**
ترجمة: بيار عقل
ما يلي هو الحلقة الثالثة من دراسة “مهدي خلجي” حول “سياسات آخر الزمان” في إيران.
**
بغية فهم “المهدوية” في إيران المعاصرة، ينبغي النظر في تأثير حوزة «مشهد» على الحياة الدينية، والإجتماعية، والسياسية للإيرانيين. وتجدر ملاحظة أن القائد الأعلى علي خامنئي نشأ في «مشهد» وتلقّى معظم علومه الدينية فيها. وفي «مشهد»، كذلك، نشأت العديد من الحركات الدينية “الألفية”.
منذ ثورة 1979، كان لإيران ثلاث عواصم: العاصمة الرسمية “طهران”، والعاصمة الإيديولوجية “قم”، والعاصمة الإجتماعية-الإقتصادية “مشهد”. “مشهد” هي أقدس مدينة في إيران، ويشتق إسمها من “مشهدي رضا” أو “موقع إستشهاد الرضا”، وهو علي إبن موسى الرضا، أي الإمام الشيعي الثامن الذي قتله بالسمّ – حسب الشيعة- الخليفة العبّاسي المأمون. إن ضريح الإمام الرضا في «مشهد» هو أكبر وأفخم ضريح في العالم الشيعي، وهو يجتذب ملايين الحجّاج في كل عام. وقامت السلالة الصفويّة، التي جعلت المذهب الشيعي دينَ الدولة، بتوسعة الضريح وشجّعت الناس على التبرّع بأملاكهم، ونقودهم ومجوهراتهم، وأعمالهم الفنّية لتحسينه. (يضيف المؤلّف في الهامش أن النظام الصفوي قام بعمارة كل أضرحة الشيعة في العراق، أي “النجف” و”كربلاء” و”سامراء”، و”الكاظمين”، كما في إيران. ولكن المؤرخين يعتقدون أن الصفويين اهتمّوا بأصفهان و”مشهد” كمراكز دراسة وحجّ منافسة لأسباب سياسية واقتصادية”.) وتبعاً لذلك، صار الضريح يملك ألوف الأوقاف في أنحاء إيران، من المصانع إلى الاراضي الزراعية، و”هيئة مقام الإمام الرضا” (أو “حرم الروضة الشريفة”) هي الهيئة الإدارية المسؤولة عن شركات الضريح، ومصانعه، ومزارعه، ومصافي النفط، والممتلكات الأخرى التابعة له. إن “«مشهد»”، اليوم، “ليست أقدس مزار ديني في إيران فحسب، ولكنها كذلك أكبر وأغنى إمبراطوية تجارية في جمهورية إيران الإسلامية”.
المُنــــــاخ الدينــــــــي فـــــــي “مشهد”
نشأت مدارس «مشهد» الدينية قبل قرون، ولكن ازدهارها ونجاحها في استقطاب طلاب العلوم الدينية من كل أنحاء إيران يعود إلى القرن العشرين فحسب. وكانت “خُراسان”، تاريخياً، مركز التصوّف، والمذهب الباطني، والفلسفة، في حين أصبحت “مشهد”، في القرن العشرين، مركز التأويل الشعبي للنصوص الإسلامية ومركزاً للإسلاع الورع.
يعرف العالم الخارجي عن “قم”، التي لم تنشأ حوزتها سوى في العصر البهلوي، أكثر مما يعرف عن الدور الديني لـ”مشهد” الذي يعود إلى قرون عدة (يمكن مراجعة الدراسة التالية بالإنكليزية حول بناء المساجد الإسلامية الأولى في إيران)
http://imp.lss.wisc.edu/ aoliai/historypage/appearanceoffirstmosques.htm. ورغم سياسات رضا شاه المناوئة لرجال الدين، فقد استفادت “قم” من دعمه بوصفها مركز السلطة الشيعية التي انتقلت من النجف إلى إيران. كما حالت سياساته دون تدخّل علماء النجف في الحياة السياسية الداخلية، على غرار حدث إبان الثورة الدستورية في العام 1906. ففي سياق الثورة الدستورية في إيران، قام علماء بارزون في النجف، كان لهم عدد مدهش من الأتباع في إيران، بدعم “الدستوريين” ضد الملك. وحتى قبل الثورة الدستورية، أدّت الفتاوى الصادرة عن النجف وكربلاء وسامرّاء إلى تعطيل قدرة الشاه الإيراني على اتخاذ القرارات في أزمة إحتجاجات التبغ في العام 1891.
