“على الرغم من أن رئيس وزراء الأردن الجديد يبدو مستعداً لمعالجة السخط الشعبي العارم بسبب الفساد المستشري إلا أنه ربما يواجه نفس العوائق البيروقراطية والاقتصادية التي عرقلت الحكومات السابقة.”
في الشهر الماضي أقال عاهل الأردن الملك عبد الله رئيس وزرائه الثاني منذ بداية “الربيع العربي” في أوائل هذا العام. وقد كان قرار إزاحة معروف البخيت جزءاً من استراتيجية الملك لاسترضاء مطالب الشعب الجامحة على نحو متزايد من أجل الإصلاح السياسي وإنهاء الفساد المستشري والبارز. وعلى الرغم من معارضة النخب الحاكمة التي تؤمن بأن الإصلاحات المفاجئة يمكن أن تقلص امتيازاتها التقليدية إلا أنه يبدو بأن الملك عبد الله يدرك أن شرعيته تعتمد الآن في جزء كبير منها على قدرته على الاستجابة للمطالب التي طالما نادى بها الشارع.
وبديل البخيت هو عون الخصاونة — وهو قاض مخضرم شغل سابقاً منصب رئيس الديوان الملكي الأردني ونائب رئيس “محكمة العدل الدولية” في لاهاي وشخصية بارزة في مشروع الملك للإصلاحات الدستورية. إن تعيينه ربما يساعد عمان على تحقيق الاستقرار في المملكة ضد العاصفة السياسية والاجتماعية التي تجتاح المنطقة.
عجز في الثقة
عندما اعتلى الملك عبد الله عرش بلاده في عام 2000 حل الاقتصاد محل السياسة الإقليمية كأولوية أولى للأردن. وعند توليه السلطة بدأ برنامجاً للإصلاحات الاقتصادية الليبرالية، بما في ذلك اتباع نهج الخصخصة وخفض الدعم. لكن المبادرة اقترنت بفساد لافت للأنظار مما أغضب جزءاً كبيراً من السكان. وقد هيمنت فضائح الفساد ذائعة الصيت على الصحافة المحلية على مدى السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك مبيعات خاصة للأراضي الحكومية قام بتدبيرها الديوان الملكي فضلاً عن جهود حكومية غير شرعية لإقامة كازينو للأجانب في المملكة وقرار السماح لخالد شاهين — أحد أباطرة المال كان قد سُجن بتهم الفساد — بالسفر إلى الخارج لتلقي العلاج الطبي حيث عاد فقط بعد أن واجهت الحكومة ضغوط شعبية عارمة.
ومما يعقد الأمور بالنسبة للملك هو الشرق أردنيين — من يُسمون بـ “سكان الضفة الشرقية” الذين كانوا تقليدياً المناصرين الرئيسيين للقصر الملكي — وهم أكثر من عانى من السياسات الاقتصادية الجديدة. كما أن الشخصيات التي تماهت أكثر من غيرها مع تلك السياسات هم الأردنيون من أصل فلسطيني مما فاقم من مخاوف أهل الضفة الشرقية. وليس مفاجئاً أن سكان شرق الأردن يشكلون الآن جوهر حركة الاحتجاج في المملكة. وفي الواقع، ووفقاً للاستطلاعات الأخيرة يشعر هذا الجمهور بالنفور والابتعاد أكثر من ذي قبل عن عملية اتخاذ القرارات في الحكومة.
وفي السنوات الأخيرة نما الاستياء أيضاً بين الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الانطباع السائد عن الفساد المتفشي. إن المشكلة عويصة جداً لدرجة أن العديد من الأردنيين يعتبرون محاربة الفساد أولويتهم القصوى. ومن المفهوم على نطاق واسع أن إصلاح النظام هو شرطاً أساسياً لحكم نظيف.
وخلال عرض أفكاره إلى الغرب ركز الملك عبد الله تقليدياً على مظالم رعاياه الاقتصادية أكثر من الأخرى السياسية. ووفقاً لباسل العكور، الناشر ومدير تحرير بوابة الأخبار الأردنية عالية المصداقية «عمون نيوز» “عززت الدولة هذا النوع من سوء التصور لصرف انتباه المجتمع الدولي عن رغبة الشعب الحقيقية فيما يتعلق بفجوة الثقة بين الدولة والمجتمع.” فعلى سبيل المثال، فبالإضافة إلى انتهاج سياسات اقتصادية غير شعبية حلّ العاهل الاردني البرلمان بين عامي 2001 و 2003 وقلص دوره منذ ذلك الحين، وأجرى انتخابات في عام 2007 كانت قد اعتبرت على نطاق واسع بأنها مزورة. ومع ذلك، ففور بدء “الربيع العربي” لم يعد بإمكان القصر الملكي أن يُبعد الإصلاح السياسي إلى مرتبة ثانية.
وفي ظل هذه الخلفية اختار الملك عبد الله الخصاونة ليكون رئيس وزرائه المقبل بسبب سمعته التي لا تشوبها شائبة ولابتعاده نسبياً عن الأضواء. وليس فقط أن الخصاونة لم يرتبط قط بأي فساد بل إنه معروف كقاضي دولي يدرك أن مهمته هي استعادة الثقة الشعبية في نظام الحكم. وكما قال الملك في خطاب تعيينه الوزير الجديد في 17 تشرين الأول/أكتوبر “الإصلاح السياسي يميز المرحلة الحالية في مسيرة الأردن الحبيبة.”
