في لقاء لـ”الشفاف” مع نائب “اليسار الديمقراطي” الياس عطالله، كان الحوار التالي:
مع الحوار الذي دعا إليه برّي أم ضده؟
الرئيس نبيه بري ينطلق من أسس غير واقعية في التعامل مع الفكرة. و أصبح الحوار وسيلة هروب الى الأمام ، إن لم يكن أحد اشكال التملص من المبادرة العربية ومن التعامل الجدي مع الازمة. المطلوب اليوم هو انتخاب رئيس للجمهورية و فتح المجلس النيابي للحوار.
في ذكرى بداية الحرب الأهلية، هل تتخوف من احتمال اندلاع حرب أهلية اليوم في لبنان؟
يتنامى قلق عند اللبنانيين من احتمال عودة البلاد إلى الشغب، والحوادث الأمنية. وثمة حتى شعور بالخوف من ملامسة فكرة الحرب الأهلية. وذلك بسبب إصرار النظام السوري والأطراف الداخلية المتأثرة به على تهميش وتفكيك المؤسسات الشرعية، مما ينمي احتمالات الفوضى والخلل الأمني. وقد ثبتت لدينا هذه الاستراتيجية (عند النظام السوري) قبل القمة وبعدها خاصة.
ذُكر في بعض الصحافة الأجنبية أن قوى 14 آذار قد بدأت بالتسلح أو بتأسيس بعض الشركات الأمنية كالشركة التابعة لآل الحريري في بيروت ما مدى صحة هذه المعلومات؟
الواقع أن منسوب الشعور بضرورة الأمن الذاتي هو في تنامٍ مطّرد. لكنني أعتبر أن لا تسلح منهجي بالإطلاق عند قوى 14 آذار، لأن خيار 14 آذار الفعلي هو القوى الشرعية. ومن هذا المنطلق تتكرر مطالبتها بزيادة عديد الجيش وعتاده من أجل خفض منسوب الشعور بضرورة الأمن الذاتي. أما التسلح المنهجي الحاصل فهو محصور بمؤسسة حزب الله.
هل يستطيع المجتمع المدني أن ينتصر على تنظيم يمتلك ثلاثين ألف صاروخ وقوات مدربة في إيران وكوريا وسوريا؟
كل الجهد السياسي ينصب في عدم الوصول إلى مرحلة صدام أهلي لا ينتصر فيه أحد. ليس المطلوب انتصار عسكري، بل إيجاد ميزان قوي سياسي ومستلزمات إقليمية وغيرها من أجل الوصول إلى حل سياسي في لبنان، وتجنيب البلاد كل أشكال الصدام الأهلي، وتجنيبها الصدام الأسوأ وهو الصدام ما بين الجيش اللبناني والمؤسسة العسكرية شبه الدويلة التابعة لحزب الله. لهذا السبب، أدعو “الوسط الشيعي” إلى إدراك أن كارثة مماثلة، إن حصلت، فهي ستكون على الجميع. من هذا المنطلق، نشدد على ضرورة الحل السياسي، الذي حُددت أولوياته غير مرة، من المبادرة العربية إلى المبادرة الأوروبية إلى الحوار الداخلي.
على ذكر الشيعة، كان معظم أفراد اليسار في الماضي من الشيعة. هل يمكن القول اليوم أن أغلبية أفراد اليسار الديمقراطي هم من الشيعة أيضاً؟
لم يكن اليسار في السابق لا شيعياً ولا غير شيعي. كان له انتشار في الوسط الشيعي كما في غيره، وربما كان انتشاره أكبر في الوسط الشيعي. وأعتقد أن لليسار الديمقراطي انتشاراً غير قليل في الأوساط الشيعية ولكن بمناخات سياسية غير ملائمة لحرية العمل السياسي.
هل يشعر الشيعي غير المؤيد لحزب الله بأنه مهدد أو مقموع في حال ممارسته للعمل السياسي في المناطق الشيعية؟
بتقديري، إذا ما أراد هذا الفرد التعبير وممارسة حرياته السياسية إلى أبعد مدى ومعارضة ما يراه غير مناسب، فهو بالتأكيد يتعرض لوسائل قمعية. أما إذا تكيف نسبياً وعمل على تقنين معارضته، فقد يشعر بقمع مادي أقل. غير أن هذا لا ينفي أن لدى حزب الله آلة قمع منظمة يستخدمها حسب مستوى التعارض مع مشروعه. وهذا القمع لا يختص باليسار وحسب، بل بكل من يتناقض مع منطق مشروع حزب الله في الوسط الشيعي خاصة والوضع اللبناني عامة، وهو لا ينفصل عن المشروع الإقليمي.
