بعد مرور شهرين على الإنتخابات الوطنية، ما زالت عملية تشكيل الحكومة العراقية في قيد الإنتظار. ولم يتم بعد إعلان نتائج التصويت النهائية لأن الخلافات حول إعادة عد الأصوات وعدم أهلية [بعض] المرشحين ما زالت قائمة. كما أنه ليس من الواضح الكيفية التي سيتم فيها تشكيل حكومة أغلبية، وتقاسم السلطة بين أربعة تحالفات أحزاب رئيسية، حصل كل منها على ما بين 16 في المائة و28 في المائة من الأصوات. وهذه التحالفات هي: الكتلة “الكردية” والفصائل التابعة لها؛ [القائمة] “العراقية” ذات الأغلبية السنية أو العلمانية برئاسة رئيس الوزراء السابق من أصل شيعي أياد علاوي؛ “ائتلاف دولة القانون” التي هي قائمة شيعية إلى حد كبير برئاسة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي؛ و”التيار الصدري” الشيعي المنافس لـ “ائتلاف دولة القانون”، [الذي خاض الإنتخابات] ضمن “الإئتلاف الوطني العراقي”، الذي يتضمن “المجلس الأعلى الإسلامي في العراق”.
ونتيجة لهذا المأزق، يبدو أن إيران قد أصبحت وسيطاً سياسياً مهماً، حيث قامت وفود من التحالفات الأربعة المذكورة أعلاه بزيارة طهران في الأسابيع الأخيرة. وغالباً ما يُفترض بأن الكثيرين في المجتمع الشيعي في العراق يقبلون أو حتى يرحبون بالنفوذ السياسي الإيراني في بلادهم نظراً لإنتماءاتهم الطائفية المشتركة مع الجمهورية الإسلامية.
ولكن نتائج استطلاع جديد للرأي تشير إلى أن معظم الشيعة العراقيين يعارضون مثل هذا التدخل.
هدف إيران السياسي الفوري في العراق
يعتقد معظم المراقبين بأن طهران تسعى لتوحيد “ائتلاف دولة القانون” و”الإئتلاف الوطني العراقي” ذو الغالبية الشيعية. وقد ورد أيضاً بأن إيران تعارض أي حكومة يرأسها علاوي. فعلى سبيل المثال، حذرت الصحيفة اليومية “جمهوري إسلامي” التي تصدر في طهران، والمعروفة بأنها تعكس وجهات نظر الحكومة المتشددة، بأنه “إذا أخذ نوري المالكي زمام السلطة للسنتين الأولى والثانية وتولى أياد علاوي [رئاسة الوزراء] في العامين التاليين… فسوف لن تكون هناك شخصية من المعارضة قادرة على ايجاد طريقها داخل البرلمان. [فعلاوي] شخصية علمانية لا يحاول إخفاء معتقداته الإلحادية وهو على استعداد للتعاون مع بقايا النظام البعثي”.
إن التهم والتهم المضادة حول قيام تدخل من هذا القبيل في هذه العملية المحفوفة بالمخاطر تستمر بالإنتشار في وسائل الإعلام العراقية وفي منافذ إخبارية إقليمية أخرى. فعلى سبيل المثال، اتهمت صحيفة يومية عراقية في عنوانها الرئيسي في 1 أيار/مايو، بأن إيران تعد «حزب الله» للقيام بتفجير مواقع مختلفة من أجل ترجيح كفة الميزان السياسي. كما أن صحيفتين عراقيتن تعكسان آراء معارضة ضمن ألوان الطيف السياسي العراقي، نقلتا بيانات من مكتب رجل الدين الشيعي الرائد آية الله علي السيستاني يعارض فيها التدخل الأجنبي في المناورة السياسية التي تجري في بلاده في أعقاب الإنتخابات الأخيرة.
نتائج الإستطلاع: رفض شيعي [للتدخل الإيراني]
لم تكن هناك حتى الآن، معطيات مفصلة وموثوق بها إلى حد بعيد عن وجهات النظر العراقية تجاه المكائد الإيرانية. وقد تم الآن تعبئة هذه الفجوة من خلال نتائج جديدة لاستطلاع قامت به “مؤسسة پيختر لإستطلاعات الرأي في الشرق الأوسط” — وهي شركة بحوث مقرها في مدينة پرينستون في ولاية نيوجرسي الأمريكية — وتم تكليف تلك الدراسة إلى مركز أبحاث عراقي بارز. وقد أجري ذلك الإستطلاع في أواخر آذار/مارس المنصرم وتركز على عينة وطنية ممثلة من 3000 عراقي.
لقد أعربت أكثرية كبيرة من المستطلَعين من بين أفراد العينة الشيعية، عن نظرة سلبية (43 في المائة) بدلاً من إيجابية (18 في المائة) حول “علاقات إيران مع الزعماء السياسيين العراقيين”. وعلى الرغم من أنه ما زالت هناك جيوب في بعض المناطق تدعم طهران بصورة متشددة (على سبيل المثال، في بعض أحياء بغداد الشيعية المتميزة ثقافياً كمدينة الصدر)، فإن شيعة العراق ككل يميلون بشكل واضح ضد التدخل الإيراني في شؤونهم.
إن هذه النتائج مثيرة للإهتمام [من غيرها] لأن أغلبية كبيرة (58 في المائة) من المستطلَعين الشيعة يدركون وجود نفوذ إيراني “كبير” أو “كبير جداً” في تمويل الحملات الإنتخابية خلال الإنتخابات التي جرت في آذار/مارس. كما لاحظت أكثرية المستطلَعين وجود تأثير إيراني كبير على جوانب أخرى من العملية الإنتخابية، بما في ذلك أنشطة الميليشيات، والتوجيه الديني، وروابط مع سياسيين عراقيين معينين. فعلى سبيل المثال، يعتقد 48 في المائة من المستطلَعين بأن إيران لديها تأثير “كبير” على أنشطة الميليشيات، في حين قال 33 في المائة منهم بأنه “صغير”. وعلاوة على ذلك، أعرب 17 في المائة من المستطلَعين فقط عن وجهات نظر إيجابية تجاه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: لكن أكثر من نصفهم (52 في المائة) بقليل كان له رأي سلبي عنه، بينما قال بقية المستطلعين بأنهم محايدين، أو غير متأكدين، أو غير راغبين في الإجابة.
وفيما يتعلق ببعض السياسات الإيرانية الأخرى، كانت الآراء الشيعية العراقية أقل وضوحاً ولكنها لا تزال سلبية نسبياً.
فعلى سبيل المثال، أعرب 38 في المائة من المستطلَعين عن وجهات نظر سلبية تجاه إنكار أحمدي نجاد لوقوع المحرقة مقابل 16 في المائة كانوا قد أعربوا عن آراء إيجابية. كما تلقى “موقفه بشأن برنامج إيران النووي” إجابات سلبية بنسبة 36 في المائة مقابل 31 في المائة في التقييمات الإيجابية. وتلقى “ولاؤه لآية الله خامنئي” إجابات سلبية بلغت نسبتها 29 في المائة مقابل 17 في المائة كانت تقييمات إيجابية (مع اختيار ما يقرب من نصف المستطلَعين عدم الإجابة على هذا السؤال). ولم يعبر أكثر من النصف عن أي رأي حول “موقف أحمدي نجاد تجاه القضايا السياسية الداخلية في إيران”. وقد انقسم المستطلَعون في آرائهم حول “البضائع الإيرانية الرخيصة القادمة إلى العراق” ولكن كانت لهم آراء مؤيدة نسبياً لسياسات إيران تجاه الحج الديني إلى العراق و “حقوق المياه في المناطق المتاخمة للعراق”. وكانت البصرة هي الإستثناء الكبير في هذا المجال، حيث كان هناك انقسام حاد في وجهات النظر المتعلقة بالمياه (ربما بسبب النزاعات المحلية الأخيرة مع إيران حول هذه القضية)، وكانت آراء الولاء التي يكنها أحمدي نجاد لخامنئي سلبية بصورة خاصة (52 في المائة مقابل 11 في المائة).
وجهات نظر السنة أكثر سلبية
لقد وجد الإستطلاع – وهذا منطقي — أن المعارضة العراقية السنية للنفوذ الإيراني كانت أكثر وضوحاً في جميع المجالات تقريباً. فقد أعرب ثلثا المستطلَعين السنة عن كراهيتهم لعلاقات إيران مع القادة السياسيين العراقيين. وقد رفضت أيضاً أغلبيات صلبة من السنة قيام صادرات إيرانية رخيصة إلى العراق، وحتى فيما يتعلق بإنكار أحمدي نجاد للمحرقة. وبالإضافة إلى ذلك، شعر 60 في المائة أو أكثر بأنه كان لإيران أثر كبير أو كبير جداً على كل جانب من جوانب العملية الإنتخابية العراقية التي ذُكرت في الإستطلاع؛ فعلى سبيل المثال، اعتقد 74 في المائة من المستطلعين بأنه كان لإيران دوراً كبيراً في أنشطة الميليشيات خلال عملية الإنتخابات.
بيد، كان للمستطلعين الأكراد، ضمن عموم السكان السنة في العراق، وجهة نظر أكثر دقة حول إيران. فقد كانوا، إلى حد ما، أقل احتمالاً للتعبير عن آراء سلبية من العرب السنة؛ كما كانوا، إلى حد ما، أكثر عرضة للإدعاء باللامبالاة أو بعدم الإلمام — وربما لأنهم، إلى حد ما، كانوا قد اعتبروا أيضاً وجود دور إيراني أقل تأثيراً داخل العراق. وحتى مع ذلك، عارض 67 في المائة من الأكراد علاقات إيران مع السياسيين العراقيين.
مصادر المعارضة الشعبية
أثبتت استراتيجية طهران العامة نجاحاً نسبياً حتى الآن — فمنذ عام 2003، ازداد نفوذها في العراق بشكل كبير وعلى مستويات متعددة. وهناك الكثير من زعماء العراق الحاليين وقادة الأحزاب السياسية الرئيسية الذين تربطهم علاقات وثيقة مع إيران، كما تفيد التقارير بأن هناك العديد من الميليشيات العراقية التي يتم تمويلها وتدريبها من قبل الحكومة الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، قفز حجم التجارة العراقية الإيرانية الرسمية من 4 مليارات دولار عام 2008 إلى 7 مليارات دولار عام 2009.
ومع ذلك، وكما يتضح من نتائج الإستطلاع، يشك الشعب العراقي بنوايا إيران على المدى الطويل. فشيعة العراق هم عرب، وليس فرس، وهم أكثر تعاطفاً مع آيات الله العراقيين من نظائرهم الإيرانيين. ومن المرجح أن تكون هذه المشاعر قد تفاقمت من جراء التصرفات الإيرانية الأخيرة. فعلى سبيل المثال، عبر 11 جندياً إيرانياً وفنياً الحدود إلى محافظة ميسان العراقية في 18 كانون الأول/ديسمبر 2009، واحتلوا بئر نفطية في حقل “فكة” [الحدودي مع إيران]. وعلى الرغم من أن البئر النفطي غير عامل، إلا أنه جزء من حقول ميسان العملاقة التي تحتوي على أكثر من 2 مليار برميل من النفط الإحتياطي.
وفي أعقاب قيام سلطات بغداد بإدانة العملية — بصورة مترددة في البداية — انسحبت القوة الإيرانية، ولكن ليس قبل أن يؤدي الحادث إلى إثارة ردود فعل شعبية غير مسبوقة في العراق. فقد استفاد السياسيون المحليون في جميع أنحاء البلاد من توغل القوة الإيرانية لكي يعبّروا عن شعورهم بالإحباط من تصرفات إيران في العراق. وقد دعا عباس الموسوي — النائب الأول لمحافظ كربلاء والحليف المقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي — إلى إغلاق القنصلية الإيرانية في المدينة إذا لم تنسحب القوة الإيرانية. وقد شهد جنوب العراق ذات الأغلبية الشيعية احتجاجات مماثلة مناهضة لإيران، وحدث الشئ نفسه في المحافظات السنية ذات الأغلبية العربية في الأنبار ونينوى. بالإضافة إلى ذلك، أعلن تجمع العشائر في البصرة عن تشكيل ” كتائب أسد الله الغالب” بهدف “استعادة حقوق العراق المسروقة إذا كانت الحكومة العراقية غير قادرة على القيام بذلك”.
ولم يكن الإستيلاء على بئر النفط سوى واحداً من العديد من التصرفات الإيرانية التي تعتبرها العراق استفزازية. وفي الواقع، قال وزير الخارجية العراقي الحالي المنتهية ولايته، هوشيار زيباري، بأن أكبر الملفات التي تحتفظ بها وزارته هو الملف الذي يركز على إيران. فعلى سبيل المثال، تقوم القوات الإيرانية بين حين وآخر بقصف القرى الكردية داخل العراق تحت ذريعة استهداف المتمردين الأكراد الإيرانيين. كما تقوم إيران أيضاً بالتلاعب في تدفق المياه في نهر قارون في جنوب العراق، مما أدى إلى نقص وانعدام مياه الصرف الصحي، وخاصة في البصرة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2009، طالبت طهران بأن يوقف العراق استخدام المحطة البحرية في ميناء “خور العمية” جنوب البصرة، مدعية بأنها تقع داخل الأراضي البحرية الإيرانية. وأخيراً، لا تزال العراق قلقة من نية إيران المعلنة لبناء عشر منشآت نووية جديدة — ووفقاً لشائعات منتشرة في العراق، قد تشمل هذه المنشآت بناء مواقع بالقرب من الحدود المشتركة بين البلدين.
الخاتمة
تتعارض النتائج التي توصل إليها استطلاع “مؤسسة پيختر” مع الحكمة التقليدية حول التدخل الإيراني في العراق. وتواجه جهود طهران استياءاً شعبياً كبيراً حتى بين الشيعة العراقيين، الذين تم اعتبارهم بصورة خاطئة بأنهم يشاطرون إيران في مصالحها بسبب خلفيتهم الطائفية المشتركة. وبطبيعة الحال، لا يشكل الرأي العام سوى عاملاً واحداً من بين العديد من العوامل في صورة العراق السياسية المضطربة. ولكن في الوقت الذي تستمر فيه المناورات في الأسابيع المقبلة لتشكيل حكومة جديدة، قد تكون فكرة جيدة لو ينظر القادة العراقيون والأمريكيون إلى المعارضة الواسعة بصورة مستغربة التي يبديها الرأي العام العراقي تجاه التدخل الإيراني.
ديفيد بولوك هو زميل أقدم في معهد واشنطن، يركز على الديناميات السياسية لبلدان الشرق الأوسط. أحمد علي هو مساعد باحث في زمالة مارشيا روبنز- ولف في معهد واشنطن، يركز على ديناميات العراق السياسية.