تحتفل الجمهورية الإيرانية اليوم بالذكرى الثلاثين لثورة الحادي عشر من شباط عام 1979. فهل حققت هذه الثورة ما كانت تناضل من اجله الشعوب الإيرانية ضد حكم الشاه الاستبدادي ؟ وهل بقيت كل فصائل الثورة المختلفة في توجهاتها العقدية سالمة بعد انتصار الثورة وسيطرة الخميني وتياره على سدة الحكم في إيران ؟ وهل انتهت سياسة إيران التوسعية في عهد الشاه بعد الثورة الإسلامية؟
الكثير من الأسئلة تبرز في لحظات الاحتفال بهذه الثورة التي أضفي عليها اسم ثالث ثورة كبيرة في التاريخ. ولربما هذه التسمية جاءت بعد المظاهرات المليونية التي ساهمت بها جميع فصائل الشعوب الإيرانية وقواها السياسية ومنها الدينية التي أرادت إنهاء نظام الشاه . يوضح إبراهيم يزدي وزير الخارجية الإيراني في حكومة مهدي بازوكان رئيس وزراء أول حكومة بعد نجاح الثورة لـ«الشرق الأوسط» : «أثناء الثورة، كانت جميع الأحزاب والفصائل السياسية، اليمينية أو اليسارية، الدينية أو غير الدينية، متفقة على ما لا تريده، وهو: أن الشاه يجب أن يغادر، وأنه تجب الإطاحة بنظام حكم الشاه الاستبدادي، ولكن لم يكن هناك مثل هذا الإجماع في مواقفهم المتعلقة بالبديل الذي سيحل مكان نظام الشاه. ولهذا، بدأ الخلاف على الفور بعد الثورة.
أحداث شباط وانتصار الثورة جاءت بسلاسة فاجأت قياداتها من التيارات الوطنية ، اليسارية ، القومية والإسلامية ومن مختلف الديانات والمذاهب ، مع تحرك الشارع الإيراني بالملايين لدعمها الكره للنظام المستبد، إلا أنهم بعد فترة قصيرة من نجاحها شهدت إيران حربا تشبه “حرب الشوارع” بين أنصار التيار الديني من الشباب المعممين وأنصار التيارين الليبرالي واليساري من الشباب الذين يضعون في غرفهم صور شي جيفارا وشعار الاتحاد السوفيتي السابق “المطرقة والمنجل”، كما يقول يزدي.
أليست هذه الصورة تكررت في العراق بعد سقوط النظام البعثفاشي عندما تحركت مليشيات جيش المهدي ومليشيات بدر لتصفية الشخصيات اللبرالية والوطنية العراقية ؟
ويضيف يزدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»:” إن المشكلة كانت أن كل القوى كانت متفقة على هدف التخلص من الشاه، لكنها كانت مختلفة على كل شيء بعد ذلك، على نوع الدولة وعلى دستورها وعلى قوانينها الحاكمة وعلاقاتها الخارجية”.
ومن المفارقة أن تكون معارضة نظام صدام حسين بجميع تشكيلاتها لم تكن تعرف ما تريده بعد سقوط النظام سوى مشاريع مبعثرة لم يكن هدفها الوطنية العراقية ووحدة ترابه مما افرز دستور عراقي يحوي بين سطوره قنابل موقوتة لا زالت انفجارياتها مستمرة على الساحة السياسية العراقية.
ولم يكن قائد الثورة ” الخميني ” صاحب مشروع سياسي وإنما رجل دين ثار ضد نظام الشاه تحول إلى رجل دولة بعد ان وطئت إقدامه طهران بعد غربة قضى اغلبها في مدينة النجف تحت رعاية النظام الصدامي . وهذا ما يؤكده هاني فحص، الذي كان قريبا من الخميني ومن الثورة الإيرانية قبل وبعد نجاحها، حيث عمل مع هاني الحسن، الذي كان سفيرا لفتح لدى إيران،:” إن الخميني في البداية لم يكن لديه مشروع سياسي محدد، كان في الأساس رجل دين يعارض سياسـات الشاه. وبعد عودته إلى طهران لم يستطع إخفاء أطماعه السياسية، ونادى الجماهير المحتشدة قائلا: “من اليوم فصاعدا أنا الذي يعين الحكومة”. وتحول الإمام من حالته الثورية التي تقوم على التركيز على حرية الاجتماع مع الدولة من منظور ديني ، إلى القول والعمل على شمولية الدولة، إلى حد إمكان تعطيل الأحكام لصالح ضرورات الدولة.
فأثناء عملي كمستشار لدي اليونسكو كنت في مهمة في المملكة العربية السعودية في ثمانينات القرن الماضي. وبدعوة كريمة من العالم النجدي الشيخ المبارك وكيل وزارة التربية السعودي آنذاك لحضور أمسيته الأسبوعية التي كان يقيمها في داره التي حضرها الدكتور محمد احمد الرشيد المدير العام لمكتب التربية والتعليم لدول الخليج العربي قبل أن يستوزر كوزير للتربية في المملكة والدكتور محمد العوا ، الكاتب والمفكر الإسلامي والسيد القويز المسئول في مجلس التعاون الخليجي مع عدد آخر من ضيوف الشيخ المبارك. وكان وفدا ساهم فيه العوا والمبارك قد عاد من طهران للتوسط من اجل إيقاف الحرب الإيرانية العراقية . ذكر الدكتور العوا في تلك الأمسية بان الوفد كان يتحدث للسيد “خميني” عبر مترجم من العربية إلى الفارسية والعكس.
