أقرت الحكومة السورية مشروع قانونٍ جديد للانتخابات، وهذا الأمر كان أحد المطالب الأساسية لدعاة التغيير الديمقراطي. ولكن، يبقى السؤال: هل حمل هذا القانون جديداً بما يشكل خطوة صحيحة على طريق بناء الدولة الديمقراطية الحقيقة؟
سؤال مشروع, ولكن قبل الخوض فيه نتساءل: هل يمكن لأي بناء مهما كانت أحجاره جيدة وسليمة أن يتم على أرضية رخوة أو غير مستوية أو غير صالحة للبناء بتاتاً.
إن القاعدة والأرضية الأساسية لبناء أي دولة هو الدستور، الذي هو أبو القوانين. وإن أي بناء يبنى على أرض غير صالحة لن يكتب له الاستمرار أو النجاح أو القبول، وهو جهد ضائع لا قيمة له. وطالما أن الدستور يعاني من مشاكل بنيوية تحتّم تعديلا جوهريا عليه أو تغييره، فإن أي بناء يتم عليه هو جهد مهدور وغير منطقي، وأية قوانين تصدر على هذه الأرضية غير الصالحة هي ميتة قبل أن تبصر النور.
نعود للسؤال حول الجديد في القانون.
أولاً، نسجل للقانون الجديد نقطة إسناده الإشراف على الانتخابات للقضاء. ولكن هذا يتطلب قضاءً عادلا وحياديا ونزيها. فهل قضاؤنا هكذا؟
إن نظرة على قانون السلطة القضائية يؤكد العكس، حيث أن مجلس القضاء الأعلى هو برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية سبعة أعضاء خمسة من السلطة التنفيذية وقاضيان من محكمة النقض. كما أن مشاكل الفساد تقض مضاجع أروقة قصور العدل، وعدد كبير من القضاة منتمين لحزب البعث، حيث أن هذا الانتماء هو أحد الأسباب لقبول الانتماء لسلك القضاء,
فهل يمكن بعد هذا أن نقول أن هناك إشرافاً قضائياً مستقلاً حقيقةً؟
كما يسجل نقطة إيجابية هي منع استخدام موارد الدولة وإمكانياتها لخدمة المرشحين.
عدا ذلك، فإن القانون الجديد حمل كل أمراض ومشاكل القانون القديم والتي كانت محل انتقاد لأنها تمكّن السلطة التنفيذية من السيطرة على العملية الانتخابية والتحكم بنتائجها.
أولا، المسألة الجوهرية هي حصر العملية الانتخابية بأعضاء مجلس النواب ومجالس الإدارة المحلية، وإهمال حالة انتخاب رئيس الجمهورية! وكأنه يكرس ويؤكد أن تعيين الرئيس سيبقى خارج عملية الانتخابات، وأنه سيبقى بيد القيادة القطرية لحزب البعث، وأن دور الشعب هو أن يقول “نعم” باستفتاء شكلي.
كما أهمل القانون جداول الشطب ومواعيد إعلانها والاعتراض عليها في المراكز الانتخابية لمعرفة أعداد الناخبين في كل مركز وما يترك المجال واسعا لتحريك الناخبين من دائرة لأخرى وللصناديق الجوالة والتصويت لأكثر من مرة بأكثر من مركز.
وأهمل القانون ضرورة أن يكون يوم الانتخابات يوم العطلة، مما يجعل الناخبين العاملين في الدولة ملزمين بالتصويت في أماكن عملهم وتحت رقابة المسؤولين عنهم ويؤثر بشكل مباشر بقرارهم الانتخابي أو حتى في حال قرروا مقاطعة الانتخابات.
كما جاء تحديد أيام الانتخابات بيومين دون أي مبرر حيث تجري في كل العالم بيوم واحد. وهذا يتيح إمكانية زمنية أفضل للتزوير وتبديل الصناديق أو ممارسة التأثير على الناخبين خلال هذه الفترة الطويلة.
وأصر القانون على تحديد نسبة العمال والفلاحين بـ 50%، وباقي فئات الشعب 50%، وترك لوزير الإدارة المحلية صلاحية تحديد هذه النسبة بكل دائرة انتخابية دون ضوابط محددة لهذه الصلاحية.
واستمر القانون باعتماد النظرية الشخصية الفردية بالانتخاب، واعتماد المحافظة دائرة انتخابية واحدة، مما يشكل عبئا كبيرا على المرشحين المستقلين لاضطرارهم لتغطية مساحة واسعة جغرافيا وهذا غير ممكن. وأهمل العمل بالنظرية النسبية، ولو بشكل جزئي، لتنشيط الحراك السياسي وإعطاء دور أكبر للأحزاب والبرامج السياسية.
كما سمح القانون بالجمع بين الوزارة والنيابة، وهذا مخالف لمبدأ فصل السلطات, وسمح للضباط وموظفي الدرجة الأولى بالترشيح دون اشتراط الاستقالة قبل فترة محددة، مما يعطي مجالا لاستغلال المنصب لكسب الناخبين أو الضغط عليهم.
والأهم من ذلك، كله حرم منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية من مراقبة الانتخابات.
وفوق ذلك كله، أكد على تعطيل قرارات المحكمة الدستورية العليا في حالة قبول الطعن بالانتخاب، بحيث أكدت المادة 50 على أن مجلس الشعب وحده- وهو المطعون بشرعية انتخابه أساسا – هو المخول بإلغاء انتخاب أعضا\ه مهما كان حكم المحكمة الدستورية العليا. وهذا غير ممكن الحدوث فلا يمكن للسارق أن يعترف بجرمه.
من هذه القراءة يتبين أن الجديد الذي جاء به القانون هو محاولة لتجميل الصورة لا أكثر ولا أقل، وليس القصد العمل الجاد لبناء شكل جديد من علاقة السلطة مع المجتمع والشعب مع من يمثله. لم يعد من المفيد محاولة ترقيع رُقع الثوب القديم الذي أصبح أكثر من مهترئ وبحاجة إلى خلعه ورميه وارتداء ثوب جديد بكل معنى الكلمة.
إن مطالب الإصلاح لا يمكن أن يتم الالتفاف عليها بإجراءات ترقيعية.
المطلوب إجراءات جذرية عميقة تمس أساس القاعدة القانونية التي يرتكز عليها المجتمع لتنقله من مجتمع الهيمنة والسيطرة، ووصاية طرف على المجتمع، والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان، إلى مجتمع الديمقراطية والتعددية السياسية والحرية واحترام حقوق الإنسان.
دمشق 28/7/2011
المحامي أنور البني
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية
Facebook/المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية