لماذا صدر هذا “النداء” اليوم؟ لأن “القرار الظنّي” للمحكمة الدولية سيصدر بحلول 12 كانون الأول/ديسمبر، مما يعني أن لبنان بات على أبواب “الفتنة” التي يهدّد بها الحزب الإيراني منذ أسابيع. “النداء” يستبق ما سيقوم بها الحزب الإيراني بعد جلسة مجلس الوزراء في الأسبوع المقبل التي يُفتَرَض أن ترفض ضغوط سوريا وحزب الله للتبرّؤ من “المحكمة الدولية”. ما هو مخطّط الحزب الإيراني، ودمشق من ورائه؟ المعلومات تتحدّث عن قطع طرقات وأعمال شغب إبتداءً من منتصف الأسبوع القادم. الحزب الإيراني يريد أن يفرض على اللبنانيين أن يتخلّوا عن دماء شهدائهم، وإلا..!
“النداء” يدعو رئيس الجمهورية إلى “تنفيذ أحكام الدستور والعمل على وضع حدٍّ لازدواجية السلاح وحصر مسؤولية الدفاع عن لبنان بالقوى الشرعية مدعومةً من الشعب اللبناني”.
*
إدراكاً منا للخطر الذي يتهدد أمن المنطقة واستقرارها والوجود المسيحي فيها، جراء رفض اسرائيل إقامة سلام عادل وشامل على أساس قرارات الشرعية الدولية، وجراء تنامي التطرف الديني الذي كان من آخر ضحاياه عشرات المصلين في كنيسة بغداد ، وهو الخطر الذي دفع قداسة البابا بنيدكتس السادس عشر الى عقد “السينودوس من أجل كنائس الشرق الأوسط”،
واقتناعاً منا بأن الأزمة الوطنية الحادة التي تعاني منها البلاد لم تعد محصورة بخلافات من طبيعة سياسية بل تعدّتها لتطال جوهر الخيارات الوطنية التي قام عليها لبنان، بعد أن أعلنت قوى محلية وإقليمية عزمها على سلخ لبنان عن محيطه العربي وعن المجتمع الدولي، ودفعه بالإكراه نحو خيارات مناقضة لتاريخه وعقده الوطني، متجاوزةً مؤسساته الدستورية وإرادة الأكثرية اللبنانية التي عبّرت عنها نتائج الانتخابات النيابية في الدورتين الأخيرتين،
وشعوراً منا بخطورة وضع اللبنانيين أمام معادلة ظالمة ومستحيلة – التنكّر للعدالة حفاظاً على السلم الأهلي، أو التضحية بالسلم الأهلي من أجل العدالة – ودعوتهم تحت تهديد السلاح الى العمل على إلغاء المحكمة الدولية،
وادراكاً منا بأن الجمهورية هي اليوم في خطر نتيجةَ الابتعاد عن فكرة الدولة ورفض الاحتكام لمؤسساتها وتقييدها بشروط فئوية أدت الى شلّ عملها،
نعلن، نحن المجتمعين هنا، أن لبنان، كياناً ونظاماً ديموقراطياً ومجالاً مفتوحاً على العالم، هو اليوم بخطر شديد. وهو خطر يطال كل اللبنانيين، المسيحيين منهم الذين يخشون، وعن جق، أن يصيبهم ما أصاب إخوانهم في العالم العربي جراء سقوط الدولة في بلدانهم وسيطرة التطرف الديني، والمسلمين منهم الذين يخشون، وعن حق، أن تنتقل الفتنة التي اشتعل فتيلُها في بعض العالم العربي الى الداخل اللبناني.
وعليه، ندعو اللبنانيين، جميع اللبنانيين، المؤمنين بوطنهم النهائي لجميع أبنائه الى يقظةٍ وطنية في مستوى التحدي المصيري دفاعاً عن لبنان،
لبنان الحرية والتنوع في مواجهة المشاريع الشمولية،
لبنان السيد المستقل في مواجهة مشاريع الاستتباع،
لبنان العدالة في مواجهة القمع والاستبداد،
لبنان الصيغة الفريدة للعيش المشترك في مواجهة الفتن الطائفية والمذهبية،
لبنان الدولة الواحدة في مواجهة مشاريع الدويلات،
لبنان النموذج في محيطه العربي في مواجهة المشاريع الهادفة الى تحويله رأس حربة ضد العالم العربي،
لبنان القوي القادر بوحدة شعبه وجيشه ودعم اشقائه العرب ومساندة الشرعية الدولية على مواجهة أطماع اسرائيل.
ندعو وندعم رئيس الجمهورية، بوصفه رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، الى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم من خلال تنفيذ أحكام الدستور والعمل على وضع حدٍّ لازدواجية السلاح وحصر مسؤولية الدفاع عن لبنان بالقوى الشرعية مدعومةً من الشعب اللبناني وتثبيت حقُّ اللبنانيين في وطنٍ لا يكون ساحةً دائمة للحرب من أجل مصالح خارجية أو حزبية، وطنٍ تحتكر فيه الدولةُ القوةَ المسلحة، من دون شريك، وحيث سيادتُها مبسوطةٌ على جميع أراضيها والمقيمين. كذلك ندعوه الى مطالبة الدول العربية بتحمل مسؤولياتها في حماية لبنان من الهجمة التي يتعرض لها والتي من شأنها أن تضرب استقرار المنطقة العربية بأسرها، ومطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ تعهداته حيال لبنان، لا سيما القرارين 1701 و1757.
وندعو شركاءنا في الوطن الى العمل معاً لانقاذ لبنان من الأخطار التي تتهدده. “فنحن – والكلام لبطاركة الشرق الكاثوليك – مسيحيين ومسلمين، مسؤولون بعضنا عن بعض أمام الله والتاريخ” . “فخلاص لبنان، كما جاء في المجمع البطريركي الماروني، يكون لكلّ لبنان أو لا يكون، ويقوم بكلّ لبنان أو لا يقوم، ذلك أنّه ليس من حلّ لمجموعة دون أخرى، ولا لمجموعة على حساب أخرى”. فمن هذا المنطلق، علينا أن نعمل معاً على تجاوز الحساسيات الطائفية والمذهبية التي انبعثت على نحو لم تشهده البلاد من قبل، وحماية أنفسنا من تكرار التجارب المأساوية التي عشناها على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وذلك من خلال عودتنا جميعاً الى الدولة وبشروط الدولة، لا بشروط طائفة أو حزب.
وندعو أخيراً المسيحيين الى استعادة الدور الذي لعبوه منذ عصر النهضة وصولاً إلى معركة الاستقلال التي انطلقت في العام 2000 مع نداء المطارنة الموارنة الشهير، والانضواء تحت الثوابت الوطنية للكنيسة، وتحمل مسؤولياتهم التاريخية في الدفاع عن لبنان الكيان.
إن الظرف خطير والتاريخ لا يرحم، فمستقبل لبنان هو اليوم أمانةٌ في عهدة كل واحد منا.