كان الشيخ عبد الكريم حائري يزدي والشيخ محمد حسين بوروجردي، اللذين شغلا على التوالي منصب رئيس حوزة “قم” الدينية، على صلة مباشرة مع الشاه البهلوي ولم يقوما بتطوير “الحوزة” سوى بموجب الموافقة غير المباشرة من جانب الشاه. وبعكس النجف، حيث لم تكن دراسة الفلسفة الإسلامية منتظمة أو سهلة، فإن طالب حوزة “قم” كان بوسعه أن يدرس الفروع الإسلامية الأخرى بدون صعوبة. وقد عاش آخر ممثّل للفلسفة الإسلامية، وهو محمد حسين طباطبائي، في “قم” وقام بتدريس العشرات من طلاب الفلسفة فيها. وتخصّص بوروجردي نفسه في الفلسفة الإسلامية. مع ذلك، كانت دراسة الفلسفة الإسلامية تُعتَبَر غير بعيدة عن البِدعة: ففي خطاب مفتوح وجّهه إلى رجال الدين في السنة الأخيرة لحياته، أشار الخميني إلى معاناته من الملاحظات المهينة التي كان علماء آخرون يوجّهونها إليه بسبب محاولته تدريس الفلسفة. في أي حال، كانت “قم” هي الحوزة الأفضل للطالب الراغب في دراسة الفلسفة. علاوة على ذلك، كانت قراءة الكتب والصحف غير الدينية، أو الإستماع إلى الأخبار على الإذاعة، أسهل على طلاب “قم” منها على طلاب “«مشهد»” أو النجف”. ففي هاتين المدينتين، كان بعض العلماء يعتبرون قراءة الصحف أو قراءة الكتب الدينية” بمثابة “حرام”.
لم يُقِم الخميني علاقة وثيقة مع أي من آية الله العظمى في “«مشهد»” باستثناء “سيّد حسن قمّي“، الذي كان معه في السجن لفترة قصيرة قبل الثورة. وبعد قليل من نجاح الثورة، أمر الخميني بوضعه في الإقامةالجبرية في منزله بسبب إشهاره معارضته لـ”ولاية الفقيه”. وقد أمضى آية الله قمّي حوالي 30 سنة في الإقامة الجبرية.
لم يكن المناخ المعادي للفلسفة الجانب الوحيد الذي ميّز “«مشهد»” عن “قم”. فبالإجمال، كانت “«مشهد»” مكاناً يتفوّق على “قم” لدراسة الأدب العربي. وكانت دراسة الأدب العربي لمدة 4 سنوات بمثابة المرحلة الأولى فحسب للدراسة في الحوزة الدينية في ذلك الوقت. وحيث أن “خُراسان” كانت تاريخياً مركز الباطنية والأدب الفارسي، ومحلّ ولادة الرومي والفردوسي، فإن الأدب كان يُعتَبَر موضوعاً جدّياً في حوزة “«مشهد»”. وفي القرن العشرين، درس عدد بارز من أساتذة الأدب الإيراني في هذه الحوزة.
في التراتبية الدينية، فإن القضاة يدرسون الشريعة لعدة سنوات ويصبحون مؤهلين لإصدار فتاوى. أما “الوعّاظ” الذين لا يملكون معرفة وافية بالفقه الإسلامي سوى أنهم على معرفة معقولة بتاريخ الإسلام وبالحديث النبوي للقيام بعمل دعوي، فإنهم يكونون عادةً ماهرين في الخطابة وفي الأدب الفارسي. وهنالك نوع ثالث من رجال الدين عدا القضاة والوعّاظ. وهؤلاء يُسمّيهم المؤمنون عادةً “مُقَدَّسين“. ويتمتع هؤلاء بالجاذبية، وبالإحترام، والنفوذ. ولكن كلمة “مقدَّسين” يمكن أن تُستخدم كذلك بمعنى سلبي، للإشارة إلى علماء لم يدرسوا جيّداً ولا يملكون القدرة على الوعظ، سوى أنهم بارعون في التظاهر بالورع البالغ وبتلبية المطالب الروحية للمؤمنين.
