إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
يزعجني في “الكهنوت الإسلامي” (وليس صحيحاً أنه ليس هنالك كهنوت في الإسلام) وفي الإسلام السياسي أن كل متحدّث يبدأ حديثه بعبارة “بسم الله الرحمن الرحيم”! وكأنه يحصّن نفسه ضد النقد والمساءلة! فما يلي البسملة يكون كلام شيخ بعينه، أو كلام سياسي بعينه، أو حتى ترهات “أمير جماعة” بالكاد يعرف عن الإسلام أكثر مما سمعه من مشايخ أكثر منه جهلاً! أو حتى كلام واحد من شيوخ فتاوى القتل، على غرار الشيخ الزنداني مثلاً!
لحسن الحظ أن الكنيسة الكاثوليكية، التي عاشت “إصلاحها” الخاص، لم تعد تعتبر كلامها السياسي والإجتماعي منزلاً كما كانت تفعل في عصور غابرة. وقبل أسابيع قليلة، زار البابا بلده، ألمانيا، فاستقبلته وودّعته موجات من الإحتجاجات والإعتراضات، فلم يتّهم “وسائل الإعلام” بـ”الكذب” كما فعل البطريرك الراعي قبل أسبوع، ولم يتّهم السياسيين الذين انتقدوه بأنه يلهثون وراء “مصالحهم”، ولم يقل أنهم خرجوا عن “الموضوعية”!
وتدرك الكنيسة الكاثوليكية أن إبداءها رأياً في قضايا إجتماعية أو سياسية سيثير حتماً ردوداً مؤيدة ومعارضة. فهذا منطق الأمور في مجتمعات ديمقراطية.
مناسبة هذا الكلام التصريح التالي للمطران سمير مظلوم، وفيه هجوم على “لقاء سيدة الجبل” المزعم عقده، وانتقادات حادة للداعين إليه من موقع يزعم أنه “كَنَسي”!
“هكذا مجتمعات يمكن ان نتوصل الى حياة ديمقراطية حقيقية”!!
لكن، قبل الدخول في الموضوع اللبناني، استلفتتنا عبارة وردت في التصريح تتعلق بمصر: “”تركيبة هذا المجتمع مبنية على الفرز والنظرة الأحادية ورفض كل ما لا يدين
بدين الأكثرية”.
ثم “في ظل هكذا مجتمعات، لا يمكن ان نتوصل الى حياة ديمقراطية حقيقية”.
وليسمح لنا المطران الماروني أن نختلف معه على هذا التقييم، السطحي، لمصر، وهي أحد أكثر المجتمعات العربية تسامحاً رغم ”الهبّات الطائفية” التي غالباً ما يكون للنظام الحاكم أو للجيران (السعوديين أحياناً كثيرة، وربما الإيرانيين في أحداث القاهرة يوم أمس) دور أساسي في تأجيجها.
لعل المطران لم يلاحظ أن البيئة الجديدة في مصر بعد سقوط مبارك شجّعت الأقباط على التظاهر وعلى المطالبة بحقّهم الطبيعي في بناء كنائس بدون إذن من حاكم أو من سلفي. ولن يتوقّف الأقباط عن هذه المطالبة إلا بعد أن ينتهي ”التمييز” الذميم الذي فرضته عليهم عهود التخلف والإستبداد، بما فيها عهدي السادات ومبارك!
نحن مع حق المواطن القبطي في بناء دور عبادته بمطلق الحرية، مثلما نحن مع حق المواطن السعودي الشيعي في بناء مساجده وحسينياته بدون قيود، ومثلما نحن مع حق السنّي الإيراني في بناء مساجد حتى في.. طهران العاصمة التي لا تضم مسجداً واحداً للسنّة!!
ونحن، أيضاً، مع حق كل مؤمن وكل ملحد في “التبشير” بدينه أو بإلحاده في كل بلدان المنطقة!
من هذه الناحية: ”كلنا في التخلّف والتعصّب سواء”!
وفي جميع الأحوال، يبدو لنا أن المطران مظلوم، الذي يخشى من تغيير في سوريا يطيح بـ”الرئيس الأسد المسكين“ يسحب على مصر تقييمه الشخصي للوضع المصري. بل ويلزم المصريين بأنهم “لا يمكن” أن يتوصلوا إلى “حياة ديمقراطية حقيقية”!!
المطران مظلوم لا يقول أن العرب أو المسلمين “لا يمكن” أن يصيروا ديمقراطيين ولكنه ليس بعيداً جداً عن هذا المنطق الذي تضمره كتابات كتّاب من غير الموارنة (أدونيس، العفيف الأخضر، وكثيرون غيرهم في الشرق والغرب).
