وجدي ضاهر – الشفاف – خاص
غادر رئيس مجلس النواب الايراني علي لاريجاني بغداد بخفي حنين بعد كان اضطلع بمهمة صعبة تهدف الى اعادة المياه الى مجاريها بين مكونات الطيف السياسي الشيعي الاسلامي العراقي الحاكم والتي يعبر عنها رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي والطرف المستبعد من الحكم حاليا وهو “المجلس الاعلى” الذي يرأسه عمار الحكيم بعد وفاة والده عبد العزيز الحكيم إثر معاناته مع مرض عضال، ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، واحمد الجلبي. وكان نوري المالكي قد تفرّد بالسلطة والحكم منذ عامين تقريبا مستبعدا ابرز حليف له في الائتلاف الشيعي وهو المجلس الاعلى الاسلامي الذي خاض ضده معركة الانتخابات المحلية منفردا ليحقق المالكي اكبر انتصار في تاريخ حزبه، “الدعوة”، الذي يحكم العراق منذ عام 2004.
فحسب المعلومات الواردة من العراق، فقد رفض الثلاثي الحكيم وعبد المهدي والجلبي اعطاء اي ضمانة لعلي لاريجاني بالنسبة لرئيس الوزراء نوري المالكي ولحزبه، “حزب الدعوة،” بإعادته الى رئاسة الوزراء بعد الانتخابات المقبلة المرتقب إجراؤها مطلع العام المقبل.
لاريجاني قاد عملية وساطة حرجة في لحظة تاريخية تتمثل بالمواجهة التي يقودها نوري المالكي ضد تدخلات النظام السوري في العراق واتهامه مباشرة ورسميا بالوقوف وراء التفجيرات الدامية في بغداد. ويقوم لاريجاني بالمهمة الاصعب بين الفرقاء الشيعة وخصوصا المالكي والمجلس الاعلى من اجل توحيدهم في مواجهة مشاريع ثانية موازية للسوريين دور كبير في تكوينها ودعمها.
فـ”لارجاني، المعروف بسوء علاقته بالسوريين، وهو صاحب التفاهمات مع السعوديين (تفاهم لاريجاني – بندر)، يراهن على رد فعل الشارع الشيعي على تحالف العلمانيين بزعامة رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي مع أحد أبرز الأجنحة السنّية الاربعة بزعامة صالح المطلك والدعم العربي الخليجي وخصوصا السوري له بما يهدد مواقع القوى الشيعية التي تدير مواجهة قاسية وصعبة مع الدول العربية التي ترفض الاقرار بشرعيتها لاسباب مذهبية.
ردة الفعل لدى الشارع الشيعي البسيط ولدى النخب الشيعية تحولت الى مجموعة اتهامات ضد رئيس الوزراء نوري المالكي بسبب رغبته بالاحتفاظ بسلطته ورغبة مساعديه بالاحتفاظ بمجموعة الامتيازات التي يتمتعون بها حالياً، اضافة الى تعنت بعض القيادات المتشددة من حزب الدعوة والتي تدير صراعاً تاريخيا مع “المجلس الاعلى”، ما يؤي الى خسارة الشيعة لفاصل السلطة والحكم بسبب طموحات شخصية.
هذه الاجواء انعكست لدى بعض الشخصيات التاريخة لحزب المالكي، “حزب الدعوة”، التي ابدت قلقها من الشرذمة الحاصلة في الوسط الشيعي وخوفا من ان يتحمل الحزب المسؤولية التاريخية في خسارة الطائفة لمواقعها المتقدمة في الحكم وبعد استطلاعات للرأي اكدت تراجع نسب التأييد للمالكي الذي فشل في ترجمة انتصاره في الانتخابات المحلية اضافة الى اتهامه بالفساد وسيطرة المقربين منه على مراكز القرار وتسببه بشق الصف الشيعي نتيجة استبعاده جميع حلفائه في الائتلاف وتسببه بخلافات مع الحليف التاريخي للشيعة في العراق الكتلة الكردية.
كما ان المالكي لم يستطع في عملية الاستقطاب ان يجمع حلفاء اقوياء حوله لا من داخل الطائفة ولا من خارجها.
والاصعب هو ان الشارع الشيعي الخائف والقلق من عودة البعث يتطلع الى الاحزاب الدينية والخطاب الديني بوصفهما الضامن الافضل في هذه الفترة امام تكتلات ليس امامها هدف سوى نزع السلطة من الوجوه الشيعية ، معتبرا المالكي واحدا من اسباب الضعف الحالي وواحدا من اسباب تشرذم الصوت الشيعي و توزيعه بما يؤمن مصلحة الخصوم.
في الجهة المقابلة، تقف قيادة “الائتلاف الوطني العراقي”، وفي مقدمتها المجلس الاعلى والتيار الصدري اضافة الى وجوه وشخصيات عراقية حزبية ومدنية ومستقلة، في مواجة اخطار تهدد مستقبلها ومستقبل النجف في خارطة السياسة العراقية وتحاول حماية نفسها وحماية المكتسبات الشيعية في جو الصراع المذهبي والطائفي الذي يسود العراق المنطقة.
قيادة الائتلاف التي نزلت عند رغبة الكثيرين بفتح ابواب الحوار مع المالكي ورغبة لاريجاني ايضا، حسمت موقفها بالترحيب باي شخصية او كيان عراقي يرغب بالانظمام الى الائتلاف ولكن من دون شروط مسبقة او وعود باي منصب، وبأن باب الائتلاف مفتوح. وهذا الكلام نقله لارجاني للمالكي الذي بدأ يدرك صعوبة موقفه وموقعه واحتمال خسارته المتوقعة وخسارة “حزب الدعوة” للكثير وخصوصا لسمعته النضالية، ما فتح باب الجدل الواسع داخل قيادة هذا الحزب بشأن ما قام به المالكي في الفترة السابقة.
اما المؤشر الاخطر فهو يتمثل في التدخل الايراني القوي من الشخص الذي تتهمه سوريا بالجفاء تجاهها وفي لحظة تسعى فيها سوريا الى ترتيب اوراقها العراقية من خلال الرهان على استمرار الخلاف الشيعي وتوزع اصوات الكتل الشيعية، ما يرفع من درجة تفاؤلها بتحقيق نسب كبيرة في الاتخابات، ما يفسح في المجال امام حلفائها بفرض شروطهم القوية على الساحة العراقية والتي تعتمد اساسا على اضعاف القوة الشيعية.
وإزاء الصورة السابقة، يبرز السؤال بشأن ما كان يخفيه لاريجاني في بغداد وما يخفيه مستقبل هذا البلد على التحالفات في المنطقة وخصوصا بعد ان تسرب ان محور النقاش الاساسي الذي طغى على لقاءات الملك السعودي مع الرئيس بشار الاسد سواء في جدة او في دمشق كان مستقبل العراق والدور الشيعي في الحكم والنفوذ الايراني، اضافة الى احتضان دمشق لكل عناصر البعث، وهذا ما يثير الادارة الاميركية التي تتهم دمشق ضمننا بانها وراء الكثير من اعمال العنف في العراق.
فهل يؤسس العراق لمرحلة حقيقية لفصل مسارات ايرانية سورية كانت يعتقد الكثيرون انها ضرب من الخيال، ام ان نظام المصالح تضارب فإنكشفت الفوارق؟
مراقبون اعتبروا ان صراع الاجنحة الايرانية، والتي يمثل لاريجاني احدها، قد انعكس سلبا على القوى السياسية الشيعية في العراق بما يشير الى الواقع الحالي الذي بدأ يتخبط فيه النظام الايراني خصوصا لجهة مواقع نفوذه التي ستخضع بدورها لتجاذبات الاجنحة الايرانية. ويشيرون الى ان وحدة الرؤية الايرانية للوضع العراقي اوصلت نوري المالكي الى رئاسة الوزراء وصراع الديكة في طهران قد يحول دون عودته.