مع انطلاق ورش عمل 14 آذار والحديث عن مفهوم الثقافتين، وهو موضوع خلافي كما نعلم. ما موقفك من هذا الموضوع؟
أولاً، أود أن أشير إلى أهمية ورش العمل لما تشكله من تواصل سواء مع النخب أو مع الرأي العام. كما أعتقد أن من أهم كوامن 14 آذار علاقتها بالمجتمع والنخب. لهذا السبب، أعتقد أن هذه النقاشات مجدية شريطة أن تكون هادفة. قد يكون ثمة تباينات في فهم المسائل،ولكن أرى أن هذه وسيلة لتنمية واقع ديمقراطي داخل قوى 14 آذار،منفتح ومتسع ومتنوع، يستطيع أن يتواصل مع كل التلوينات الليبرالية والمنفتحة في كل البيئات، مما يسمح بفك الانقسامات الحادة
والتصنيفات الجامدة.
أما بالنسبة لموضوع الانقسام ، أعتقد أن من الممكن التعبير عن الشرخ القائم بنمطي الحياة المختلفين في لبنان والواقعين الذين يجدان صعبة في التواصل، دون أن نحدده بأنه ثقافي.
حين يكون في لبنان طرف ينتخب على أساس مواطني، وآخر على أساس تكليف شرعي ديني، وحزب يعلن البيعة لمسؤول في دولة أخرى كما أعلن نصرالله البيعة لخامنئي، ألا ترى في ذلك اختلافاً ثقافياً تاماً؟
لا خلاف على وجود تباين في وجهات النظر الفكرية. وقد خبرنا ذلك سابقاً في حالات أقل حدة، حيث ساد منطق التبعية الإيديولوجية سواء كانت إيديولوجية دينية غيبية مثل نظرية ولاية الفقيه أو كانت إيديولوجية قائمة على أسس أخرى، شيوعية أو ستالينية مثلاً، أو ستالينية أو بعثية. أنا أعتقد أن هذه التبعية تصادر كل قدرة عند الفرد على الاختيار. كما أن هناط أنماط أخرى من الوعي الجماعي أقل أدلجة تقوم هي أيضاً بإلغاء حرية المواطن. من هنا اعتبارنا أن المسألة الرئيسية تكون بتنمية بناء مشروعية الدولة بناء على توازن مشروعية الدولة مع المشروعية الجماعية.
من هنا، إذا أردنا تطوير اتفاق الطائف إيجابياً، علينا أن نلحظ أكثر حفظ حقوق المواطنين ومشروعية ارتكاز الدولة على المواطنية، خاصة وأن الطائف يلحظ بطريقة أكبر حقوق الجماعات. والشكل الفاقع للجماعية الجامدة اليوم يتمثل بحزب الله ومفهوم ولاية الفقيه التي تتعدى كل ملامح المصلحة الوطنية اللبنانية وحتى المصالح العربية.
هل المطلوب إذاً أن يلعب المجتمع المدني دوراً أكبر على حساب زعامات 14 آذار؟
برأيي على المجتمع المدني أن يلعب دوراً أكبر على حساب الترسيمات التنظيمية أي الأحزاب الطائفية التي يجب أن تكون أكثر انفتاحاً بالتدامج والتواصل، وأن تعطي الأولوية للمشروع السياسي لا للعصبيات. مما يترك المجال لامكانية انتقال فئات واسعة من بيئات أخرى لديها اعتراضات على الخيارات السياسية لبيئاتها إلى هذا المشروع.
هل يعني ذلك أن تركيبة 14 آذار الحالية غير جذابة للجمهور الشيعي المعترض على سياسات حزب الله؟
بالتأكيد ثمة نواقص في أداء 14 آذار، كما أن هناك عواقب لا تتحمل مسؤوليتها قوى 14 آذار منفردة. في هذا السياق أقول إننا على قدر ما نخلق مساحات للحرية والتسامح والإنفتاح، نعطي اللبنانيين القدرة على الإنتماء لمشروع الدولة. وأعتقد أن هذا هدف رئيسي يجب أن يحكم ورش العمل لينتج خياراً ديمقراطياً غير متصادم مع التكوينات المجتمعية الأخرى.
