بعد عمليات القصف الإسرائيلي على سـوريا، ينبغي أن ينطلق أي تحليل للوضع من التأكيد على المعطيين الوحيدين اللذين ليس من الممكن الخطأ بشأنهما. الأول هو أنه من بين كل الأطراف الفاعلة المنخرطة في المنطقة، فإن الأكثر بعداُ عن المسؤولية، والأكثر بعداً عن العقلانية، والأكثر خطورة، أكثر حتى من النظام السوري أو القاعدة، هو إسرائيل من غير شك.
الثاني هو أنه، بصرف النظر عن درجة التواطؤ والتنسيق بين البلدين وفيما وراء المنطق الضيق للمصالح الأمريكية، فإن المسؤولية غير المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية عن هجمات الأسبوع الماضي لا يمكن إنكارها. وسواء أكانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة متناقضة أو لم تكن، فإن التبجحات القاتلة لإسرائيل ما زالت تجد في واشنطن دعماً عاماً غير مشروط.
ميزة إسرائيل، في كل الأحوال، هي أنها لا تخادع حول أسباب أعمالها الوحشية. لا تقصف أبداً لأسباب إنسانية، أو دفاعاً عن الديموقراطية أو دفعاً لتقدم البشرية. تقول الحقيقة دائماً. رغم عدم تبنيها رسمياً، فإن الهجمات على سـوريا أُرجِعت من قبَل الحكومة إلى غرض الدولة الإسرائيلية في منع تزويد حزب الله في لبنان بأسلحة جديدة وقوية. نصر الله نفسه (الأمين العام لحزب الله)، في مداخلته في الثامن من آذار| مارس، أكد الهدف، مُطَمْئناً في الوقت نفسه بأن هذه الأسلحة -التي ما فتئت تصل من إيران عبر سـوريا- سوف تنتهي عاجلاُ أو آجلاً بين يدي حزب الله. بالنسبة للأخرين، فإن ردود الفعل الفاترة من قبل المعنيين بالتحدي، بما فيه الرد الروسي، تترك شكوكاً قليلة، إن لم تكن حول النوايا الإسرائيلية، فبالتأكيد حول إرادة الرد من سـوريا وحلفائها، الذين قبلوا “الرسالة السرية” الموجهة من نتنياهو إلى بشار الأسـد والهادفة إلى طمأنة “المحور الشيعي” حول مدى هذه العمليات. إن الوعد بالرد الفوري في المرة القادمة -وهن كثيرات- والدعوة إلى الجهاد لتحرير مرتفعات الجولان يبدو رد فعل ذا سوية منخفضة جداً، لائقاً بالخدم تقريباً، بالنسبة إلى من يُدعى بطل “المقاومة”.
إسرائيل حذرة في سـوريا:
بالفعل، أظهرت إسرائيل منذ البداية حذراً كبيراً في سوريا. هي القلقة بسبب الاضطرابات الشعبية في المنطقة، تعلم جيداً أن أي بديل للسلالة الأسدية يعرض للخطر الوضع الراهن المُطَمئِن خلال العقود الأخيرة. ليسوا التروتسكيين المُختلِّين أو المتمردين المشبوهين هم من يؤكد الأمر على هذا النحو. افراييم هاليفي، المدير السابق للموساد ولمجلس الأمن القومي الاسرائيلي، هو من يعبر عن ذلك بكل بساطة في مقالة حديثة عنوانها شديد البلاغة: “رجل إسرائيل في دمشق”.
ذلك الرجل هو بشار الأسـد، أفضل عدو ممكن، الذي كان يمكن تمديد المفاوضات معه حول الجولان إلى أجل غير محدد وهو من يحافظ على الحدود آمنة. من بين التهديدين الأكثر إخافة لإسرائيل بعد بداية الثورة في سوريا، فإن الأكثر خطورة يبدو ولسوء الحظ مستبعداً: ديموقراطية ذات سيادة. بقدر ما تقلص هذا إلى درجة كبيرة، كان الخطر الآخر، في المقابل، يبدو حاضراً بشكل متزايد: خطر الجهادية -السنية والشيعية- اللتين تشتركان فقط في رفضهما العميق لـ “الهوية الصهيونية”. تخشى إسرائيل كثيراً هذه الفوضى الجياشة للسلاح بدون سيطرة ومن القوى المعادية.
