تواجه ايران صعوبة كبيرة في امكانية التفاهم مع الولايات المتحدة الامريكية. فهي تتعامل مع الولايات المتحدة بحدود الممكن كما هو حاصل مع افغانستان وكما هو الموقف في العراق. فالسياسة الايرانية في المحيط الاقليمي تعكس سعيها الى ان تكون دولة اقليمية رئيسية وبنفس الوقت متصادمة مع الولايات المتحدة التي تمثل القوة الرئيسية التي تحد من بعض الطموحات الايرانية الاقليمية. فهناك تناقضات كبيرة بين ايران والولايات المتحدة تجعل الصفقة الايرانية الامريكية صعبة المنال رغم توفر رئيس مؤاتي في الولايات المتحدة. فلايران حساباتها، وهي الان اهم دولة في العراق ولديها نفوذ في افغانستان، وقوتها واضحة في لبنان والجنوب، وفي غزة والقضية الفلسطينية ولديها برنامج نووي طموح. لكن في المقابل ان اي اتفاق بين ايران والولايات المتحدة سوف يعني تخليها عن اكثر من جانب من هذا النفوذ. بل على الاغلب أن بداية الانسحاب الامريكي في العراق وبداية التراجع الامريكي في الشرق الاوسط سوف يحدث بعض الفراغات التي ستحاول ايران ملئها. وبأمكاننا الاستنتاج بان الصراع المفتوح مع الولايات المتحده يساعد النظام في ايران ويساعد قاعدته وقوته واستمراريته بالرغم من تدني الاوضاع الاقتصادية في ايران. فجزء كبير من شرعية الحكم في ايران لازالت مرتبطة حتى اليوم بالمواجهه مع الولايات المتحده واسرائيل وبالايديولوجية الاسلامية، كان هذا في السابق وسيبقى في الامد المنظور. بمعنى اخر لا يوجد في ايران شرعية قائمة على التنمية وتلبية المطالب التعليمية والحياتية كما هو الان الوضع في الصين، ولا يوجد في قيادة نظامها مدرسة اصلاحية تمتلك صلاحيات كما حصل في الصين في نهاية الثمانينات. لازالت ايران نظاما وسياسة في مرحلة سابقة لهذا التطور.
ويزيد من صعوبة مقدرة ايران عى عقد صفقة مع الولايات المتحده ان ايران من جهة اخرى تواجه مجتمع ايراني خرج من عباءة الثوره، ويريد عالما مختلفا، ويبحث عن حريات وتنمية واقتصاد ودور اقل لرجال الدين في السياسة. فالمجتمع الايراني يزداد مدنية في تفكيره، كما ويزداد انفتاحا، وينظم حياته في اجواء مختلفة عن تلك التي تمثل الايديولوجية الاسلامية الرسمية للدولة. هناك تناقض كبير بين اغلبية الناس في المجتمع والدولة مما يجعل الدولة تخشى من الانفتاح والقطاع الخاص والنظام الحر والحريات والتعبير. ان النظام الايراني لازال في مرحلة مواجهة مع اعداء الخارج وما يعتبرهم ايضا اعداء الداخل من المطالبين بالحريات والتنوع والتعدد. لهذا تتواجه ايران مع مصاعب المساومة مع الخارج، اذ تعتبرها اضعافا لها ولقدراتها. ولهذا تزداد ايران اعتمادا على الحرس الثوري والاجهزه الامنية وذلك للسيطرة على الوضع الداخلي ولمنع اي اختلاف او انحراف عن الخط. لهذا بالتحديد انسحب خاتمي و سيكون من الصعب على رئيس ايراني اصلاحي تحقيق اصلاحات حقيقية.
ايران هي بلد الثورة الاسلامية الاولى في المنطقة، وهي بلد التغير الاول في مواجهة نظام ديكتاتوري اهمل الشعب وادار له الظهر. وايران هو النظام الذي رفع من امال الجماهير الايرانية كما وساهم في خلق تطلعات اقليمية شعبية ازدادت اعجابا بالنموذج الايراني في بدايات عهده. ولكن هذه الثورة الشعبية بكل ابعادها لم تنجح في حل المشكلة التي يعاني منها الشعب الايراني، فعقدا وراء العقد بدأ قطاع كبير من الناس ممن امنوا بالثورة يعيشون خيبة امل وراء الاخرى. ليس هذا جديدا في عالم الثورات، بل انه قديم بقدم كل الثورات عبر التاريخ. ففي ايران لم تحل حتى الان مشكلة البطالة ولا مشكلة الاقتصاد والانسان، والتنمية والتعليم والاخلاق والفساد والقمع والعالمية. ان غياب ارادة اصلاحية حقيقية من قبل الدولة ومؤسساتها لن يسمح لايران بالانفتاح على الولايات المتحده في هذه المرحلة. فأقصى ما يمكن لهذه المرحلة ان تقدمه هو: شراء الوقت وتفادي المواجهة العسكرية. ولكن تفادي المواجهة العسكرية هو الاخر يساهم في حماية المنطقة من مواجهة غير محمودة العواقب. ان السعي للتهدأة يمثل سياسة امريكية اكثر اتزانا، ولكن ايران هي الاخرى لديها حدود لن تستطيع تجاوزها وذلك بفضل اوضاعها الداخلية وطموحاتها الاقليمية.
shafgha@hotmail.com
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت