من تفليسة بن لادن وسعودي أوجيه إلى إخضاع هيئة البيعة: بن سلمان ولياً للعهد، وملكاً مقبلاً

0

منذ استلام والده مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية خرج الامير محمد بن سلمان الى دائرة الضوء، بعد أن كان يعيش في ظل والده الامير السابق، والملك الحالي، وبدأ العمل بـ”طريقة المحدلة“، ليفتح الطريق امامه لتولي مقاليد الحكم خلفا لوالده، الطاعن في السن، في “تجاوز” يحصل للمرة الاولى، منذ تأسيس المملكة العربية السعودية، حيث يتوارث الحكم أبناءُ الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، من دون وجود آلية واضحة لانتقال المُلك للجيل الثاني، من ابناء الملك المؤسس، الذين أصبحوا شيوخا طاعنين في السن.

لقطة مؤثرة: محمد بن سلمان، راكعاً، يتلقى “البيعة” من إبن عمّه محمد بن نايف!

آلية إنتقال الحكم من الجيل الأول الى الثاني تنبَّهَ لها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، فأنشأ ما يعرف بـ”هيئة البيعة”، المؤلفة من أمراء من العائلة المالكة والحاكمة. وعملا بقانون الشريعة الاسلامية “إجعلوا أمركم شورى في ما بينكم”، تلتئم الهيئة المؤلفة من 43 أميرا وممثلا لجب وفخذ من العائلة العائلة الملكية، وتقرر، باغلبية او اجماع، من سيكون وليا للعهد، عند وفاة ملك.

هيئة البيعة أخفقت ولم تمارس مهامها التي رسمها لها الملك الراحل عبدالله!

فهي اختارت الامير مقرن بن عبد العزيز وليا لولي العهد، في سابقة هي الاولى ايضا، بعد ان كان الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز وليا للعهد، واراد الملك عبدالله إستباق أي طاريء صحي، يصيب ولي عهده قبل او بعد توليه الحكم فيؤمن استمرارية الحكم من خلال “ولي ولي العهد”! وكان ان توفي الملك عبدالله، فتولى شقيقه سلمان مقاليد الحكم، ما أوجب ترفيع ولي الولي، الامير مقرن، الى مرتبة ولي العهد. وهذا يعني ايضا، أن الامير مقرن كان سيصبح ملكا من ابناء الملك المؤسس، في حال شغور منصب الملك. إلا أنه حصل ما لم يكن في الحسبان، حيث طلب الامير مقرن إعفاءه من منصبه، بعد أيام من تولي الملك سلمان مقاليد الحكم.

وسرت شائعات حينها ان الامير مقرن يعاني من حالة صحية تحول دون قيامه بواجباته كولي للعهد، إلا أن ما يعاني منه الامير صحيا بدا وكأنه أقل مما يعاني منه الملك سلمان!

وهنا ايضا لجأ الملك سلمان الى تعيين الامير محمد بن نايف الرجل القوي في المملكة، وليا للعهد، وعين نجله الامير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، في سابقة هي الاولى ايضا، حيث تم تعيين ولي العهد ووليه من الجيل الثاني، لابناء الملك المؤسس، بعد إزاحة الامير مقرن.

ومنذ توليه منصبه وليا لولي العهد ووزيرا للدفاع، سعى الامير محمد بن سلمان الى إستباق شغور مصب الملك ليتولى بنفسه الملك، مع انه صغير السن، من مواليد العام 1985، وسيتجاوز بالضرورة منصب الرجل القوي ولي العهد، الامير محمد بن نايف. وتحقق له الامر يوم امس، بعد أن أُعفي ولي العهد من منصبه، وتم تعيين الامير محمد بن سلمان وليا لعهد.

بداية مساعي الامير محمد بن سلمان، كانت في إظهار صورته الرؤيوية والحداثوية من خلال ما سمي “خطة 2030″، وابرز عناوينها إطلاق ورشة تنموية في المملكة الهرمة، تعتمد على عنصر الشباب وتقلل اعتمادها على النفط كمورد رئيسي للاقتصاد السعودي، و”سعودة” اليد العاملة في المملكة، والتخلي تدريجيا عن الاقتصاد الريعي القائم على تقديم مكرمات ملكية للمواطنين من حين لآخر.

تزامنا، نجح الامير محمد بن سلمان في إقصاء وإضعاف مواقع القوى في العائلة المالكة!

فأبعدَ ابناء اعمامه، أي أبناء الملك عبدالله وأبناء الملك فهد، وفي مقدمهم الامير “متعب بن عبدالله بن عبد العزيز” الذي شغل منصب قائد الحرس الوطني، الموازي للوحدات الخاصة في الجيوش. وبدأ يسترضي جب “السديريين” الذين عادوا للمرة الثانية الى الحكم بتسلم والده الملك، علما ان عمه الملك الراحل فهد بن عبد العزيز هو اول ملك من جب السديريين نسبة الى والدتهم الاميرة حصة بنت احمد السديري، في حين ان الملك عبدالله الراحل كان من جب “الشُمَّريين”، نسبة الى والدتهم فهدة بنت العاصي بنت شريم الشمري.

الأمير متعب بن عبدالله في باريس (حيث اشترى فندق “كريون” الفخم)، كان يحلم بالمُلك أيضا

ويعتبر السديريون انفسهم الأَولى بتولي مقاليد الحكم  من بين سبعين شقيق وشقيقة هم ابناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، من اربع وعشرين زيجة للملك المؤسس، وذلك لان والدتهم هي الوحيدة من فئة “الاميرات”، في حين ان الزوجات الاخريات من “العامة” او من بنات شيوخ قبائل صاهرها الملك الراحل لتعزيز مكانته ونفوذه في مرحلة التأسيس.

وبعد إقصاء وإضعاف مواقع القوى، من سائر الافخاذ والاجباب وتعزيز مواقع “السُديريين”، شن الامير محمد بن سلمان حرب اليمن، حيث استفاق السعوديون على دخول بلادهم حربا لحماية الحدود ووقف تدخل ايران في شؤون جيرانهم وحديقتهم الخلفية في اليمن بعد البحرين، ونجح في تسويق حربه التي لم تصل الى نتيجة  حاسمة بعد، سوى أنها حظيت بدعم عربي شعبي واسع!

الأمير مقرن بن عبد العزيز، “ولي عهد” مؤقت

مخصّصات الأمراء:  راتب شهري فقط!

وفي سياق سعيه الى تعزيز نفوذه لاستدراج “هيئة البيعة” الى الموافقة على تجاوزه منصب ولي الولي لتولي الحكم خلفا لوالده، أصدر الديوان الملكي السعودي، الذي يتولى مفاتيحه الامير محمد بن سلمان، امرا ملكيا بتخفيض مخصصات ومنافع امراء العائلة الحاكمة، وحصرها بمخصصات الامراء الشهرية من دون اي منافع أخرى.

فضرب، بذلك، نسق حياة الامراء الباذخ والذي يغرف من موازة الدولة من دون حساب، ما تسبب في تحجيم جيش الامراء وفرض التقشف عليهم الى حد الزامهم بدفع فواتير هواتفهم! وأتبع الامر الملكي اوامر أخرى تحد من منافع المواطنين السعوديين في القطاع العام، وإلغاء المكرمات الملكية بحجة ان البلاد تعيش اقتصاد حرب، ويجب التقشف، والحد من النفقات. كما الزم الموظفين السعوديين بدوامات عمل فعلية وليست وهمية. واعتمد التقويم الميلادي بدلا من الهجري لاحتساب دوامات العمل للموظفين ما زاد في دوامات عملهم 4 ايام سنويا.

هذه التدابير التي اقرها الامير محمد بن سلمان كانت تصدر باوامر ملكية، يوقعها والده الملك، ويشرف بنفسه على تنفيذها، من دون ان يكون لاحد اي قدرة على الاعتراض لانها اوامر ملكية لا رد لها ولا نقاش.

تصفية”شركة بن لادن العملاقة للمقاولات”

وفي إطار عمله الدؤوب الى إزالة مواقع النفوذ من طريقه، استغل بن سلمان حصول حادث عمل في “شركة بن لادن العملاقة للمقاولات”، وعمل على حل الشركة في خلال اربع وعشرين ساعة، وخفض تصنيفها ثم صفّاها بالكامل، والغى وجودها وهي شركة تضم قرابة 60 الف عامل من جنسيات مختلفة. وكانت الحجة المخفية ان شركة بن لادن تمول الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح في اليمن.

وبعد بن لادن جاء الدور على شركة “سعودي اوجيه” التي يملكها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، ويشاركه في ملكيتها ابناء الملك الراحل فهد بن عبد العزيز وفي مقدمهم نجله عبد العزيز بن فهد. فنجح بن سلمان في إفلاس الشركة، وتصفيتها وحددت الشركة نهاية شهر تموز المقبل كآخر يوم للعمل لتدبر شؤونهم، ما أدى الى إفقاد عبد العزيز بن فهد مصدرا رئيسيا للدخل وموردا ماليا رئيسيا آخذاً في طريقه رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.

  وفي الخفاء سعى بن سلمان الى تهميش دور غريمه والرجل القوي الذي اضعفه الى حد إخراجه من الحكم، ولي العهد محمد بن نايف، فكانت صورة المملكة الخارجية والداخلية لبن سلمان، وفرض ما يشبه التعتيم على بن نايف وصولا الى إقصائه.

“هيئة البيعة” رفضت.. ثم وافقت!

وبعد ان استتب له الامر نجح في إقناع “هيئة البيعة” بالتصويت له (بغالبية 31 صوتا!!) لتوليه منصب ولي العهد  بعد ان كانت الهيئة رفضت هذا الامر سابقا وتمنت عليه ان يكون وليا للعهد بعد ان يتولى الولي الاول محمد بن نايف الملك لدى شغوره! وقيلَ له “انك صغير في السن، ويجب ان تكتسب الخبرات في ظل ملك اكبر سنا منك، لذلك انتظر ولا تستعجل تولي الملك!  الامر الذي دفعه الى فرض شروط تقشف على الامراء جميعا ومن ضمنهم امراء هيئة البيعة، الذين اقتنعوا بضرورة تولي بن سلمان منصب ولي العهد وإعفاء بن نايف، بعد ان ارجع لهم بعضا من امتيازاتهم. وكذا بالنسبة الى الموظفين في القطاع العام، مع الفارق ان موظفي القطاع العام أعاد لهم الامتيازات مع مفعول رجعي يبدا من تاريخ سحب المنافع والامتيازات منهم!

معلومات تشير الى ان بن سلمان أحسن إختيار توقيت ما يشبه “الانقلاب”، في الايام الاخيرة لشهر رمضان المبارك، حيث يحتفل السعوديوين بعيد الفطر، الذي يوليه السعوديون اهتماما خاصا، وتمتد عطلتهم الى أكثر من عشرة ايام، يغادر معظمهم المملكة خلالها للاحتفال بالعيد.

وتضيف ان بن سلمان سيتولى مقاليد الحكم في اقرب فرصة ممكنة، ربما قبل نهاية عطلة عيد الفطر، بعد ان يعتزل والده الملك، بسبب ظروف تحول دون ممارسته مهامه الملكية في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة والعالم، وبذلك يستطيع الملك المعتزل حماية ابنه الملك الشاب، ليستتب له الحكم.

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.