إبراهيم المصري، الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان: المبادرة العربية للسلام، قدمت تنازلات لا مبرر لها.
مصر تمارس حصاراً على غزة وتطالب حماس بالتوقيع على مبادرة المصالحة المصرية بدون نقاش!
القرار 1701 المتعلق بالقوات الدولية في جنوب لبنان صار جزءاً من الماضي.
المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري ورفاقه موضوع لم تتناوله وثيقتنا السياسية الأخيرة لأننا ركزنا عليه سابقاً.
على الدولة اللبنانية أن ترعى تكامل الجيش والمقاومة والشعب.
الخلاف السني – الشيعي، سياسي وليس مذهبي.
بيروت – فاروق عيتاني
عقدت الجماعة الإسلامية في لبنان (إخوان لبنان) مؤتمراً عاماً لها ببيروت ما بين 20-24 حزيران يونيو الماضي. قدمت الجماعة في نهاية المؤتمر وثيقتها السياسية التي تحكم مسارها السياسي خلال السنوات القادمة.
وحددت الوثيقة الرؤية السياسية للجماعة ضمن سبعة عناوين رئيسية.
عناوين الوثيقة السبعة
أولاً: النظام السياسي في لبنان: حيث ترى أن لبنان يتمتع بنظام سياسي ديمقراطي، يتيح ممارسة التعددية السياسية ضمن مساحات واسعة من الحريات، إلا أن هذا التوصيف الإيجابي نسبياً، لا يلغي وجود ثغرات كثيرة تحد من قدرة النظام اللبناني على التطور والتقدم نحو الإصلاح الحقيقي. لذلك لا بد من خطوات سريعة وبالأخص تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وإقرار نظام عصري للانتخابات يعتمد النسبية، وإقرار اللامركزية الإدارية، وحفظ حق المناطق كافة بالإنماء المتوازن.
ثانياً: تطبيق الشريعة: يتألف لبنان من تسع عشرة طائفة معترفاً بها. ومن البديهي أنه لا يمكن أن تفرض أي طائفة على الآخرين نظرتها ونظامها وتشريعاتها. وهذا لا يتعارض مع حقنا في أن ندعو إلى تشريعات وقوانين تتلاءم مع أحكام الشريعة الإسلامية، باعتبار أنها جزء من ديننا من جهة، ولاعتقادنا أنها تحقق أفضل تنظيم للحياة الاجتماعية بين الناس على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم دون تمييز، معتمدين في دعوتنا هذه أسلوب الحوار والإقناع، بعيداً عن الفرض والإكراه.
ثالثاً: العيش المشترك: إن قدر الناس هو العيش المشترك رغم كل أنواع الاختلاف. وإذا كان لنا من خيار في لبنان، فهو أن نضع لهذا العيش المشترك قواعد ثابتة، وهي في نظرنا أربع: الأولى: احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه. والثانية: الأخلاق. والثالثة: العدالة. والرابعة: التعاون
رابعاً: العلاقات في الساحة اللبنانية: تنطلق الجماعة الإسلامية في رؤيتها للعلاقة مع مختلف القوى اللبنانية من قاعدة “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”، أي أننا نبحث عن المساحات المشتركة وليس عن مساحات الخلاف مع شركائنا في الوطن، فنحن نعتبر أن الساحة الداخلية لا يوجد فيها أعداء، إذ العدو الأوحد في تصنيفنا هو الكيان الصهيوني ومن يقف إلى جانبه أو يؤيده، أما ما عدا ذلك فنحن وإياه إما في تحالف أو تعاون أو في خلاف سياسي مرحلي، تحكمه الأعراف الديمقراطية وحرية الرأي.
وهناك حيثيات خاصة تسهم في صياغة علاقتنا ببعض الأطراف، مثل القوى السياسية الذي تجمعنا بها ساحة عمل واحدة على امتداد الأراضي اللبنانية، ما يحتم التكامل معها في إطار تأمين وحدة ساحتنا الإسلامية. وتخوفنا من محاولات زرع الفتنة المذهبية في صفوفنا يحتم علينا السعي لبناء علاقة متينة ومميزة مع أطراف الساحة الشيعية. أما الساحة المسيحية، فنحن نعتبر أننا نجحنا إلى حد كبير في كسر الحواجز التي كانت بيننا، وأن الطريق باتت معبّدة لفتح علاقات حقيقية بيننا وبينها للتعاون في تكريس العيش المشترك.
خامساً: القضية الفلسطينية ودور المقاومة: لا يمكن فصل ما يجري في لبنان عن الصراع مع العدو الصهيوني الذي يشكل أكبر خطر على أمتنا ووطننا. وهذا يلقي على كاهلنا مسؤوليات كبيرة في مواجهة هذا المشروع، والعمل على بناء المجتمع المقاوم بالفكر والممارسة. لذلك نرى أن من الضروري تأكيد دور المقاومة في المعادلة اللبنانية، والنأي بها عن النزاعات والصراعات الداخلية، والوصول إلى صيغة معتمدة للاستراتيجية الدفاعية، تؤكد دور الجيش والشعب والمقاومة في الدفاع عن الوطن.
سادساً: الواقع الفلسطيني في لبنان: نجد أن ملف الوجود الفلسطيني في لبنان وانعكاسه على السياسة الداخلية ينحصر في قضيتين: السلاح والحقوق المدنية للاجئين.
سابعاً: العلاقات العربية والدولية: في هذا الإطار نرى أن الواجب والمصلحة في آن، يفرضان علينا أن نسعى إلى العمل على بناء علاقات متوازنة مع كل الدول العربية، والسعي إلى زيادة اللحمة فيما بينها بدل الانخراط في سياسة المحاور التي تزيد في شرخ الأمة. كما نرى أن من واجبنا الدفع باتجاه تأمين التكامل بين الدول العربية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. ونرى أن يكون هدفنا البعيد هو الوصول إلى وحدة حقيقية تعيد للأمة اعتبارها بين الأمم. هذا وينبغي أن نقرأ بكل تمعن المتغيرات الإقليمية، ولا سيما دخول تركيا، حومة وشعباً كقوة إقليمية أساسية. كذلك بالنسبة إلى العلاقت الدولية التي ينبغي أن لا نغفلها، وخاصة مع الدول التي لم تتورط في دعم الكيان الصهيوني، علنا نستطيع استمالتها وكسب دعمها لنصرة القضايا المحقة لشعوب المنطقة.
تغطية حزب الله
قدمت الوثيقة تغطية مواربة لحزب الله على استخدامه سلاحه ضد سنّة لبنان في أيار 2008. فقد أدرجت الموضوع أصلاً تحت عنوان: “القضية الفلسطينية ودور المقاومة” (البند الخامس)، ولم تدرجه تحت عنوان: “العلاقات في الساحة اللبنانية” (البند الرابع)، مما يعطي هذا شرعية ما لاستخدام حزب الله سلاحه ضد سنّة لبنان باعتباره موضوعاً يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهذا تحوير للواقع. كذلك فقد أظهرت وثيقة الجماعة الإسلامية أن حزب الله مجني عليه في 7 أيار 2008، وهو غير مسؤول عن قيامه بها. لقد جاءت الصياغة كما يلي: “… أُقحمت المقاومة في المعادلة اللبنانية الداخلية، وتحديداً في أحداث 7 أيار من العام 2008″…
إنّ استخدام لفظة أُقحمت يفيد معنى الحشر والضغط، ويرفع المسؤولية تقريباً عن صاحبها باعتباره مضطراً. كذلك فإن بناء الفعل للمجهول، يفيد أنّ الأصل في نائب الفاعل وهو هنا حزب الله، مفعول به مما يعني أن الحزب غير مسؤول عن فعله الاضطراري في 7 أيار 2008!
إنّ الجماعة الإسلامية في لبنان، تجاهلت أنّ حزب الله إتخذ قراره باستخدام السلاح ضد سنّة لبنان، وأنه وضع الخطة وتفاصيل الاقتحام وبواسطة “الحاج رضوان”عماد مغنية، قبل مقتله في دمشق، وقبل سنة من 7 أيار 2008. وهذا منشور ومعلن في الإعلام المحسوب على حزب الله!
إن الجماعة الإسلامية في لبنان، لم تفرق بين توفر النية عند حزب الله باستخدام سلاحه ضد سنّة لبنان مع اقترانها بالعمل استعداداً وبالتحضير والسرية ووضع الخطة والخطط البديلة، وبين إنتظار التوقيت المناسب للتنفيذ.
على الأرجح أن لجنة الصياغة التي صاغت الوثيقة السياسية للجماعة، المسماة “رؤية”، لم تكن ترغب في الإشارة إلى الموضوع من أساسه. وعلى الأرجح الأكيد أنّ إبراهيم المصري الأمين العام للجماعة، هو الذي أصرّ على إدراج الفقرة المذكورة عن 7 أيار 2008.
وقد اكتفيت قبل مباشرة الحوار مع المصري بالمبادرة إلى القول: “ما هذه الفقرة عن 7 أيار التي أدرجت على استحياء”!.
موضوع الحوار
تركز الحوار على ما سكتت عنه الوثيقة: من المحكمة الدولية الخاصة لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ورفاقه. ومن تغيب الوثيقة للقرار الدولي 1701 الذي يمسك بوقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني. ومن تجاهل وثيقة الجماعة الإسلامية للدولة اللبنانية ودورها وسيادتها ووظيفتها، وحصرها ضمن المفهوم الأشد إبهاماً “الدولة العادلة” التي ورد ذكرها في الوثيقة مرتين وفي المرتين مقرونا فقط بهذا الوصف والتي حددت الوثيقة مهمتها بـ: “رعاية” تكامل الجيش والمقاومة والشعب (الاستراتيجية الدفاعية لحزب الله)!
كذلك تناول الحوار موقف الجماعة من المبادرة العربية للسلام، ومن مشروع المصالحة المصرية بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس. ومن الاحتقان المذهبي السني – الشيعي الذي تفجّر بعد سقوط العراق.
وفيما يلي نص الحوار:
س: كيف تقيم ردود الفعل على وثيقتكم السياسية.
جـ: قامت الجماعة الاسلامية منذ تأسيسها على تداول المسؤوليات في الجماعة، فنحن ليس عندنا زعامات تقليدية تتداول السلطة أو تتوارث المسؤوليات. وإنما في نظام الجماعة تجري انتخابات مرة كل ثلاث سنوات، وبعد إجراء الانتخابات وانتخاب القيادات المحلية والمركزية للجماعة، دأبت الجماعة على وضع خطة مرحلية يليها صياغة رؤية سياسية للفترة القادمة، لذلك نحن نعتمد هذه الرؤيا من أجل تحديد مسارنا السياسي خلال مدة الثلاث سنوات القادمة. بعض القوى اللبنانية لم تألف هذا الخط، ومعظم الاحزاب اللبنانية تعتبر إن قياداتها مستمرة بدون توقف على الرغم من إجراء انتخابات شكلية وصورية. وقد جرت انتخابات للمسؤوليات المركزية، فانتخب أمين عام جديد وانتخب مكتب سياسي جديد وهكذا بيّنت المسؤوليات.
لذلك فإن الناس أحياناً لا يألفون عملية رؤية سياسية جديّة، لكننا في المجمل وجدنا ردوداً إيجابية على كل المستويات. بالنسبة للرؤية السياسية، خاصة أنها أوضحت للناس ماذا تريد الجماعة أن تفعل، هناك على الساحة اللبنانية من يغير موقعه السياسية في السنة كلما بدّل ثيابه.
س: هل من ملاحظات أو إستدراكات وصلتكم على هذه الوثيقة؟
جـ: أحياناً تأتي، لكن الى الآن الرؤيا لم يمض عليها سوى أسبوع أو عشرة أيام. ردود الفعل التي اتتنا كلها إيجابية، لكن هذا لا يعني إننا نصم أذاننا على سماع النصحية والتسديد إذا أتى من هنا أو من هناك.
س: هذه الرؤية لم يات فيها ذكر للمحكمة الدولية لاغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، فما السبب؟
جـ: المحكمة الدولية موضوع ركزنا عليه في رؤانا السابقة. أنت تعلم إن المحكمة الدولية هي من أجل محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ومرّ الى الآن سنوات على تشكيل هذه المحكمة والشعب اللبناني ينتظر بروزها وانعقاد جلساتها في هولندا وصدور القرار الظني بجرائم الاغتيال، جريمة اغتيال الحريري والجرائم التي أتت بعدها.
لذلك، كل اللبنانيين الآن في حالة انتظار. لا شك إن أصابع الإتهام توجهت الى جهات معينة، ولكن الآن الأمور تبدو باتجاهات أخرى. هناك ما صدر في “دير شبيغل” الالمانية ووجهت أصابع الاتهام الى جهة معينة، وسواد اللبنانيين كانوا يوجهون أصابع الاتهام الى سوريا، لكن بعد الزيارات المتوالية للرئيس سعد الحريري الى دمشق وتفاهمه مع القيادة السورية، هذا يوحي للبنانيين أنه قد يكون هناك توجهات أخرى للقرار الظني. على أي حال طالما ان اللبنانيين جميعاً في إطار الحكومة والمجلس النيابي وسواد الشعب اللبناني يسلمون بان المحكمة هي التي ستوضح وتحسم موضوع الاغتيال وتضع أصابع الاتهام، فنحن معهم ننتظر قرار المحكمة، لذلك لم نأت على ذكر المحكمة، لأننا لم نر أن هناك جديداً في هذا الموضوع وإنما ننتظر القرار الظني.
س: أكيد أنك قرأت تعليق ابراهيم الأمين في الاخبار وتهديده بسبعة أيار جديد إذا تناول القرار الظني أشخاصاً في حزب الله.
جـ: من حق أي انسان أن يقول ما يشاء ولكن هذا الكلام لا يحتمله أحد، لأن هناك محكمة تحوز على ثقة لبنانية ودولية وليس هناك أي فرصة أخرى لوضع اليد على الذين ارتكبوا الجرائم السياسية في لبنان إلا هذه المحكمة. من برفضون المحكمة قبل صدور قرارها الظني. يستبقون الأمور وكأنهم يقولون إنهم هم المتهمون بما وقع في لبنان أو أنهم لا يريدون أن يصدر القرار الظني طالما أنهم يتهمون هذا القرار بأنه مسّيس سلفاً وقبل أن يصدر. لذلك أنا أرى إن الخيار الوحيد هو انتظار المحكمة وقرار المحكمة وما تجريه المحكمة بعد ذلك، بغض النظر عمّا ما يشاع من كلام يوجه اتهامات الى هذا الفريق أو ذاك.
س: في اليومين الماضيين شهدنا في الجنوب اللبناني توترات وتصريحات ضد اليونيفل مما يشكل مساً بالقرار 1701، لم نر في الوثيقة أي ذكر للقرار 1701، بل على العكس ففي الوثيقة دعوة الى توسيع المقاومة باشراك آخرين فيها.
جـ: الرؤية السياسية للجماعة لم تتحدث عن الماضي، والقرار 1701 أصبح جزءاً من الماضي. والقوات الدولية موجودة منذ سنوات في المناطق الجنوبية اللبنانية، كما إن الجيش اللبناني دخل الى هذه المناطق من أجل أداء دور معين، لذلك نحن لم نؤشر الى الماضي باعتبار إنه جرى بموافقة جميع اللبنانيين بما في ذلك المقاومة المعنية بهذا الموضوع في الجنوب اللبناني.
إذا كانت بعض القوى تعتبر قوات اليونيفل رهينة لديها فهذا شأن لا اظن أن لبنان معني به
اما إذا كان هناك في الساحة اللبنانية من يريد أن يعتمد دوراً جديداً تجاه القوات الدولية، معها او ضدها، فهذا شأن آخر. وأنا أظن إن كبار المسؤولين اللبنانيين تداولوا هذا الامر بدءاً من رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس مجلس الوزراء واجروا مشاورات. بناء على ذلك جرى وقف الانتهاكات التي وقعت في الجنوب والاعتداءات التي تعرضت لها القوات الدولية بانتظار العودة الى الأصل.
هذه القوات الدولية أتت ليس من أجل أن تكون محاصرة في مراكزها، ولكن من أجل أن تتحرك في الجنوب وتضبط الحدود، وأن تضبط أي خلل يقع على الحدود مع العدو الاسرائيلي. وأظن أنها قامت بدور لا بأس به خلال الفترة الماضية عندما كان يقع عدوان ويجري انتهاك الخط الأخضر والأزرق، ولا أرى مبرراً لالغاء دور هذه القوات.
اما إذا كانت هناك بعض القوى اللبنانية التي تريد اعتبار قوات اليونيفل وديعة لديها، أو رهينة، حتى لا تقوم حكوماتها بدور آخر فهذا شأن جديد، لا اظن أن لبنان معني به.
س: بالعودة الى الصراع العربي – الاسرائيلي، هناك مبادرة السلام العربية، ما رأيكم بها؟
جـ: هذه المبادرة اتخذها مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في لبنان عام 2002، نحن نرى أن هذه المبادرة قدمت تنازلات لا مبرّر لها، وقد طرحت هذه المبادرة مرات عديدة لكن العدو الاسرائيلي كان يرفضها ولا يعترف بها. إنّ الدول العربية معنية بسحب هذه المبادرة، لأنها لم تجد قبولاً لدى الفريق الآخر، ولا يليق بمؤتمر قمة عربية أن يطرح مبادرة، وأن تستمر قرابة ثماني سنوات، وأن تبقى مرفوضة، ثم يعلق الملوك والرؤساء عليها أملاً.
نحن نرى أن أمامنا الآن استحقاقات يجب الوقوف عندها. امامنا حصار غزة، يجب كسره، يجب فك الحصار عن غزة، اسرائيل تعتدي على غزة بدون أي مبرر. إسرائيل خرجت من غزة بموجب اتفاق أوسلو، لماذا تريد أن تعود الآن الى غزة؟ لماذا رجعت في سنة 2008 ولماذا تمارس عدوانها اليومي على قطاع غزة هذه الأيام؟
أنا أرى إن الدول العربية معنية بفك الحصار عن غزة، وأن لا تطالب اسرائيل بفك الحصار، لأن جانباً من هذا الحصار تمارسه دولة عربية تقع على حدود غزة.
من حق أهل غزة أن يعيشوا كما يعيش بقية الناس، لا أن يحاصروا وأن تدمر مستشفياتهم ومؤسساتهم، العالم كله شاهد على أن غزة لا تمارس أي عدوان. وهي تنسجم مع القرارات الدولية، ومن حقها أن تعيش حرة كريمة على أرضها المحررة.
س: ما المقصود بالقول إن جانباً من هذا الحصار تمارسه دولة عربية تقع على حدود غزة.
جـ: من الواضح انها مصر.
س: موضوع المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية، مصر تقول إن حماس ترفض التوقيع على المصالحة.
جـ: هناك خلاف فلسطيني. الساحة الفلسطينية أجرت انتخابات نيابية وأخرجت هذه الانتخابات نتائج. وكان على الجميع أن يحترموا نتائج هذه الانتخابات وأن يحترموا خيار الشعب الفلسطيني. ومرت الايام وبدأت الاجهزة الامنية التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة تمارس دوراً مُداناً فوقعت احداث خرجت بعدها هذه الاجهزة الأمنية من غزة، منها من لجأ الى مصر، ومنها من لجأ الى اسرائيل، ومنها من فرّ عبر البحر خارج القطاع، وبقي قطاع غزة تحت سلطة الحكومة الفلسطينية التي يقال انها مُقالة.
