زار الرئيس سعد الحريري مؤخرا موقع المدينة الجامعية في المون ميشال في سياق جولة على مشاريع العاصمة الشمالية وضواحيها.
وقبله بأكثر من ست سنوات زار الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي المدينة الجامعية في سياق جولة طرابلسية على بعض المشاريع والنشاطات، وفِي الحالتين غابت عن الزيارة وجوه لجنة المتابعة الرئيسيّة التي حملت هذا الهم منذ سنين طويلة وما تزال.
علما أنّ والد الرئيس سعد الحريري احتضن هذا المشروع منذ انطلاقه، وعلما ايضا ان الرئيس ميقاتي رافق هذا الموضوع منذ كان وزيرا للأشغال، الى جانب غيره من المسؤولين الطرابلسيين والشماليين عموما.
انطلقت المرحلة الثانية من حركة البناء الجامعي على خلفية انتفاضة المباني في كلية العلوم في بداية ٢٠٠١، وهي الانتفاضة التي تحولت الى انتفاضة شمالية بعد الاحتضان الأكاديمي والمدني والسياسي الواسع، والتي أنتجت لجنة المتابعة الثانية الواسعة التمثيل أكاديميا ونقابيا ومدنيا.
وكانت الاولى قد تشكلت من قبل اعضاء الهيئة التنفيذية الشماليين لرابطة أساتذة الجامعة سنة ١٩97 بعد لقاء واعد مع الرئيس رفيق الحريري والذي كان قد قارب إنهاء المدينة الجامعية في الحدث، وضمت الاولى ناشطين أكاديميين بينهم عمداء ومدراء، وتجمدت عمليا في فترة الحكومة الحصية بعد حراك واسع ادى إلى وضع المون ميشال على الخارطة الأكاديمية والسياسية.
وقد اعادت اللجنة الثانية إطلاق المشروع من جديد في احتفال مهيب حضره معظم النواب والوزراء الشماليين ونقباء المهن الحرة، فضلا عن رئيس الجامعة وعمدائها ورؤساء الجمعيات والمؤسسات والهيئات الثقافية والنقابية والمدني، واعتبر هذا الاحتفال الذي عقد في نقابة المحامين من أهم اللقاءات الشمالية الجامعة، و شكلت اللجنة مكتبا تنفيذيا ووضعت مشروعا أوليا نال موافقة وإعجابا كبيرين، خصوصا حين اظهرت ان موقع المون ميشال سيعيد استقطاب الشماليين من كل المناطق فضلا عن بلاد جبيل لجمال موقعه وتنوع محيطه وسهولة الوصول اليه.
وقد التف الشماليون جميعا حول هذا الهدف الأكاديمي الكبير، كما احتضنه المسؤولون جميعا وبالطبع رئيس الحكومة رفيق الحريري، حتى بعد ان “غيب” عن احتفال وضع حجر الأساس الذي “رتب ” في يوم مؤتمر باريس ٢ الذي عقد من اجل دعم اقتصاد لبنان، وحين زارته اللجنة بعد عودته من باريس شارحة الالتباس، قال مازحا انه يحب ان يسمع صوت الجرافات عند وضع حجر الأساس وتعهد بمتابعة هذا المشروع بنفس التصميم والحماس الذي تابع فيه بناء المدينة الجامعية في الحدث والتي حملت اسمه.
وبالفعل فقد قاد الحريري بالتعاون مع الوزراء والمسؤولين الشماليين ولجنة المتابعة عملية نقل الملكية من الجيش للجامعة اللبنانية والتي سهلها رئيس الجمهورية وشكلت اهم حصيلة عملية في مؤتمر انماء طرابلس الذي انعقد في نيسان ٢٠٠٢، كما أمّن استملاكات واسعة في الموقع في ظروف سياسية بالغة التعقيد وكلف شركة لاسيكو عبر مجلس الإنماء والإعمار انجاز الدراسات لعشر كليات بما فيها الزراعة والتكنولوجيا واللتين عرقل وزير التربية عبد الرحيم مراد ورئيس الجامعة آنذاك ابراهيم قبيسي قراراتها التنظيمية رغم تشجيع الرئيسين الحريري ولحود.
وبالنظر لمواكبتنا لإنجاز مباني الحدث وللإتصالات التي كان الشهيد قد اجراها أمامنا مع بعض الصناديق، وبالنظر للدعم السياسي الشمالي الكبير للمشروع، كنا متيقنين أنّ المدينة الجامعية ستنهض خلال سنوات قليلة، إلاّ إنّ تفجير الرئيس الحريري بطنين من ت.ن.ت. شكل زلزالا كبيرا مع ارتدادات قوية في كل الاتجاهات كادت أن تشطر البلد الصغير الذي ما زال يعيش وطاة، إن لم نقل هول، الإنقسامات على أنواعها.
لم نيأس رغم الصدمة وتداعياتها الهائلة، بل سرعان ما استوعبناها وأعدنا حركتنا بدينامية مدنية وسياسية واسعة وحفرت كلية العلوم مطلقة الإنتفاضة في احتفال كبير سنة ٢٠٠٧، ثم توقفت بسبب نقص الأموال لتنطلق كليتي الهندسة والفنون بقرض من بنك التنمية الاسلامي، وقد غطى القرض التجهيزات والمختبرات في المبنيين اللذين تأخرا كثيرا (بسبب مشاكل ادارية ومالية في الشركة التركية الملتزمة) واللذين تتابعهما شركة الباطن اللبنانية as subcontractor بعد تباطؤ وتوقف عدة سنوات.
لم نخفي انزعاجنا من تجاهل لجنة المتابعة في الزيارة الرئاسية المزدوجة والتي حشدت معها الإدارات الجامعية البعيدة نسبيا عن سياق معركة البناء الجامعي التي قادتها لجنة المتابعة وكأنها تسير في حقل ألغام، اذ لا يخفى اننا في بلد تغزوه الانقسامات على أنواعها ويجري فيه التعامل مع المشاريع وكأنها غنائم سياسية حتى ولو كانت حصيلة الحركة الاكاديمية والنقابية والمدنية، وقد اتبعت الزيارة، بتسمية المجمع باسم مدينة ميشال سليمان الجامعية بقرار سريع من مجلس الوزراء، ما بدا وكأنه مواز لإسم مدينة رفيق الحريري الجامعية. وقد أتت الزيارة في ظرف سياسي بالغ التعقيد والتداعيات، خصوصا على العاصمة الشمالية التي دفعت غاليا ثمن قربها من معظم الفوالق السياسية في لبنان وسوريا.
لم تحبطنا هذه الزيارة الفائفة التسييس ككل شيء في لبنان المعجون بالمناورات والشخصانية، بل بالعكس فقد شكلت حافزا لنا، خصوصا في كلية العلوم صاحبة المشروع الأصلي والتي لطالما قادت منذ عهد حسن مشرفية معظم المواجهات الاكاديمية من اجل قضايا الجامعة اللبنانية، ما جعلها تتبوأ مركزا مرموقا ومشهودا له في البلد وفي الجامعات الغربية المتقدمة قبل ان تتراجع بفعل عوامل كثيرة لسنا بصددها الان.
اذكر انني نشرت مقالا في اكثر من جريدة وطنية وشمالية وأرسل لأكثر من مسؤول تعليقا على الزيارة بعنوان
“قبل ان تبتلعنا حفرة كلية العلوم”
شكل المقال عنوانا لاستعادة الإمساك بمعركة البناء الجامعي من قبل المجتمع الأكاديمي والمدني الذي أطلقها لانه ببساطة يشكل ضمانة الاستمرار والمتابعة، خصوصا من قبل أهل العلوم الذين ألفوا لجنة فرعية من ابرز الأساتذة لإخراج العلوم من الحفرة بعد تأخر تسييل المال المرصود في الصندوق السعودي ضمن باريس ٣ نتيجة الانقسامات السياسية المعروفة. قادت اللجنة بالتعاون مع لجنة المتابعة الأساسية حركة واسعة ومركبة لتأمين بقية أموال المناقصة المجمدة، مستفيدة من رصد البرلمان في التسعينيات ل٤٠٠ مليار ل ل في قانون- برنامج باسم الأبنية الجامعية ، لم يستعمل منه الحريري الأب الذي هندسه سوى100 مليار من اجل الحدث والباقي أمنها من الهبات والصناديق، وهذا ما عرفناه من الصديق د بلال علايلي في لقاء عمل موسع.
