يتساءل الكثير من الباحثين، هل حقا كرّمت النصوص الدينية المرأة؟
من دون الالتفات إلى القراءة التاريخية للنص الديني، فإن شكوكا كثيرة ستطرح أمام الإجابة “نعم”. فلا يوجد دليل واحد نستطيع من خلاله أن نؤكد بأن النصوص الدينية أشارت إلى إكرام المرأة في كل زمان، في حين أننا نستطيع أن نستخرج من القراءة التاريخية ما يمكن أن يدخل في إطار إكرام المرأة في زمان معين وفي إطار حقبة ثقافية معينة.
إن البعض يرد على هذا الرأي بالقول بأن نصوص إكرام المرأة متعددة، وأنها قابلة للتطبيق في كل زمان، حيث يؤكد هذا البعض بأن من يزعم عدم تطابق تلك النصوص مع الثقافات المتعددة والمختلفة، أو يدعي بأنها تخص مجتمعا بعينه دون المجتمعات الأخرى، أو يشير إلى ضرورة وجود قراءة تاريخية للنصوص الدينية، فإن ذلك مدعاة للتشكيك بعقيدته.
في حين، لا توجد أي علاقة بين نصوص إكرام المرأة وبين التشكيك بالعقيدة. فأي مسعى لمناقشة هذه المسألة لابد أن يستند إلى الدليل الذي لابد أن يكون صالحا للقبول في زماننا الراهن، لأننا نناقش إكرامها إنطلاقا من النظرة إلى حقوق الإنسان في هذا العصر لا في العصور الغابرة.
لذلك، فإن أي دليل يبتعد عن إطار الحقوق الراهنة سوف يصبح مجرد تمنٍ، ولا يمكن أن تنبني الحقوق على مجرد التمني بل لابد أن تتشكل في ظل الواقع وثقافته. فالتمني شيء، وواقع عدم إكرام النصوص الدينية للمرأة شيء آخر. وإذا كان الغالبية لا يساورهم الشك في أن النصوص الدينية كرمت المرأة، فلماذا إذن هذه الجلبة بينهم حول مناقشة حقوقها؟
لقد خطا الأوروبيون خطوات ثقافية وفكرية جبارة في القرون الوسطى في سبيل تحرير المرأة من أسر ما يوجد في النصوص الدينية من حث على تمييزها واعتبارها أقل شأنا من الرجل. فيما لايزال المسلمون، استنادا إلى النصوص الدينية، يحتلّون حريتها وقرارها وإنسانيتها انطلاقا من فهم غير تاريخي للدين.
لذا، لا يمكننا التطرق إلى النص الديني بوصفه حجة على إكرام المرأة، في حين أنه يشير صراحة إلى موارد تقلل من كرامتها وتسئ إلى إنسانيتها وتمنع مساواتها بالرجل، كموارد ضربها، واعتبارها جارية وأمَة يمكن شراؤها وبيعها، ويمكن الزواج عليها من الثانية والثالثة والرابعة دون أي اعتبار لكرامتها ومشاعرها، ويمكن تمييزها عن الرجل في الحقوق والواجبات وفي مسائل لا تتعلق بالقدرات الفسيولوجية بقدر ما تتعلق بالشأن الاجتماعي بوصفها أنزل مرتبة وأقل قوامة.
ورغم أن البعض لا يرى في تحرير المرأة بالغرب إلا انفلاتا أخلاقيا، غير أن هذا البعض غير واع بأنه توجد في كل حضارة وفي كل دين وفي كل مرحلة ثقافية معينة سلبيات وإيجايبات تخص جميع أمور الحياة بما فيها حياة الرجل والمرأة.
فمثلما توجد سلبيات تجاه المرأة في الغرب الراهن، فهناك سلبيات تجاه المرأة تشير إليها نصوص الأديان، وأقسى السلبيات هي التي ترى في المرأة بشرا من الدرجة الثانية خاضعة للرجل الذي بدوره يخضع للنص الديني وللفهم الماضوي. فالوقائع على الأرض تؤكد بأن النصوص الدينية تنتهك حقوق المرأة، خاصة إذا ما فهمنا النصوص فهما غير تاريخي ووضعناها مقابل منجز حقوق الإنسان.
فالزعم بأن النصوص الدينية الاجتماعية – على سبيل المثال – صالحة لكل زمان، وأنها تشرعن للأخلاق في كل عصر، لا يمكن التعويل عليه. فتطور الحياة البشرية أثبت أن النصوص جاءت لتتوافق مع ثقافة المجتمع الذي نزلت فيه، وأنها – أي النصوص – لا يمكن بالتالي أن تكون صالحة ومتوافقة مع تطور الحياة ومع الثقافة الحديثة إلا إذا قرأناها قراءة تاريخية.
إن النصوص الدينية هي نصوص تمييزية تميل للذكر على حساب المرأة، وهي لم تتصف بتلك الصفات إلا لأنها تاريخية حيث نزلت على شعوب كانت تتميز بثقافة ذكورية تمييزية. ورغم أن بعض تلك النصوص احتوى على ما يمكن أن يوصف في ذاك الزمان بأنه انتصار للمرأة ودفاع عنها مقابل ظلم الرجل، إلا أنه احتوى أيضا على نصوص تقلل من شأن المرأة بشكل مباشر. والطامة الكبرى حينما نريد أن نقارن هذه النصوص مع التطور الحقوقي للإنسانية، إذ سنجد بأنها تتراجع قرونا عن تلك الحقوق.
إن نقاش حقوق المرأة وعدم إكرامها، عادة ما يُبرّر من قبل أنصار التيار الديني بالعبارة المتعارفة: “هناك حكمة ربانية وراء ذلك”، وكأن هذا النقاش ليس نقاشا بشريا خالصا وإنما نقاش بين بشر وبين ناطقين باسم السماء، إذ لا تعكس ردود هؤلاء الناطقين باسم السماء الواقع البشري الخطاء الذي يتسم بالنسبية، بل تعكس لغة مطلقة غير بشرية معبرة عن وصاية على الفهم والتفسير والكلام.
إن فهم الدين، لا التقليد، هو مدخل أساسي لقراءة النصوص الدينية قراءة تاريخية، ولنقد كل ما يمكن أن يشكل انتقاصا لكرامة المرأة أو تمييزا لها. فليس من الضرورة بمكان أن يكون كل نص ديني أو سلوك ديني تاريخي قابلا للتقليد وصالحا لكل زمان، لأن صاحب السلوك التاريخي كان ينتمي إلى واقع لا ينتمي لا من قريب ولا من بعيد إلى الثقافات اللاحقة ومنها ثقافتنا وحياتنا الراهنة، ومن ثَمّ فإن الكثير من النصوص الدينية والسلوكيات التاريخية لن تكون صالحة لكل زمان، وأن اتّباع صاحب السلوك الديني يعتمد على “فهم” السبب فيما قام به لا “تقليد” ما قام به. وما يفصل بين الفهم والتقليد هو الذي يجعل البعض متعصبا لفهمه الديني، معتبرا إياه هو الدين، في حين أن رأيه ليس إلا أحد مخرجات ما يمكن فهمه من تلك السلوكيات والنصوص. وعلى هذا الأساس فإن الفهم يفتح أبواب نقد التاريخ الديني، بما فيه نقد النصوص والسلوكيات، فيما التقليد يفتح أبواب التشدد والإقصاء.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com