ولن نسأل المطران مظلوم إذا كانت المجتمعات “المارونية” الصافية، ونقصد بها مناطق مثل زغرتا وبشري، أكثر “ديمقراطية حقيقية” من مصر! أي أكثر “تسامحاً” مع الأديان وحتى المذاهب الأخرى!
“فئة لا ترى سوى مصالحها السياسية”!
في القسم اللبناني من تصريحه، يقول المطران أن “الداخل اللبناني مقسوم حول كل الأمور، حيث جزء منه مأخوذ باتجاه سياسي معين وهو لا يرى أي شيء خارج هذا التفكير السياسي”!
ويضيف:
”هل لم يعد يحق للبطريرك الماروني أن يعبّر عن رأيه ومخاوفه، لا سيما وأنه يرى ما يجري في المنطقة وأكبر دليل ما حصل في مصر، علماً أن البطريرك…ليس مع أي فريق ضد الآخر”.
ثم: “بكل أسف هناك فئة لا ترى سوى مصالحها السياسية، وهذا أمر خطر”
وأخيراً: ” نتمنى عليهم ألا يدخلوا البطريركية والبطريرك الراعي في الإنقسامات الداخلية، بل النظر الى الأمور نظرة موضوعية، ويعبّروا عن رأيهم من دون التهجّم على الآخرين”!!
نفهم من حديث غبطته أن تيار ١٤ آذار ”لا يرى أي شيء خارج تفكيره السياسي” وأنه ”فئة لا ترى سوى مصالحها السياسية”، وأنه لا ينظر إلى الأمور ”نظرة موضوعية” وأنه لا يعبّر عن رأيه دون “التهجّم على الآخرين”!!
ليسمح لنا المطران مظلوم أن نعتبر هذا التقييم لـ١٤ آذار تقييماً “سياسياً” بحتاً، لا صلة له لا باللاهوت ولا بالإنجيل، ولا حتى بـ”الموضوعية” المزعومة! إنه كلام سياسي بامتياز. وهو كلام “٨ آذاري” بامتياز، كان يمكن أن يصدر عن النائب سليمان فرنجية أو عن الجنرال عون.
وليسمح لنا بتذكيره بأن أحداً من ١٤ آذار لم يتهجّم على البطريرك الراعي، بصورة شخصية، كما فعل الجنرال عون، والنائب سليمان فرنجية، في الماضي القريب و.. الأقل قرباً!
وليسمح لنا بأن لا نصدّق بأن البطريرك الراعي ”ليس مع فريق ضد فريق آخر”. البطريرك الراعي ضد الثورة السورية، ونحن معها. البطريرك الراعي يعتبر ”ربيع العرب” مؤامرة صهيونية أو أميركية. ونحن نعتبرها الثورة ”الأكثر مسيحية” في التاريخ العربي: لأول مرة في تاريخهم يرفع العرب شعار ”سلمية” من المحيط إلى الخليج!
الغريب أن المطران والبطريرك الجديد لم يلاحظا أن شعار “سلمية” هو شعار “مسيحي”!
الخلاف “سياسي” بامتياز، وليس خلافاً دينياً، ولذلك لا يصحّ أن يضفي عليه المطران صفة “دينية” أي ما يقابل زعمَ “بسم الله الرحمن الرحيم” عند الإسلام السياسي!
والسؤال هو: نحن مع ربيع العرب، فهل أنتم معه أم ضده؟ ونحن نعتبر (ولا نزعم أننا “نمثّل” ديناً أو مذهباً أو طائفة) أن دور المسيحي العربي أن يكون “ملح الأرض” المتعطشة للحرية والكرامة والديمقراطية والفردية، وليس “الأقلّوي” الذي ينظر بعين الريبة والشك إلى أهله وجيرانه وهم يواجهون، ببطولة “سلمية”، آلات الموت التي يواجههم بها “بشّار الأسد المسكين”.
نعم، الإسلام بحاجة إلى إصلاح
أخيراً، لا يُخفى علينا، كما لا يُخفى على المطران مظلوم، أن الإسلام بحاجة إلى إصلاح جذري يضاهي ما عرفته المسيحية، وما عرفته اليهودية، قبل أن تتصالح مع عصرها. ولا يخفى علينا أن المسيحية الشرقية عانت، وتعاني، الكثير من إسلام الفقهاء المعادين للإصلاح وللتطوّر، وأمثال بن لادن والزرقاوي و”سلفيي مصر” المناوئين لحقوق الأقباط هم الأبناء الشرعيون لإسلام فقهاء القرون الوسطى.
هذا كله نعرفه، ولهذا كان “الشفاف” دائماً الموقع الأكثر “جذرية” في الدعوة للإصلاح الإسلامي!
السؤال هو: أية بيئة أكثر أهلية للإصلاح الإسلامي: البيئة الديمقراطية التي يعد بها الربيع العربي، أم أنظمة الحديد والنار والعسكر والرقابة على الصحف وعلى الكتب، وعلى المساجد والكنائس، وعلى.. أنفاس البشر وأحلامهم! يكفي أن ينظر المرء إلى الإسلام السنّي “البيروتي” مثلاً ليلمس أثر البيئة الليبرالية في الإصلاح “العملي” للإسلام. (هل صحيح أن الملك عبدالله بن عبد العزيز كان يعتبر “سنّة بيروت” نموذجاً لإصلاح كان يحلم به في السعودية؟)
أين التفاؤل المسيحي، أين الإيمان المسيحي بالتقدّم؟
المسيحية أكثر الأديان تفاؤلاً، على الإطلاق! فلماذا غلب التشاؤم على كنيسة الموارنة (والأرثوذكس أيضاً) في ساعة “النهضة العربية الجديدة”؟
ونضيف أيضاً أن المسيحية أيضاً هي دين “التقدّم”، وليست دين “الجمود” و”الرجعية”. وليسمح لنا المطران الماروني أن نقتطف من نصّ للكاتب الأميركي رودني ستارك، بعنوان [“نِعَم اللاهوت العقلاني: الإيمان المسيحي بالتقدّم”->http://www.metransparent.com/spip.php?page=article&id_article=8387&var_lang=ar&lang=ar
]
قام “الشفاف” بترجمته قبل مدة:
“فرضية التقدّم.. قد تمثّل الفارق الأكثر خطورة في ما بين المسيحية وجميع الأديان الأخرى. فباستثناء اليهودية، فقد نظرت جميع الأديان الأخرى إلى التاريخ إما كدورة تتكرّر إلى ما لانهاية أو كانحدارْ محتّم- هنالك حديث نبوي جاء فيه أن “خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم” (قبل أشهر شكّك الكاتب السعودي الرائع، أحمد بن باز، إبن المفتي الشهير، بصحّة هذا الحديثّ، الذي أدرك مدى خطورته!). بالمقابل، حملت اليهودية والمسيحية تصوّرا “إتجاهياً” للتاريخ يصل إلى ذروته في نهاية الزمان الذي سيملك فيه المسيح على الأرض (Millenium). غير أن الفكرة اليهودية عن التاريخ تشدّد، ليس على التقدّم، بل على المسار، في حين أن فكرة التقدّم ظاهرة تظهر كسمة أساسية للمسيحية.
وكما قال “جون ماكموراي” (John Macmurray)، “إن مجرّد نزوعنا إلى التفكير بالتقدم يظهر مدى تأثير المسيحية فينا”.
سلام إلى الملحدين والمؤمنين، المسلمين والمسيحيين، الذين “نتفاءل” بأنهم يصنعون الربيع العربي و”التقدّم” العربي! فهم “ملح الأرض”!
بيار عقل
*
المطران مظلوم:أي موقف بـ”سيدة الجبل” سينطلق من مواقفهم المنتقدة للراعي
رأى المطران سمير مظلوم أن “ما يجري في مصر بحق المسيحيين يحصل مثله في بلدان أخرى وهو مؤسف جداً”، معتبراً أن “الوجود المسيحي في مصر ليس أقلوياً، بل هناك نحو عشرة ملايين مسيحي”.
وفي حديث الى وكالة “أخبار اليوم”، أبدى المطران مظلوم أسفه الى أن “تركيبة هذا المجتمع مبنية على الفرز والنظرة الأحادية ورفض كل ما لا يدين بدين الأكثرية”.
وأوضح أنه “في ظل هكذا مجتمعات، لا يمكن ان نتوصل الى حياة ديمقراطية حقيقية، علماً أن الأقباط في مصر هم السكان الأصليون منذ أيام الفراعنة حتى اليوم، اما المسلمون فأكثريتهم كانوا من الأقباط وأسلموا”. وسأل: “لماذا التنكّر لحق هذه الفئة من المواطنين بأن تنعم بحقوقها وبحرية الديانة والتعبير عن الايمان”.
وأعرب عن أسفه أن “تكون دولة كبيرة مثل مصر عاجزة عن التوصل الى ضبط الأحداث وتغيير النيات”، مشدداً على أن “العشرة ملايين مسيحي لا يشكلون خطراً على مصر إذا مارسوا دينهم، بل على العكس فالحياة الدينية تقرّبهم اكثر الى محبة المجتمع والبذل في سبيله”.
ورداً عن سؤال حول الرسالة الموجهة الى الداخل الذي رفض كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن خشيته على المسيحيين في الشرق بعدما انتقده البعض على ذلك، بعد ما حصل في مصر أمس، لفت مظلوم الى أن “الداخل اللبناني مقسوم حول كل الأمور، حيث جزء منه مأخوذ باتجاه سياسي معين وهو لا يرى أي شيء خارج هذا التفكير السياسي، وكل فكرة لا تصبّ في هذا الاتجاه اصبحت خاطئة، وهذا ايضاً أمر مؤسف، لأننا في لبنان ندّعي اننا في بلد ديمقراطي ونحترم بعضنا بعضا ونحترم أفكار الآخرين، ولكن هل لم يعد يحق للبطريرك الماروني أن يعبّر عن رأيه ومخاوفه، لا سيما وأنه يرى ما يجري في المنطقة وأكبر دليل ما حصل في مصر، علماً أن البطريرك لا يدعو الى الحرب وليس مع أي فريق ضد الآخر”.
وتابع “بكل أسف هناك فئة لا ترى سوى مصالحها السياسية، وهذا أمر خطر”، مشدداً على ان “البطريرك لا يعمل في السياسة ولا يسير مع هذه الفئة او تلك بل هو يرى الأخطار المحدقة باللبنانيين وبكل المسيحيين في الشرق الأوسط، وهو ينبّه اليها ويرفع الصوت الى الدول التي في يدها مصير هذه المنطقة”.
ورداً عن سؤال حول “لقاء سيدة الجبل”، أجاب المطران مظلوم: “يقولون ان التجمّع ولد منذ سنوات وليس للقاء أي علاقة بمواقف البطريرك، ولكن أي موقف يتخذ الآن سيكون انطلاقاً من مواقفهم المعروفة التي تنتقد رأي البطريرك. وبالتالي يدخلون البطريرك مجدداً في السياسة التي هي بنظرهم أهم من اي شيء آخر”.
وسئل: “هل تدعون القيّمين على لقاء سيدة الجبل الى تأجيل او إلغاء اللقاء او الإبتعاد عن الرّد على البطريرك”، فأجاب “حتى ولو دعوتهم فلن يستجيبوا لدعوتي، ولكن نحن نحترم حرية الرأي، إنما نتمنى عليهم ألا يدخلوا البطريركية والبطريرك الراعي في الإنقسامات الداخلية، بل النظر الى الأمور نظرة موضوعية، ويعبّروا عن رأيهم من دون التهجّم على الآخرين”.
رد على المطران والبطرك: ثورات العرب، وإصلاح الإسلام، ودين التفاؤل والتقدم المسيحي
لايوجد تقدم في الأديان ؛ جميع الاديان – على الاقل مايسمى بالاديان السماوية – رجعية وتنضح من معين ماورائي واحد الا وهو سيطرة وسيادة الدين على الحياة والفرد وتوجيهه الى اله مفترض بواسطة كهنة او شيوخ او احبار وبالتالي تحول اولائك الى قديسين في الشعور والا شعور لأجل ذلك اختلط السماوي بالارضي و خربت حياة الانسان السياسية بتدخلهم وتبع ذلك خراب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
رد على المطران والبطرك: ثورات العرب، وإصلاح الإسلام، ودين التفاؤل والتقدم المسيحي حرام. بالفعل مظلوم. مظلوم الذات الظالمة. لم يسعني مقاومة هذا التلاعب (الرخيص، أعترف بذلك، يا أبتي) بالاسم، لكن، طبعاً، و”بْعِيد الشرّ مليار مرة”، مع حفظ الألقاب والمكانات والأبّهات والروانق الروحية والروحانية وسائر صروح المشرق والمجرّة الشمسية. أما بعد، فما أضحكني كثيراً، وأكثر من نظريات البطريرك الراعي والمطران مظلوم (مع حفظ إلخ…)، استشاطة السيد فريد هيكل الخازن، من ذريرة حماة الختم البطريركي منذ أجيال وقرون، الذي زبد غضباً واستهجاناً على التلفزيونات وقت موجة الانتقاد التي أثارها الراعي، قائلاً هذه الدرّة دفاعاً عن الصرح والموقع والتاريخ وإلخ… : ثم البطريرك… قراءة المزيد ..