وقد سهل حركتنا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المالية محمد الصفدي، رغم دخولنا الاضطراري في متاهة “موازنة- سلفة” اذ ان القرار الاول بتخصيص ٢٥ مليون دولار لاستكمال المبلغ الموجود للعلوم وبعض الأشياء الأخرى كان شيكا بلا رصيد، وقد اصبح مرصدا حين تحول من الموازنة للسلفة، ما مكن مجلس الإنماء والإعمار من اطلاق المناقصة الأصلية.
لا نقول شيئا جديدا اذا رددنا ضعف الثقة الشمالية وخصوصا الطرابلسية بتنفيذ المشاريع، ولكننا لن نذهب لحد العزف على وتر المظلومية الطرابلسية التي تصل لحدود الندب والعدمية أحيانا، كما حصل في مرآب التل التعيس الحظ، ولا نريد ترداد نغمة شتم الطبقة السياسية، خصوصا أننا نرى أنّ النخب المتعددة عموما تتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية في هذا الإطار، بل نفضل تجميع أوراق الضغط المناسبة لمتابعة هذا المشروع الذي طال انتظاره والذي سيلعب ادوارا متعددة، بما فيها المساهمة الغير مباشرة في اعادة إعمار سوريا حين يحين وقت الإعمار ويتوقف القتل والدمار، ذلك أننا نلمس رغبة جدية من الحريري الإبن في أن تأخذ المدينة جانبا من الغنم بعد ان سئمت من دفع فواتير الغرم عنها وعن غيرها في المتاريس الأمنية والسياسية ، وربما من الأفضل أن تكون أمامه في جلسة مجلس الوزراء المزمع عقده في المدينة رزمة القضايا التي يتوقف على بتها إنهاء هذا المشروع الذي يتطلع له الجميع ضمن خطة مرنة وعملية ومنطقية.
وتتوزع القضايا على أربعة محاور أساسية:
المحور الأول
النصف العلمي للمجع
١- الإلتزام بإنهاء أبنية الهندسة والفنون والعلوم وتسليمها لإدارة الجامعة في الصيف الحالي، ليصار إلى تهييئها عبر التجهيزات والمختبرات وعقود الصيانة، حتى يبدأ التدريس في السنة القادمة.
٢ – تأمين المال اللازم من أجل تجهيزات ومختبرات كلية العلوم، علما أن تجهيزات الهندسة والفنون مؤمنة من ضمن قرض بنك التنمية الاسلامي.
٣- التلزيم الفوري لكلية الصحة التي فضت عروض مناقصتها منذ اخر شباط، خصوصا ان مبنى الصحة يقع بين العلوم والهندسة، ما يتطلب الإسراع في انجاز حفرتها، حتى يتسنى التدريس في الكليات الأخرى دون ضجيج وغبار، علما أنّ هذا التباطؤ يدعم عملية ضعف الثقة بطريقة التعاطي المشاريع شمالا.
تجدر الإشارة إلى أنّ ملف العلوم والصحة يتضمن اعمالا أخرى كمحطة المياه وباركينع والأغورا التي تجمع الكليات بطريقة بيئية جميلة، ما يجعلنا امام نصف مجمع عند انتهاء الصحة وليس أمام أربع مباني.
المحور الثاني
الكليات الاخرى:
لا يجوز ان تبقى الكليات الباقية دون انجاز، خصوصا أنّ بنك التنمية الاسلامي عرض تمويل كليات أخرى في طرابلس والفنار، علما اننا نرى ضرورة البدء بإدارة الاعمال نظرا للواقع المزري لمباني الكلية في القبة، وهي مباني تشبه اي شيء ما عدا مباني جامعية، على ان يوضع خطة طريق واضحة لإنجاز الكليات الاخرى ضمن مخطط واضح وشفاف.
المحور الثالث
محور مباني الأبحاث والسكن:
لا يجوز ان تبقى مباني الأبحاث تشغل طوابق في أبنية، خصوصا الابحاث ذات الطابع العلمي، وبالتالي فإنه من البديهي أن تقام مراكز أبحاث في المجمع، وقد طرحنا هذا الموضوع على مجلس الإنماء والإعمار الذي طلب تقديم طلب رسمي من الجامعة لتأمين القروض والدراسات اللازمة وهو ما يجب ان ينجز فورا .
