التمدد الذي يحققه تنظيم داعش في سورية يطرح اسئلة جدّية حول هذه القدرة التي تتوفر لتنظيم صار القوة الاولى في سورية اليوم، ان لجهة المساحات التي يسيطر عليها وهي تتجاوز نصف الاراضي السورية، او لجهة القوة الذاتية التي لا يمكن اهمالها.
فالتنظيم اتقن حرفة بثّ الرعب في قلوب اعدائه وعموم الناس الى حدّ كبير، ولم يحاول تكذيب ما قيل في وصف ارتكاباته، ولا شك ان لعبة تضخيم حجم ارتكاباته كانت تغريه.
لكن التمدد نحو تدمر تمّ بسرعة خارقة تطرح اسئلة مشروعة. صحيح ان تدمر في قلب البادية السورية، لكن انتقال آلاف المقاتلين من هذا التنظيم كان يتم امام عيون قوات التحالف الدولية. لكن الأهم امام عيون النظام السوري وحلفائه. لم تتعرض قوافل مقاتلي هذا التنظيم، وهي تقطع مئات الكيلومترات نحو تدمر، لأي غارة جوية من الطيران الدولي او ذلك السوري.
بعض اركان النظام السوري بات لا يخفي هذه الايام، بعد نكستي الجنوب والشمال السوريين، قلقا متزايداً حيال الدور الايراني في مواجهة تنظيم داعش. ينقل لبنانيون، ممن لا يزالون يتواصلون مع مسؤولين في مفاصل النظام السوري، ان النظام السوري كان يتوقع خطوة ايرانية عسكرية او سياسية في مواجهة تمدد تنظيم داعش نحو تدمر. لا بل يذهب بعض اركان النظام الى القول ان أولويات ايران العسكرية في سورية مختلفة. وعلى ذمة الراوي “ان إدلب، وجسر الشغور، وتدمر، هي عناوين معارك كان لتركيا دور فاعل فيها، فيما ايران كانت غائبة تماما، وبشكل غير عفوي”.
اهمية سيطرة داعش على تدمر، بحسب تقارير غربية، انها تمثل مفصلاً نوعيا في مسار حكم الاقلية العلوية منذ نحو خمسة عقود. وتكشف هذه التقارير المستندة الى معلومات وتحليلات، ان داعش الذي يبعد عن العاصمة العراقية بغداد 70 كلم، يبعد عن دمشق نحو 200 كلم. لكن 70 كلم في العراق هي ابعد بكثير بالنسبة الى داعش من 200 كلم بسورية. ﻷن الديمغرافيا الشيعية في العراق تبقى سدّاً امام تمدد هذا التنظيم، بينما في سورية تلعب الديمغرافيا السنيّة دوراً ايجابياً لصالح داعش.
من هنا تشير التقارير الى تحدٍّ جدّي للعلويين في دمشق، لا سيما الذين اعتادوا ان يكونوا “صيادين لا طرائد” طيلة خمسة عقود في سورية، كما يصف احد هذه التقارير. اذ هم امام خيار جدّي لمواجهة في دمشق، ستؤدي الى مجازر طائفية، تستهدف العلويين في العاصمة. لهذا يستبعد التقرير ان ينسحب النظام من دمشق لعلمه ان خروجه سيعني انهياره.
التذمر من ايران في اوساط علوية ضمن صلب النظام، ينطوي على مخاوف جدّية من مقايضة بين تركيا وايران، مفادها وصاية ايرانية في العراق، مقابل وصاية تركية في سورية. وما يعزز هذه المخاوف لدى النظام ان ايران لم ترُدّ، كما يفترض النظام السوري، على الدخول التركي الى سورية، ولم توجه ايّ رسالة تحذير لها. لا سيما منذ سقوط ادلب ولاحقاً جسر الشغور وصولاً الى تدمر. في المقابل ثمة حقيقة لا يمكن تفاديها، هي ان تمدد المعارضة المتمثلة بجيش الفتح، اقتصر على مناطق ذات غالبية سنيّة، وتفادى الدخول الى العديد من البلدات التي تضم علويين او طوائف مسيحية وحتى قرى شيعية في حلب وفي الفوعة وغيرها.
يؤكد متابعون ان تركيا هي من يضع خطوطاً حمراء مام قوى المعارضة العسكرية، كما يُلاحظ ان تمدد داعش يتخذ المنحى نفسه لجهة تركيز جهده العسكري على المناطق السنيّة حتى الآن. بحسب المتابعين، تركيا توجه رسالة الى ابناء الطائفة العلوية انها هي من يمكن ان تشكل ضمانة لهم وليس ايران، وذلك لأن تركيا، التي تحاذي سورية ومناطق العلويين في الشمال، هي الاكثر قدرة على توفير الضمانات لهم، وان أنقرة ليس لديها مصلحة في ان تكون مسؤولة عن ايّ عمليات انتقامية يمكن ان يتعرض لها بعض العلويين السوريين. خصوصا ان للعلويين السوريين امتداد اجتماعي وديمغرافي وديني مع علويي تركيا.
يقول احد المقاتلين اللبنانيين في سورية، من صفوف حزب الله، ان ابرز مشكلة عسكرية تواجه حزب الله هي عدم القدرة على الحفاظ على انجازاته العسكرية، والسبب ان السيطرة على ايّ منطقة او بلدة او مدينة يتطلب لحماية الانجاز آلاف المقاتلين. قد يتوفر ذلك في مكان لكن من المستحيل توفره على امتداد الاراضي السورية، لأنه يحتاج الى مئات الآلاف من المقاتلين وهذا ليس متوفرا لحزب الله. من هنا، في ظل تضعضع الثقة وربما انعدامها بمعظم الجيش السوري، يصبح من الطبيعي ان يحدد حزب الله اولوياته، وهي بالدرجة الاولى الاقرار انه لا يستطيع ان يكون في كل الجبهات او حيث يقرر النظام السوري، بل حيث يجب ان يكون. وهذا “اليجب” يبدو انه لا يتجاوز، بحسب قدرات حزب الله، بعض القلمون وبعض الحدود اللبنانية.
alyalamine@gmail.com
البلد