخل إقليم كردستان العراق.
طيلة سنوات كان يتم تحذيرنا في نقاط التفتيش التي يديرها البيشمركة، ولكن لأننا حددنا النقطة التي نتوجه إليها هذه المرة فقد قامت سيارتان للبيشمركة بمرافقتنا إلى الجبهة الأمامية، حيث تبعد مسافة 2 – 3 كم عن قرية بشير. يسود السكون هنا. ولكن السبب الكامن وراء هذا السكون هو إنذار الحرب، لأن قناصة داعش يتواجدون في المنطقة. وخرق هذا السكون والهدوء يتوقف على قناصة داعش أو إطلاقهم للقذائف. استقبلنا الملازم أول كريم في أحد المنازل. أمام المنزل ب 40 متراً تقع نقطة مراقبة للبيشمركة، الحراس متأهبون للرد على مصادر النيران.
رغم الفتوى الصادرة في إقليم كردستان قبل شهر رمضان عن إمكان أو عدم إمكان صوم البيشمركة في تقدير لوضعهم، لكن عناصر البيشمركة يرون أن أجواء الحرب لا تشكل عائقاً أمام صيامهم.
قدم لنا الملازم أول كريم بعض التفاصيل عن المنطقة، ولكنه لم يقدم تفاصيل عن الخط الامامي من الجبهة، وعدَّ الإفصاح عن ذلك غير مقبول. ليس التصوير هنا وإنتاج التقارير الخبرية ممكناً بسهولة، إذ يقتضي الانتقال من نقطة إلى أخرى في الجبهة الأمامية المسيرَ لصقَ الجدران. ففي الطرف المقابل هناك قناصة متأهبون، ولكنهم قناصة هواة كما أخبرنا البيشمركة. تتقلص المسافة بين قوات البيشمركة وداعش في بعض خطوط الجبهة إلى 30 – 50 متراً، وفي بعض الأماكن تقوم البيشمركة بمطاردة عناصر داعش من شارعٍ إلى شارع.
لكن ذلك يتجلى أكثر في مدينة جلولاء.
الهاتف الجوال مهم
أحد التفاصيل التي لفتت انتباهي هو قيام عناصر البيشمركة باستخدام هواتفهم النقالة في الجبهة، رغم أنه في الأحوال العادية لا يسمح للمقاتلين باستخدام هواتفهم النقالة أثناء تأديتهم لمهامهم. إذاً، فإن استخدام الهواتف هنا مسموح, تبدو أسباب السماح بذلك منطقية كما قيلت. فالبيشمركة يتحدثون مع عائلاتهم، وهذا يبقي معنوياتهم عالية. لكن ماذا عن معنويات أهاليهم؟ بالطبع، فإن اتصال عنصر البيشمركة بحبيبته أو خطيبته أو عائلته حين بدء الحرب ووداعهم يخلف أثراً سلبياً عليهم.
قبل الإفطار بساعتين تم خرق هدوء الجبهة من خلال قصف بالقذائف الخفيفة من قبل داعش. أدى سقوط القذائف على بعد 50 متراً من مواقع تمركز البيشمركة إلى لجوئهم إلى الخنادق. لكن الحالة لم تدم طويلا. يبدو أنها كانت بدافع إثارة الخوف ليس إلا، وقد أشارت الأنباء الواردة من الجهة الأخرى عن طريق أجهزة اللاسلكي أنه ليس هناك تحرك موازٍ من قبل داعش، وهدأت الأوضاع مجدداً.
حان موعد الإفطار، جاءت السيارات المحملة بوجبات الطعام، قام أحد البيشمركة بتأدية الأذان، وقاموا لاحقاً بأداء صلاة المغرب.
البيشمركة مسلمون، وهم سنّة. في الوقت نفسه فإن عناصر داعش مسلمون سنّة، وأول سؤال يتبادر إلى الذهن والحالة هذه هو ما دام الطرفان مسلمان سنّيان، وهاجس داعش هم الشيعة، لماذا يتقاتل البيشمركة وداعش؟.
من الذي يدعم داعش ؟
العديد من الأسئلة تدور في أذهان الجميع: هل هاجس داعش هو الإسلام؟ أم هي المصالح الاقتصادية؟
إلى جانب أسئلة أخرى, داعش البدايات يختلف عن داعش اليوم. مختلفان في الكثير من الجوانب.
يقول المتحدث باسم وزارة البيشمركة في الإقليم جبار ياور في هذا الصدد أن أن تعداد داعش كان بحدود 2000 مقاتل في اليوم الأول لدخولهم إلى الموصل، واليوم يتجاوز تعدادهم 10 آلاف مقاتل. إذ ليس كل مقاتلي داعش اليوم من السلفيين، بل انضم إلى داعش في الموصل وتكريت وسامراء العشائر العربية السنية وضباط من حزب البعث في زمن صدام حسين. وهذا القسم المنضم إلى داعش يتلقى الدعم من عزت الدوري (الرجل الثاني في نظام صدام) والدعم المالي من رغدة صدام (الابنة الكبرى لصدام). ومن المتوقع انخفاض تعداد عناصر داعش في هذه الفترة لأن العشائر السنية في الموصل لا توافق على الخلافة التي اعلنها داعش.
هناك نقاشات كثيرة في الإعلام عن داعمي داعش، لكن هناك تغاضٍ عن استيلاء الجيش العراقي في مدينة الفلوجة على 8 سيارات بيك آب عائدة لداعش وذلك قبل أسبوعين من دخول التنظيم إلى الموصل.
سيارات بلوحات قطرية
الغريبُ في الأمر أن اسم “قطر” كان مكتوباً على لوحات السيارات. هذا الخبر تمَّ تداوله في الإعلام العراقي فقط، ولكن من دون اهتمام، ويبدو أن تلافي ذلك صعب للغاية.
لم يعد داعش يقاتل كما في السابق. هو يمارس الدفاع أكثر، بمعنى أنه يخشى خسارة المناطق التي يسيطر عليها. لأن قناع داعش بدأ بالسقوط، لهذا فإنهم يقومون بتوزيع الرواتب والمواد الغذائية في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. صحيح أنهم جاءوا بالقوة، لكنهم يسعون لكسب الشعبية. هناك في المنطقة صراع بين القوى خارج ثنائيتي الشيعة / السنة، والعرب/ الكرد. وهناك اليوم جرس تأسيس دولة كردية وتقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء يرن في آذان الجميع ومطروحٌ على طاولات العديد من الدول. والواقع أن الكرد في العراق هم أكثر المتأهبين لتطورات الأوضاع في البلاد، لكن إدارة نوري المالكي تبذل قصارى جهودها للحيلولة دون هذه التحركات. علينا تقبل حقيقة أن الكرد هم العنصر الوحيد الذي بإمكانه إحداث تغيير في قدر العراق.
سؤال وجواب
هل هناك دعم لداعش في أربيل؟
تتابع الأحزاب الإسلامية، ورجال الدين، والشعب في أربيل التطورات المتعلقة بداعش عن كثب. وإذا ما اتخذنا نبض الشارع مقياساً، فإن التوجهات تتضح. فأخبار داعش هي الأولى في القنوات التلفزيونية، وداعش خلف نوعاً من الخوف في النفوس، كان هناك كرد ملتحقون بجبهة النصرة في سوريا من حلبجة والسليمانية وأربيل في وقت سابق. لكن لم نسمع عن كرد ملتحقين بداعش. لكن هناك متحدثون بالكردية من أربيل والسليمانية وحلبجة وكركوك في صفوف إرهابيي داعش.
هل يذكّر هيكل داعش بفترة صدام؟
عهد صدام حسين وعهد داعش الحالي مختلفان. لديَّ في الموصل معارفٌ، والحياة في الموصل مشابهة للحياة في كابول. فالطرقات بين الموصل ومدن المحافظة مقطوعة، والطريق الوحيد المفتوح هو الذي يؤدي من الموصل إلى مدينة حلب السورية، ويؤمن الناس في الموصل المواد الغذائية من حلب (ربما كان ذلك قبل الثورة السورية).
يسيطر داعش على معبر القائم الحدودي بين العراق وسوريا. وبحسب ادعاءاتهم، فإنهم قد أزالوا الحدود الدولية بين سوريا والعراق. لهذا فإن بإمكان أهالي الموصل الذهاب بسهولة إلى حلب للتسوق (أعتقد أن الكاتب يتحدث عن مرحلة سابقة، فالتنقلات باتت صعبة للغاية اليوم).
الضوابط التي وضعها داعش في الموصل تجعل حياة الناس صعبة، لكن برأيهم فإن المطلوب من الناس الالتزام بتلك الضوابط والتقيد بها لأنها قواعد دولة الخلافة.
في عهد صدام حسين، كان الناس يعيشون براحة أكبر، ونقطة الإزعاج الوحيدة كانت التجنيد الإجباري، والمهام الصعبة. وكون الموصل هي ثاني كبرى مدن العراق، فإن الكثير من أنصار صدام حسين كانوا يقيمون فيها. وبعد سيطرة داعش على المدينة، فإن العين على التحاق هؤلاء الأنصار بتنظيم داعش. والدافع وراء هذا الانتظار هو وجود متعاملين مع داعش حالياً كانوا في السابق ضباطاً في جيش صدام حسين، إضافة إلى عزت الدوري الرجل الثاني في نظام صدام.
• المصدر : صحيفة بوستا Posta التركية.
هل تدعم قطر تنظيم داعش؟
في المقابل المؤكّد الجازم أن واشنطن وتل أبيب تدعمان حالش في كل المنطقة وخاصة في غزوته القرأوسطية لسوريا حيث تتراكم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها إرهابيوه بحق المدنيين.