إن “المقدّسين“، الذين يزعمون أحياناً معرفة العلوم السرّية، يحظون بالشهرة عادةً بعد القيام بـ”خوارق” صغرى، أو بفضل “الإستخارة” (أو فتح البخت) بواسطة الكتب، أو طرائق مشابهة. وغالباً ما يتجنّب “المقدّسون” الظهور العلني ويسعون لتجنّب الجمهور. وهذا ما يميّزهم عن الناس العاديين. ويملك كل واحد من “المقدّسين” حلقة “خواص” يقتصر إختلاطه بالناس عليها. وقد درج الناس على وصف حوزة “«مشهد»” بأنها حوزة خاضعة لنفوذ “المقدّسين”. بل إن قضاة “«مشهد»” يتأثرون بهم أو يخضعون لهم. وفي مثل هذا المناخ، نجح بعض “المقدّسين” في خلق إطار مفهومي للمنحى الشعبي الذين يعتمدونه إزاء النصوص الدينية وذلك تحت عنوان “مكتبي تفكيك”، أي مدرسة التفكيك.
المتطرّفــــــــون الذين تعــود جذورهــــــــــــم إلى “مشهد”:
التفكيكيــــون، و”الحجّتيــــــــة”، و”الولايتيـــــــــون”
لعبت “«مشهد»” دوراً مهماً في نشوء عدة جماعات من المتطرّفين الدينيين. وكانت ثلاثة من هذه الجماعات مهمة في إيران الثورة: التفكيكيون، وأعضاء جمعية “الحُجّتية”، و”الولايتيون”.
التفكيكيون: اكتشف المسلمون الفلسفة وعلوم الإغريق الأخرى في فترة مبكرة من التاريخ الإسلامي. وسعى كثير من الفقهاء المسلمين لفهم التعاليم الإسلامية في إطار فلسفي وعقلاني، في حين عارض سواهم إستخدام المنطق والمنحى التأويلي للنصوص المقدّسة. وظل النزاع بين المنحى العقلاني والمنحى الديني أحد العناصر الأساسية في تطوّر الفكر الإسلامي طوال تاريخه.
في سنوات العشرينات من القرن الماضي، كان “ميرزا مهدي غرافي إصفهاني” (توفي في 1946) رجل دين هاجر من النجف إلى “«مشهد»” وأسّس مدرسة جديدة للفقه أطلقت عليها لاحقاً تسمية “مدرسة التفكيك”. وزعم “إصفهاني” أنه في فترة “الغيبة الكبرى” للإمام الثاني عشر فإن بعض الناس يُمكن أن يُحظى بشرف زيارته. وكان تلامذة “إصفهاني” يعتقدون أنه شخصياً التقى الإمام الغائب وأن الإمام الغائب كان موافقاً على آرائه الفقهية. وكان “إصفهاني” يشدّد على أن الفلسفة والمنطق علمان أجنبيّان، وبالتالي أنهما غير إسلاميين. وبالنسبة له، كان منطق الناس الذين يستندون إلى النصوص الدينية متعارضاً بصورة أساسية مع منطق الإغريق، الذي يستند إلى الفلسفة وإلى العلم الإنساني. وقد رفض صراحةً مبدأ السببيّة والمنطق اليوناني. وبالنسبة له، فالقياس المنطقي لا يقود العقل البشري إلى الإستنتاج السليم لأن العقل البشري غير قادر على فهم السبب والنتيجة بدون توجيه إلهي. وكان يعتقد أن القياس المنطقي الذي يؤدي للبرهان هو عمل من أعمال إبليس. وأن المنطق البشري عاجز عن معرفة العالم بدون توجيه ربّاني. وقد أورد في كتابيه الرئيسيين، وهما “أبواب الهُدى” و”مصباح الهُدى”، أنه عبر البحث الشامل والدقيق توصّل إلى “حقائق إسلامية صرفة”. لقد كان المُناخ الثقافي والديني في “«مشهد»” خاضعاً بقوّة لتأثير المنحى المناوئ للعقلانية والمناوئ للفلسفة الذي اتّسم به “التفكيكيّون”. وفي فترة “إصفهاني”، كان معظم رجال الدين في “مشهد” يعتبرون الفلسفة “موضوعاً غير إسلامي ومنفصلاً عن الإسلام”. وقام “إصفهاني” بتدريب طلاب عديدين، بينهم “الشيخ مجتبى قزويني”، و”الشيخ هاشم قزويني”، و”زين العابدين تونكابوني”، و”ميرزا جواد أقا طهراني”، و”الشيخ محمود حلبي”، و”حسن علي مورفاريد”، و”الشيخ عبدالله إمامي طورباري”، الذين كانوا جميعاً يحظون بشهرة وتقدير كبيرين في “خراسان”، أي في المقاطعة الإيرانية التي تمثّل “«مشهد»” عاصمتها.
