هل تتولّى أجهزة المخابرات المعنية مراقبة مبيعات سيارات “تويوتا 4×4” في الخرطوم وطرابلس ودبي ودول خليجية أخرى لتقدير إحتمالات الحرب والسلم بين السودان والتشاد؟ “غزوة التويوتا” الجديدة قد تكون انتهت بعد أسبوع من إنطلاقها (وهذا ليس مؤكداً بعد). ولكن هذه الغزوات “السنوية” تشمل قبائل عابرة للحدود، ورئيساً مهدداً بالإعتقال من جانب محكمة دولية، ومصالح نفطية تضع الصين وماليزيا وقطر من جهة (في السودان) وفرنسا والولايات المتحدة من جهة أخرى (في التشاد). ولهذا السبب الأخير، فالأرجح أن هدف الخرطوم من هذه العملية الأخيرة لم يكن إسقاط نظام “إدريس دبي” بل تخفيف الضغط عن السودان. مع ملاحظة أن الهجوم الذي تعرّض له التشاد هذا الأسبوع يصادف مرور سنة بالضبط على هجوم الدارفوريين على “أم درمان”.
“الشفاف”
*
توقّف زحف المتمرّدين التشاديين في شرق البلاد بعد أن صدّتهم القوات الحكومية وحالت دون تهديدهم العاصمة. ندجامينا. وبعد يومين من القتال، فإن متمردين “إتحاد قوات المقاومة” بدأوا، اليوم السبت، بإخلاء المواقع التي كانوا يحتلّونها، متذرّعين بأنهم يقومون بـ”تراجع تكتيكي”. وكان المتمرّدون قد انطلقوا من السودان يوم الإثنين الماضي في طابور من سيارات “البيك أب”، وتغلغلوا مسافة 100 كيلومتر داخل الأراضي التشادية قبل أن تطوّقهم القوات الحكومية، التي وجّهت لهم ضربات عنيفة بواسطة المدرّعات والمدفعية.
وكانت عناصر من “إتحاد قوات المقاومة” تتّجه اليوم السبت باتجاه حدود عدد من البلدان المجاورة التي تقع فيها قواعدها الخلفية. وخلّف هؤلاء وراءهم قوات مشتّتة، في حين شوهدت في “أمدام”، التي تقع على بعد 100 كيلومتر إلى الجنوب من “أبيشي”، جثث وآليات محروقة، وأسرى حرب. ومع أنه ليس واضحاً ما كيف ستكون ردة فعل جماعات المتمردين الأخرى التي لم تشارك في القتال، فالأرجح أن هذه المرحلة من هجوم “إتحاد قوات المقاومة” قد انتهت.
وكان الناطق بلسان حكومة التشاد، “محمد حسين”، قد أعطى “حصيلة حديثة ولكن مؤقتة” لخسائر المتمردين: 225 قتيلاً، و212 أسيراً، و220 سيارة “بيك أب” (وسيلة النقل الأساسية في “حرب الحركة” هذه ) تم تدميرها أو أسرها. وحسب الناطق الرسمي، لم يفقد الجيش الحكومي سوى 12 قتيلا.
وفي إتصال معه بالهاتف في مقرّه بالخرطوم، بعد أن حالت متاعب صحّية دون مشاركته في القتال، قال لنا أحد أبرز قادة المتمردين، وهو الكولونيل “أدوما حسب الله”: “لقد شرعنا بالتراجع من أجل إعادة تنظيم صفوفنا. وستكتمل أعدادنا مع وصول القوات التي كانت ظلت في قواعدها الخلفية، وسنعاود الهجوم منذ مساء اليوم” (السبت).
ويراهن عدد من المراقبين على إنتهاء هذه المعركة، وهي واحدة فحسب ضمن سلسلة من المواجهات التي تقوم بها السودان والتشاد “بالوكالة” منذ العام 2005. وإذا انتهى القتال فعلاً، فإن الهجوم السنوى الكبير للمتمردين التشاديين يكون قد استغرق أسبوعاً واحداً من غير أن يسمح بحل أي من المشكلات التي تعتور العلاقات بين السلطتين المتجاورتين، أو بين الشقيقين اللدودين الذين يعود العداء في ما بينهما إلى 20 عاماً تقريباً.
كان رئيس التشاد، إدريس دبّي، قد وصل إلى السلطة في ديسمبر 1990 على رأس تمرّد انطلق من السودان بدعم من نظام الخرطوم، وبدعمٍ ليبي وفرنسي كذلك. وكان السودان، قبل أشهر، قد شهد إنقلاباً قام به عمر البشير الذي كان يخضع لنفوذ “الجبهة الوطنية الإسلامية”.
