من صفات المجتمع الذكوري الأبوي أنه يؤسس الحياة على مبدأ “الحاكم الأعلى”، أي الأب، لهذا يتساوى الأبناء في خضوعهم لإرادة الحاكم الأعلى أو للإرادة الأبوية الذكورية، من دون أن يساوي هذا الذكور بالإناث، وهو ما يدفع الأنثى إلى خضوع مزدوج: الخضوع للأب، والخضوع للأخ – الذكر أيضا، لأنه أب ضروري قادم، كما يقول فيصل دراج في الحياة. وتصف الفيلسوفة الألمانية حنا أرندت النظام الذكوري الأبوي بأنه نظام قديم مستبد، منقطع عن زماننا الحديث الذي يقوم على الفردية الحرة المتحاورة، أي الاعتراف المتبادل وتساوي الحقوق والواجبات بين الجنسين واستبعاد مبدأ القوة والعنف. فالحوار يتأسس على لغة متساوية يتبادلها الجميع.
ويشير العديد من المراقبين إلى عنصر المجتمع الذكوري الأبوي بوصفه السبب الرئيسي في عدم قدرة المرأة الكويتية الوصول إلى كرسي البرلمان في مجلس الأمة. ويعكس هذا العنصر ثقافة مترسخة في المجتمع، أنشأتها عوامل عدة، من أبرزها العامل الديني التاريخي بمعية عامل العادات والتقاليد، ويسمى ذلك بالثوابت الدينية والاجتماعية التاريخية المحافظة. والسؤال: هل يمكن للمرأة في الكويت أن تصل إلى البرلمان من دون تغيير هذه الثوابت؟
رفع أنصار الثوابت الدينية والاجتماعية التاريخية المحافظة، التي أنتجت الثقافة الأبوية الذكورية، رفعوا سلاح وصاية الرجل على المرأة، بهدف إخضاع الواقع الاجتماعي لذكوريتهم المستبدة. وكان من نتائج ذلك انتشار ثقافة التمييز، والتدخل في جميع شؤون المرأة، لا من أجل إيجاد حلول لمشاكلها، إنما بوصفها خاضعة لسلطة الرجل ولابد من وضع حلول لقضاياها انطلاقا من ذلك، ومن النتائج أيضا أن الذكر صاحب سلطة لا يحق للمرأة الاقتراب منها مما ساهم في نشأة سلطة ذكورية مستبدة، وهو ما انعكس سلبا على جميع مناحي الحياة. فباتت المرأة أنزل مرتبة من الرجل في مختلف الأطر، وأصبحت فرص الحياة والإبداع والتطور متاحة للذكر أكثر من الأنثى، وكانت النتيجة تقنين الظلم ضد المرأة.
والتيار الديني التقليدي المحافظ المتبني لتلك الثوابت، سعي لتثبيت وصاية الرجل على المرأة من خلال طرق عدة. فمن جهة أشار إلى النص الديني باعتباره يشير إلى “قوامة” الرجل على المرأة، حيث فسر ذلك انطلاقا من الفهم الذكوري الوصائي. كذلك طرح رؤية اجتماعية تاريخية تقول أن المجتمع الكويتي مجتمع محافظ تسيطر عليها جملة من العادات والتقاليد الذكورية، وكان سعيه من وراء ذلك هو التأكيد على استحالة تغيير الواقع، من أجل السيطرة عليه والتحكم في مصالحه. لذا سعى إلى التأكيد على ربط واقع المرأة ومستقبلها بالفهم الديني التاريخي وبالعادات والتقاليد المحافظة، وكأنه يريد أن يؤكد على استحالة ظهور فهم ديني غير تاريخي يجاري الواقع ويتفهم متطلبات المرحلة، أو يشدد على عدم القدرة على إيجاد عادات وتقاليد جديدة تواجه تلك المحافظة أو تحل محلها.
يرفع التيار الديني شعار الدفاع عن المرأة، لا شعار حصول المرأة على حقوقها، لأن الأخير يتناقض مع موروثه الثقافي والاجتماعي الديني. فمعركة المرأة وحصولها على حق المساواة وعدم التمييز ومحاربة وصاية الرجل عليها، هي معركة لتحرير الإنسان، والمسؤولية فيها مشتركة بين الرجل والمرأة. فإذا ما كان أحدهما (أي المرأة) حريص على تلك الحقوق والآخر (أي الرجل) غير مبال إلا بمصالحه الذكورية، فإن الوعي الديموقراطي المزيف في المجتمع سيتشكل على هذا الأساس.