بين هؤلاء الطلاب، برز الإخوة “حكيمي”، وهم محمد وعلي ومحمد رضا، واكتسبوا شعبية خارج الحوزة بسبب اطلاعهم الواسع على الأدب العربي والأدب الفارسي، وأسلوبهم الكتابي المميّز، الذين كان شيئاً جديداً في مجال نشر الفكر الإسلامي. ونشر محمد حكيمي في العام 1971 كتاب “في ساحل الفجر”، الذي كان له أثر هائل في نشر التيّار الشيعي المهدوي قبل الثورة. وظلّت عائلة حكيمي مؤثّرة في الثقافة الدينية وفي السياسة بعد الثورة عبر العديد من الكتب والمقالات حول الإسلام، والعدالة الإجتماعية، والمهدوية. إن “حسن رحيم بور أزقادي”، وهو رجل دين أصولي متشدّد وزوجة إبنة محمد حكيمي، هو المستشار الثقافي غير الرسمي، ولكن النافذ، للقائد الأعلى خامنئي، كما أنه ناقد مفوّه للحداثة في إيران.
كان “علي شريعتي” بين الذين تأثّروا كثيراً بـ”التفكيكيين”. وقد كشف محمد رضا حكيمي العلاقة بين المنحى المناوئ للفلسفة لدى تفكيكيّي «مشهد»، وبين «مشهد»، وشريعتي، الذي كان أحد الإيديولوجيين البارزين في ثورة 1979. (في الهامش، يذكر مهدي خلجي أن شريعتي تعرّض لضغوط “لكي يعطي صلاحيات كاملة لمحمد تقي جعفري ومحمد رضا حكيمي لانتقاد كتاباته وتصحيحها وفقاً لوجهة نظر “مطهّري”. ولكن شريعتي أعطى هذه الصلاحيات لحكيمي وحده”.) وكان شريعتي مسحوراً بالعلوم السرّية. وأثناء عمله كأستاذ في جامعة «مشهد»، وخصوصاً بين 1967 و1968، “راجت أقاويل بأنه “وسيط” روحي يمارس طقوساً سحرية”، وقال شريعتي مراراً لطلابه وأصدقائه أنه قادر على استحضار الأرواح.
جدير بالذكر أن آية الله خامنئي، مرشد إيران الحالد، كان صديقاً حميماً لشريعتي وتأثّر به كثيراً. وقد ابتدأت صداقتهما حينما شاركا في حلقة شعر ف يجامعة «مشهد» في 1957 و1958. واستمرت الصداقة بينهما حتى وفاة شريعتي. وحتى بعد الثورة، امتدح خامنئي شريعتي في حين كان معظم العلماء يكرهونه ويندّدون به كـ”زنديق”.
