أمير مير- لاهور، “الشفاف”
كل الثناء والتقدير لقائد جيش باكستان، الجنرال أشفاق برويز كياني، لأنه، بخلاف أسلافه الأربعة، احترم تعهّداته المتكررة بإبقاء الجيش خارج السياسة مع أن قسماً من المؤسسة الباكستانية حاول إقناعه بالإنقضاض على الحكم في ظلّ الوضع الإستثنائي السياسي الراهن والأزمة السياسية الخطيرة التي عاشتها البلاد، والتي يبدو أنها انتهت الآن مع إعادة القضاة المفصولين إلى مراكزهم.
وانسجاماً مع المجهودات الواعية التي بذلها منذ تسلّمه منصب قائد الجيش في 28 نوفمبر 2007، لإبقاء المؤسسة بمنأى عن السياسة، فإن معلوماتنا تفيد أن كياني رفض كل أنواع الإغراءات السياسية وتصرّف كعسكري محترف في وقت كانت الديمقراطية الباكستانية عرضة لتهديد خطير. وهذا علماً أن دور الجيش في سياسات باكستان كان دائماً دوراً مهماً جداً.
وحينما ازدادت حدّة الأزمة السياسية في باكستان، في الأيام القليلة الماضية، وبدأت تشكل تهديداً جدياً للتركيبة الديمقراطية القائمة، فقد تدخّل كياني ليمارس نفوذه المهدّئ للتوسّط بين آصف زرداري ونوّاز شريف، علاوة على تشجيع رئيس الحكومة، غيلاني، على ممارسة دوره كرئيس للسلطة التنفيذية في البلاد من أجل إيجاد حلّ للأزمة. والواقع أن كياني كان يعرف، منذ أن تسلّم زمام القيادة من برويز مشرّف، أن المؤسسة العسكرية، التي ذاقت السلطة السياسية مرات عديدة منذ الإستقلال، قد بطلت أن تكون مؤسسة بعيدة عن السياسة كما يُفتَرَض بها.
ولهذا السبب، قام كياني بعد شهر واحد من تسلّمه القيادة، وفي ما يمثّل إنقلاباً على النهج السياسي الذي استمرّ 8 سنوات من حكم مشرّف، بسحب كل ضبّاط الجيش العاملين من كل المؤسسات المدنية- الأمر الذي كان بمثابة رسالة من قيادة الجيش إلى الطبقة السياسية المدنية. وبعد ذلك، أعطى كياني تعليمات إلى كل ضباط الجيش، بما فيهم ضباط القيادة العليا، بالإمتناع عن التعاطي بالسياسة قبل إنتخابات 2008 العامة، وبالإمتناع عن عقد لقاءات مع سياسيين. ووجّه كياني خطاباً رسمياً إلى ضباطه جاء فيه أن الضباط لا ينبغي أن يلعبوا أي دور سياسي، وأن عليهم أن يتقيدوا بمسؤولياتهم المهنية- أي أن واجبهم يقتصر على الدفاع عن الحدود الجغرافية لباكستان. وعلى طريقته، فقد قام كياني بتذكير مرؤوسيه بالقَسَم الذي كان كل منهم قد أقسم على احترامه.
وتقول مصادر عسكرية مطّلعة أن الجنرال كياني كان يرغب في البقاء بعيداً عن التجاذبات السياسية، حتى بعد أن قاد آصف زرداري ونوّاز شريف البلاد إلى مأزق. ولكن اللاعبين الدوليين، المنخرطين بقوة في الحرب على الإرهاب، أقنعوه بأن يتدخّل كمنقذ من أجل وضع حدّ للشقاق بين الزعيمين الرئيسين في البلاد، اللذين ينتمي أولهما إلى إقليم “السند” وثانيهما إلى إقليم “البنجاب”. فالمواجهة كان يمكن أن تؤدي إلى كارثة لو لم يتم وقف المسيرة الطويلة في آخر لحظة.
وبناءً عليه، استخدم الجنرال كيانه نفوذه بطريقة إيجابية من أجل إقناع الزعيمين المتنازعين- زرداري ونوّاز شريف- بالتراجع عن المواجهة التي كانت، حرفياً، تهدّد بزعزعة إستقرار البلاد. وجاء تدخّل الجنرال كياني بعد يوم واحد من إتصال المبعوث الأميركي إلى باكستان وأفغانستان، ريتشارد هولبروك، وكذلك وزير الخارجية البريطاني دافيد ميليباند، باتصالات هاتفية مع القيادات العسكرية والسياسية في باكستان لمطالبتها بوضع حدّ للتأزم السياسي المتصاعد.
وتقول أوساط مطّلعة أنه فور عودة الجنرال كياني من زيارة لواشنطن، فقد طالبه اللاعبون الدوليون بممارسة دوره كوسيط بين قصر الرئاسة و”رايويند”. وقد دعا كياني قادة الفيالق إلى اجتماع أطلعهم خلاله على قلق الدول الكبرى بخصوص الوضع الراهن في باكستان، وخصوصاً بعد قرار إقالة حكومة “البنجاب” المحلية، في أعقاب صدور حكم من المحكمة العليا ضد الأخوين شريف، وما تلاه من تحركات في الشارع قام بها أنصار شريف.
ومع أن بعض المحلّلين يعتقدون أن الدور الذي لعبه قائد الجيش لا يصحّ من وجهة النظر الدستورية، فإن السؤال الأكثر أهمية في الظرف الراهن هو: هل كان هنالك من خيار آخر لإنقاذ البلاد؟
amir.mir1969@gmail.com