حسن فحص – خاص الشفاف
لا شك ان كل دوائر القرار العالمي الغربية والايرانية، وعلى هامشها الدوائر المتابعة العربية، تتابع عن كثب وتترقب ما ستسفر عنه نتائج العملية الانتخابية التي يشهدها العراق. خصوصا وانها ستحدد طبيعة الحكومة المقبلة وشخصية رئيس الحكومة واثقال القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية .
وما ستسفر عن هذه الانتخابات من نتائج واثقال سياسية لن يكون معزولا عن امتداداته وتأثيراته الاقليمية، ان كان في داخل العراق او في عواصم هذه الدول الاقليمية ، في حين ان دوائر القرار الغربية وبالتحديد الاميركية اكثر براغماتية في التعامل مع اية نتائج لهذه الانتخابات.
لم يتجشم اللاعب الاقليمي الابرز على الساحة العراقية بعد اللاعب الدولي، أي ايران، عناء التخفي او اخفاء دوره في ترسيم الكتل والائتلافات الانتخابية، خاصة بين حلفائه الاساسيين على الساحة العراقية. فهو بذل جهودا كبيرة وحتى علنية من اجل تشكيل “الائتلاف الوطني العراقي” الذي يضم الاحزاب والشخصيات والقوى القريبة منه، وحتى تلك التي قد تختلف معه على بعض التفاصيل، مثل “المجلس الاعلى الاسلامي” وحزب رئيس الوزراء العراقي السابق ابراهيم الجعفري، ورئيس “حزب المؤتمر” احمد الجلبي، وبعض الشخصيات السنية مثل حميد الهايس رئيس “مجلس إنقاذ الانبار”، وغزل مع الحزب الشيوعي العراقي، او تلك التي تختلف مع بعضها البعض الاخر داخل الساحة العراقية وتحديدا الشيعية مثل “المجلس الاعلى” بزعامة عمار الحكيم و”التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر.
ولم يتردد اللاعب الايراني من التدخل المباشر في محاولة لحل عقد الافتراق بين “الائتلاف الوطني العراقي” و”ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، وذلك تحت شعار ضرورة المحافظة على وحدة الصف الشيعي. وقد قام كل من رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني ووزير الخارجية منوتشهر متكي بزيارات الى العراق ودخلوا في مفاوضات معقدة وعسيرة بين الائتلافين بهدف التوصل الى تحالف بينهما، الا ان الشروط التي وضعها المالكي ورفضَ صقور “الائتلاف الوطني” حالت دون التوصل الى ذلك.
اللاعب الايراني لم ينسحب امام اصرار الطرفين على نقاطه وشروطه، الا انه حاول التأسيس لمرحلة ما بعد الانتخابات تتمثل بمنع ذهاب الاصوات الشيعية الى اطراف اخرى وحصرها بهذين التكتلين وبعدها عقد تحالف داخل البرلمان بين الائتلافين يكون داعما للتوافق على شخصية رئيس الوزراء القادم، مع تبييت النية في اضعاف زعيم “ائتلاف دولة القانون”، نوري المالكي، قدر الامكان من خلال التشويش عليه شعبيا ولدى جماعات شيعية ناقمة على الحكومة وعلى تاريخ المالكي الأمني معها كـ”التيار الصدري”.
ولم يسقط اللاعب الايراني من حساباته امكانية عقد صفقة مع الجهة الدولية المسيطرة على الساحة العراقية، أي الادارة الاميركية. وتكون هذه الصفقة نقطة توافق بين طهران وواشنطن وترضي بعض الدول الاقليمية وتحد من قدراتها على التدخل ومنافسة طهران على الساحة العراقية. وهذه الصفقة محكومة بالنتائج التي ستخرج من صناديق الاقتراع. اما الشخصية العراقية التي قد تعقد حولها الصفقة فلن تكون سوى “اياد علاوي” الذي بدأ قبل الانتخابات بجولة على بعض العواصم العربية ووعد بتوسيعها لتشمل بعض العواصم الاقليمية أي طهران بعد الزيارة التي قام بها الى تركيا.
اذاً، لا زال اللاعب الايراني هو الاكثر فعالية وقدرة على ترسيم الخطوط ونتائج الانتخابات ومرشحي رئاسة الوزراء على الساحة العراقية. وقد اثبت انه قادر على الاستمرار في التحكم بلعبة توجيه وتعبئة الساحة الشعبية حتى اللحظات الاخيرة من بدء عملية الاقتراع، من دون ان يبذل كثيرا من الجهد، وذلك عبر تمرير أخبار تخدم مصالحه.
فمرّر خبر لجوء حكومة نوري المالكي لتحريك مذكرة توقيف صدرت بحق زعيم التيار الصدري المتواجد في ايران مقتدى الصدر. بل قام لاحقا بنشر خبر عن ترشيح مقتدى الصدر في اليوم الثاني من التصويت للعراقيين خارج العراق لوزير الداخلية جواد البولاني لمنصب رئاسة الوزراء.
والهدف بسيط ولا يخفى على أي مبتدئ في فهم السياسة الايرانية. فمقتدى الصدر حليف قريب لايران وقد اثبت ذلك منذ معركة البصرة بين جيش المهدي وقوات الحكومة العراقية وبعدها في معركة مدينة الصدر. وقد كانت كلتا المعركتين اخراجا لوطنية وعدم طائفية حكومة المالكي، خاصة وان معركة البصرة جاءت في الوقت الذي كانت القوات المسلحة العراقية تتحضر للقيام بعملية عسكرية واسعة في محافظة الموصل للقضاء على ما تبقى من جيوب لتنظيم “القاعدة” ، فتحولت كل القوات الى البصرة لتحجيم نفوذ جيش المهدي.
وعليه، ما من احد يختلف حول قرب وتحالف مقتدى الصدر مع ايران، وقد بذلت طهران مساع كبيرة وجهودا واسعة للتقريب بين عدوين على الساحة العراقية هما التيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي وجمعتهما في ائتلاف واحد تحت اسم “الائتلاف الوطني العراقي”.
ومنذ تشكيل “الائتلاف الوطني العراقي”، وطهران تبذل جهودا واسعة في اعداد عناصر الدعاية الانتخابية ومندوبي “التيار الصدري” و”المجلس الاعلى” للعب دور فاعل في يوم الانتخابات واستقطاب الاصوات الشعبية للائتلاف، وهي اقامت كما في الانتخابات السابقة دورات تدريبية استعانت فيها بخبرات ايرانية وغير ايرانية في ادارة العملية الانتخابية وحصد الاصوات.
ويبدو ان اللاعب الايراني احس او شعر بان الوضع الشعبي لحلفائه في تراجع امام وطأة التقدم الذي يحققه كلا من المنافسين الرئيسين نوري المالكي واياد علاوي، فاراد اعطاء الشارع الشعبي المؤيد لمقتدى الصدر الذي يملك نفوذها في الجنوب دفعا وشحنة عاطفية لمواجهة تقدم المالكي وعلاوي في اوساط اهالي جنوب العراق خاصةً حيث يواجه ابرز حلفاء ايران تراجعا حادا في شعبيته، فاستخدم اكثر الوسائل الاعلامية نفوذا على الساحة العراقية لتمرير رسالته.
وفي توضيح لاحد المقربين من مقتدى الصدر حول الحديث عن ترشيحه لجواد البولاني لرئاسة الوزراء، قال ان هذا الامر غير وارد، والتيار الصدري جزء من ائتلاف منافس للائتلافات والتحالفات الاخرى، ولا يمكن ان يكون مرشحه من ائتلاف اخر، وقرار الترشيح لرئاسة الوزراء تتخذه اللجنة السياسية في التيار الصدري بعد صدور نتائج الانتخابات.
البراغماتية الايرانية تتلخص في الاستمرار حتى النهاية في دعم حلفائها واستنفاد جميع الوسائل في تعزيز اوضاعهم الانتخابية والسياسية لتفادي الدخول في تجاذبات وصراعات غير محسومة النتائج مع الاطراف الدولية. وعليه، فهي لا تسقط من اعتبارها امكانية عقد صفقة مع الادارة الاميركية حول شخصية رئيس الوزراء القادم تسكت بها اطرافا في المنطقة في حال كانت النتائج لغير صالح حلفائها.
hassanfahs@hotmail.com