جمعيــــــــــــة الحجّتيـــــــــــــة: ولّد المناخ المديني في “«مشهد»” حلقات وجمعيات عدة كرّست نفسها للدفاع عن الإسلام “الحقيقي”. وكان بينها “جمعية الحُجّتية” (“أنجومان حجّتية”) التي نجحت بسرعة في الحصول على رضى ودعم الملات والشاه. وتأسّست “الجمعية الخيرية الحجتية المهدوية” في أعقاب إنقلاب 1953 على يد الشيخ الواسع الشعبية محمود ذاكرزاده تولّي” الذي كان معروفاً كذلك بإسم “محمود حلبي” (1900-1998). وكان “حلبي” تلميداً مباشراً لـ”ميرزا مهدي إصفهاني”، مؤسس مدرسة التفكيك.
كانت المهمة العلنية لجمعية الحجّتية هي مواجهة “الخطر البهائي” وامتداده. فحسب تعاليمها، تعتبر البهائية أنها حلّت محل الإسلام حينما ظهر “المهدي”. وبناءً عليه، سعت “الحجتية” للدفاع عن الإسلام الشيعي بالتشديد على مفهوم “الإمام الغائب” وبالإصرار على أنه ما يزال حيّاً وأنه ينتظر أمر الله للظهور.
ويقول “محمود صدري”، وهو عضو سابق في جمعية الحجّتية، أنه “بين مطلع الخمسينات ومطلع السبعينات، تولّت جمعية الحجّتية التدريب الإيديولوجي لعدد كبير ممن أصبحوا نخبة الجمهورية الإسلامية”. وحسب صدري، كانت هذه الجمعية الشيعية “تقلّد بعض الممارسات الغريبة في البهائبة مثل إضفاء السرّية على أسماء مسؤوليها وعلى كتاباتها الأصلية، ومثل إستخدام وسائل الإتصالات الحديثة بدون تحفّظ”.
وكانت النظرية السياسية للحجّتية هي نفس النظرية الشيعية التقليدية، التي تعتبر بالحكومة غير الدينية وتحظر أي مسعى للإطاحة بها. وفي خطابٍ علني، قال حلبي: “الحكومة الإسلامية فكرة جيّدة، ولكن أولاً علينا أن نجد قائداً معصوماً قادراً على قيادة المجتمع إستناداً إلى معصوميته. إن دماء الناس، وأملاكهم، وشرفهم، ونساءهم، لا يمكن أن تُسلَّم إلى رجل يمكن أن يخطئ أو يمكن أن يتّبع غرائزه. إنها ينبغي أن تُسلّم إلى الإمام المعصوم”.
وبسبب إنقلاب 1953، كان حلبي حذراً للغاية في التورّط بأي نشاط سياسي وحريصاً على إبعاد جمعيته عن أي نوع من الكفاحية السياسية. وكان أحد مبادئ جمعيته أن “الجمعية لن تتدخّل في الشؤون السياسية بأي شكل من الأشكال. كما أنها لن تتحمّل أية مسؤولية عن نشاطات سياسية يقوم بها الأشخاص المشاركون بها”.
تنتمي وجهة نظر حلبي حول الإمام الغائب إلى المفهوم الشيعي التقليدي الذي ينصّ على أن الواجب الوحيد للمؤمن الشيعي هو الإنتظار والصلاة للإمام الغائب. تبعاً لذلك، أي مسعى لإقامة حكومة دينية يُعتبر غير مشروع دينياً. وذلك هو تفسير أن “الحجّتية” كجمعية لم تُشارك في الثورة، وأن سلبيّتها اعتبرت بمثابة تعاون مع الشاه ، وهذا عدا عدائها للخميني.
وفقاً لإحدى نشرات “الحجّتية”، فإن مسؤولية الشيعة خلال فترة الغيبة هي أن يعرفون أن:
1- على المؤمنين أن ينتظروا الإمام المعصوم.
2- على المؤمنين أن يقلّدوا مرجعاً دينياً.
3- على المؤمنين أن يحزنوا لغياب الإمام.
4- على المؤمنين أن يصلّوا للتعجيل بعودة الإمام.
5- على المؤمنين أن يبكوا على انفصالهم عن الإمام.
6- على المؤمنين أن يخضعوا لإرادة الإمام، فهو وحده يعلم الزمن الأفضل لعودته.
7- على المؤمنين أن يدفعوا الزكاة لصحّة الإمام ورفاهه.
إن الجديد في “الحجّتية” لم يكن إيديولوجيتها، وإنما بنيتها الحديثة والمدنية. فقبل “الحجّتية”، كانت كل الجمعيات الدينية إما مؤلّفة من رجال دين أو عبارة عن جمعيات دينية، أي “هيئات“. (جاء في الهامش أن “الهيئة” هي جمعية تقليدية تضم متطوعين من الناس العاديين الذي تربطهم صلات معقدة بالمراجع الدينية. وهي يمكن أن تكون “هيئة محلّة” أو “هيئة مهنيّة” (“هيئة صنف”). ومنذ العهد الصفوي، كانت “الهيئات” أحد أهم المؤسسات الإجتماعية-السياسية في إيران. وإبان الثورة وبعدها، كانت “الهيئات” أدوات مهمة للتعبئة الجماهيرية. وتستند الهيئة إلى ثقافة شفهية وغير مكتوبة وإلى تراتبية تقليدية لا تتّبع مبادئ الحزب أو التنظيم الحديث).
ويقول “عماد باقي”، وهو أحد مؤرّخي “الحجّتية”، أن خطابها تغيّر بتأثير الثورة. وفي حين كان مفهوم الثورة غائباً عن دعوة “الحجّتية” لأسباب مبدئية، فقد سعى كتابان أصدرتهما “الحجّتية”، بعنوان “السفير الأخير للثورة”، و”الإنتظار وبذور الثورة”، لإثبات أن “المهدي” كان قائداً ثورياً. لكن “الحجّتية” كانت تتميز عن دعاة الثورة في أن أعضاءها قبل الثورة كانوا يؤمنون بأن على “المنتَظِر” أن يمارس “التقيّة” وأن يظل متأهّباً للقتال عند عودة المهدي.
عارض الخميني “الحجّتية” أثناء الثورة لأنها امتنعت عن دعم الحكم الإسلامي، مع أنه دعمها مالياً في صراعها مع البهائبة عبر تخصيص الزكاة لها. (يضيف المؤلّف في الهامش أنه “بعد خطاب ناري، ألقاه الخميني في 12 أغسطس 1983، ولم يذكر فيه “الحجّتية” بالإسم ولكنه انتقدها بعنف، أصدرت الجمعية بياناً أعلينت فيه حلّ نفسها. وكشفت “الحجّتية” في البيان المذكور أنه، قبل الثورة، كان الخميني قد أصدر ترخيصاً باستخدام الزكاة لتحقيق أهداف “الحجّتية”).
وعشية الثورة، ترك “الحجّتية” أعضاء كثيرون وانضموا إلى الخميني وثورته. إن شخصيات مثل “علي أكبر ولايتي“، وهو وزير خارجية سابق ومستشار ديبلوماسي حالي لخامنئي؛ و”كمال خرّازي“، وزير الخارجية السابق؛ ووزير التعليم السابق “علي أكبار بارفاريش“؛ ورئيس البرلمان الحالي “غلام علي حدّاد“؛ ووزير الدفاع السابق “مصطفى شمران“؛ والعضو السابق في “لجنة الثورة الثقافية”، “عبد الكريم سوروش” (الذي تحول إلى فقيه حداثي وناقد للنظام) أصبحوا من الشخصيات المفضّلة لدى الخميني وتبوّأوا مراكز في الحكومة. ولم يُحظ العديد من أعضاء “الحجّتية” بثقة الخميني سوى بعد أن أثبتوا صراحةً إبتعادهم عنها. (يذكر “عبد الكريم سوروش” في مقابلة صحفية أن العديد من أعضاء “الحجّتية”، وبينهم “مهدي أبريشمشي و”جلال غانجيئي” تركوا “الحجّتية” وانضمّوا إلى منظّمة “مجاهدي خلق“).
بعد الثورة، أقام الخميني علاقة مع التائبين من أعضاء “الحجّتية” الذين باتوا معروفين بصفة الجناح المحافظ في النظام. ومع ذلك، ظلّ الخميني على قناعته بأن إيديولوجية “الحجّتية” كانت مناوئة للثورة. وفي العام 1983، وضعت جمعية “الحجّتية” حدّاً نهائياً لنشاطاتها بعد خطاب الخميني ضدّها. وألمح الخميني ضمناً في خطابه إلى أن إعتقاد “الحجّتية” بتسريع عودة الإمام سيؤدي إلى نشر الفساد في البلاد. وقال الخميني في خطابه: “لا تتحرّكوا ضد هذه الموجة الثورية، وإلا فإن أيديكم وأرجلكم ستُكسر”. وكان الخميني يعتقد أن “الحجّتية” كانت تقف وراء الإنتقادات الصادرة عن جماعات دينية. وبعد خطاب الخميني مباشرةً، قام علي خامنئي، رئيس جمهورية إيران في ذلك الحين، بتقسيم “الحجّتية” إلى إتجاهين سياسيين: “إعتقادي أن هنالك داخل “الحجّتية” عناصر ثورية، ومؤمنون، وأنصار مخلصون للثورة، ومؤمنون بالإمام (الخميني) وبولاية الفقيه وبخدمة البلاد والجمهورية الإسلامية. كما يوجد بين أعضائها عناصر من المتشائمين، والهراطقة، وغير المؤمنين، الذين يكثرون من التذمّر والإعتراض. وبناءً عليه، وبمعايير الفكر السياسي والدينامية الثورية، فهنالك طيف واسع ضمن الجمعية وهي لا تنحصر في دائرة ضيّقة”. وفي سنته الأخيرة، وفي رسالة علنية، وصف الخميني أعضاء “الحجّتية” بأنهم أغبياء وأنهم “مقدّسون مزعومون” يؤمنون بفصل الدين عن السياسة، وأنهم كانوا قد حظروا الكفاح ضد الشاه ومع ذلك باتوا ينتقدون الجمهورية الإسلامية بذريعة عدم إحترامها للشريعة الإسلامية.
في السنوات الأخيرة، أشارت تقارير صادرة عن وزارة الإستخبارات أو عن مصادر مقرّبة منها إلى أن “سيّد حسن إفتخارزاده“، الذي كان تلميذاً للشيخ محمود حلبي، أعاد إحياء “الحجّتية” وقام بتنشيطها. ويُقال أن هذه الجمعية تعارض إيديولوجية الجمهورية الإسلامية وأنها ما تزال تؤمن بفصل السياسة عن الدين. وتنشر هذه الجمعية كرّاسات غير مرخّصة لنشرة فكرة “الإمامة” ولمواجهة “السنّة”. وقد أعلنت وزارة الإستخبارات أن بعض أعضائها اعتقلوا وأن آخرين قيد المراقبة.
الولايتيّيــــــــــــــــــــــن: كان هنالك بين شيعة إيران تيّار ذو جذور تاريخية عميقة يسمّى “الولايتيّين”، أي أنصار سلطة الإمام ونظرية الولاية. ولكن، عملياً، “الولايتيّون” هو إسم آخر للمتطرّفين الشيعة الذي يؤمنون بأن الإمام كائن مقدّس “فوق بشري” يملك معرفة غير محدودة ويملك سلطة مطلقة على الكون. وضمّت هذه الحركة مجموعة من “الوعّاظ” الخفيفي الوزن، وبينهم “الشيخ أحمد كافي”، وهو “واعظ” مشهور في طهران تعود أصوله إلى «مشهد»، وعدد من أساتذة حوزة «مشهد». وكان هؤلاء “الوعّاظ” والمدرّسون يملكون قاعدة إجتماعية قوية جداً تفوق أحياناً القاعدة الإجتماعية التي يملكها كبار رجال الدين، كما كان شعبيتهم واسعة في أوساط الشيعة غير المثقفين الذين يتردّدون على المساجد. وهذا التيار حسّاس جداً إزاء مبدأ الإمامة ويعتبره الجوهر الحقيقي لوحدة الله. وبناءً عليه، يعتبر معظم “الولايتيّين” أن “السنّة” ليسوا مسلمين. وتقليدياً يعتبر هؤلاء ضمن رجال الذين الذين يعارضون التأويل العقلاني للنصوص المقدسة والذين يتمسّكون بالتفسير التقليدي.
كانت إيديولوجية “الولايتيّين” شبيهة جداً بإيديولوجية “الحجّتية”. وكانت الجماعتان تعتقدان أن إقامة أي حكم إسلامي قبل عودة “الإمام الغائب” أمر محظور دينياً، وأن على كل عابد أن ينتظر عودته بالصلاة وبمكافحة الإيديولوجيات الأخرى مثل “البهائية” و”السنّة” وخصوصاً “الوهّابية“. بعكس “الحجّتية” التي كان معظم أعضائها من غير رجال الدين، ضمّ “الولايتيون” رجال دين بالدرجة الأولى. ولهذا السبب، اعتبر “الولايتيون” أنفسهم أرقى من “الحجّتية” التي كان يشرف عليها “حلبي”، وهو شيخ من رتبة منخفضة.
كان أحد الفوارق الرئيسية بين “الولايتيين” و”الحجّتية” في فترة ما قبل الثورة الإسلامية هو طريقة التنظيم. في حين تبنّت جمعية “الحجّتية” فكرة تنظيمية حديثة ودقيقة، وكانت تملك مخططاً لاستقطاب طلاباً من الطبقات الوسطى في المدارس والجامعات، كان “للولايتيون” بنية تنظيمية أكثر تقليدية، وكانوا يحظون بدعم الحرفيين والعمال. وكانت منظمات “الولايتيين” شبيهة بـ”الهيئات” التي أشرنا إليها سابقاً.
الحلقة 2:
المهدوية التراثية وقبل الثورة الإسلامية
الحلقة1:
سياسات “آخر الزمان” في إيران: ملخّص تنفيذي
**
حول “مشهد” أيضاً:
بيار عقل: من فجّر ضريح الإمامين في سامرّاء؟
“رمزي يوسف” فجّر ضريح الإمام الرضا في “مشهد” في يونيو 1994
ومصادر هندية كشفت في العام 2004 أن الزرقاوي كان أحد المنفّذين
“سياسات آخر الزمان” في إيران (3): “مشهد” ومتطرّفوها
المشكلة ليست بالصنم النووري الذي تعمل ايران ليلا نهارا على امتلاكه والذي سيلعب دور لبهر المغفلين والحمقاء وانما باسلحة الدمار الشامل الا وهي المليشيات الطائفية الارهابية القذرة التي تصدرها وتدعمها ايران منذ 35 عاما للجوار وللانسانية كفيروسات باسم الدين لاستعمار فارسي وهذه المليشيات لعبت دورا اسياسيا في تدمير العراق ومساعدت الاستعمار الامركي في تفسيخ العراق وقتل اكثر من مليون عرقي بريء وتهجير اكثر من 4 مليون. نعم التاريخ سيكتب كما كتب تاريخ الصفويون ولكن السؤال لماذا الانسانية سمحت بتكرار التاريخ المدمر؟الا يوجد من يردع من يدمر ويصنع الحروب؟
“مشهد” ومتطرّفوهاالطريق الى استعمار جديد . لقد نجحوا الإيرانيين ومن قبل دلك الفرس , زراطوستا , في عدم التفريط بمكانتهم عبر التاريخ أبدا, بإيديولوجيتهم القومية الخاصة في الوقت الذي العرب لم ولن تكون لهم إيديولوجية خاصة , هم تبعية. الإيرانيين بالعكس هم بعد ظهور الديانة الإسلامية يخطف النشاط الثقافي والفكري والديني الإسلامي إلى إيران , اليوم هم ذات نظرية , فلسفة إسلامية أكثر من العرب رغم إمكانيات العرب المادية, العدد البشري , والمساحة الجغرافية الواسعة , وسيطرتهم على مواقع استراتيجبة هامة, نظل بلا هوية محددة , بلا سياسة محددة, بلا إيديولوجية خاصة , تارة إلى الغرب نولي قبلتنا وتارة أخرى… قراءة المزيد ..