يبدو أن تخبطات الرئيس باراك أوباما السياسية لا حدود لها، وأنه لم يعد يأبه بشيء سوى تحقيق أي إنجاز قبل أن يخرج من البيت الأبيض الذي لطخه سوادا بسياساته المتناقضة وتردده وخطواته العرجاء لجهة التعامل مع الملفات الدولية والاقليمية. والامثلة في هذا السياق كثيرة.
فقد سحب قواته من العراق بقرار ارتجالي، ثم عاد ليتدخل فيه عسكريا بحجة مقاتلة الدواعش وانصارهم. وهو الذي زمجر وتعهد بمعاقبة النظام السوري بسبب استخدامه الغازات السامة ضد مواطنيه واصفا ذلك العمل بالخط الأحمر، ثم بلع تعهداته وصمت ومسح خطوطه الحمراء بممحاة رخيصة بعد أن تحايلت عليه موسكو. وهو نفس الرجل الذي قال أن سياسات بلاده الخارجية سوف تستعيض الشرق الأوسط بالشرق الأقصى كمحور للإهتمام والتركيز فإذا به لا يكف عن دس أنفه في شئون منطقتنا عبر التصريحات المستفزة والرهان على الاسلام السياسي. وهو الذي تبنت إدارته جماعة الإخوان المسلمين ومكنتها من السلطة في مصر، رافضة الإعتراف بشرعية الرئيس عبدالفتاح السيسي، بل ومعاقبته بوقف المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر ، ليعود اليوم ويثني عليه ويرفع العقوبات عنه. وهو من تعهد بملاحقة وسحق قيادات ورموز تنظيم القاعدة في اليمن بواسطة طائرات الدرون، فإذا به يوقف تلك العمليات فجأة في لحظة يمنية مصيرية دون مبرر. وهو الذي وضع سقفا زمنيا لنجاح مفاوضات بلاده مع الايرانيين حول ملفهم النووي الغامض، فإذا به يمدد السقف المرة تلو المرة ويستميت من أجل أي شيء يحفظ به ماء وجهه ووجه حلفائه الجدد في طهران.
اليوم يعود اوباما ليواصل رحلة تقلباته. فبينما هو يثني على عملية “عاصفة الحزم”، ويتعهد بدعمها لوجستيا واستخباراتيا، ويكشف عن عزمه على الاجتماع بقادة الخليج في منتجع كامب ديفيد لتطمينهم وتبديد مخاوفهم حيال صفقة لوزان النووية مع إيران، نجده ينتقد مجددا دول الخليج غامزا من قناة غياب الإصلاح الداخلي “الذي يولد السخط والخطر أكثر من أخطار إيران”، على نحو ما ورد في مقابلته الصحفية الأخيرة مع توماس فريدمان.
وهنا فليسمح لنا السيد أوباما أن نفتح هلالين ونضع بينهما سؤالا صريحا ومباشرا هو : وماذا عن إيران يا فخامة الرئيس؟ ونرجو فخامته أيضا أن يسمح لنا بالرد على السؤال خوفا من أن يكون أمريكيون من أصل إيراني قد صوروا له إيران على أنها جمهورية أفلاطون وأن بلادنا العربية وحدها هي بلاد الغاب والناب.
تذكر يا فخامة الرئيس أن إيران هذه شهدت حركة احتجاجات جماهيرية عارمة في عام 2009، فتم سحقها بعنف مفرط على يد الحرس الثوري، وزج بقادتها في السجون المظلمة، وهم لا يزالون فيها دون محاكمة. ورغم هذه الانتهاكات الفاضحة لأبسط حقوق الإنسان التي تنافح عنها منظمات بلادك في أماكن أخرى، فإن فخامتك لم تتحرك ضدها بالشكل الذي عادة ما تقوم به حينما يحدث عشر معشار ذلك في أي قطر عربي.
وتذكر أخبار الإعدامات اليومية التي تنفذها طهران بالرافعات وسط الميادين لشبان وشابات في عمر الزهور بعد محاكمتهم محاكمات ارتجالية سريعة بتهم مفبركة لا سند متين لها. وتذكر معها حقوق الاقليات في الدولة الفارسية التي تـُنتهك في وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد دون أدنى لوم او تقريع من فخامتك.
وتذكر أنّ الشارع الايراني ساخط من تبذير النظام الفقهي الحاكم للثروة الوطنية على الجماعات الراديكالية الثيولوجية شرقا وغربا لإحداث الفوضى والتدمير والقتل في كل مكان، وليس أدل على ذلك من دعمها للجماعات الارهابية الطائفية في سوريا ولبنان واليمن والعراق والبحرين بالمال والسلاح والتدريب، هذا ناهيك عن حقيقة اشتراك الحرس الثوري الايراني ميدانيا في حرب بشار الأسد ضد شعبه الاعزل، وبما تسبب في إبادة أكثر من 300 ألف سوري وتشريد نحو ثلاثة ملايين سوري آخر حتى الآن.
هل غاب عن فخامتك أن ملايين الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر جراء سياسات نظامهم الهوجاء الذي يوجه جل خيرات البلاد نحو تصنيع ادوات الدمار الشامل من أجل هدف فرض هيمنته الاقليمية ليس إلا؟
هل نسيت أنّ هذا النظام الذي تستميت من أجل تأهيله هو الذي انتهك أبسط قواعد الحصانة الدبلوماسية المتعارف عليها يوم أنْ اقتحمت زبانيته سفارة بلدك في طهران وحبست عشرات الدبلوماسيين الامريكيين لمدة 444 يوما؟
هل نسيت أنّ عملاء هذا النظام من قيادات حزب الله اللبناني كانوا وراء خطف طائرة الخطوط الجوية العالمية (تي. دبليو. إيه) إلى بيروت وقتل أحد رجال بحريتك (الغطاس روبرت ستيثيم) وإلقاء جثته على مدرج المطار، مثلما كانو وراء تفجير مقر مشاة بحريتك في مطار بيروت في عام 1983 ، الأمر الذي أدى إلى مقتل 241 من جنودك؟
هل نسيت أن بعضا ممن كانوا وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضد بلدك لم يجدوا من يحتضنهم ويوفر لهم العش الدافيء والحماية والرعاية سوى نظام الملالي في طهران الذي تراهن عليه كحليف جديد؟
أبهذه السهولة تنسى دماء جنودك أيها القائد الأعلى للجيوش الأمريكية؟، وترفع اسم طهران وذراعها الارهابي في لبنان من قائمة الدول والجماعات الراعية للإرهاب، بينما توجه سهامك الطائشة نحو حكوماتنا المسالمة الملتزمة بقواعد واعراف المجتمع الدولي والعاملة ليلا ونهارا من أجل غد افضل لشعوبها؟
إن زعيما بكل هذه الأخطاء الفادحة التي لم تجلب سوى المزيد من الحروب والعذابات والمآسي ليس أهلا لجائزة مثل جائزة نوبل للسلام التي منحتْ له دون ادنى مسوغ، الأمر الذي يتطلب القيام بحملة عالمية جماهيرية عبر مختلف وسائل الاتصالات والنشر للضغط من أجل نزع الجائزة من “فخامته”.
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
Elmadani@batelco.com.bh