صحيح إنها مُقالة، ولكن ليس في غزة إلا هذه الحكومة. كما أن رئاسة السلطة الفلسطينية انتهت ولايتها وتمارس دورها باعتبار انهاء أمر واقع ولكنها لا تمتلك الشرعية الكاملة لأن ولايتها انتهت منذ سنوات.
نحن نعتبر أن المصالحة الفلسطينية أمر واجب يجب على الجميع أن يسعى اليها، لكن المصالحة لا تكون بالقهر وفرض الأمر الواقع على الآخر.
مصر قدمت مشروعاً للمصالحة، حركة حماس لم ترفض هذا المشروع، ولكنها طلبت أن تناقش هذا المشروع، أن تبدي رأيها فيه ، مصر سلمت هذا الملف ليس الى وزارة الخارجية المصرية، لكن الى الأجهزة الأمنية، جهاز المخابرات العامة في مصر! وبالتالي فإن مصر تطالب حماس بالتوقيع على وثيفة المصالحة بدون نقاش، وهذا غير طبيعي. حماس لا ترفض التوقيع، ولكن تطلب أن تتحاور معها. هناك نقاط غير واضحة، تحتاج الى مراجعة، لكنها (حماس) من حيث المبدأ تعتبر أن المصالحة الفلسطينية ترتكز على الوثيقة المصرية التي تحتاج الى بعض التصويب وليس أكثر. ونحن نرى أن هذا حق، فالشعب الفلسطيني في غزة قدم الآف الضحايا في مقابل ألا يجبر على التوقيع على وثيقة قبل أن يناقشها.
س: الخلاف السني- الشيعي او ما يسمى بالاحتقان المذهبي الذي تفجر بعد سقوط العراق، كيف يمكن إحتواؤه او تنفيسه.
جـ: الخلاف السني – الشيعي عمره 1400 سنة، وهو يتحرك في ظل الخلافات في اقطار العالم الاسلامي التي تشهد تعدداً مذهبياً مثل لبنان والعراق وباكستان وحتى ايران فيها تعدد مذهبي.
هذا الخلاف لا يمكن الغاؤه أو انكاره، هو خلاف موجود، في البداية كان سياسياً ثم تحول الى مذهبي في العبادات والتشريعات وكل شيء.
نحن نرى أننا على مستوى لبنان بذلنا جهداً كبيراً بالتنسيق مع القوى الشيعية من أجل تأطير هذا الخلاف حتى يأخذ حجمه اللائق به ولا يفرض نفسه على الحياة اللبنانية.
في لبنان، لا أرى أنه خلاف مذهبي، ولكنه خلاف سياسي. ينبغي أن نكون واضحين: السنة والشيعة لا يختلفون على اثبات الهلال، او ان أحداً منهم يشتم صحابياً وآخر يشتم آل البيت، بل على العكس كل المسلمين في لبنان يحترمون آل البيت والتوجهات الأخيرة للأخوة الشيعة تركز على احترام الصحابة وعدم التعرض لهم من أجل أن يتعايش اللبنانييون من دون الدخول في هذه الإشكالات. لكن أحياناً الخلاف السياسي يتحول الى خلاف مذهبي. ينبغي ان نعترف جميعاً أن هناك خلافاً في لبنان بين من يرى أفضلية أو صوابية المقاومة، وبين من يرى راياً آخر في العلاقة مع الكيان الصهيوني، هذا الخلاف يتحول من خلاف سياسي الى خلاف مذهبي ويتفاعل على الساحة اللبنانية. نحن نرى أن هذا الخلاف ينبغي أن يوضع في إطاره الصحيح، وأن يبقى خلافاً سياسياً وأن يتحاور اللبنانييون في الخلافات الأخرى المذهبية في إطار علمي يمارسه المعنيون بهذا الشان. وقد كان للفقيد السيد محمد حسين فضل الله جهد كبير في هذا الشأن، وكان يؤكد على احترام الصحابة وعدم توجيه أي إساءة اليهم، كما إنه يطالب المسلمين السنة باحترام آل البيت، وهذا طبيعي يعتقده المسلمون السنة ويمارسونه في حياتهم العامة.
نحن نرى أن الواجب يقضي بفتح نوافذ العلاقة، وأن يجري طرح القضايا الخلافية على طاولات حوار وليس في الشارع، لأنها إذا نزلت الى الشارع تحولت الى صدامات أبناء الشارع، وهذا ما يؤذي العلاقة الاسلامية. وأظن إن لبنان قطع شوطاً واسعاً في تأطير الخلاف وفي أن يبقى محاصراً ضمن اطر معينة، حتى لا يتحول الى صراع في الشارع.
س: سؤال أخير وعودة الى الوثيقة التي تستعيد الثلاثية المحفوظة، عن “الجيش والمقاومة والشعب” بينما جرى فيها إسقاط مشروع الدولة بلبنان، حتى إن كلمة دولة لم ترد إلا مرتين في الرؤية وضمن التوصيف الأشد إبهاماً وغموضاً ” الدولة العادلة”، أين مشروع الدولة؟ الدولة الحرة المستقلة ذات السيادة.
جـ: أعود وأقول إن هذه الرؤية تتحدث عن المستقبل، وأن قضية الدولة في لبنان محسومة لدى الجميع. لا أحد في لبنان يجرؤ على أن يقول إنه ضد وجود الدولة وإنه يريد أن يرفض الدولة. حتى الذين يطرحون أولوية المقاومة، يطرحون ذلك إنطلاقاً من دولة. لذلك نحن نرى أن الدولة اللبنانية ينبغي أن تكون منصفة وعادلة وأن تعامل جميع اللبنانيين على قدم المساواة، وهذا لا يلغي أن هناك مطالب لبعض الشرائح الشعبية. بعض الشرائح الشعبية لديها ظلامات، هناك مناطق محرومة، مناطق مغبونة تطالب بالانماء المتوازن وهذا حقها، وهذا ما يعبر عنه نوابها في المجلس النيابي، لكنه لا يلغي دور الدولة التي تخدم جميع اللبنانيين وتجعلهم يسلمون الآن بها ويعتبرونها الضامن الحقيقي لحقوقهم ولعيشهم الكريم في لبنان.
لذلك، نحن طرحنا موضوع الدولة من أجل أن تتكامل، أن ترعى تكامل ” الشعب والجيش والمقاومة” لأن الجميع، كما نرى، يسلمون بدور هذه الدولة ودور الجيش اللبناني في حماية الحدود والدفاع عنها، ودور الشعب اللبناني في دعم الجيش، ودور المقاومة لأنها الاداة التي حققت الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب والتي ترعى عملية دعم الجيش في مواجهة أي عدوان اسرائيلي محتمل على الجنوب اللبناني.
* * *
إبراهيم المصري والجماعة الإسلامية
إبراهيم المصري من مواليد طرابلس – لبنان 1937 ويشغل منذ قرابة السنة منصب الأمين العام للجماعة الإسلامية، وهو بذلك الأمين العام الثالث للجماعة بعد الشيخين فتحي يكن وفيصل مولوي. وقد شكل ثلاثتهم نواة مجموعة طرابلس التي انفصلت سنة 1959 عن “جماعة عباد الرحمن” التي تأسست ببيروت 1951 على يد محمد عمر الداعوق، وكان يتولى نيابة الرئاسة فيها توفيق راشد الحوري صاحب الدور المركزي في إنشاء جامعة بيروت العربية وأمين وقف الإمام الأوزاعي الذي تتبع له كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية.
في شباط فبراير 1964 وفي زمن كمال جنبلاط، وزير الداخلية حينها، جرى الترخيص، لمجموعة طرابلس تحت الاسم الذي اختارته وهو: “الجماعة الإسلامية في لبنان”.
