كثيرا ما تردد الحديث في الاوساط الايرانية عن امكانية ان يدخل سكرتير “المجلس الاعلى للامن القومي الايراني” وكبير المفاوضين في الملف النووي، “سعيد جليلي”، سباق الترشيح للانتخابات الرئاسية وتاليا السباق الرئاسي انطلاقا من عدم وجود اية عوائق امام عبوره من مصفاة “مجلس صيانة الدستور”.
هذا الحديث لم يخرج عن اطار التكهنات انطلاقا من كون جليلي مقربا من مرشد النظام الايراني واكتنز تجربة واسعة وكبيرة في العلاقات الدولية والتعامل مع دوائر القرار العالمي بناءً على عمله السابق والطويل في وزارة الخارجية الذي كانت اخر مهماته فيها منصب نائب وزير الخارجية ورئيس دائرة امريكا الشمالية واوروبا، وصولا الى توليه المفاوضات في الملف النووي بديلا عن سلفه “علي لاريجاني”. اضافة الى علاقته الخاصة بمرشد النظام الذي قدم له الدعم الكامل في موقعه التفاوضي في اكثر وادق الملفات الايرانية حساسية.
لكن ان يتجه “جليلي” في اليوم الاخير الى وزارة الداخلية الايرانية ويتقدم بطلب تسجيل اسمه كاحد المرشحين للرئاسة، امر اثار الكثير من التساؤلات وحتى التعجب، وطرح سؤالا جوهريا حول حالة التفتت وعدم الانسجام التي تسود داخل التيار المحافظ بكل اجنحته، حتى بين المحسوبين او المقربين من مرشد النظام.
قد يكون من المبكر جدا الحديث عن مرشح ليكون بديلا عن مرشح آخر لتيار ما، وهنا بالتحديد ان يكون جليلي مرشحا بديلا عن “اسفنديار رحيم مشائي” ليمثل معسكر الرئيس محمود احمدي نجاد، خاصة وان الكواليس السياسية الايرانية تشهد في هذه الايام حديثا متزايدا عن امكانية ان ينضم جليلي الى تحالف (1+2) المحسوب على معسكر او جناح مرشد النظام والذي يضم رئيس بلدية طهران “محمد باقر قاليباف” ووزير الخارجية السابق ومستشار المرشد في السياسات الدولية “علي اكبر ولايتي” ورئيس البرلمان السابق “غلام علي حداد عادل”، ليصبح التحالف (1+1+2)، على ان ينسحب المشاركون في التحالف لصالح الاوفر حظا بينهم بناء على عدة معطيات تحدد هذا الاختيار، منها استطلاعات الرأي والبرنامج الانتخابي ودعم وتأييد اكبر تكتلين في المؤسسة الدينية المؤيدين للتيار المحافظ، أي “جماعة رجال الدين المجاهدين” و”جماعة مدرسي الحوزة العلمية”.
امام هذا التكتل المحسوب بشكل واضح على مرشد النظام، يبدو ان الرئيس احمدي نجاد قرر عدم الرضوخ لمسار تحجيمه وابعاده عن اللعبة السياسية الذي انطلق داخل معسكر المحافظين، وانتهى الى محاصرته وخسارته لكل الاقطاب المؤيدة له تحت ضغط مكتب المرشد والمؤسسات التابعة له، اما ترغيبا واما ترهيبا. وهو المسار الذي بدأ بالتبلور قبل عامين، اي في السنة السادسة من رئاسة احمدي نجاد، والذي اخذ مظهر الموقف السلبي والمتشدد من فريق عمله، ومحاولة استبعادهم من مراكز القرار او التأثير، اما من خلال فتح ملفات قضائية لهم، او توجيه تهم فساد اخلاقي ومالي وحتى عقائدي.
احمدي نجاد كان واضحا منذ البداية في معركته الاساسية على الصعيد الداخلي، اي مواجهة الاجنحة والقوى داخل التيار او المعسكر المحافظ، خاصة انه لم يتكلف عناء او عبء معركة النيل من المعسكر الاصلاحي التي تولتها عنه مؤسسة ولاية الفقيه والمؤسسة العسكرية بجناحها “حرس الثورة الاسلامية”. لذلك فمن غير المستهجن ان يقف ويقول انه “سيكون الطرف الاساس في الدفاع عن ولاية الفقيه امام من يدعون الدفاع عنها والولاء لها بعد ان اتهم بانه يعمل ضد ارادتها”.
ويعتقد احمدي نجاد، ان من حقه التفكير والعمل من اجل الاستمرارية السياسية بعد خروجه من موقع رئاسة الجمهورية، على غرار ما حققه كل من اسلافه الثلاثة، اي خامنئي الذي اصبح وليا للفقيه ومرشدا للنظام ولعب دورا في وصول رفسنجاني الى رئاسة الجمهورية من بعده.
ورفسنجاني الذي جمع في يده اكثر واهم مؤسسات النظام حساسية وتأثيرا الى جانب رعايته لـ”حزب كوادر البناء”، احد اهم التشكلات السياسية في ايران خلال العقدين الماضيين. وكان هذا الحزب، مع رفسنجاني، من اهم الاسباب والمؤثرات التي اسهمت في وصول خاتمي الى الرئاسة على حساب مرشح خامنئي والتيار المحافظ حينها “علي اكبر ناطق نوري”.
وخاتمي الذي تحول الى رمز لتيار واسع فكري وسياسي واجتماعي ينادي بالاصلاحات والحريات والتغيير الديمقراطي, وسبب احراجا للنظام ولاحمدي نجاد عندما دعم ترشيح مير حسين موسوي عام 2009 وما ادى اليه من خلخلة في شرعية رئاسة احمدي نجاد في رئاسته الثانية، وخلق ازمة ثقة بالنظام ومصداقيته. وقد وصل تأثير ازمة الثقة الى احمدي نجاد نفسه الذي ايقن بخسارته، لكن قرارا اتخذ خلف الكواليس ونقل النصر من موسوي اليه.
وعلى الرغم من كل المؤشرات التي تدل على امكانية ان يقوم مجلس صيانة الدستور باخراج مرشح احمدي نجاد الرئيس من السباق الانتخابي، اي رحيم مشائي، فانه من غير المستبعد ان يعمل تيار احمدي نجاد وفريقه على تعويض الخسارة بالتركيز على احد امرين، اما بالجملة او بالتجزئة وهما:
1- الاهتمام بالانتخابات البلدية خاصة انتخابات العاصمة طهران بدوائرها الثلاثة.
2- السعي للحصول على حصة واضحة في احد المرشحين المتبقين في السباق الرئاسي من التيار المحافظ.
وامام امكانية ان يقوم صيانة الدستور بابعاد كل مصادر الخطر على مسار السياسي الذي يعزز سيطرته على مفاصل القرار والسلطات في النظام، فان احمدي نجاد لن يكون محبطا كثيرا في حال خسر مرشحه مشائي، لان العدو اللدود له في تركيبة النظام، اي رفسنجاني سيكون الشخص الثاني مع مشائي، لكن من دون استبعاد امكانية ان يقوم هذا المجلس ايضا بالموافقة على ترشيح الشخصين اما مباشرة او بعد تدخل المرشد استنادا الى ما يسمى في ادبيات ولاية الفقيه بـ”حكم حكومتي” الذي يملك قوة الغاء او تعطيل اي قرار تصدره احدى السلطات في النظام.
من هنا، وبالاعتماد على الخيار الاسوأ، اي استبعاد مشائي، فان احد ابرز المنافسين في السباق، والذي بدأ يتحول الى قطب رئيس من خارج تحالف الثلاثة المقربين من خامنئي (ولايتي، قاليباف، حداد عادل) داخل التيار المحافظ بعد انسحاب عدد من المرشحين البارزين فيه لصالحه، اي سكرتير مجلس الامن القومي وكبير المفاوضين في الملف النووي سعيد جليلي، سيتحول الى نقطة استقطاب داخل معسكر المحافظين بكل تياراته واجنحته.
ارتفاع اسهم جليلي في الايام الاخيرة قبل صدور اللائحة النهائية باسم المؤهلين للسباق الرئاسي، وامكانية خروج مشائي مرشح تيار الرئيس من السباق، قد يدفع هذا التيار الى تبني جليلي كمرشح له في مقابل مرشح المرشد والمؤسسة العسكرية والذي من المرجح ان يكون الجنرال محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران.
عدة اعتبارات تجعل من جليلي خيارا بديلا وورقة سرية لتيار احمدي نجاد او حتى احمدي نجاد نفسه. فالعلاقة التاريخية والفكرية التي تربط بين الرجلين قد تلعب دورا رئيسا في تحديد هذا الخيار واعتماده.
1 – الصداقة بين الرجلين تعود الى بدايات الثورة وهي تشبه الى حد كبير العلاقة التي تربط بين احمدي نجاد ومشائي لكن على نصاب مختلف، طابعه اكثر فكري وعقائدي.
2 – احمدي نجاد اقدم في اواخر شهر يونيو 2006 على عزل “علي لاريجاني” من موقعه في امانة المجلس الاعلى للامن القومي ومهمة التفاوض في الملف النووي، وعيّن “جليلي مكانه” على الرغم من عتب المرشد وعدم معرفته بالقرار مسبقا، ما اجبره تهدئة لاريجاني واعطائه وعدا بالتعويض عنه بايصاله الى رئاسة البرلمان.
3 – “سعيد جليلي” هو الشخص الذي اسهم بشكل كبير في كتابة الرسالة الشهيرة التي وجهها احمدي نجاد الى الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش وتحديد محاورها، وتولى الدفاع عنها امام حملات الانتقاد التي صدرت عن اطراف من التيارين الاصلاحي والمحافظ.
4 – لعب سعيد جليلي دورا واضحا واساسيا في سياسات ادارة احمدي نجاد الدولية خاصة ما يتعلق بالسياسات حيال امريكا واوروبا من خلال توليه لمنصب نائب وزير الخارجية مسؤولا عن دائرة امريكا الشمالية واوروبا الغربية.
5 – تبني ترشيح جليلي لعدم وجود بديل قد يمثل احمدي نجاد في السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة بالحد الادنى.
وامام المخاوف التي تبديها المؤسسة العسكرية من لجوء مؤيدي احمدي نجاد الى الشارع وافتعال اعمال شغب قد تعرقل عملية الانتخابات وتؤثر على سلميتها، قد يبدو غير مستبعد ان يلجأ معسكر المرشد الى لعبة تقسيم الدعم او توزيع الادوار والاوزان بين مرشحه الرئيس من التحالف الثلاثي وبين جليلي الذي لا يفتقر الى تأييده وقبوله، وبالتالي قد يشكل نقطة التقاء بين تيار المرشد وتيار احمدي نجاد تسهم في ارضاء الاخير مرحليا بانتظار الخطوة القادمة بعد النتيجة التي ستخرج بها صناديق الاقتراع.
ونتيجة لتجارب سابقة، فان خامنئي لا يمكن ان يسكت على اي صوت معارض او يسامحه، وهو ان حاول تمرير اي لحظة رهانة، فانه وحاشيته يبدأون التخطيط للتخلص من مصادر القلق والمعارضة من دون رحمة، والتجربة مع رفسنجاني خير دليل على ذلك. من هنا اذا كانت نتيجة الانتخابات لصالح جليلي، فان المرشد وحاشيته ستعمل في المستقبل على ابعاد جليلي عن مؤثرات احمدي نجاد مقابل مستقبله السياسي والاداري، ما يعني استعادة السيناريو نفسه الذي اتبع مع رفسنجاني، لكن هذه المرة مع احمدي نجاد، ليكون في النتيجة خامنئي هو المنتصر بدعم من المؤسسة العسكرية التي بدأت تأكل من موقع ودور المرشد وبدل ان تكون بحاجة له لتكتسب غطاءها الشرعي والقانوني، بات المرشد بحاجة لها لتثبيت موقعه ونفوذه.
fahs.hassan@gmail.com
محلل لبناني – دبي
إقرأ أيضاً:
اخراج مشائي من السباق الرئاسية: الحرس الثوري لا يستبعد أعمال الشغب