كل ذلك يبدو أنه يشير، بالفعل، إلى أن هجماتها، أكثر من كونها سعياً للتدخل في الحرب الأهلية السورية، اقتصرت على اغتنام الفرصة، عالمةً بأنه لن يكون هناك رد (أو أنها ستستفز رداً يفتح اللعبة باتجاه الغنيمة الأشهى: البرنامج النووي الإيراني). لكن من الواضح –ولا شك في أنها كانت تشكل جزأ من حساباتها- أن هذه الهجمات لها تداعياتها على الرقعة الجيواستراتيجية الهشة للمنطقة:
-الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة على عقد مؤتمر حول سـوريا في أواخر آيار| مايو يحيي إعلان جنيف من أجل الشروع فوراً في مفاوضات بين النظام والمعارضة بدون شروط مسبقة. يتعلق الأمر، من غير شك، بانتصار كبير لروسيا على الولايات المتحدة يسميه عبد الباري عطوان، رئيس تحرير “القدس العربي”، بهذه الطريقة: “من الخطوط الحمر إلى الراية البيضاء”.
-الإعلان عن تزويد جديد بصواريخ اس 300 لبشار الأسـد من قبل روسيا، التي يمكنها، بعد الهجوم الإسرائيلي، ادعاء وجود “احتياجات للدفاع الجوي”.
-اتفاق تكتيكي بين كل الأطراف الخارجية الفاعلة على أن العدو المشترك هو جبهة النصرة “المرتبطة” بالقاعدة.
-التعزيز الواضح والمتناقض للنظام السوري، الذي رأى شرعيته تتنامى والذي يشعر اليوم بأمان أكبر. الديكتاتورية السورية، “التي تنحني أمام العدو وتستجمع شجاعتها أمام شعبها” كما قال إلياس خوري، تلقت تربيتة مطمئنة من عدوها الإسرائيلي. القصف الإسرائيلي ينسي القصف المتواصل للنظام على شعبه.
-الصعوبات التي تلاقيها، على النقيض من ذلك، المعارضة المسلحة والسياسية. التصريحات القوية للجيش السوري الحر، ومن اليسار المناوىء للنظام أو من هيئة التنسيق للتغيير الديموقراطي لم تحل دون تجريم المعارضين “كمتواطئين” مع الاعتداء. ثمة قطاع في المعسكر العربي والأوروبي المناهض للامبريالية ساهم في هذا التجريم، مفاقماً انقساماً يلائم فقط دولة إسرائيل.
في سياق شديد التقلب، مخترق بكثير من المصالح غير المشروعة ومسكون بكثير من المجانين والقتلة، لا يمكن استبعاد أي شيء. لكن لا يبدو أن إسرائيل، بشكل مباشر على الأقل، سوف تلعب دوراً مهماً -باستثناء كونها منتفعاً سلبياً- في المحنة السورية، التي يجب ألا يجعلنا تعقيدها المؤلم ننسى، على أي حال، آلاف الرجال والنساء المعذَّبين والمقتولين جرَّاء تطلعهم إلى الكرامة والعدالة والديموقراطية.
مذبحة بانياس:
الهجمات الإسرائيلة غطّت على مذابح مدينة بانياس في الرابع من أيار| مايو، حيث عائلات بأكملها، بما فيها العديد من الأطفال، قُتلت بوحشية على أيدي القوات الموالية للنظام، في ما يبدو أنه عملية متعمدة لـ “التطهير العرقي” تهدف إلى تشريد السُنَّة بعيداً عن الشريط الساحلي وتغذية البعد الطائفي للنزاع.
أمر مرعب أن نقرأ في “الحياة” تلك المقالة التي يجمع فيها وائل السواح بألمٍ بعض التعليقات المؤيدة للمذابح: “أتمنى مدفعية الجيش تقتل الطفل الصغير قبل الكبير… في قرية البيضا… مو مشان شي… بس مشان نشيلون من وش (وجه) ولادنا بكرا”. هذا الجو من الاستثارة “الطائفية” يفاقم من صعوبة الحل التفاوضي و، بالطبع، انتصار الثورة الأصلية، التي طُوِّقت وتوارت تقريباً في العنف المسلح.
“الخطوط الحمر” الشهيرة التي أعلنها أوباما والموجهة بالأحرى لإعطاء صك على بياض بالقصف والمذابح تحضر اليوم بعد تصريحات كارلا ديل بونتي، عضو لجنة الأمم المتحدة المكلفة بالتحقيق، بمعنى وجود أدلة على استعمالها من قِبَل “المتمردين”. كارلا ديل بونتي، الرئيسة السابقة، المثيرة للجدل، لمكتب الادعاء في محكمة لاهاي ليوغسلافيا السابقة، تم تكذيبها من قبل اللجنة نفسها، الأمر الذي يؤكد عدم العثور على أي دليل اتهامي في أي اتجاه. هذه الرسالة تبدو مناسبة بشكل جيد لاستراتيجية الولايات المتحدة القائمة على الجمع بين التصريحات البلاغية و”احترام الشرعية الدولية”، التي لن تسمح لها بفعل ما لا تريد القيام به حقيقةً: التدخل.
ترجمة: الحدرامي الأميني
صحيفة دياغونال الإسبانية
http://www.diagonalperiodico.net/global/siria-e-israel-matrimonio-malavenido.html