مما اثار اهتمامي واهتمام الكثيرين ذلك الحدث هو أن رجل الدين المسلم يفتخر بمعرفته اللغة العربية لأنها لغة القرآن وكذلك التحدث بها دليل على تبحره في العلوم الإسلامية التي هي بالأساس باللغة العربية، ولكن اختار قائد الثورة عدم الحديث باللغة العربية التي يجيدها هو الميل إلى فارسيته كرجل دولة دون أظهار شخصيته كرجل دين .
لقد ساهمت القوميات غير الفارسية أيضا في النضال ضد نظام الشاه وساعدت على نجاح الثورة كما ساهمت القوى السياسية المختلفة التي كانت آمال القوى اللبرالية الإيرانية والوطنية الديمقراطية كبيرة فيها بأن الخميني سوف يعطي الحقوق المشروعة لها لإسهامها في إنجاح الثورة ، ولكن الواقع صدمهم جميعا بعد ان التف قائد الثورة على تطلعاتهم ، حيث كان ينوي منذ البداية تأسيس نظام دكتاتوري مبني على قيم إسلامية. ولهذا استند على مبدأ “ولاية الفقيه”، أي السلطة المطلقة لعالم الدين الإسلامي.
بعيد الثورة الإسلامية أعطى إشارات إلى القوميات الأخرى ي الدولة الفارسية المتعددة العرقيات بان النظام الجديد سوف يكون منصفا ويحق طموحاتها القومية. وأتذكر حديث الدكتور حنظل الشيخ خزعل ( أمير عربستان) في ثمانينات القرن الماضي حول دعوة خميني له والطلب منه التأثير على عرب الأهواز لتأيد الثورة . وما ان استولى النظام الجديد وحكم قبضته على السلطة عادت السياسات الفارسية المتعصبة ضد القوميات الأخرى وفي طليعتها العربية في الأهواز وخارج إيران . وكانت تجربة العرب الشيعة الذين فروا من نظام صدام حسين إلى إيران صورة لا يمكن ان تمحى من الذاكرة حيث حرموا من ابسط شروط العيش في إيران هم وأبنائهم وبقوا أعوام في معسكرات اعتقال مما دفع الكثيرين منهم العودة إلى العراق ليواجهوا حكم الإعدام على يد جلاوزة النظام البعثي . ساهمت صحيفة ” العراق الحر” التي كان يصدرها الأستاذ سعد صالح جبر في تسعينات القرن الماضي ويرئس تحريرها الإعلامي سامي علي في فضح معاناتهم على يد النظام الإسلامي. ولازال العرب في الأهواز مضطهدون على يد نظام ولاية الفقيه كما هو حال القوميات الأخرى ، الأكراد، التركمان ، البلوش والذريين وأتباع الديانات والمذاهب .
وصف الكاتب والصحفي البولندي ريشارد كابوشنكي Ryszard Kapuscinski في كتابه “مِن شاه إلى شاه” كيف استطاعت الثورة الإسلامية الدوران إلى الخلف آنذاك بصورة راديكالية ، حيث قامت عن طريق القمع باستبدال الشعارات الديمقراطية بـ”الاندماج القومي” وقامت بذبح وتقتيل الأقليات للحفاظ على وحدة الدولة الإسلامية وسيطرتها المطلقة على حساب القوميات الأخرى غير الفارسية.
تحولت القوى الإسلامية ضد الليبراليين والشيوعيين بعد أن أعطى المجال بازدواجية تركيبة المؤسسات السياسية خلال الفترة الانتقالية، فكان الجناح الليبرالي الديمقراطي بقيادة رئيس الدولة ورئيس الوزراء من ناحية، وكان (الزعيم الروحي) الإسلامي الذي يتولى مهام البرلمان والقضاء وما يُسمى بمجلس أوصياء الدستور من ناحية أخرى.
وبدأت سنوات الرعب بين 1981 حتى 1985 حيث قضت المحاكم الإسلامية المستعجلة بالإعدام على آلاف من معارضي النظام. كما ساعدت الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت حتى عام 1988 على استمرار توطيد الحكم المطلق لسلطة خميني .
وعلى الرغم من أن خوميني كان يدعي أن الثورة “في خدمة الحفاة والمعدمين” ومساندة الجماهير المحرومة في المدن، إلا أن ذلك لم يتحقق في حياته ولا بعد مماته حيث لازالت الشعوب الإيرانية تعيش الفاقة ولم تساهم إرادات الدولة من زيادة أسعار النفط من تحسين ظروفهم لسياسات النظام في تبديد ثروات الشعوب الإيرانية على بناء ترسانة حربية ومنها البرنامج النووي.