وطوال سنوات، اضطرّ إدريس دبّي إلى تحمّل وجود عملاء سودانيين في حاشيته، قبل أن يتخلّص منهم بالتدريج. وبعد ذلك، أصبح السودان، ثم التشاد، بلداً منتجاً للنفط (تنتج التشاد 175000 برميل يوميا، والسودان 400000 برميل يومياً)، من غير أن يستفيد شعب أي من البلدين من هذه الثروة الجديدة.
بالعكس، تم استخدام “البترودولارات” لتمويل عمليات التمرّد باتجاه البلدين، وذلك قبل أن تندلع بعد سنوات الحرب الأهلية في “دارفور”. فقد اتخذ إحباط النُخَب والناس العاديين في إقليم “دارفور”، الذي يقع في غرب السودان، شكل كفاح مسلّح في العام 2003، الأمر الذي تسبّب بحملة قمع حكومية يعتقد أنها أوقعت قرابة 200 ألف ضحية بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وقد استفاد بعض متمرّدي “دارفور” من تواطؤات ضمن السلطة التشادية، التي تربطهم بها علاقات عشائرية أو عالئلية أو إثنية. وردّاً على ذلك، احتضن السودان المتمردين التشاديين المحترفين والناقمين على نظام إدريس دبي ووفّر لهم الوسائط اللازمة لشن هجمات على “ندجامينا” بغية إرغامها على وقف دعمها للدارفوريين.
وقد وصل العدد الإجمالي للهجمات التي تعرّضت لها التشاد إلى 20 منذ العام 2005. وفي فبراير 2008، وصل المتمردون إلى “ندجامينا” نفسها. ولكنهم هُزموا داخل العاصمة بسبب نزاعاتهم الداخلية، وبفضل قوة نيران المدرّعات التشادية، وكذلك بفضل الدعم الفرنسي. وبينما سعى أحد قادة المتمردين لاحتلال الإذاعة لإعلان إنتصاره، قامت دبابات إدريس دبّي وطائرات الهليكوبتر التي يملكها جيشه بصدّ الجماعات المتمردة الأخرى التي كانت قد وصلت إلى مسافة مئات الأمتار فقط من قصر الرئاسة.
ومنذ هجوم العام الماضي، تحوّلت “ندجامينا” إلى معسكر محصّن. وتم حفر خندق طويل حول المدينة لا تتخلّله سوى 3 مداخل أقيمت عليها نقاط حراسة قوية. وتم تدمير الأحياء الواقعة في طرف المدينة لإفساح المجال لحركة المدرّعات داخلها. وتمّ تعزيز أمن الرئاسة بإقامة مكعّبات من الباطون تسمح للمدافعين بالرماية منها.
في هذه الأثناء، تعرّضت الخرطوم للهجوم بدورها، حينما غزتها “حركة العدل والمساواة” التي انطلقت من قواعد في التشاد، والتي يرأسها “خليل إبراهيم”، الذي يُعتبر قريباً غير مباشر وبالمصاهرة للرئيس التشادي “إدريس دبّي”. وتفيد معلومات أن “حركة العدل والمساواة” قد عزّزت قواتها خلال الأشهر الماضية، وأنها تستعد لشن هجمات أخرى في السودان إنطلاقاً من قاعدتها في “أم جيريس”، التي تقع في شمال شرق التشاد. كما تفيد عدة مصادر أن التشاد تفكّر بملاحقة المتمردين حتى داخل أراضي السودان.
يضاف إلى ذلك أن الخرطوم مضطرة لمواجهة واقع جديد بعد إصدار مذكرة الإعتقال الدولية بحق الرئيس عمر بشير. ولمواجهة مساعي الحصول على تعاون لاعتقال البشير، فإن السودان مضطر للبحث عن حلفاء.
وقد وجدت الخرطوم دعماً لدى “الإتحاد الإفريقي”. ولكن الحفاظ على هذا الدعم الإفريقي يضع الخرطوم في وضع محرج حينما تستمر في إيواء جماعات متمردة على أراضيها. فقد ادان “الإتحاد الإفريقي” يوم الجمعة “وبحزم” الهجمات التي شنّها المتمردون في شرق التشاد، وأعلن مفوّض السلام في الإتحاد أنه ضد “أية تغييرات غير دستورية للحكومات وضد أية أعمال تهدف لزعزعة إستقرار الدول”.
مراسل لوموند: جان فيليب ريمي