هذا ليس عنوانا لقصة من قصص الأطفال، ولا هو عنوان لفيلم مصري، وإنما عنوان لما حدث في الأسبوع المنصرم في البحرين حينما إستفرد بعض أعضاء مجلس النواب من المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي السني بوزيرة الثقافة الشيخة “مي بنت محمد آل خليفة”، ودخلوا معها في شد وجذب وتنابذ ومعارك صوتية وتهديدات وصلت إلى حد التجريح الشخصي للوزيرة، وذلك على خلفية عروض مهرجات “المنامة عاصمة للثقافة العربية وموسم “ربيع الثقافة” وفعاليات “مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث”. إن هذا الحدث الذي لا يليق ببلد ذي تاريخ عريق في العلم والثقافة ينطوي على أكثر من معنى وله أكثر من دلالة.
أولا: لقد ثبت أن أولئك النواب لاتهمهم إطلاقا مصلحة البحرين وأمنها وإقتصادها وعودة الحياة الطبيعية إليها، وإلا لما إفتعلوا هذه القضية في هذا الوقت الحرج الذي تحاول فيه المعارضة الشيعية الطائفية ومشتقاتها مواصلة حرق البلاد وتمزيق لحمته الوطنية، فيما القيادة البحرينية تحاول من جانبها بشتى الوسائل الخروج من تداعيات إحتجاجات وإحتقانات فبراير/ مارس 2011 الطائفية المؤسفة، والشعب يحاول بمختلف فئاته وأطيافه ومكوناته البحث عن هواء منعش يدخل رئته ليحل فيها مكان أدخنة الإطارات المحروقة، وقنابل المولوتوف، والغازات المسيلة للدموع. ومما لا شك فيه أن هذا المشهد جعل القوى التي تسمي نفسها بـ “المعارضة” ومن يقفون خلفها في الخارج من دول وعصابات وتنظيمات ميليشاوية وفضائيات تشمت فينا. وبعبارة أخرى تبين أن من أسبغوا على أنفسهم أنهم “حماة البحرين من المخربين والمتربصين” قد ضلوا بوصلتهم، ودخلوا في متاهات ومماحكات ليس هذا وقتها، بل وجعلوا مـَنْ منحوا البحرين شرف حمل لقب “عاصمة الثقافة العربية” يندم على قراره.
ثانيا: اتضح من تصريحات وتصرفات تلك المجموعة من النواب أن ما أقدموا عليه لا علاقة له إطلاقا بإحترام دماء الشعب السوري ومعاناته كما ردد أتباعهم في بداية الأمر (وإلا كان على أجهزة الإعلام العربية المرئية والمسموعة أن تلغي كل برامجها وتستعيض عنها بآيات الذكر الحكيم). كما أنه لا علاقة له بما يدعونه من تسويق الفن الفاسد (حيث أن تظاهرتهم العبثية، بمشاركة الصبية والأطفال الطائشين، أمام مركز الشيخ إبراهيم بالمحرق كانت تستهدف حفلا غنائيا رصينا كمعظم الحفلات الراقية البعيدة عن الإبتذال التي دأب المركز على تقديمه منذ أكثر من عشرة أعوام). ثم أن ما نشروه من دعاية مغرضة من أن المركز المذكور يقيم فعالياته الموسيقية أثناء إقامة صلاة العشاء في المسجد المواجه له، وأن مسئولي المركز طالبوا بوقف الصلاة والآذان، ثبت كذبه ودجله وتبين أنه لم يكن سوى إشاعة “تويترية” هدفها إستغلال براءة الصبية الصغار وتحريض العوام الملتزمين ضد المركز ووزيرة الثقافة، رغم كل ما قامت به الأخيرة من أعمال ومشاريع جليلة وجميلة ساهمت في تنمية المناطق التي يقع المركز في نطاقها، ورفعت إسم البحرين عاليا في المحافل الدولية. وعليه فإن الإستنتاج الأقرب للصحة هو أن ما إفتعله السادة نواب الشعب له علاقة بثأر بائت بينهم وبين الوزيرة يرجع تاريخه إلى مارس عام 2007 يوم كانت الأخيرة وكيلة مساعدة للثقافة. فمنذ ذلك التاريخ المحفور في ذاكرة البحرينيين كعام إستـُهدف فيه أغلى ما تملك البحرين وهو “ريادتها الثقافية في الإقليم، وأسبقيتها في نشر الفرح والحبور والذائقة الفنية الرفيعة”، وذلك على خلفية عرض مسرحي من تأليف الشاعر البحريني المعروف “قاسم حداد” وتلحين اللبناني “مارسيل خليفة”، وهم يتحينون الفرصة للتخلص من “مي” كهدف شخصي. ويبدو لي أن مجموعة النواب هذه تخيــّل إليها أن الفرصة قد حانت اليوم للثأر، خصوصا بعد أن تمكن إخوتهم في تيارات الإسلام السياسي من السلطة في أكثر من بلد عربي، ونبت لهم ريش يستطيعون به الطيران إلى واشنطون للحصول على مباركتها وتزكيتها. هذا ناهيك عن أنهم صاروا يبتزون النظام في البحرين من أجل قطف المزيد من المكاسب المتماهية مع أجنداتهم، وذلك من خلال رفعهم لشعار “حنا إللي حميناكم”، في إشارة إلى وقوفهم مع النظام في أحداث العام المنصرم لا أعادها الله.
ثالثا: إن ما حدث لم يكن غريبا على الإطلاق. فكتلة النواب تلك معروفة منذ أن جلست تحت قبة البرلمان بفضل مشروع الملك حمد بن عيسى آل خليفة الإصلاحي بأن لها أجندة متشددة تتركز على محاربة مباهج الحياة وإسدال السواد والحزن على البحرين، وقتل كل جميل عُـرف عن هذه البلاد وأهلها، ولا بأس لو تمكنوا من تطبيق بعض أو كل ملامح النظام الطالباني المقبور. وما مقترحاتهم البرلمانية العديدة حول إغلاق المحال والمجمعات التجارية في أوقات الصلاة، وفصل الإناث عن الذكور في الجامعات، والتدخل في الأنشطة السياحية والفندقية، وتسهيل التقاعد المبكر أمام المرأة العاملة بقصد إخراجها من سوق العمل وإلزامها بيتها، وإستخدامهم عبارة “ربيع السخافة” عند الإشارة إلى “ربيع الثقافة”، إلا دليل على صحة مانقول. يحدث هذا في الوقت الذي أعطوا فيه الأولوية القصوى لمسألة مخصصاتهم وإمتيازاتهم ورواتبهم التقاعدية على حساب هموم ومشاكل المواطن المطحون بغلاء المشيعة وأزمة السكن وندرة الوظائف.
رابعا: أن السادة الأفاضل ممثلي الشعب لا يزالون يخلطون الأمور وقت طرح الأسئلة وإستجواب المسئولين، كما لو كانوا في “سنة أولى برلمان”، وإلا لما خلطوا ما بين فعاليات “البحرين عاصمة للثقافة العربية” التي تعود مسئوليتها كاملة لوزارة الثقافة، وفعاليات “ربيع الثقافة” التي تتحمل وزارة الثقافة جزءا من مسئولياتها فقط، وفعاليات “مركز الشيخ إبراهيم” التي لا علاقة لها بوزارة الثقافة وإن كانت وزيرة الثقافة هي صاحب المشروع. وبسبب هذا الخلط تحولت قضيتهم إلى قضية شخصية بإمتياز مع الوزيرة، وصار المطلوب رأسها تحديدا، ولا بأس لو تعرضوا من أجل ذلك الهدف إلى الحياة الشخصية للسيدة الوزيرة من خلال التلميح إلى جدها شيخ أدباء البحرين المغفور له إبراهيم بن محمد آل خليفة.
خامسا: يعتقد الكثيرون أن تراخي السلطة في حسم الكثير من الأمور، وتركها الحبل على الغارب لبعض الشخصيات بسبب مكانتها الدينية المكتسبة (جدارة أو دجلا) أو بسبب نفوذها في الجمعيات السياسية والخيرية الإسلامية، ناهيك عن إستخدام السلطة للقبضة الرخوة تجاه من يسيء الأدب ويفتعل المشاكل، جعل تلك الشخصيات تتمادى في أفعالها، بل وصل الأمر بها – كما في حال النائب السابق والداعية الحالي الذي قاد المتظاهرين نحو الأزقة المؤدية إلى مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث – إلى إطالة اللسان على المقام السامي علنا وتحت أنظار مجموعة من نواب الشعب المنتخبين، فوصف جلالة الملك بأوصاف تـُعاقب عليها القوانين في الدول الأخرى بالإعتقال والسجن. وهذه الواقعة المسجلة بالصوت والصورة، تؤكد، بطبيعة الحال، للمرة الألف مقولة ” أن ّمنْ أمن العقوبة أساء الأدب”.
* باحث ومحاضر أكاديمي من البحرين
elmadani@batelco.com.bh