أهل “الشفّاف” سألوا قبل أيام عن أسباب إنقطاع الصديق فراس سعد عن الكتابة منذ مدة، فتبيّن لهم أن فراس سعد معتقل منذ أواخر العام الماضي، أي من حوالي 10 أشهر.
فراس سعد كاتب معارض من اللاذقية من مؤيدي اعلان دمشق، اتسمت كتاباته بتقد شديد للنظام الاستبدادي، استدعي للتحقيق لعدة مرات من المخابرات العسكرية بعد مقالاته في مواقع الانترنت في تموز من العام الماضي، يعتقد انه اعتقل في تشرين الثاني من العام الماضي وهو الآن في سجن صيدنايا وتم تقديمه للمحاكمة امام محكمة امن الدولة في دمشق وقد دافع عن نفسه في الجلسة الاولى وتم التأجيل لجلسة في 28 تشرين ثاني القادم.
هذا كل ما نعرفه حتى الآن بسبب تكتم اهله على اعتقاله إما خوفاً أو أملا بوعود بالافراج عنه حيث انهم لم يرغبوا في نشر اخبار عنه.
ما يلي المقال الثاني من مقالين ربما يكونا سبب اعتقاله. وكان الموضوع الأول عن مقال كتبه “سجين” آخر هو ميشال كيلو الذي نوجّه له تحية تقدير وإكبار في زنزانته.
مرة أخرى، ندعو القراء والمثقفين العرب (وخصوصاً من غير السوريين…) للتضامن مع النخبة السورية التي باتت “مزاولة السجون” أحد نشاطاتها الرئيسية.
*
كان الرئيس حافظ الأسد قبل أن يهجع إلى فراشه كل مساء يقرأ قليلاً من كتاب الأمير لمكيافللي و مكيافلي كان رجلاً قومياً يحلم بتوحيد أيطاليا بقوة أمير- زعيم يستخدم القوة العسكرية بعدما لم تنفع الدولة الأرستقراطية أو الديمقراطية في توحيدها , و لذلك كان لا بد لحافظ الأسد الشاب البعثي الطموح من أن يستولي على السلطة بأحد الأساليب الأربعة التي حدّدها مكيافللي في كتابه سابق الذكر : الأسلوب الأول الأستيلاء على الحكم بأسلحته و بالحظ , الأسلوب الثاني الأستيلاء على الحكم بأسلحة الآخرين و بالحظ , الأسلوب الثالث بالخداع والوغدنة , الأسلوب الرابع بموافقة مواطنيه .
لا شك أن الأسد لم يختر الأسلوب الرابع لأن مكيافللي نفسه لم يكن يميل إلى هذا الأسلوب للأسباب سابقة الذكر , و القضية – المشكلة هنا في حال كان زعيم كبير مثل الأسد واقعاً تحت سحر ماكيافللي.
الحقيقة أن منهج حافظ الأسد يشير إلى أنه كان واقعاً تحت سلطة هذا الكتاب لاسيما في التشابه الكبير بين وصية مكيافللي للسياسيين أن يكونوا بقوة الأسد و دهاء الثعلب . لا نعتقد أن حاكماً عربياً استطاع تنفيذ هذه الوصية بحذافيرها مثل الأسد حتى أن الرئيس اللبناني الأسبق سليمان فرنجية وصف حافظ الأسد بقوله أن “… له قوة علي و دهاء معاوية “. للأسف كان مكيافللي يؤمن بأن الغاية تبرّر الوسيلة و هو ما يعني تجاوز الأخلاق و اتباع البطش لتحقيق الغاية. في حالة مكيافللي كانت الغاية توحيد أيطاليا , أما في حالة سواه ممّن تأثروا بكتابه –الأمير- فالله وحده يعلم ما الغاية ؟ لكن لا نستطيع أن ننكر أن سورية – على الرغم من كل الأخطاء الكبيرة- ما كان لها أن تبدو بهذه القوة الدبلوماسية في المنطقة ممسكةً بملفاتها ببراعة وإصرار يصل درجة العناد لولا الأسد الأب.
سيادة القوة إذاً هو مبدأ مكيافل الأحب ,و على هذا المبدأ أسس الأسد دولة قوية عنيفة عمادها المخابرات و العسكرة و حطّم كل ما هو ليبرالي و ألغى كل ما هو مدني من مجتمعها , كما فعل من قبله حكام الأتحاد السوفيتي , فالمجتمع كله يتحول و يتكيف تبعاً لما يقرره ” أمير” مكيافللي . هنا تفوق الأب على أستاذه , فلقد قطع الأسد جذور سورية مع العالم المعاصر و مع الحداثة كما قطع ايضاً مع تاريخ سورية كحركة و فاعلية مادية و روحية.
لقد درس مكيافل اساليب السيطرة على الحكم و الأحتفاظ به و لقد كان الأسد الأب بارعاً في دراسة توزع القوى السياسية في سورية و كان أبرع في الأحتفاظ بالحكم , لربما اكتشف و ابتكر أساليب تفوق أساليب معلمه مكيافل . و لقد كان الأسد الأب بارعاً في استعراض التاريخ ,كان سياسي ذو نزعة تاريخانية واضحة و لربما كان هذا من وحي مكيافل الذي استعرض تاريخ الدول و اسباب نشوئها و سقوطها .
