قد تكون أكثر عملية انتخابية مثيرة للاهتمام في سنة 2017 هي الأقل شفافية. ففي تشرين الأول/أكتوبر، ستنتخب الأمم المتحدة المدير العام الجديد لـ”منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة” (اليونسكو)، في سباقٍ لا يقل إثارةً عن أي مبارزة رئاسية أو نيابية أخرى. وسيتولى المدير التالي إدارة أكثر من 500 مليون دولار من الهبات الممنوحة للمنظمة على مدى خمس سنوات، ويتبوّأ مركزًا رفيعًا بشكلٍ واضح في الأمم المتحدة والسياسة الدولية. وفي السنة الماضية، أوشكت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو التي انتهت ولايتها، على شغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة بفرق بضعة أصوات.
أجرى المجلس التنفيذي لليونسكو مقابلاتٍ مع المرشحين النهائيين التسعة لخلافة إيرينا بوكوفا في 24 نيسان/أبريل. وينتمي أربعة من هؤلاء المرشحين إلى أربعة بلدان من “جامعة الدول العربية” (العراق ومصر ولبنان وقطر). أما المرشحون الآخرون فيأتون من أذربيجان وفيتنام وغواتيمالا وفرنسا والصين. ويعتبر المرشحون العرب أن مصيرهم هو الفشل في هذا السباق، بما أنه لم يسبق أن انتُخب مديرٌ عربيٌّ لليونسكو.
لكنّ الفريق العربي ليس متحدًا، وتسلّط هذه المبارزة الضوء على الاضطرابات في السياسة العربية الشاملة، لا سيّما المنافسة القوية بين مصر، التي تدعم وزيرة الحكومة السابقة مشيرة خطّاب، وقطر، التي تطرح مرشحًا لها حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الثقافة الذي لم يمضِ الكثير من الوقت على انتهاء ولايته.
في سنة 2013، أطاح الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي أصبح الآن رئيس مصر محمد مرسي الذي كان أول رئيسٍ مصري منتخَب ديمقراطيًا. وكان مرسي قائدًا في جماعة”الإخوان المسلمين”، وهذه الجماعة هي منظمة إسلامية طالما دعمتها قطر. وقد اتهمت مصر قطر بدعم كلٍ من “الإخوان المسلمين” والمنظمات الإرهابية في مصر. وتأزّمت هذه المسائل في 5 حزيران/يونيو، عندما انضمت مصر إلى السعودية والإمارات في فرض حصارٍ على قطر.
لا يتضح كيف ستوثّر الأزمة القطرية في اليونسكو. وربّما يشكّل ذلك سببًا من بين عدة أسباب أخرى تدفع قطر إلى الرغبة في إنهاء هذه الأزمة بسرعة. وكلٌ من مصر وقطر هو عضوٌ في المجلس التنفيذي لليونسكو الذي سيفصل في المسألة. ولا يُرجَّح أن تكسب قطر دعم السنغال، التي قطعت علاقاتها مع قطر في وقتٍ من الأوقات أثناء الأزمة. كما أنه لن يكون باستطاعتها أن تعوّل على تشاد التي ضعفت علاقاتها مع الدوحة أيضًا. غير أن دولة السودان ستصوت أيضًا في تشرين الأول/أكتوبر، وعلاقاتها مع قطر متينة؛ فقد أنفقت هذه الأخيرة الملايين لإنقاذ الأهرام السودانية وساعدت في مشاريع أخرى في السودان.
إلا أن الكواري، مرشح قطر، استخدم ثروة بلاده من دون أن يوفّر زاوية على الكرة الأرضية لجمع الدعم. فقبل الأزمة الراهنة، وصفت إحدى المجلات الدبلوماسية الهولندية الكواري بالمتسابق الأمامي.
مع ذلك، تُعارض بعض المجموعات اليهودية ترشيح الكواري بسبب حجم المنشورات المعادية للسامية في قطر. ووجّه المكتب الأوروبي لـ”مركز سايمون ويسنتل” كتابًا مفتوحًا إلى رئيس المجلس التنفيذي في اليونسكو، مدّعيًا فيه أن الكشك المخصص لقطر في “معرض فرانكفورت للكتاب” عرض نصوصًا تضمّنت نظريات حول المؤامرة المعادية للسامية. كما دعمت قطر قرارات الأمم المتحدة التي تنفي علاقة اليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق.
ليست المرة الأولى التي تُفسِد فيها معاداة السامية سباق مدير عام اليونسكو. ففي سنة 2009، واجه المرشح العربي المتقدّم على منافسيه تحديات ناتجة عن معاداة السامية، قضت أخيرًا على ترشيحه. فكان من الواضح أن حسني فاروق، الذي شغل منصب وزير الثقافة المصري لمدة عشرين عامًا، هو المرشّح الأوفر حظًّا. ثم انكشف أن الرسّام السريالي السابق وعد “الإخوان المسلمين” بحرق كل الكتب الإسرائيلية التي يمكن إيجادها في المكتبات المصرية.
اعتذر فاروق في افتتاحية صحيفة “لوموند”، حتى أنه تعهّد بترجمة الأعمال الأدبية لكاتبيْن إسرائيلييْن هما عاموس عوز وديفيد غروسمان إلى العربية. غير أن ما حصل قد حصل وفازت بوكوفا في انتخابات اليونسكو لعام 2010.
كان التراث الثقافي الغني الذي تتمتع به مصر محور حملة مشيرة خطاب. وأكثر ما يُعرف عن اليونسكو هو قائمتها الخاصة بمواقع التراث العالمي التي تحوز مصر على سبعة منها، بما فيها الأهرام وآثار أبو مينا المعرّضة للخطر، التي كانت في وقتٍ من الأوقات موقعًا مسيحيًّا مهمًّا للحج. وأعلنت خطّاب عن ترشيحها لمنصب اليونسكو من أمام “المتحف المصري” في القاهرة، الذي يقع مقابل “ميدان التحرير” ويحتوي على قناع الملك توت عنخ آمون وقطع أثرية أخرى. وصممت خطّاب حملتها حتى تدفع باتجاه المزيد من التسامح في الشرق الأوسط والعالم قائلةً، “منذ العصور الوسطى حتى اليوم، اتّسم تاريخ مصر بجمع العلماء اليهود والمسيحيين والمسلمين معًا، وهذا ما تحتاج اليونسكو إلى القيام به”.
لم تحقق مصر أي نجاح عندما كانت تترشح في كل مرة في انتخابات اليونسكو منذ سنة 1999، وهي تعتبر أن قطر دولة متطفلة تحاول انتزاع منصبٍ طالما اعتبرت القاهرة أنها تستحقه لنفسها. غير أن ثروة قطر سمحت لها ببناء متحفٍ من المستوى العالمي وبتنظيم معارض لفنانين مشهورين مثل داميان هيرست. ويُتوقَّع أن يُفتتح “متحف قطر الوطني” من تصميم جان نوفيل في سنة 2018 المقبلة. ولم تحصل قطر على أوّل موقعٍ لها في اليونسكو إلا في سنة 2013، بعد سنواتٍ من المناورات السياسية لإضافة حصن الزبارة الذي يعود لسنة 1938، وبعض الآثار في جواره، إلى القائمة.
جوزيف هاموند هو مراسل رفيع المستوى في معهد “أميريكان ميديا إنستيتيوت” مارس مهنته بشكلٍ واسع في الشرق الشرق الأوسط وأفريقيا.