مع التخوف الذي أعلنه المسؤولون في الحكومة اللبنانية من ارتباط أحداث نهر البارد بالمخابرات السورية، جاءت المعلومات التي نشرتها جريدة “الرأي” الكويتية في 7 حزيران بناءاً على اعترافات أحد مقاتلي فتح الإسلام عن دور رئيس المخابرات السورية آصف شوكت في تسليح وتوجيه الجماعة لتؤكد أن النظام السوري ضالع بشكل مباشر، سواء في المعركة التي بدأتها فتح الإسلام ضد الجيش اللبناني أو في التفجيرات داخل الأحياء المسيحية في بيروت، أو في التخطيط لتحريك جبهات أخرى داخل المخيمات الفلسطينية لتعميم الاضطراب والاقتتال في عموم لبنان.
لكن الخطر الذي يلوح الآن في سماء لبنان كشفت عنه الحكومة اللبنانية في تقارير أرسلتها إلى الأمم المتحدة عن حشود نفذتها فتح الانتفاضة والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة الأسبوع الماضي في منطقة البقاع وتحديدا في بلدتي قوسايا وحلوى.
وسياسياً، لا يمكن الفصل بين تهديدات الرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته المعلم، القائلين بأن (إقرار المحكمة الدولية لن يساعد على الاستقرار في لبنان) وبين ما يجري على أرض لبنان، لأن الإيحاء بعدم الاستقرار، ومع وجود جماعات لبنانية وفلسطينية كثيرة موالية للنظام السوري وتنسق مع مخابراته، يعني التحريض للقيام بأعمال تستجيب وتؤكد صحة التكهنات التي تنطلق من الأسد ووزير خارجيته عما ينتظر لبنان في حال وافق مجلس الأمن على طلب حكومة السنيورة بتشكيل المحكمة الدولية.
إلا أن تكهنات المسؤولين السوريين، الذين لم يشتهروا بالقدرة على التحليل السياسي العميق بقدر شهرتهم في إطلاق التهديدات، ارتبطت بإرادة وعزم عملي لتنفيذ رؤية النظام السوري لما يجب أن يعاقب به لبنان نتيجة إقرار المحكمة الدولية، التي ستضع أمامها عدداً كبيراً من السوريين كمتهمين بالاغتيالات التي بدأت بالوزير حماده ونجحت مع الحريري ثم طالت أكثر من عشرين ضحية، كلهم كانوا معارضين للوجود السوري!
فلم يكن من الصدفة أن جميع الضحايا معارضون للوجود السوري، مثلما لم يكن من الصدفة أن يدخل مقاتلو فتح الإسلام من سوريا، ويعود إليها الفارون منهم! كذلك لم يكن من الصدفة أن فتح الإسلام هي جزء من “فتح الانتفاضة” المقيمة في سوريا تحت رعاية مخابراتها، وفتح الانتفاضة أسسها النظام السوري لتعارض سياسات عرفات مع بدء خصومته مع دمشق، والآن ترسلها إلى منطقة البقاع لإحراق لبنان.
وفي محاكمة ميلوسوفيتش كما في محاكمة المسؤولين الروانديين، لم يكن أي من المتهمين قد أطلق النار شخصياً على سكان الكوسوفو في يوغسلافية أو أفراد قبائل الهوتو والتوتسي في رواندا، بل كان التحريض بحد ذاته الجريمة التي تلقى عليها ميلوسيفتش والمسؤولون الروانديون الحكم الذي يستحقون، لأن التحريض على القتل له قوة فعل القتل، والقانون لا يغفل ما للتحريض من أثر فاعل. وبالنسبة للمسؤولين السوريين فقد حرضوا عن قصد وبإرادة حرة على تخريب استقرار لبنان إذا أقرت المحكمة الدولية في مجلس الأمن، ولم يستخدموا عبارة أخرى مثل القول بأن: “المحكمة ستكون ضد مصلحة لبنان”
وبما أن المحكمة أقرتْ، وأن استقرار لبنان تعرض عملياً للتخريب بفتح النار على الجيش اللبناني بعد أربعة أيام فقط من إقرار المحكمة ومن قبل مجموعة مسلحة جاءت من سوريا وهددت بحرق لبنان، يصبح من حق الحكومة اللبنانية، بل ومن واجبها إحالة عملية التخريب، بما تبعها من أعمال قتل أخرى للمدنيين وإرسال حشود إلى لبنان، إحالتها جميعها على المحكمة الدولية لتتولي مسؤولية الكشف عن ومقاضاة الذين سلحوا وأرسلوا مقاتلي (فتح الإسلام) مما ألحق بلبنان أضراراً أمنية ومادية وسياسية.
ولا شك أن النظام السوري، المعروف دولياً بضلوعه في الإرهاب، قد غير تكتيكه للمرحلة المقبلة، ولم يعد يكتفي بالاغتيالات الفردية للسياسيين اللبنانيين، بل أضاف إليها إرسال الجماعات المسلحة إلى الأراضي اللبنانية لشن الحرب ضد الجيش اللبناني، تمهيداً لتوسيع الاضطرابات وجر الجماعات المسلحة اللبنانية الموالية لسوريا إلى الاشتراك فيها. وهذه خطة واضحة لإشعال الحرب الأهلية في بلد شحن حزب الله وحركة أمل مجتمعه بالتوتر الطائفي على مدى سنتين. مما يتطلب من مجلس الأمن ليس الاكتفاء بـ “الإعلان عن القلق” مما يهدد لبنان، بل الانتقال إلى اتخاذ إجراءات ميدانية لردع سوريا من مواصلة إرسال الأسلحة والمسلحين إلى الأراضي اللبنانية استناداً إلى تقرير رود لارسن الموفد الخاص بالأمم المتحدة للشرق الأوسط الذي أكد فيه ما أعتبره: “التدفق المنتظم للأسلحة والعناصر المسلحة عبر الحدود مع سوريا” مشيراً إلى أن تهريب السلاح يشكل مخالفة لقرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي ينص على نزع سلاح كل الميليشيات في لبنان.
لقد تلقى النظام السوري إنذارات دولية عديدة من التدخل في لبنان بهدف تخريب استقراره وإسقاط حكومته بقوة السلاح، أبرزها الإنذار الألماني الفرنسي (5-12-2006) ثم تحذير أمريكي في (21-5-2007) وشجب من الجامعة العربية على جرائم “فتح الإسلام” (نفس التاريخ) وبيان صدر عن الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن في 23-5-2007، وهذه المواقف تعبر عن معرفة تامة بدور سوريا التخريبي في لبنان، وهي (المواقف) تدعم أي مساءلة قانونية من قبل المحكمة الدولية للنظام السوري، لأن هذه الدول والجامعة العربية تمثل جهات اعتبارية مسؤولة، تعرف من يقف وراء التخريب وأسبابه، وإلا ما تورطت في مواقف رسمية بهذا الوزن المعنوي والسياسي. خاصة وأن النظام السوري معروف دولياً بأنه يأوي عدد كبير من الجماعات المسلحة سبق له أن هدد بها أو استخدمها لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية.
لقد قامت الدول الغربية (واشنطن ولندن وباريس وبدعم من الدول العربية الكبرى) بعمل ممتاز حيال لبنان عندما أقرت مشروع المحكمة الدولية في مجلس الأمن، ويجب أن لا يصاب هذا العمل بالوهن أو التردد عندما يتعرض لبنان وشعبه لنوايا انتقامية من النظام السوري رداً على قرار المحكمة ذاته!
*كاتب وروائي عراقي يقيم في إنكلترا
arifalwan@yahoo.com