قد يسخر البعض من هذه المقارنة المقاربة بين كتاب – حتى لو كان بحجم الأمير – و بين خيارات زعيم و مصير وطن , لكن الحقيقة أن الكتاب له قوة الأفكار و الأفكار إذا ما استولت على شخصية الأنسان , لها قوة الله نفسه كما أن لها قوة الشيطان بشحمه و لحمه .
هل يستطيع أحد أن ينكر قوة البيان الشيوعي وتأثير مجمل نظريات ماركس-انجلس على حركة التاريخ الأوروبي و الروسي و العالمي ؟ هل من ينكر تأثير” العقد الأجتماعي” على تطور نظام الحكم في فرنسا و أوروبا , هل من ينكر من جهة مقابلة تأثير كتب من قبيل ” الكتاب الأخضر ” أو سواه من كتب الزعماء على مصير بلاد و شعوب بأكملها ؟
2
الفرق واضح بين زعيم يؤمن بنهج فكري او فلسفي تأثّر به في شبابه بعد قراءة كتاب لفيلسوف اجتماعي أو زعيم ثوري , او تأثر بنهج سياسي اقتصادي و سعى الى السلطة لتطبيقه او وجد نفسه في السلطة فجأة فسعى لتطبيق عقيدته , و بين من يجعل مكيافللي نبيه المختار و السلطة غايته الأولى و الأخيرة و ما عداها وسائل و من ضمنها سلامة المجتمع و استقراره .
3
حينما جاء الأبن أملنا أن لا يكون تلميذاً لمكيافل و صرنا نرجو أن يكون تتلمذ على يد”جمهورية” بودان ’ لكن يبدو أن الأبن يقرأ في كتاب الأب عينه , فلقد استمرت النزعة الأمنية و النزعة العسكرية تقودان سورية – على الرغم من أن نزعة عسكرة المجتمع في طريقها للإضمحلال – إضافة لنزعة ألغاء التنوع و تحطيم المختلف التي تصاعدت لافتعال الصدام مع الداخل و الخارج , مع الداخل عبر افتعال صدامات مع المتحدات السورية الناهضة المطالبة بحقوقها : الأكراد و الأسماعليين و تجمعات شعبية فقيرة في حمص و ريف دمشق و الميدان بدمشق و الزقزقانية في اللاذقية … و خارجياً عبر افتعال مشاكل و محاولة استعادة و ايقاظ صراعات ماضية نائمة في لبنان و العراق و افتعال أزمة في الأراضي الفلسطينية , أي مع كل الدول المحيطة بسورية .
إن الأرث الذي صنعه الأب سيكبل عنق أي رئيس قادم للبلاد بعده حتى لو كان قادماً من انكلترا حاملاً مشروع تغيير وفق النمط الأوروبي , فهذا الأرث من العنف و العدوانية يستحيل التخلص منه إلا بالعنف و القطع النهائي القسري معه و مع ممثليه و حماته .
4
لم يتأثر الأب بكتاب الجمهورية لبودان للأسف, ربما لو أن يداً امتدت إلى وسادة الأب لتأخذ كتاب الأمير و وضعت بدلاً عنه كتاب ” الجمهورية “لبودان” أو ” العقد الأجتماعي” لروسو لكان اختلف سير الأحداث و مصير الأشخاص اختلافاً جذرياً , ربما تستطيع يد ما , ” إلهية ” أو بشرية أن تمتد إلى وسادة الأبن ترمي بكتاب الأمير و تضع كتاباً آخر, ربما كان كتاب الكواكبي أو كتاب مثقف حر , ينقذ البلاد و العباد و ينقذ الأبن من تركة الأب الباهظة التي تقارب نتائجها الجحيم , أو جحيم الخوف من الجحيم و هو الأمر الأكثر ضراوة الذي يعانيه المجتمع السوري منذ سنوات و ما زال؟!! .
نُشِر في الحوار المتمدن – 2006 / 6 / 9
القراءة في كتاب الأب.. “الأمير” والأسداولا ، اتمنى للسجين فراس خروجا سريعا و سليما من اسر الفاشية السورية . ثانيا ، و تعليقا على ما اورد ، اقول بان ليس الكتب هي التي توجه السياسيين و القادة ، و تغير مصائر البلاد ، بقدر ما ان القادة السياسيين هم الذين يصنعون الكتب و التاريخ و مصائر البلاد . فحافظ الاسد ، لم يلهمه ميكيافيللي ، بقدر ما فرضت عليه التحالفات و المواقف و ردود الافعال ، ردود افعال سياسية ، تتناسب مع المتغيرات السياسية الداخلية و الخارجية ، في عصره .فالذي كتب كتاب الامير (ميكيافيلي ) كان مثقفا و ليس… قراءة المزيد ..