تغييرات في دائرة المخابرات العامة
ترادفاً مع تغيير الحكومة أعلن الملك عبد الله أيضاً بأن اللواء فيصل الشوبكي سوف يحل محل الفريق محمد الرقاد مديراً للمخابرات العامة، وهي الوكالة التي تعرضت لانتقادات بسبب معارضتها للإصلاح والتصور القائم عن تدخلها في السياسة. وكما كتب الملك في خطابه المفتوح لتعيين الشوبكي “قيادتك في دائرة المخابرات العامة تأتي كجزء من مساعينا لترجمة رؤيتنا الإصلاحية الشاملة. وهذا يتطلب منك أن تدير هذه المؤسسة المجيدة نحو دعم عملية الإصلاح وباستخدام وسائل ومناهج جديدة … مع الاحترام الكامل للأطر المؤسساتية والقانونية وحقوق الإنسان والحريات.” إن المتوقع هو أن تركز الشراكة الجديدة بين الخصاونة والشوبكي على استئصال الفساد المؤسساتي في الأردن.
متطلبات النجاح
ستكون تقوية الأجزاء العاجزة تقليدياً في الحكومة عنصراً رئيسياً في جهود المملكة للإصلاح السياسي. وفي ظل حكم الملك عبد الله انحرف التوازن بصورة أكثر لصالح الديوان الملكي و”دائرة المخابرات العامة” وهما هيئتان تتبعان العاهل الأردني بصورة مباشرة. وقد أدى ذلك إلى جعل الحكومات السابقة عاجزة عن تأدية واجباتها. وقد كان دعاة الإصلاح يضغطون من أجل تعيين حكومة قوية. كما أن معظم الفصائل — بما في ذلك “جبهة العمل الإسلامي” التابعة لـ «الإخوان المسلمين» — قد رحبت بإقالة البخيت وتعيين الخصاونة.
ونظراً للتوقعات العالية ستكون فترة شهر العسل لرئيس الوزراء الجديد قصيرة على الأرجح. وسيكون من الممكن نوعاً ما إجراء تقييم سريع — ربما حالما إعلانه تشكيلته الوزارية — فيما إذا كان الخصاونة عازماً على تثبيت نفسه كمركز قوة مستقل في المملكة أم لا. ووفقاً لرئيس مجلس إدارة صحيفة “الرأي” سمير الحياري فإن نجاح الخصاونة سوف يرتبط بثلاث نقاط: “تشكيل الحكومة وقدرة الحكومة على محاربة الفساد و … حماية حريات وكرامة المواطنين.” وإذا ما فشلت الحكومة في تلبية التوقعات الشعبية في هذه القضايا فإن المحتجين سيصطفون ضدها أيضاً في القريب العاجل.
وثمة هدف آخر للقوة الضاغطة الوليدة المؤيدة للإصلاح ألا وهو قانون الانتخابات. فهو قضية طالما كانت حساسة وتعتمد على التوازن السكاني للمملكة بين أهل الضفة الشرقية والأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية. وفي افتتاحية في صحيفة “العرب اليوم” الأردنية اليومية نُشرت في 20 تشرين الأول/أكتوبر، أشار مسؤول “جبهة العمل الإسلامي” البارز إرحيل الغريبة إلى أن القانون الانتخابي الجديد الذي يهدف إلى ضمان المشاركة الشعبية في الحكم ربما يكون السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية.
وبطبيعة الحال، لا يزال الاقتصاد يشكل تحدياً كبيراً أيضاً. فعلى الرغم من أن المملكة ربما تستلم قريباً ضخاً نقدياً كبيراً من [دول] “مجلس التعاون الخليجي” إلا أن الكثير من الاقتصاديين الأردنيين يركزون على المشاكل البنيوية ويصرون على أن مستشاري الملك والحكومات المتتابعة قد أساءت إدارة الاقتصاد على مدى العقد الماضي. ومن المقلق بشكل خاص العجز الدائم في الميزانية الذي ساهم في الديون التي تتجاوز حالياً 60 بالمائة من “الناتج القومي الإجمالي”. ومع ذلك، فمن ناحية الإدراك ثمة اعتقاد واسع النطاق بأن الأزمة الاقتصادية هي نتاج آخر للقلق العام الأول ألا وهو الفساد.
الخلاصة
إذا كان الأردن يريد أن ينزع فتيل التوتر الداخلي المستمر، عليه أن يجعل الإصلاح السياسي أمراً لا بد منه. ولحسن الحظ يبدو أن الملك عبد الله يدرك أن الوضع السياسي الراهن لا يمكن تحمله. وقد أشرف العاهل الأردني بنفسه بالفعل على عملية الإصلاح الدستوري، والتي وفقاً لـ ” مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية” يراها 74 في المائة من الأردنيين بأنها خطوة إيجابية. وبسبب سمعته النظيفة لدى رئيس الوزراء الجديد فرصة فريدة لمعالجة الفساد المستشري. فقد تعهد الخصاونة بأن تسارع حكومته في معالجة المشكلة “دون تأخير”، جزئياً من خلال العمل على حماية استقلال القضاء. ومع ذلك، يبقى أن نرى كيف سيتغلب على العوائق البيروقراطية والتقليدية التي عرقلت [أعمال] الحكومات السابقة. وإذا ما فشلت الوزارة الجديدة في الوفاء بوعودها هذه المرة، فإن استقرار المملكة نفسه سيتعرض للخطر.
حسن البراري هو أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة الأردن. ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن.