يحضر اليهودي في ثلاث روايات عربية ظهرت في السنوات القليلة الماضية. كتب اثنتين منها فلسطينيان هما ربعي المدهون (“السيدة من تل أبيب”) وسمير اليوسف (“معاهدة حب”) وكتب الثالثة اليمني علي المقري (“اليهودي الحالي”).
ولعل في ظهور الأعمال الثلاثة في تواريخ متقاربة ما يبرر الكلام عن ظاهرة. وإذا كان في الواقع الفلسطيني ما يفسر، جزئيا، هذه الظاهرة، فإن الانخراط فيها من جانب كاتب يعيش في اليمن، البعيد عن واقع الفلسطينيين، يبرّر القول بأن الظاهرة المعنية لا تنحصر في منطقة جغرافية بعينها، بل تنتمي إلى نسق أعرض، أي إلى الحقل الثقافي العربي نفسه، وما يطفو على سطحه من تجليات أدبية.
القاسم المشترك بين الروايات الثلاث هو الحب. في رواية المدهون تعيش امرأة إسرائيلية علاقة غرامية مع ابن أحد الحكّام العرب، وفي رواية اليوسف تنشأ علاقة غرامية بين فلسطيني وإسرائيلية يعيشان في لندن، أما رواية المقري، التي تقع أحداثها قبل قرون فتروي علاقة غرامية بين مسلمة ويهودي في قرية يمنية نائية.
الحب، وتجلياته الإيروتيكية المختلفة والمحتملة، وسيط مألوف في الأدب، خاصة عندما يعبر طرفا العلاقة حدودا واقعية أو متوّهمة بين الهويات الدينية والقومية واللغوية، وحتى الطبقية منها. وهذا ما يحدث عندما تصبح الحدود المعنية غير قابلة للعبور من الجانبين نتيجة صراعات واقعية أو متوّهمة.
وغالبا ما يُعامل الجسد في مختلف ثقافات الكون باعتباره حدّاً من نوع ما، وغالبا ما يصبح مجازا لحدود الهويات. وبقدر ما يتعلّق الأمر بالنساء، فإن أجسادهن حدود مثالية دائمة، مُسيّجة بالتابو، وهي شبه مقدسة أيضا، لمختلف أنواع الهويات.
تحويل أجساد النساء إلى حدود مثالية، وشبه مقدسة، لعبة ذكورية بطبيعة الحال. هذه اللعبة موغلة في التاريخ، وقديمة ربما قِدَم الإنسان على الأرض، وتحليلها بالمعنى التاريخي غير ضروري في هذا السياق. المهم أن هذه اللعبة (وهي واسطة أدبية معروفة في جميع آداب الكون) مفيدة في لفت الأنظار إلى حقيقة أن أجساد النساء في الروايات الثلاث هي النقاط الوحيدة لاجتياز الحدود، مع التذكير بأن اجتياز الحدود من الجانبين في رواية المقري يؤدي في نهاية الأمر إلى نوع من الهجنة يبدد فكرة الحدود نفسها. وهذه المُعالجة هي الأكثر طموحا وتعقيدا بين الروايات الثلاث.
والسؤال، لماذا يحاول ثلاثة من الكتّاب العرب، وفي هذا الوقت بالذات، اختبار قابلية الحدود الواقعية، أو المتوّهمة، التي تفصل بين الإسرائيليين واليهود عموما من جهة، والعرب من جهة أخرى للاجتياز؟
ثمة إجابة أولى تتمثل في حقيقة أن الآخر بقدر ما يكون موضوعا للمغايرة، يكون موضوعا للاشتهاء. أيضا: “الإيروس” لا يشتغل ضمن قواعد منطقية، ولا يخضع لتصنيفات تحظى بالإجماع بالمعنى الاجتماعي أو الثقافي، ناهيك عن السياسي بطبيعة الحال. وكلما تعلّق الأمر بالجسد باعتباره حدا من حدود الهوية يصبح إنتهاكه، تخريبه، إمتلاكه، أو التصالح معه واكتشاف ماهيته، أشد غواية وتحفيزا لـ”الإيروس”، خاصة إذا كان جسد الآخر موضوع الاشتهاء.
والمفارقة في هذا الشأن أن الإسرائيلي، أو اليهودي، يمارس اللعبة نفسها. وهنا أود الإشارة إلى رواية بالفرنسية لأحد اليهود الفرنسيين (هوبير حداد) وهو من أصل تونسي، وقد صدرت خلال الفترة نفسها التي شهدت صدور الروايات العربية الثلاث. الرواية بعنوان “فلسطين”، وفيها يعالج الكاتب قصة حب نشأت بين جندي إسرائيلي وقع في أسر منظمات فلسطينية، وفَقَد الذاكرة، وصبية فلسطينية تدعى “فلسطين”، تقوم عائلتها برعايته، إعتقادا منها بأنه أحد المطاردين من جانب الاحتلال.
فلنوجّه أنظارنا الآن إلى الإجابة الثانية، وهي أكثر تعقيدا من الأولى. وفي هذا الصدد أود الإشارة إلى تحليل بديع لـ”خوان غويتسولو” حول عودة العربي إلى الظهور في المشهد الثقافي الإسباني.
يقول “غويتسولو” إن الأسبان بعدما أدركوا أن العربي خرج من أسبانيا ولن يعود إليها، لم يعد مصدر تهديد. ولأنه كذلك ظهر مجددا في الثقافة الأسبانية مصحوبا بقدر واضح من “النوستالجيا”.
كيف نفسّر ظهور اليهودي (الإسرائيلي) في ثلاث روايات عربية ظهرت مؤخرا على خلفية كلام غويتسولو؟ والواقع أن التفسير ممكن إذا قلبنا الفكرة السابقة على رأسها، أي إذا اعتبرنا أن وجود اليهودي (الإسرائيلي) في العالم العربي، أصبح أكيداً إلى حد يبرر البحث عن طريق ما للتعايش أو الصراع معه باعتباره كينونة واقعية.
التعايش لا يعني الكف عن التعامل معه كآخر، بل تحويله إلى موضوع للمعرفة بعيدا عن الأنماط والقوالب الأيديولوجية التقليدية، التي حكمت موقف العرب من الإسرائيليين. وهذه الإجابة تظل ناقصة ما لم نضع في الحسبان حقيقة أن كل محاولة لتعريف الآخر تنطوي في العمق على محاولة لتعريف الذات. وقد كان تعريف الذات حتى وقت قريب حكرا على أيديولوجيات شمولية، يتم الخروج عليها في الوقت الحاضر في سياق محاولات فردية، غالبا ما تكون أدبية، وذات مضامين ملتبسة ومركّبة.
لذلك، لم يكتب المؤلفون في الروايات الثلاث عن الإسرائيليين، أو اليهود، بقدر ما كتبوا عن أنفسهم، وهم لا يجتازون حدودا واقعية أو متوّهمة إلا بقدر حاجتهم إلى إعادة تعريف الذات بطريقة جديدة ومبتكرة.
وفي الحالتين تفترق الحقيقة الأدبية عن الحقيقة الأيديولوجية. ولعل في أمر كهذا ما يبرر الكلام عن خطاب الأدب باعتباره أكثر تمثيلا للإشكالي والملتبس في واقع العرب اليوم، وأشد إصغاءً لحركة المياه الجوفية، والتيارات العميقة التي تعصف بهويات في طور التشكيل، من خطاب أيديولوجيات شمولية تزعم تمثيل الواقع والنطق باسمه. الأدب يزعزع البداهة، ولهذا السبب ينطوي دائما على طاقة مُهددِة.
كاتب فلسطيني يقيم في برلين
Khaderhas1@hotmail.com
عن جريدة الأيام
اليهودي في ثلاث روايات عربية..!!
موضوعة المقال ممتعة .. لكن محتواه محدد وغير واضح. كيف عالج الكتاب موضوعة اليهودي؟ المقال يحاول ان يقول ان الحب يوحد البشر والأيروتيك ينزع عن النفوس عواطفها التقليدية: فاليهودي والعربي يوحدهما الحب ويضعهما في جبهة واحدة تعارض الوضع الفلسطيني الاسرائيلي. معالجة كهذه تبقى ساذجة وسطحية.
ففي حالات الزيجات يلغي احد الطرفين هويته الثقافية والسياسية كي يتحقق الحب. والمرأة هي المرشحة لان ثقافة الرجل هي المتغلبة. اما في العرض فلم يتم تناول هذا الجانب…