ألا يشكل مهرجان ميشال المر الأخير نموذجاً لما تصبون إليه في 14 آذار، أي استفتاء شعبي ديمقراطي؟
أنا أرى أن قوى 14 آذار لجأت إلى الاستفتاءات الشعبية أكثر من مرة وخاصة عند محاولة اسقاط الحكومة بالقوة. وكان ذلك استفتاء هائلاً في أكثر من منطقة وهذا بالتحديد ما أفشل محاولة اسقاط الحكومة. وأنا أرى إيجابية في ما قام به ميشال المر، شكلاً ومضموناً. فهو قد عبّر عن حجم الإختناق الذي تمثله قيادة عون الذي يحاول القضاء على كل دينامية سياسية.
كان أحد شعارات انتفاضة الاستقلال هو ” إستقلال لبنان وديمقراطية سوريا” تلاه رفض للتعامل مع المعارضة السورية من قبل قوى 14 آذار. واليوم نرى إنفتاحاً جديداً على المعارضة السورية. هل كان لديكم أوهام حول وضع النظام السوري؟ وما سر الإنقطاع ثم العودة؟
أثبت نظام حافظ الأسد منذ توليه السلطة في سوريا أنه حاول وبشكل منهجي تدمير الديمقراطية والتنوع النسبيين في لبنان. ونحن لم نطرح، لا في مرحلة إنتفاضة الاستقلال ولا اليوم، أي تلازم ما بين نجاح إستقلال لبنان والسعي لديمقراطيته وما بين مهمة إسقاط النظام السوري من قبلنا. لأن المهمة ليست واقعية كما أنها ليست مسؤوليتنا. غير أن العلاقة مع المكونات الديمقراطية في سورية لم تنتكس، بل شهدت مراحل نمو وانكفاء دون أن يحصل أي تغيير من قبلنا، كيسار ديمقراطي، مع تلك المكونات.على الرغم من أن هذه العلاقة قد تسببت – حسب الإعلام السوري – في بعض الأحيان بالأذى لبعض المعارضين السوريين. (إعتقال أحد المعارضين الذي اتصل بي هاتفياً فسُجن). غير أن هذا لا يعني أن المطلوب من المعارضين تعزيز ديمقراطية الوضع اللبناني، كما لا يعني أن علينا المساهمة في تحديد مصير النظام السوري. المطلوب هو علاقات طبيعية بين البلدين ضمن الأطر المناسبة، وهذا طموح الشعب السوري الذي يعبر عنه، كما هو طموحنا الذي نعبر عنه. وهذه العلاقة السليمة التي نطمح إليها هي نقيض ما يريده النظام السوري الذي يرى بقاءه في مدى قدرته على استخدام الوضع اللبناني.
لمَ انسحب اليسار الديمقراطي من انتخابات نقابة المهندسين؟
سحب اليسار اليمقراطي مرشحيه ولم ينسحب من معركة انتخابات نقابة المهندسين، لأنه يعتبر أن نجاح 14 آذار في هذه الانتخابات وثيق الارتباط بالمعركة العامة في لبنان. ولكن هذا لا ينفي أن لدينا وجهة نظر تجعل من 14 آذار أكثر فاعلية وتعبيراً عن تنمية المناخات الديمقراطية داخل هذه القوى.
من هنا كان نقدنا لسيطرة العصبيات على الحاجات الموضوعية للتنوع والميزات المتعددة لتكوينات 14 آذار. نحن نرى إجحافاً واستئثاراً في رفض ترشيحات اليسار الديمقراطي في بيروت، ونعتبر ذلك مسيئاً ليس لليسار الديمقراطي فحسب، بل لمصلحة كل قوى 14 آذار. (هنا أشير إلى منطق ما يسمى بالقوى الكبرى في 14 آذار).
في الوقت نفسه، هناك جهود استثنائية تُبذل لجعل 14 آذار مؤسسة قائمة على ديمقراطية أوسع (الأمانة العامة، المؤتمر الأخير، ورش العمل) وهي جهود لا تتناغم مع ممارسة كهذه. لذلك عبّرنا بالسلوك العملي عن انسحاب مرشحينا وتأييدنا لمرشحي قوى 14 آذار من باب الاحتجاج السياسي والعملي. دون أن يؤثر هذا الأمر على استمرار نقاشنا في أطر 14 آذار سواء لهذه المشكلة أو لغيرها من المسائل التي تستطيع أن توصل 14 آذارإلى أن تخدم الهدف بتحولها إلى بنيان ديمقراطي منفتح على ما هو أوسع من هذه القوى نفسها، في المجتمع وفي التيارات السياسية.