هل يمكن وصف ما جرى في لبنان بداية النهاية للمشروع الايراني الهادف الى وضع اليد على البلد، ام أن كل ما في الامر هو خطوة تكتيكية تستهدف تعميق الفراغ فيه؟
انّه السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء تكليف نائب بيروت تمّام صائب سلام القريب من قوى الرابع عشر من آذار وعضو “كتلة نوّاب المستقبل” تشكيل حكومة جديدة خلفا لتلك التي كان شكّلها “حزب الله” برئاسة نجيب ميقاتي. انّها المرة الاولى منذ العام 1990 التي تكلّف فيها شخصية لبنانية تشكيل الحكومة بمعزل عن رأي الظام السوري. وهذا حدث كبير في حدّ ذاته.
لن تكون المسألة سوى مسألة أيّام لمعرفة ما اذا كان “حزب الله” تخلص من حكومته بعدما اكتشف أنّ في المنطقة توازنات جديدة مختلفة فرضها الانهيار المستمرّ للنظام السوري مع ما يعنيه ذلك من انكشاف ايراني في سوريا ولبنان في الوقت ذاته.
يمكن الحديث عن هذا الانكشاف نظرا الى أنّ سوريا-النظام هي البوابة الخلفية لـ”حزب الله” ومعبر السلاح اليه. في غياب هذه البوابة، لن يعود امام الحزب، الذي ليس في آخر المطاف سوى لواء في “الحرس الثوري الايراني” غير الدخول في مواجهة مباشرة مع المكوّنات الاخرى للمجتمع اللبناني. على رأس المكوّنات الطائفة السنّية، التي هي اكبر الطوائف اللبنانية، اضافة الى اكثرية المسيحيين الرافضين أن يكونوا اداة ايرانية على شاكلة النائب ميشال عون، فضلا عن الاكثرية الساحقة من الدروز الذين يكنّون مشاعر عدائية لحزب مسلّح يهدد وجود الطائفة في جبل لبنان ومناطق اخرى.
في كلّ الاحوال، طوى لبنان احدى اكثر الصفحات سوءا وسوادا في تاريخه وذلك عندمت تخلّص من حكومة “حزب الله”. هل هي بداية مرحلة جديدة في البلد تعكس تغيّر التوازنات الذي نتج عن انهيار النظام السوري واقتراب موعد معركة دمشق، ام أن الحزب يناور؟
سيتوقف الكثير على ما اذا كان تمام سلام سينجح في تشكيل الحكومة. كذلك سيتوقّف الكثير على طبيعة الحكومة التي يمكن ان يشكلها وبيانها الوزاري، خصوصا في ضوء اصرار “حزب الله” على التمسّك بوزارة الخارجية من منطلق مذهبي محض. وكأن الاتيان بوزير للخارجية غير شيعي ضربة للمحور الايراني- السوري الذي يعتبر هذا الموقع ملكا له وملحقية من ملحقيات السفارتين الايرانية والسورية في بيروت.
لا يمكن بالطبع الاعتراض على أن يكون وزير الخارجية اللبنانية شيعيا. فالطائفة الكريمة تمتلك بعض افضل الشخصيات اللبنانية المستقلة التي تعبّر عن المصلحة الوطنية اللبنانية أوّلا وعن العمق العربي للبنان ثانيا واخيرا.
لكنّ الذي حصل في السنوات الماضية هو أنّ هذه الوزارة تحوّلت بفضل المحور الايراني- السوري الى وسيلة تستخدم في خدمة اغراض سياسية لا علاقة للبنان بها من قريب او بعيد. من بين ذلك، المطالبة باعادة النظر في تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية. وهذا التعليق للعضوية لم يستهدف سوريا العضو المؤسس لجامعة الدول العربية، بل استهدف نظاما يذبح شعبه يوميا… بل في كلّ ساعة، بدعم ايراني مكشوف وبمشاركة فاعلة من عناصر “حزب الله” تسللت الى الاراضي السورية لتكون في خدمة النظام الفئوي الذي ارتضى ان تكون سوريا مستعمرة ايرانية لا اكثر.
يشكّل تكليف تمّام سلام تشكيل الحكومة خطوة على طريق تحرير الوطن الصغير من الوصاية الايرانية التي كان افضل تعبير عن مدى نفوذها طريقة تشكيل الحكومة المستقيلة التي فرضت فرضا على اللبنانيين والتي كانت مجرد اداة في خدمة المحور الايراني- السوري من جهة وعصا غليظة تعمل على اذلال المسيحيين والسنّة من جهة اخرى، وذلك بعد ترهيب الدروز.
كانت تلك حكومة ادة للانتقام من المسيحيين والسنّة بامتياز. التخلص منها لا يعني التخلص من وزراء لا همّ لهم سوى الاساءة بكلّ الوسائل الى اللبنانيين الشرفاء فحسب، بل يعني ايضا أن لبنان سيكون قادرا على التطلع الى مستقبل افضل ببعض الثقة وأنّ هناك بداية وعي لدى كبار المسؤولين وزعماء الاحزاب الكبيرة، بغض النظر عن انتمائهم المذهبي والمناطقي، لضرورة العمل لمصلحة لبنان. ولذلك، كان الرئيس تمّام سلام على حق عندما قال، مباشرة بعد تكليفه رسميا تشكيل الحكومة، انه سيسعى الى قيام حكومة “المصلحة الوطنية”.
نعم، مطلوب حكومة تحفظ مصلحة لبنان وليس حكومة تحفظ مصلحة النظام السوري الذي يرفض الاعتراف بأنّه انتهى نظرا الى أن هدفه النهائي تفتيت سوريا بدل الانسحاب من الساحة تمهيدا لمرحلة انتقالية. يمكن لهذه المرحلة أن تسمح بلملة الجراح ولملمة ما بقي من هذا البلد العربي المهمّ الذي استخدم طويلا في عملية ابتزاز يومية للعرب وفي تدمير ممنهج للبنان ومؤسساته وزيادة الانقسامات الطائفية والمذهبية فيه فضلا عن المتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم تحت شعاري “الممانعة” و”المقاومة”.
ما يبعث على بعض الامل ايضا شخصية تمّام سلام الذي يرى في بيروت مدينة لكلّ اللبنانيين، وليس مربّعات طائفية ومذهبية. ويرى في لبنان نموذجا لما يفترض أن يكون عليه الوطن الصغير الذي لعب في الماضي دورا رائدا في محيطه على كلّ الصعد.
كان لبنان، قبل أن تمتد اليه يد النظام السوري الذي لعب دورا اساسيا في اندلاع
الحرب الاهلية في العام 1975 عن طريق تسليح الفلسطينيين والميليشيات المسيحية ثم الميليشيا الايرانية، نموذجا لما يمكن ان تكون عليه دولة شرق اوسطية متمسكة بثقافة الحياة والديموقراطية. كان لبنان بلدا قادرا على أن يحقق تقدما على كلّ المستويات، خصوصا في مجال تطوّر المجتمع نحو الافضل عن طريق التعليم.
تكمن اهمّية تمّام سلام في أنه يعرف كلّ ذلك، ويعرف خصوصا أن والده صائب سلام تعرّض لاغتيال سياسي على يد النظام السوري. جعله ذلك يمضي سنوات طويلة في المنفى بعيدا عن بيروت.
لن تكون حكومة تمّام سلام، في حال تشكيلها، حكومة تصفية حسابات مع احد. ستكون حكومة كلّ لبنان واللبنانيين، حكومة الشعارات التي رفعها صائب سلام دائما وآمن بها مثل “لبنان واحد لا لبنانان” و”لا غالب ولا مغلوب”. ولكن هل يمكن لـ”حزب الله” السماح بتشكيل مثل هذه الحكومة أم سيعرقل هذه العملية بكلّ الوسائل لتأكيد أنّ ليس في الامكان تشكيل حكومة لبنانية لا تأخذ المصالح الايرانية في الاعتبار؟
الشيء الوحيد الاكيد حتى الآن، أن تكليف تمّام سلام تشكيل الحكومة حدث كبير يرفع بعض الظلم عن عائلة بيروتية محترمة لم تؤمن يوما سوى بالعيش المشترك. وفي انتظار رفع الظلم عن كلّ لبنان وكلّ عائلاته، يمكن الاكتفاء مرحليا بترديد لأنه لا يصحّ الا الصحيح…مهما طال الزمن.
كاتب لبناني
العرب