لماذا تكره الميليشيات التي احتلت غزة سلام فيّاض؟
السؤال ليس بريئا، وكذلك ما يستدعي من إجابات محتملة. وفي هذا الصدد ثمة طبقات مختلفة للحقيقة من بينها، مثلا، أن الكراهية تمكننا من التعرّف على شخصية الكاره أكثر من المكروه نفسه. وأن الكراهية، إذا تحوّلت إلى جزء من لغة السياسة، تنطوي على دلالات سوسيولوجية، وثقافية، تتجاوز الكاره والمكروه بالمعنى الحصري للكلمة، وتحيل إلى علاقات للقوّة، وإلى مصالح متضاربة، يمكن في حال التعرّف عليها فهم ما يبرر الكراهية بطريقة أكثر موضوعية، وأقرب إلى الواقع.
واللافت للنظر أن كراهية سلام فيّاض تتجلى في خطاب الميليشيات بمزيج من العنف اللفظي (وهذه تسمية محايدة لقلة الأدب) والتوتر البلاغي، وما يشبه العُصاب، كأن هذا الشخص مسؤول عما آلت إليه أحوال فلسطين وأهلها، أو كأن وجوده يحول دون تذليل عقبات لم تكن لتوجد لو لم يُوجد.
وهذا أمر غير مبرر ويبدو، للوهلة الأولى، فائضا عن الحاجة. فهو لا يملك ميليشيا خاصة. وما لديه من رأس المال الرمزي في عالم السياسة مستمد من مؤهلات مهنية في حقول بعيدة عن السياسة، ومن كفاءة في الإدارة برهن عليها في السنوات الأخيرة. وفي الحالتين ليس ثمة ما يبرر العنف اللفظي، ولا التوتر البلاغي، ناهيك عمّا يشبه المس العصابي، كلما ورد اسمه في كلام لأحد الناطقين باسم الميليشيات.
ومع ذلك، في الحالتين، أيضا، مفتاح السر. ففي بلادنا، كما في كل مكان آخر، صعدت فيه الميليشيات، أو استولى عليه العسكر، بين الميليشياوي والعسكري الانقلابي من ناحية، والسياسي من ناحية أخرى، عداء مقيم. حتى في مصر، وعلى الرغم من خصوصية الناصرية إلا أن الطبقة السياسية في مصر تلقت ضربات فادحة على يد القادمين الجدد إلى عالم السياسة من ثكنات الجيش. أما في سوريا والعراق فحدّث ولا حرج.
يُصاغ العداء بين الميليشياوي والعسكري الانقلابي من ناحية، وبين السياسي من ناحية ثانية، كتناقض بين شرعيتين: الشرعية الثورية (يستمدها القائلون بها من حقيقة امتلاكهم للبنادق، ومن مجازفات أقدموا عليها، وتضحيات قدموها) والشرعية الدستورية، أو الاجتماعية (المستمدة من مؤهلات علمية، وشبكات اجتماعية عائلية ومهنية ومناطقية تتداخل فيها علاقات القربى، والثروة، والمصالح الطبقية، ويحكمها منطق الحراك الطبيعي للانخراط في النخبة السائدة).
لا يوجد في رصيد القائلين بالشرعية الثورية في العالم العربي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يوم الناس هذا، ما يبرر منحهم المزيد من الثقة. فقد أقاموا دكتاتوريات خرّبت البلاد واستعبدت العباد. ولا يوجد في رصيد الميليشيات، أيضا، وهي أحدث تجليات الانقلابيين في بلدان لم تستقر، أو حتى لم تكتمل، وفي بلدان انهارت فيها سلطة الدولة المركزية، ما يبرر منحهم الثقة. فكل مكان تستولي عليه الميليشيات مرشح لمصير الصومال.
هذا، بالمعنى الكبير للصراع بين شرعيتين. أما بالمعنى التفصيلي، والجزئي، وربما الشخصي في حالات كثيرة، فإن كراهية الميليشياوي والعسكري الانقلابي من ناحية، للسياسي من ناحية أخرى، تحيل إلى مشاعر متضاربة لدى الأول يمتزج فيها إحساس بالدونية مصدره غياب المؤهلات مع إحساس وهمي بالتفوّق ناجم عن امتلاك البنادق، والنطق باسم قضايا كبرى.
وإذا تحدثنا عن الأمر بطريقة كاريكاتورية، فإن الأوّل غالبا ما ينام في فراش الثاني، بعدما يصادر بيته، ويقصيه من المشهد السياسي، أو يعمل على تحويله إلى خادم من التكنوقراط، ويحاول تقليد طريقته في اللباس، والسلوك والكلام، ويبتكر لنفسه مؤهلات أكاديمية، وبلاغة ثقافية، وجدارة فكرية، وينشئ لنفسه شرعية دستورية. وغالبا، أيضا، ما يبطش بخصومه ومعارضيه باسمها. (انظروا، على أية حال، إلى ما حدث ويحدث في غزة بدءاً من ربطات العنق، وانتهاء بخطاب القانون واستتباب الأمن والنظام).
