“مات الملك، عاش الملك” هو هتاف من المؤكد سماعه — بصيغته العربية — في المملكة العربية السعودية قبل أمد ليس بالبعيد. وفي آخر فصل من ملحمة بيت آل سعود، عاد الملك عبد الله المُسن والعليل إلى المملكة في 23 شباط/ فبراير بعد غياب دام ثلاثة أشهر، شمل إجراء عمليتين في ظهره في مدينة نيويورك، وقضائه شهراً من النقاهة في قصره بالمغرب.
لكن هذه العودة لم تكن ظافرة تماماً. فعند وصوله إلى المغرب، أُنزل الملك إلى أرض المطار على كرسي متحرك حُمل من طائرته في عربة رافعة خاصة بالمسافرين المقعدين مصممة وفقاً لنموذج شاحنة حمل المواد الغذائية. وقد تم استخدام جهاز مماثل غريب الشكل لدى عودته إلى قصره في الرياض. ومن الواضح أن هذا الملك المسن هو في مراحل حياته الأخيرة.
ومع ذلك، كان الخبر الحقيقي في عودة الملك هو العطايا التي أغدقها على شعبه. فقد انتهز الملك فرصة وصوله للإعلان عن هبات مالية للشعب السعودي تبلغ قيمتها مبلغاً مذهلاً قدره 36 مليار دولار، وتشمل وفقاً لصحيفة الـ “فينانشيال تايمز” 15 بالمائة زيادة في الرواتب لموظفي الدولة، وإرجاء تنفيذ الحكم بالمُدينين المسجونين، ومنح مساعدات مالية للطلاب والعاطلين. ويُضاف ذلك إلى النفقات المخطط لها في الميزانية السعودية لتحسين التعليم والبنية التحتية والرعاية الصحية، التي تصل قيمتها إلى 400 مليار دولار حتى نهاية عام 2014.
إن هذه الهبات السخية من الملك عبد الله تبدو مشابهة كثيراً لدواء وقائي يضمن عدم إصابة السعودية بعدوى المرض الثوري الذي ينتشر من تونس ومصر عبر أنحاء العالم العربي. لكن هناك القليل من المحللين الجادين لشؤون السعودية الذين يعتقدون أن النظام السياسي في المملكة يمكن أن ينتهي بشكل مثير بحيث يكون مشابهاً لتطور الأحداث التي وقعت في شمال أفريقيا.
إن إرسال رسالة أو رسالتين من على موقع “تويتر” للتدوين المصغر من قبل إمرأة سعودية شابة تعلمت في الخارج تعبيراً عن سخطها من انعدام حقوقها لن يؤدي إلى انبثاق “ربيع الرياض”. ومن المستبعد أن يأتي الكثير من حملة من على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تدعو إلى القيام بيوم من الاحتجاجات في 11 آذار/مارس، أو أن طلباً على الإنترنت وقع عليه أكثر من 100 أكاديمي وناشط سعودي يطالبون فيه بنظام ملكي دستوري سوف يكسب زخماً. فالمملكة، في رأي الكثيرين، مكاناً محافظاً للغاية، يدرك الناس فيه مكانتهم وينفذون ما يطلبه منهم آباؤهم. وإذا كانت هناك هواية وطنية، فهي إما قيادة السيارات بصورة خطرة أو الاستسلام للكسل.
لكن يبدو أنه حتى المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تنجو من تيارات الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي. وربما تكون العائلة المالكة السعودية، من خلال سوء إدارتها للبنية التحتية العامة في المملكة، قد جلبت بعض ذلك على نفسها. فقد كان الشتاء الحالي من أكثر مواسم السعودية مطراً مما تسبب في حدوث فيضانات كارثية في مدينة جدة الساحلية. وخلال ليلة عاصفة واحدة هطلت خلال ساعات قليلة أمطار يمكن أن تهطل في ثلاثة اشهر. وقد مات على الأقل عشرة أشخاص، وهناك أكثر من هذا العدد هم في عداد المفقودين. وقد حدث أن وقعت إحدى هذه العواصف في كانون الثاني/يناير أثناء وصول رئيس تونس السابق الهارب زين العابدين بن علي مع حاشيته.
إن نظام الصرف الصحي غير موجود أساساً في جدة، وغير كاف في أحسن الأحوال. وتتدفق مياه الصرف في العديد من المنازل، من الحمامات إلى خزانات تحت الأرض يتم نضحها كل بضعة أيام بأساطيل من صهاريج النضح. واعتادت الصهاريج أن تتجه نحو التلال الواقعة شرقي المدينة وتفرغ حمولاتها فيما تدعى بشكل خادع، “بحيرة المِسك”. واستمر ذلك حتى عام 2009، عندما أثارت الأمطار الغزيرة القلق من احتمال انهيار السد الواقع عند الحافة الغربية للبحيرة — ما أثار المخاوف من أن موجة من المخلفات البشرية سوف تكتسح أسفل التلال لعدة أميال لتصل إلى المدينة الواقعة تحتها، فيكون ذلك مضرب الأمثال. ومنذ عام 2009، تم تجفيف “بحيرة المسك” بصورة جزئية، وأقيمت محطات لمعالجة [المياه العادمة في مناطق] يؤمل أنها بعيدة على مسافة آمنة داخل الصحراء.
ومع ذلك، ثارت مخاوف هذا الشتاء من أنه حتى “بحيرة المسك” التي غُيرت بنيتها وحُسِّنت سوف تشكل مجدداً تهديداً على المدينة بسبب المخلفات البشرية، مما أدى إلى قيام مواطني جدة باحتجاجات صاخبة. وقد قام الأمير خالد الفيصل — حاكم المنطقة الذي يعتبر مرشحاً جيداً لتولي العرش في وقت ما في المستقبل — بزيارة المناطق التي اجتاحتها الفيضانات وتعاطف مع المتضررين. كما أن وزير الداخلية الأمير نايف استقل مروحية في رحلة طافت فوق المناطق التي غمرتها الفيضانات، محدقاً من خلال النوافذ نحو الدمار في الأسفل، بصورة مشابهة للطريقة التي اتبعها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في أعقاب إعصار كاترينا [الذي ضرب مدينة نيو أورليانز بولاية لويزيانا عام 2005].
وباعتبار السعودية أكبر مُصدر للنفط في العالم، تحصل المملكة على مبالغ ضخمة، ولكن بسبب عدد سكانها الكبير نسبياً فإن حصة الفرد من “الناتج المحلي الإجمالي” هو أقل بكثير من مثيله في الدول المجاورة مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة. بل وحتى هذه الثروة يساء توزيعها، وما يزال هناك الكثيرون في جدة الذي يواجهون مصاعب حقيقية.
وربما كان الدافع وراء سخاء الملك عبد الله نحو الشعب السعودي هو الرغبة في تخفيف الصعوبات التي يواجهها فقراء المملكة، وفي الوقت نفسه تعزيز سمعة بيت آل سعود خلال ما يُنذر بأن يكون فترة انتقالية صعبة. وسيكون الأمراء بحاجة إلى الدعم خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ويجري خلال الأشهر القليلة الماضية عرض مسرحية غريبة من على شاشات التلفزيون، مصورة جيداً في مبنى مجلس الوزراء، تتمثل بقيام ولي العهد الأمير سلطان — الخليفة المعيّن للملك عبد الله — بترأس اجتماعات مجلس الوزراء، بالإضافة إلى استقباله الزوار الأجانب والوجهاء السعوديين. ومع ذلك، يُقال إن سلطان يعاني من مرض فقد الذاكرة، وتتناقل الروايات أنه ليس باستطاعته حتى تمييز وزراء الحكومة الذين يعرفهم منذ سنوات. وكانت برقية نشرها موقع “ويكيليكس” قد وصفت سلطان بأنه “عاجز من جميع النواحي العملية”.
ويبدو أن أن إبقاء سلطان في المشهد العام هو خداع محكم نفذه أخوته الأشقاء الأصغر منه سناً أو أبناؤه كجزء من مؤامرة داخل القصر لضمان أن يصبح سلطان ملكاً بعد وفاة عبد الله. ومن شأن ذلك أن يسمح له باختيار ولي العهد المقبل — الذي هو إما أحد أخوته الأشقاء أو أحد أبنائه. وبعد أن عمل سلطان وأقرباؤه المقربون لعقود من الزمن على تقويض مكانة الملك عبد الله، حاول العاهل السعودي إفشال هذه المناورة من خلال تشكيله ما يُسمى بـ “مجلس البيعة” المكون من أكثر من 30 من إخوته غير الأشقاء أو كبار أبنائهم، لاختيار ولي العهد المستقبلي. إن هذا لن يمنع سلطان من أن يصبح ملكاً، لكنه سيوسع مجال اختيار ولي العهد خارج دائرة أقرب المقربين إلى سلطان.
ومع ذلك، يمكن أن يقوم سلطان ببساطة بإبطال “مجلس البيعة” حالما يصبح ملكاً أو أن يحدث ذلك من قبل أولئك الذين يحركون خيوط دُميته. ولذا فإن وسيلة التعطيل الأخرى لدى عبد الله هي ببساطة أن لا يموت في أي وقت قريب. وإذا لقي سلطان ربه قبل وفاة الملك عبد الله — ستختفي المشكلة الرئيسية على الرغم من أنه ستُخلق مشكلة جديدة، حيث سيظل لِزاماً على عبد الله و”مجلس البيعة” الأوسع أن يتفوقا في المناورة على الأخوة الأشقاء للأمير سلطان الذين هم على قيد الحياة، والذين سيستمرون في تشكيل أكبر كتلة تصويتية موحدة في تلك المؤسسة.
هذه، على الأقل، هي لعبة الشطرنج التي يتم لعبها حالياً داخل أسرة آل سعود حول مسألة وراثة الحكم. وأما إذا كان الشعب السعودي سيقبل بذلك بهدوء — نظراً لرياح التغيير التي تهب حالياً على بقية العالم العربي — فهذه مسألة أخرى مختلفة كلية.
سايمون هندرسون زميل بيكر، ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
ثورة المِسك السعودية
ال سعود رمز العوائل الدكتاتوريه المتخلفه
ثورة المِسك السعودية
لم ارى اغبى من هذه الأسرة الحاكمة فعوضا عن ان تكون رمزا محبوبا ومقبولا بترك الشعب يحكم نفسه ويتحكم في مستقبله ويراقب موارده اصبحت تعجل بسقوطها من خلال المزيد بالاستفراد بالحكم والثروة والتنافس بين اجنحتها واقصاء الاخرين.
الثروة والسلطة اعمت ابصارهم وبصائرهم عن مايمكن ان يحدث بضجيج عالي ينسف الايجابي القليل الذي حدث.
يا اسرة ضحكت من جهلها بقية الاسر.