عشية اللقاء الثنائي بين الرئيس الروسي ونظيره الأميركي في إطار قمة مجموعة الثماني في إيرلندا الشمالية (17 و18 حزيران) وبحثهما في كيفية تطبيق المبادرة الروسية – الأميركية الهادفة الى التحضير لمؤتمر دولي في جنيف، يبدو الجو ملبداً ومنذراً بكل المخاطر والصفقة المنتظرة او الترتيب المرجو لا تزال دونه عقبات كأداء.
“القيصر الجديد” فلاديمير بوتين، الذي نجح في إعادة بلاده كقوة كبرى من خلال البوابة السورية، ينوي الاستمرار في النهج نفسه. والدليل على ذلك، أنّ استخدام النظام السوري غاز السارين وتدخل “حزب الله” الواسع في الحرب، لم يدفعه لمراجعة حساباته، بل ها هو ينصح الإسرائيليّين قائلاً لهم “أن المصلحة العليا لكم أن تؤيدوا بقاء الأسد، فهو على رغم كل خلافاتكم معه، نظام مستقر وحريص على تطبيق الاتفاقات المبرمة بينكم. وفي عهده ساد بينكم وبينه هدوء شديد. إذا انهار هذا النظام، فستحل محله الفوضى وقد تقع سوريا بيد المتطرفين”.
هذا هو بيت القصيد كما يقال، أي الخيط الرفيع الذي يجمع واشنطن وموسكو، ولذا على رغم كل الكلام العالي الصادر عن البيت الأبيض منذ آب 2011، لم يتخذ يوماً أي قرار جدي بإسقاط النظام السوري، بل تركزت المساعي الأميركية على الوظيفة الجيوسياسية للنزاع السوري وفوائدها من دون الاهتمام بشعارات الديموقراطية والحرية والكرامة والمسؤولية الأخلاقية لمجمل الاطراف المؤثرة إزاء أكبر كارثة إنسانية في بدايات هذا القرن.
بيد أن عوامل عدة مستجدة في الأسبوعين الأخيرين أسهمت في تشدد باريس ولندن والرياض وأنقرة، وأخذت تدفع واشنطن إلى تغيير محدود في مقاربتها وهذه العوامل هي: بدء تمدد اللهيب نحو دول الجوار، تداعيات نكسة القُصير، صعود النفوذ الإيراني في بلاد الشام وتحكم طهران مباشرة أو غير مباشرة في القرارين السوري واللبناني.
هكذا، بينما كانت إدارة أوباما تبحث عن خيارات جديدة، زاد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون من الضغوط من أجل دور أميركي أقوى فى سوريا لا يصل إلى حد إرسال قوات أميركية. ولفت كلينتون إلى ضرورة عدم الاستماع فقط إلى استطلاعات الرأي عند اتخاذ قرارات السياسة الخارجية، وأعطى مثلاً قراراته الصعبة بشأن البوسنة وكوسوفو.
إزاء الضغط الداخلي وطلبات الحلفاء من أوروبيّين وأتراك وعرب، تذكر أوباما خطّه الأحمر حول السلاح الكيميائي، لكنه لم يكلف نفسه يوم 13 حزيران إعلان المقاربة الجديدة والمحدودة في العمق، وهي تتمثل بمساعدة المعتدلين من المقاتلين المعارضين من دون الحسم في مسألة منطقة الحظر الجوي أو في أي خيار عسكري آخر.
ربما يرتبط هذا التردد الأميركي في السعي إلى عدم قطع الجسور مع موسكو والرهان على مسار “جنيف 2” بعد تعديل بعض شروطه. ومن هنا تندرج “الحملة الاعلامية الأميركية” في سياق التفاوض المنتظر بين بوتين وأوباما.
لكن هذا التردد يخفي إحراجاً كبيراً عند الرئاسة الأميركية التي تفتَقد إلى استراتيجية فعلية لمواكبة تطورات الشرق الأوسط والمتغيرات فيه منذ أواخر 2010 إلى انتخاب حسن روحاني ومدلولاته. إنّ عدم دعم واشنطن الفعلي لخط الاعتدال الإسلامي في بلاد الشام ولحلفائها التقليديين في شبه الجزيرة العربية سيقوض صورتها بشكل كبير في الإقليم والعالم.
في انتظار نتائج قمة أوباما – بوتين ، والاجتماع التحضيري حول “جنيف 2” في 25 حزيران (إذا عقد) يحبس المشرق أنفاسه على وقع طبول الحرب، ولا ينتظر الدخان الابيض من لقاء مجموعة الثماني.
إنها “ديبلوماسية المدفع” التي يتعامل من خلال رسائلها بشكل مباشر او غير مباشر أطراف النزاع السوري، وعلى ما يبدو إنّ الصفقة غير ناضجة بعد، وترتيبات الكبار يدفع دوماً ثمنها الصغار.
khattarwahid@yahoo.fr
الجمهورية