اللبنانيون ذهبوا إلى الانتخابات وهم لا يدرون أن بلدهم صار تحت الاحتلال وأن القانون العجيب الغريب المعمول به الذي أقر في العام 2017 والذي جرب في 2018 لا يسمح بأي تغيير.
لا تغيير ولا من يحزنون.
لم تغيّر الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة شيئا. كلّما تغيرت الأمور كلّما بقيت على حالها. هكذا يقول المثل الفرنسي المعروف الذي ينطبق على مجلس النواب الجديد أكثر من أي وقت. لم يحصل التغيير لسببين. أولهما القانون الانتخابي المعمول به، وهو قانون فصّل على قياس “حزب الله”. أما السبب الثاني، فيعود إلى أن السلاح يظلّ أقوى من الانتخابات. لا معنى لأيّ انتخابات في ظلّ سلاح غير شرعي لدى ميليشيا مذهبيّة مرتبطة مباشرة بـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.
مثله مثل المجلس المنبثق عن انتخابات أيّار – مايو 2018، أعاد المجلس الجديد انتخاب نبيه برّي رئيسا له. فعل ذلك هذه المرّة من منطلق مختلف بعدما احتكر “حزب الله” التمثيل الشيعي في البرلمان بإصراره على أن يكون لديه 27 نائبا شيعيا في المجلس من أصل 27.
لم يكن من خيار آخر أمام النوّاب، في حال كان مطلوبا بقاء مجلس النواب مفتوحا، سوى إيصال برّي إلى موقع رئيس مجلس النواب. لكنّ المفارقة أنّ المواطن العادي اكتشف فجأة، بعيدا عن إعادة انتخاب برّي رئيسا لمجلس النواب للمرّة السابعة، أنّ هناك أكثريّة في تصرّف “حزب الله” في المجلس. تضمّ هذه الأكثرية ما لا يقلّ عن 65 نائبا صوتوا لمصلحة عضوين في “التيّار الوطني الحر”، أحدهما صار يشغل موقع نائب رئيس مجلس النوّاب وآخر لأمانة السر في هيئة المجلس. إن دلّ ذلك على شيء، فهو يدلّ على أن لبنان مقبل على مرحلة من الانسداد السياسي على كلّ صعيد. سيقرّر “حزب الله” شكل الحكومة الجديدة وما إذا كان ممكنا تشكيل مثل هذه الحكومة في الظروف الراهنة مع اقتراب موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للثنائي الرئاسي ميشال عون – جبران باسيل.
أخطر ما في الأمر أنّ لا إصلاحات في بلد يسيطر عليه “حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني ولا شيء آخر غير ذلك. بعبارة واحدة، إنّ مجلس النوّاب اللبناني تعبير عن الاحتلال الإيراني للبنان، وهو احتلال تكرّس خطوة خطوة منذ اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2014. استطاع “حزب الله”، ومن خلفه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران، ملء الفراغ الذي نجم عن الانسحاب العسكري والأمني السوري من لبنان. خرج البلد رويدا رويدا من الاحتلال السوري المباشر إلى الاحتلال الإيراني المكشوف الذي برز بوضوح من خلال ما جرى في الجلسة الأولى لمجلس النوّاب الجديد ومن خلال التوازنات الواضحة في داخل المجلس. تبيّن أنّ “حزب الله” لا يمتلك اختراقا مسيحيا فحسب، بل لديه فروع داخل الطائفة السنّية، وهي الطائفة الأكبر في لبنان. وحده الزعيم الدرزي وليد جنبلاط استطاع سد الثغرات التي كان في استطاعة الحزب استخدامها لتحقيق اختراقات درزية. أبقى الطائفة الصغيرة موحدة ومتماسكة في وجه من يسعى لتغيير توجّهاتها الوطنيّة والعربيّة وضرب صمودها.
لم يتغيّر شيء في لبنان. تبيّن أن قوى التغيير التي تتألف من 14 نائبا لا تقدّم ولا تؤخر في غياب أي تنسيق أو تجانس بين أعضائها
بعيدا عن التجاذبات التي شهدتها جلسة انتخاب برّي رئيسا لمجلس النواب، لا مفر من التوقف عند حقيقة بات على اللبنانيين مواجهتها بدل الهرب منها. تتمثّل هذه الحقيقة في أنّ واقع البلد صار مختلفا كلّيا بفضل الجهود التي قام بها “حزب الله” لتغيير طبيعة لبنان والمجتمع اللبناني، على غرار تغييره طبيعة المجتمع الشيعي.عمل من أجل ذلك طويلا قبل انتقاله إلى تحقيق اختراقه المسيحي الكبير مع توقيع وثيقة مار مخايل بين حسن نصرالله وميشال عون في السادس من شباط – فبراير من العام 2006.
ليس صدفة أن يكون الحزب اختار في العام 2016 أن يكون عون رئيسا للجمهورية وأن يكون باسيل، صهر الرئيس، الشخصيّة الأهمّ في قصر بعبدا. طبّق الحزب، مسيحيا، وبشكل حرفي المعادلة التي فرضها في البلد، الذي لا يهمّه ما يحلّ بأهله والمسيحيين فيه تحديدا. إنّها معادلة “السلاح يحمي الفساد”. هذا ما يفسّر ما آل إليه لبنان في السنة 2022. لبنان في حال إفلاس على كلّ صعيد في غياب أي مشروع يمكن أن يعيد إليه الحياة. نجح “حزب الله” بقطع الطريق على أيّ أمل بإعادة الحياة إلى لبنان.
أسوأ ما في الأمر أنّ إيران صارت من يقرّر من سيكون رئيس الجمهوريّة المقبل، هذا في حال قررت أن يكون هناك شخص ما في قصر بعبدا يلعب الدور المطلوب منه لعبه، كما حصل مع الثنائي عون – باسيل.
ذهب اللبنانيون إلى الانتخابات وهم لا يدرون أن بلدهم صار تحت الاحتلال وأن القانون العجيب الغريب المعمول به الذي أقرّ في العام 2017 والذي جرّب في 2018، لا يسمح بأيّ تغيير. يسمح بنوع من الانتخابات لدى المسيحيين والسنّة والدروز لكنه ممنوع أن تكون هناك انتخابات في المناطق الشيعيّة.
لم يتغيّر شيء في لبنان. تبيّن أن قوى التغيير التي تتألف من 14 نائبا لا تقدّم ولا تؤخر في غياب أي تنسيق أو تجانس بين أعضائها. تبين، إلى أن يثبت العكس، أنّها مجرد ديكور (أدوات زينة) في مجلس للنواب يتحكّم به “حزب الله”.
من لديه اعتراض على هذا الكلام، يستطيع أن يسأل نفسه هل يمكن للمجلس الجديد المساهمة في إجراء أي إصلاح من الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي؟ الجواب لا وألف لا. سيبقى كلّ شيء على حاله في لبنان الذي لم يعد سوى ورقة إيرانيّة تستخدم في المفاوضات التي تجريها “الجمهوريّة الإسلاميّة” مع “الشيطان الأكبر” الأميركي من أجل صفقة تضمن الاعتراف بها بصفة كونها القوة الإقليميّة الأهم في المنطقة.
يبدو هذا الرهان الإيراني على اعتراف أميركي بحق “الجمهوريّة الإسلاميّة” بالهيمنة على المنطقة مستحيلا، مثله مثل الرهان اللبناني على أن الانتخابات كان يمكن أن تحدث تغييرا جذريا في ظلّ قانون وضع على قياس “حزب الله”…