كما نرى ضرورة تنفيذ مباني سكن للطلاب، خصوصا القادمين من عكار و الضنية وبشري وغيرها من المناطق البعيدة عن المجمع .
المحور الرابع
موضوع الطرقات
١- مستديرة البحصاص
واخير جرى تنفيذ وضع اليد في مستديرة البحصاص، التي تربط المدينة بالمجمع وبعموم منطقة الكورة، فصلا عن المنتجعات البحرية، وسيجرى توسيع وتجميل المستديرة بما يخفف ولا ينهي أزمة السير في هذه المنطقة الحيوية. علما بانه يوجد ضرورة لتنفيذ وصلة ٢٠٠ م نزولا عبر الجسر القديم، كما يجب الإهتمام بالمستديرة على الجانب الطرابلسي من البحصاص لجهة نصب المدينة، علما ان الوزير العريضي أشبعنا استعراضا في هذه المنطقة افتتاحا لجسور وتسكيرا لها مع امتصاص ١٤ مليار كانت مرصودة للجسور ولم ننجح او لم نحاول جديا استردادها للمدينة.
٢- الجانب الشرقي من الأوتوستراد الدائري
نعلم أنّ الحريري اطلع على ما يعتقد أنّه المرحلة الاخيرة من الجانب الغربي للدائري الطرابلسي وهو الجانب الذي قارب قطع انفاس الطرابلسيين قبل ان تقطعه سياراتهم، ما يشكل سببا اخر لتصاعد قلة الثقة باسلوب وبطء تنفيذ المشاريع، مما يزيد من منسوب المظلومية الطرابلسية والشمالية عموما. أمّا الجانب الشرقي والذي من المفترض ان يمر امام المدينة الجامعية ويسهل الوصول اليها من مناطق وأقضية كثيرة، فلم تبدأ بعد مرحلته الاولى التي تقطع وادي هاب وابو سمرا وأبو علي وأعالي القبة وصولا للعيرونية، رغم وجود القرض من بنك التنمية الاسلامي وانتهاء الدراسات ومناقصة الشركات المؤهلة وقرار مجلس الوزراء السابق بتأمين أموال استملاكات ابو سمرا( حوالي٥٠ مليار ليرة(
والذي نعلم وللأسف مناورات وبهلوانات القيمين على المالية وبعض مرافق الدولة في تنفيذ القرارات، والمطلوب فورا تأمين الأموال لإنجاز الاستنلاكات وطرح المناقصة.
وأخيرا نضع الملاحظات التالية أمام الحكومة :
اولا: حل كل قضايا هذه المحاور ضمن الاولويات المطروحة واعتبارها الوجبة الرئيسيّة على مائدة افطار مجلس الوزراء.
ثانيا: إشراف دولة الرئيس مباشرة على التنفيذ، كما فعل الرئيس الشهيد مع مباني الحدث، والتي شهدنا على إنجازها بإعجاب وشكلت حافزا لنا منذ البداية في قضيتنا، حين كنا مسؤولين في الهيئات التنفيذية لرابطة الأساتذة في تسعينيات القرن الماضي، علما أنّنا نتمنى الشفافية والإشراف ايضا على غيرها من المشاريع الطرابلسية لحسن وسرعة ونظافة التنفيذ والتسليم حتى يستعيد المواطن الشمالي الثقة بالدولة ومؤسساتها المنخورة.
يبقى لنا ملاحظة اخيرة سنطرحهاعلى شكل ربط نزاع، وهي تتعلق بالمستقبل التنظيمي للفروع الشمالية والجامعة اللبنانية ككل الى حد كبير، اذ لم يعد ممكنا ولا جائزا ولا عادلا ولا عمليا(وحتى خارج الموضة) ادارة الفروع الجامعية كتابع لإدارة مركزية على قاعدة المحاصصة والزبائنية وتخترقها امراض القطاع العام المتضخمة. والفروع الشمالية عانت الكثير من التهميش، لذا سيكون لزاما علينا لاحقا نقاش المستقبل التنظيمي للفروع عموما والفروع الشمالية خصوصا، بما يتناسب مع تطور العملية الأكاديمية واعتماد المرونة في إدارة الجامعات وبما يتناسب مع اللامركزية الإدارية والإنماء المتوازن.
talalkhawaja8@gmail.com
طرابلس في 17-6-2017