إضافة إلى هذا وذاك، في الصراع بين الأوّل والثاني حقائق سوسيولوجية. فما شهده العالم العربي من انقلابات، وما يتجلى في صعود الميليشيات ينم، ضمن أمور أخرى، عن صراع بين قوى اجتماعية، وعن حركات تشبه موجات فيضانية أحيانا، أو تيارات بحرية عميقة، تكوّن دوّامات كامنة في الأعماق، مهلكة، لكنها لا تُرى فوق سطح الماء.
وبقدر ما يتعلّق الأمر بفلسطين، فإن الوطنية الفلسطينية، تكاد اليوم تكون محصورة في جيوب متفرقة للطبقة الوسطى، في أوساط نخب مدينية، وشبه مدينية متعلمة. هذه الأوساط هي الوحيدة القادرة على بلورة مشروع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهي من بين كافة شرائح المجتمع الفلسطيني الأكثر مقاومة للميليشيات، وممانعة لخطاب الأصولية، إضافة إلى امتلاكها لخبرات ومؤهلات تضعها موضع العمود الفقري في كل محاولة لإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذه الأوساط لا تملك البنادق، لكنها تملك قدرا من رأس المال الرمزي، الذي ما يزال مرموقا لدى قطاعات مختلفة من الفلسطينيين.
في المقابل، تمثل الميليشيات، في أحد معانيها، نوعا من الائتلاف السياسي والأيديولوجي بين شرائح اجتماعية مختلفة يشكل اللاجئون جمهورها ورأس حربتها. ويستمد الائتلاف المذكور لجمته وسداه من شكوك راسخة في ثقافة مجتمعات تقليدية إزاء السلطة المركزية المدينية أولا، ومن تجربة فاشلة في الحكم للسلطة الفلسطينية ثانيا، ومن وصول المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية إلى طريق مسدودة ثالثا.
بقاء الائتلاف مشروط ببقاء أضلاع المثلث على حالها. إذا انكسر ضلع ستفقد الميليشيات بعض ما يبرر وجودها. وبقدر ما يتعلّق الأمر بسلام فيّاض فهو لم ولن يخترع البارود، ولكن ما برهن عليه من كفاءة قد يسهم في تخفيف شكوك تقليدية إزاء السلطة، وفي تفكيك عرى الائتلاف. فالجيد في السياسة، كما في كل شيء آخر، يطرد الرديء ولو بعد حين، خاصة إذا كان الصراع على الشارع، وإذا كان ما تبقى من الطبقة الوسطى الفلسطينية آخر جيوب المقاومة والممانعة.
ولهذا السبب تكره الميليشيات سلام فيّاض، ومعه وقبله وبعده، تكره الرئيس محمود عبّاس، أحد أهم المدافعين عن الوطنية الفلسطينية، ومشروعها، في زمن أشد سوادا من جناح الغراب.
Khaderhas1@hotmail.com
* كاتب فلسطيني-برلين
لماذا تكره الميليشيات سلام فيّاض؟
ان معارضة حماس لفياض لاتنبع من كره شخصي ، بل لأنه أداة في يد فتح ، فهو رجل مهني ويشهد له الجميع وفتح تستخدمه لصالحها في جعل الدولارات تأتي الى السلطة ما دام هو في موقعه ، وفتح كتنظيم تعارض وزارته الآن لأن مشاوراته لتشكيل الوزارة مع أًناس من خارج تنظيم فتح ، وحماس تعارضه أيضا ، ولكن بعد أن تستولي على الضفة ويكون كل شيء تحت يدها ستكلف فياض لتشكيل الوزارة ولو كان في آخر الدنيا لأنه هو الدجاجة التي تبيض دولارات فالنقد لفياض مؤقت ، والآن يعتبر الوجه الاقتصادي لعباس .
لماذا تكره الميليشيات سلام فيّاض؟مرحبا يا ايها الغيور على قضيت فلسطين الوطنية فبنظري انت لا ترى في برلين الجواب الصواب عن سؤالك المطروح إلا انك اجدت استخدام التعبير اللغوي الصحيح لتغطية مفردات الخيانة ولتغطية الواقع بالوهم والوهن فيا من تقف في اثار اسوار برلين ألم تعلم ان شعبك اصبح اليوم بين اسوار صهيون لا مشكلة في نظري الا الدفاع عن الخطأ فهل تعتقد انك ستغير وجهة نظر الملايين من الشعوب من موقف عباس المتواطئ وموقف فياض التسلطي انا بنظري ان لا فرق بين عباس وفياض اما عباس فليس لديه خوف فهو صريح بالخيانة وهل يخفى ال…… اما فياض الرجل المهني… قراءة المزيد ..