من أبجديات تغيير النظرة الوصائية تجاه المرأة، والتي في نظري تعتبر نظرة دونية، السعي لخلق تفسير ديني جديد يواكب تغيرات الحياة، أو وفق تحليل أرندت، يضمن “أنسنة” التفسير. فبسبب غياب المحور الإنساني من الكلام الديني، باتت المرأة أحد ضحايا حقوق الإنسان في واقعنا الاجتماعي. وأنصار التيار الديني ممن ينشرون التمييز والكراهية ضد المرأة إنما سعوا إلى تأكيد ضرورة استمرار هيمنة النظام الذكوري على مجتمعاتنا، كما سعوا إلى نشر الفهم التاريخي الضيق حول حقوقها والقائل بأن الدين الإسلامي طرح مشروعا “متكاملا” حول المرأة. لكنهم لم يدركوا بأن مشروعهم هذا ليس إلا مانعا أمام مساعي تحريرها من الوصاية الذكورية التاريخية.
إننا هنا لا نسعى إلى التقليل من أهمية تاريخية الخطاب الإسلامي أو الإهانة إلى صورته، فهو كان يمثل صورة المجتمع بثقافته واجتماعه، بل نهدف إلى التعامل بواقعية مع الراهن الحديث، بمفاهيمه ونظرياته وعلومه. فعدم قدرة المرأة على قيادة السيارة في السعودية – مثلا – هي صورة مشتركة من صور الظلم ضد المرأة المستند إلى التفسير الديني التاريخي، وهو أحد تجليات الوصاية الذكورية الدينية على المرأة ومشهد من مشاهد “سجن” النساء في المجتمعات العربية والمسلمة وصورة من صور الأغلال التي كبلت يدي مطالبها الداعية إلى الحرية والمساواة بوصفها إنسانة تنتمي إلى هذا العصر. ومن يستمع إلى أسرار البيوت المسلمة سينبهر من مستوى الظلم الواقع على الكثير من البنات والنساء، وسوف يستنتج بأن حقوق المرأة السياسية هي جزء يسير من حقوقها الحياتية العامة التي تفتقدها. فالمرأة حرة تماما مثل الرجل، وذات إرادة ومسؤولية، ولا وصاية عليها من الذكر مثلما أراد وخطط التيار الديني، الذي يتحجج في موقفه هذا تارة بالفقه التاريخي الذي عفا عليه الزمن، وتارة بمبررات المحافظة على العادات والتقاليد المحافظة.
ومثلما رفضت المرأة الكويتية – كبداية لطريقها الطويل والشاق – أن تنقاد من خلال مجلس أمة ذكوري، على المرأة العربية والمسلمة أن تهدم الطوق السياسي والاجتماعي الديني الذي يمنعها من تنفيذ طموحاتها التحررية، مثل منعها من قيادة شعوبها تحت حجة أن قيادة المرأة تؤسس للفساد، أو إجبارها على تنفيذ أوامر ذكورية بحجة المحافظة على العادات والتقاليد. هذا الرفض والهدم لابد أن يسيرا انطلاقا من قدرة المرأة على تحقيق ذاتها وإنجاح تجاربها استنادا إلى مبدأ حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة.
إن معارضة الرؤى الدينية للمرأة تنطلق من السند النصي والفهم التاريخي ضد حقوقها الحديثة، كالحقوق الفردية والسياسية والاجتماعية، التي هي جزء لا يتجزأ من الحقوق العامة للإنسان. وتستند المعارضة – كما قلنا – إلى اعتبار أن حقوق المرأة لا تنتمي إلى النظرة الاجتماعية التاريخية للدين. فهناك رجال دين أيدوا حقوقها السياسية فحسب، لكنهم لم يؤيدوا حقوقها انطلاقا من النظرة الفردية والاجتماعية الحديثة، إنما انطلاقا من تفسير النص الديني التاريخي، إذ لولا ذلك التفسير لما أيدوا تلك الحقوق أيضاً. فالخلل في الخطاب الديني، المناهض بعضه لحقوق المرأة وبعضه الآخر مؤيد، أي المتناقض في طرح النص الديني بوصفه حجة لرؤيته، باعتبار أن تفسير النص حماّل أوجه، وبالتالي كل جهة تعتقد بأنها تمتلك الفهم الصحيح والنهائي للحقيقة الدينية.. إن ذلك الخلل يكمن في أن الخطاب الديني التاريخي يبتعد بمفاهيمه ونظرياته مسافات كبيرة عن مفاهيم ونظريات العالم الحديث. فأنصار التيار الديني إنما سعوا لفصل قضيتين أساسيتين ترتبطان بحقوق المرأة، الفصل بين حقوقها كامرأة وبين حقوقها كمسلمة، واعتبروا الفصل هو السلاح الذي من خلاله يستطيعون مواجهة مفاهيم الحداثة الداعية إلى تحرّر المرأة من أسر التاريخ ووصاية رجل الدين الفقيه وإعطائها حقوقها الإنسانية كاملة غير مجزأة. فهم يثيرون مشروعهم الضيق بهدف التفريق بين حقوق المسلمة وبين جميع نساء العالم، ويستندون في ذلك إلى فهم تاريخي يقول إن الإسلام طرح مشروعا متكاملا للمرأة يحتوي على الكثير من الحقوق بما فيها السياسية، لكن ذلك الفهم فشل في الإجابة على أسئلة الواقع.
إنّ من يدخل بيوت الأسر الكويتية سينبهر من مستوى الظلم الفردي والاجتماعي الواقع على الكثير من البنات والنساء باسم الدين والعادات والتقاليد، وسوف يستنتج بأن حقوق المرأة السياسية – رغم عدم وصولها إلى كرسي مجلس الأمة – هي جزء يسير من حقوقها العامة التي تفتقدها. فالمرأة حرة تماما مثل الرجل، وذات إرادة ومسؤولية، ولا وصاية لأحد عليها. وأخطر ما يهدد كيانها، ومن ثم حياتها بشكل عام، هي الثقافة التي تريدها أن تكون متبوعة غير متحررة، قاصرة لا تملك الإرادة، وبالتالي مملوكة غير حرة.
لقد حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الحكومة الأفغانية هذا الأسبوع من تطبيق قانون زواج جديد خاص بالشيعة في أفغانستان. وقالت إن “هذا القانون يعارض مبدئيا حق المساواة بين الرجل والمرأة ولا يتوافق مع تصوراتنا للقيم”. لكن ميركل لا تعلم بأن هذا القانون أو هذا النوع من الثقافة الجنسية الفقهية التاريخية يطبق في الكثير من المجتمعات العربية والمسلمة في الوقت الراهن، بما فيها في الكويت، وهو مدعوم من قبل فقهاء التيار الديني، ولم يحتجّ ضده أحد من الرجال أو النساء، وذلك بسبب التهديد بـ”العقاب الدنيوي والأخروي” الذي يطلقه الفقهاء ضدهم. في حين أن القانون أو هذا النوع من الثقافة يمثل اعتداء واضحا على حقوق المرأة وحريتها وكرامتها، ويعبّر عن أكبر درجات الإهانة ضدها والمستندة إلى الوصاية الذكورية. فالقانون ينص على إلزام الزوجة “بتلبية الاحتياجات الجنسية لزوجها في كل الأوقات”، ويعطي الحق للزوج في معاشرة زوجته كل أربع ليالي على الأقل إذا لم يكن على سفر، كما يلزم المرأة بعدم مغادرة المنزل بدون إذن الزوج إلا في بعض الحالات الاستثنائية. وطالب مفوض الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان جونتر نوكه في تصريحات صحفية بضرورة إعادة التفكير في مهمة بلاده بأفغانستان إذا صادق الرئيس الأفغاني حامد كرزاي على مثل هذه القوانين التي “عفا عليها الزمن”. وقال إن “ضمان حقوق الإنسان في أفغانستان يعد من الأهداف الواضحة لمهمتنا هناك. لذلك سيكون الأمر بمثابة فضيحة إذا دعمنا بأموالنا تطورات في الاتجاه الخطأ”!!.
ssultann@hotmail.com
كاتب كويتي
لتتحدى المرأة الثوابت التاريخيةليتحد الرجل والمرأة في تحدي الثوابت الدينية و التاريخية: كلام انشائي جميل ولاكن الحياة ماضية بسيطرة و مسيطر و مسيطر عليه في كل شيء تقريبا. انظر حولك وفي اي مكان لابد من فكرة ما مسيطرة على وضع ما و كذا تمضي الحياة بدون عدل…لايوجد عدل في الحياة و هو شيء نسبي على كل حال. انا مع حقوق المرأة ومساواتها في كل شيء تقريبا ولاكن من ذا الذي يضع المعايير و المقاييس لتلك الحقوق و المساواة….لايمكن تطبيق حقوق الانسان والمساواة في ظل وجود الاديان… كالاسلام مثلا. الغرب توصل الى ذلك بعد الثورة على الدين و جعله شأنا شخصيا… قراءة المزيد ..