ثمة استحمار واستغباء لم يعودا يحتملان. التيار الوطني الحر وحركة امل في الشارع. عندما يصل الامر بهذين الحزبين الحليفين برعاية حزب الله الى النزول الى الشارع، فهو قمة العبث والافلاس السياسيين، اذ من هي السلطة من هي الحكومة من هي الاكثرية المقررة في مجلس الوزراء؟ هل هي غير هذا التحالف الذي وصل الى السلطة حاملا وعود الاصلاح والتغيير؟
ما يجري تدمير للدولة واعلان الافلاس السياسي وسعي محموم للاستيلاء على السلطة والمجتمع والمؤسسات ولو بتهشيمها بقوة البطش والترهيب، ومصادرة حق الانسان بإنسانيته فضلا عن مواطنيته. ثمة تناغم على استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لترويع الناس واستثارة غرائزها. ورابط اساس في ما يجري في الشارع عبر الحكومة، هو تهشيم الدولة وتهميشها في حياة المجتمع والاعلاء من الانتماءات العصبية والمذهبية والدينية لاضفاء الشرعية على الفوضى، ولتبرير الانزواء وإقامة كيانات طفيلية في الامن والسياسة والادارة على حساب الدولة، ويتم عبر ذلك كله تعميم الخوف وتسخيره للاعلاء من فضيلة الطاعة والتخلي عن المسؤولية الوطنية، وتبرير ادعاءات التميّز داخل المجتمع، وتقبل الخلل في بنيان الدولة، لتهميش اي رأي يدعو إلى إصلاح احوال الانظمة ومسارها، او التواضع امام الذات والمجتمع، او دعوة لبناء الثقة مع المواطنين، وترميم ثقة المواطن بنفسه وبالسلطة.
كلّ ذلك من أجل أن يزدهر مسار تأبيد الخلل وتزيينه، لإظهار الدولة الديمقراطية، كمنجز انساني وحضاري، خيارا مستحيلا عصيا على فهم الناس وعلى سلوك اللبنانيين افرادا وجماعات.
هي ظاهرة “التشبيح لبنانيا”، هي ليست سلوكا ماديا اداته السلاح او المال او القوة العضلية فحسب، هي نتاج ذهنية ومنظومة من القيم لا تولي الانظمة والقوانين العامة اي احترام، ولا ترى للكائن الانساني اي حقوق ولا تعترف بكيانه الذي يكتسب احترامه اولوية تأتت من احترام الخالق الذي كرمه عن بقية المخلوقات بالعقل، وتأتت من شرعة حقوق الانسان دنيويا. والذهنية هذه تعتبر ان امتلاك القوة المادية يبرر استخدامها التعسفي على من هو اقل قوة. كتائب الرؤساء والوزراء والتيارات هي تلك التي صارت من التجليات التي ترمز الى الاستباحة، حتى للقوانين ولهيبته. انها تعبير عن فلتان غرائز السلطة من اي عقال. و”التشبيح” ذهنية تتكشف ابعادها في ممارسة العمل السياسي، بكل ابعاده الامنية والاجتماعية والاقتصادية وصولا الى تهشيم القضاء والجيش. فهي تحيا على موت القانون وعلى تسفيه الحقوق الانسانية وعلى القوة الغاشمة.
بهذا المعنى تتجلى السياسة، ولاسيما على مستوى السلطة في لبنان، من خلال إدارة شؤون الدولة بهذا السلوك المقوض للدولة، كما هي احوال معظم مؤسساتنا الدستورية والقانونية، وما ينضح به واقع اكثر مؤسساتنا الامنية والعسكرية، وما هو ادهى التشبيح على السلطة القضائية وفيها، لتبدو وسيلة بيد السلطة يجري تقاسم احكامها بين اركان السلطة لصالح خدمة نفوذهم.
“التشبيح” ليس ظاهرة استجدت في زمن الربيع العربي، هي من الاسلحة الكتومة التي افتضحها هذا الربيع، بعدما جلجل صوتها بأرواح الناس وكراماتهم دون وجل. وفي لبنان الذي ينحو منذ زمن نحو اعتماد الذهنية ذاتها في التعامل مع مصالح الدولة، نشهد في عهد الحكومة الحالية المزيد من تحفيز ظواهر الشبيحة بالمعنى السياسي والميداني، هذا رغم تولّي “الشبيحة” السلطة وإمساكهم بالاجهزة الامنية وغيرها على اختلافها.
وتستمر ظاهرة “التشبيح” اللبناني على اختلاف عاهاته، من خطف المؤسسات والشوارع إلى الخوّات في بعض المناطق “على أسوأ” مما كانت عليه الحال في أيام الحروب الأهلية، وصولا إلى عودة الحديث عن الاغتيالات، وهو أعلى مراحل التشبيح.
التشبيح الذي وصل إلى الشاشات وبات استعراضيا على مرأى سلاح الكاميرا والإعلام، يسعى إلى اعلان موت الدولة واليأس منها. في شوارع لبنان، ثمة من يسعى بوعي وادراك، الى تعميم هذا اليأس من الدولة، وابطاله اولئك الذين يريدون اقناعنا بأنه يحق لهم وهم يمسكون بالسلطة ومؤسساتها ان يتقاتلوا في الشارع، يريدون ان يقولوا باختصار ان الافلاس السياسي الذي وصلوا اليه هو افلاس الدولة ليس اكثر.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد