‏لا «ميري» ولا «بابو» ولا «حسنين».

0

عندما قدمت إلى الكويت وأنا طفلة كان والداي «معارين» من وزارة التربية السورية لوزارة التربية الكويتية لتعليم الطلاب الكويتيين. أي ان الكويت كانت بحاجة إلى مدرسين ومدرسات، فطلبت من سوريا إعارتها عدداً منهم ليساهموا في دفع عجلة التعليم في الكويت. هذه حال معظم الوافدين في الكويت، خصوصاً أولئك الذين قدموا بالخمسينات والستينات، هم وفدوا من سوريا، فلسطين، مصر، الهند، باكستان وغيرها، لأن الكويت كانت بحاجة إليهم، فجعلوا الكويت وطناً، استقروا بها أفادوا واستفادوا.

اليوم، يقف الآلاف من البشر من كل الجنسيات والأديان في شوارع ومطارات أميركا يدافعون عن حق اللاجئين المسلمين ضد قرارات ترامب العنصرية وهم يصرخون «دعوهم يدخلون»، بينما نطالب نحن بإخراج الوافدين من الكويت، وفي أحسن الأحوال «تعجيزهم» إلى أن يرحلوا من تلقاء أنفسهم.
نعم، هناك مشكلة في التركيبة السكانية، ونعم ليس من العدل والإنصاف أن يكون الكويتيون أقلية في بلدهم، فنسبة المواطنين لا تتعدى %30 من السكان، ونسبتهم في سوق العمل لا تتعدى %15 من مجموع العمالة، ولكن هذا ليس خطأ الوافدين، فهم لم يهطلوا علينا من السماء، إذ لا وجود لوافد قرر أن يأتي إلى الكويت فاستقل الطائرة وأتى ثم قرر أن يعيش هنا. كل الوافدين في الكويت أتوا عبر كفلاء كويتيين، فالوافد الموجود في الكويت، (سواء طبيباً أو عامل تنظيف)، موجود بناء على طلب كويتي، وفيزا كويتية، وسماح حكومي كويتي.
أما عن العمالة السائبة والفائضة، فلا نريد أن نعيد ونزيد في أسباب وجودها، فلقد انبرى الكثير من المتخصصين في شرح هذه المعضلة، وطالبوا بفضح المسؤولين عنها. ولكن قبل أن نقرر أن نتخلص من الوافدين ونطردهم شر طردة، علينا أن نجهز أنفسنا والمجتمع لهذه الخطوة.
بداية، علينا أن نقلل عدد «الخدم»، فنتعلم تنظيف بيوتنا وحدائقنا وشوارعنا، والأهم نتعلم كيف نطبخ «بيتياً»، لأنه حتى إن أردنا طلب وجباتنا من المطاعم، فلن تتوافر، كون كل عمال المطاعم من الوافدين. ثم على الأمهات أن يتعلمن الاعتناء بأبنائهن من دون مساعدة، فلا «ميري» لتطعم الولد ولا «سونيتا» لتحممه ولا «بابو» ليوصله إلى المدرسة.
أما عن الخباز والسمكري والنجار والحداد والبنّاء وعمال الشوارع وعمال المصانع والصيدلي والممرض والمدرس والطبيب، فهؤلاء أكثرهم من الوافدين. وعليه، يجب أن نتعلم مهنهم ونمارسها. وإلى أن نجهز أنفسنا للعيش باستقلالية وعدم الاعتماد على الوافد، وإلى أن نتعلم على الأقل أن نرفع علب الفشار والمشروبات بعد الانتهاء من مشاهدة فيلم في السينما لنرميها في حاوية القمامة بأنفسنا، فلنتذكر أن من درّسونا وافدون، من طببونا وافدون، من عمروا بيوتنا وافدون، من خبزوا خبزنا وافدون، وأن الشارع الذي نطالب الوافد بدفع ضريبة للسير عليه، (هو) الذي عبّده وزفّته.
نعم، هناك مشكلة.. ولكن المشكلة لا تحل بخطاب فوقي متنمر وتهديد ووعيد. المشكلة لا تحل بقطع أرزاق الناس وتحميلهم فوق ما يتحملون. قليل من الإنسانية والتخطيط المتزن نجني منه الكثير.
d.moufti@gmail.com
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.