أما في فترة حكم الرئيس أحمدي نجاد، الذي يعتبر نفسه خلفا لروح الله خميني ومجددا لقيم الجمهورية الإسلامية الأصلية، أصبحت إيران معزولة سياسيا واقتصاديا، وما زاد معاناة الشعوب الإيرانية الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة على دولة الملالي بسبب برنامجها النووي.
إن تبديد ثروات الشعوب الإيرانية من اجل تصدير أفكار الثورة إلى خارج إيران لم تعد محل نقاش لان ما يقوم به نظام طهران من تسليح ودعم مادي للمليشيات التابعة لها في العراق وفي لبان وأخيرا امتدت يده لإشعال قتال داخلي في فلسطين من تمكين حماس لبناء دولة إسلامية على حساب القوى الفلسطينية التي ناضلت منذ عام 1965 من اجل تحقيق آمال الشعب الفلسطيني ببناء دولته المستقلة.
نقلت صحيفة الأهرام المصرية الأسبوع الماضي عن مصدر مصري مسئول قوله:” أن الأموال وهي 9 ملايين دولار أمريكي ومليوني يورو التي ضبطت مع القيادي في حركة حماس ايمن طه أثناء عبوره إلى غزة عبر معبر رفح قدمت من إيران”. وأشار المصدر إلى إن المبلغ هو جزء قليل من مبالغ طائلة حصلت عليها قيادات حماس من إيران الأسبوع الماضي.
إن سياسة التوسع التي بدئها شاه إيران على حساب الدول العربية المجاورة لا زالت تمارسها دولة إيران الإسلامية في العراق كما هو الحال استمرارها احتلال ثلاثة جزر تابعة لدولة الأمارات العربية المتحدة.
إن الذكرى الثلاثين للثورة وميسرتها الشائكة أفرزت خطا ميكافيليا في سياسة النظام حيث الغاية تبرر الوسيلة. ففي الوقت الذي تعتبر القاعدة ان المذهب الشيعي خارج عن الإسلام وتحليل قتل المسلمين الذين لا يحملون فكرهم يتناسى نظام طهران ذلك ويقدم العون المادي ولتسليحي لعصابات القاعدة وكذلك المؤوى الآمن . فقائمة الـ 85 السعودية تكشف اتخاذ عناصر من تنظيم القاعدة الإرهابي إيران مركزاً لتخطيط هجمات إرهابية ضد دول المنطقة. ويبرز اسم صالح القرعاوي، والمكنى بـ”نجم”، كواحد من أهم الأسماء التي تدير عمليات تنظيم القاعدة من الأراضي الإيرانية. ويعتبر القرعاوي طبقاً للمعلومات المتوافرة عنه من أهم مقدمي التسهيلات والدعم المالي والتزوير وتنسيق سفر عناصر ومطلوبين من التنظيم للخارج، إلى جانب علاقته السابقة بـالمقبور أبو مصعب الزرقاوي من خلال دعمه بالمال وإرسال ما يحتاجه من الأشخاص.
وتلقى صالح القرعاي، والذي يستخدم 14 اسماً حركياً في تنقلاته، تدريبات مكثفة في إيران، على استخدام الإلكترونيات في عمليات التفجير، وجعل من الأراضي الإيرانية مركزاً لعملياته، وقام بدور الوسيط بين قيادات التنظيم وأعضائه، وسعيه نحو جهود التنظيم في العراق ولبنان.
وعلى الصعيد المحلي، ساعد القرعاوي، والذي يتواجد في إيران منذ سبتمبر (أيلول) 2006، في نقل أحد الذين هربوا من سجن الملز، ومطلوبين آخرين إلى منطقة الجوف (شمال السعودية)، في إطار عملية تهريبهم للعراق، فيما نشط على صعيد العمل الخارجي بالترتيب لوصول متطرفين إلى لبنان لتدريبهم هناك، ومن ثم إرسالهم إلى العراق لتنفيذ عمليات إرهابية.
وعلى الرغم من تسمية الثورة الإيرانية واحدة من ثلاث ثورات في التأريخ فان نهايتها كنهاية الثورة البلشفية في روسيا أو الثورة الصينية لماو تسي تونغ تحمل مرضها في داخلها مما سيقضي عليها . إن المعارضة الإيرانية الناضجة والتفاف الشعوب الإيرانية حولها حتما سوف تساعد في الإسراع من تحقق ذلك من اجل رفاهية وحرية الشعوب الإيرانية وامن المنطقة والسلام العالمي.
ralamir@hotmail.com
* كاتب عراقي
الثورة الإيرانية وضياع آمال الشعوب في تحقيق آمالها Don’t you have anything else to talk about? You hammer Iran day and night as if the Arab countries have treated their population better, for example, in over 60 years of miseries and failures. And what do the rich Arab states do for their people with the oil money that they gain? Absolutely NOTHING. If this is not a disappointment who knows what is. One can understand Israel or the mummified president of Egypt wanting to demonize Iran. These are nations whose raison d’etre is the have an enemy. But the peoples’… قراءة المزيد ..