وجاء اختيار هذا الاسم خياراً ثانياً يتماشى مع اسم الجماعة الإسلامية في باكستان- أبو الأعلى المودودي، وبديلاً عن خيارها الأول: “الإخوان المسلمون – فرع لبنان”، الذي عدلت الجماعة عنه لأثاره السلبية عليها بسبب اكتساح المد الناصري حينها في لبنان.
التحق إبراهيم المصري بجماعة عباد الرحمن مع مجموعة طرابلس سنة 1953، واشتغل في حقل التدريس بشمالي لبنان، وأشرف على عدد من النشرات التي أصدرتها عباد الرحمن، منها نشرة “الثائر”، ومجلة “المجتمع”.
وبعد صدور الترخيص الرسمي للجماعة الذي صدر باسم فتحي يكن وباسم المصري مع آخرين. ترأس المصري إصدار وتحرير مجلة “الشهاب” ما بين 1966-1975 التي كانت أبرز وجه إعلامي للجماعة الإسلامية وحركة الأخوان المسلمين في العالم. كما تولى رئاسة تحرير مجلة “الأمان” التي تصدر منذ 1979 إلى اليوم.
شغل المصري منصب عضواً في المكتب الإداري المركزي للجماعة الإسلامية منذ تأسيسها. والمكتب المذكور يمثل سلطة القرار الفعلي للجماعة، وهو بالتالي أكبر أهمية من مجلس الشورى ومن المكتب السياسي. كما شغل المصري منصب رئاسة المكتب السياسي المركزي ومنصب نائب الأمين العام السابق الشيخ فيصل مولوي.
وعلى الرغم من قدوم إبراهيم المصري من الوسط الإعلامي للجماعة، وهو غير معمم، إلا أن شخصيته، راديكالية وبعيدة عن التصوف.
إشكالية الجماعة الإسلامية في لبنان
تعكس إشكالية الجماعة الإسلامية في لبنان، إشكالية كل الحركات الإسلامية والمسيحية فيه. وهي إشكالية الدين والسياسية في مجتمع متنوع.
وتعكس هذه الإشكالية نفسها على نظرة الحركات الدينية إلى الكيان اللبناني: فالإسلامية منها ترى فيه محطة إنتظار لأستئناف المسير نحو وحدة عربية – إسلامية متخيلة. والمسيحية من هذه الحركات، ترى في الكيان اللبناني إطاراً فضفاضاً يؤدي إلى ذوبانها في ديموغرافيا إسلامية تنامى أعدادها في القرن الماضي، بفضل تطور الطب الغربي مع استمرار مفهوم: “تناكحوا تكاثروا أفاخر بكم الأمم يوم القيامة”.
الإمامة عند السنة
لا يعتبر الفكر السنّي، في نصوصه الأصلية (قرآن مع السنّة)، وكذلك في ممارسته التاريخه أن “الإمامة” أي السلطة شعبة من شعب الإيمان أوركنا من اركان الاسلام. فقد خلت كتب الفقه من موضوع السلطة، من رسالة الشافعي إلى قرون عدة بعده. حيث بدأت كتب الفقه تلحق باب الإمامة (السلطة) في آخر كتب الفقه، وجاء ذلك بفعل ضغط ظهور الدول الإمامية من جهة، وضعف السلطة المركزية السنّية منذ نهاية خلافة المتوكل من جهة ثانية.
والمدقق في كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، يلاحظ أن الهاجس الأساسي للمؤلف، كان تقديم حلول، ضمن عصره، لإشكالية فقدان الاستقرار السياسي.
في النهاية إنَّ عدم الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، ومع استسهال اللبنانيين تحويل لبنانهم إلى ساحة مستباحة وصندوق بريد للآخرين من جهة، بالإضافة إلى عدم تبلور فكر يوائم بين المصالح السياسية للوطن وبين هوى الهوية، هو الإشكالية- المشكل و المفتاح، والتي لم تحل بعد!
فاروق عيتاني